samedi 30 octobre 2010

صفحة البحث




Loading


vendredi 16 juillet 2010

إبراهيم عيسى يكتب: مرحلة خروج أم انطلاق

78

تعديلات أو تغييرات وزارية، وحكومة جديدة برئيس جديد، ثم تغييره وتجديده.. كلها أمور طبيعي جدا أن تحدث بعد ثورة بحجم وبقوة ثورة 25 يناير، لا أحد يتصور أن التغييرات عدم استقرار، فهي في حقيقة الأمر تأتي بعد فترة جمود جليدية عشنا عليها مع مبارك، ومن ثم أي تغيير طبيعي بعد مبارك يصبح غير طبيعي مقارنة بما قبله، كذلك الثورة حين تنظر للواقع من أجل تغييره جذريا وتحويل اتجاهاته تجد عقبات وتتعثر في مشكلات، وإذا لم تكن قدرتنا على التصرف سريعة ويقظة لانغرسنا في المشكلات بدلا من أن نخرج منها، فيلزم إذن التغييرات ولا بأس إطلاقا في الإطاحة بوزير بعد مدة قصيرة من توليه أو إقالة رئيس وزراء بعد أشهر من جلوسه في منصبه، لأن ما يمكن أن نصبر عليه من بطء أو فشل في الأيام العادية لا نتحمل مثقال حبة من خردل منه في أيام الثورة ومراحل الانتقال والنشوء والتطور!

لسنا بالقطع أول من يمر بهذه اللحظات، كما أنها ليست المرة الأولى التي نمر بها، جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو تولى وزارة الداخلية، ثم بعدها صار رئيس الوزراء ثم رئيسا، علي ماهر تولى رئاسة الحكومة ثم ذهب لرئاسة لجنة الخمسين التي كانت تعد دستورا جديدا للبلاد.

الدستور نفسه راح وجاء وتغيرت النظرة له من الحفاظ عليه وحمايته إلى إلغائه وتغييره، إلى لجنة لوضع دستور جديد إلى تغيير الجديد نفسه.

من خلال البلاغ رقم واحد الذي أذاعه البكباشي أنور السادات -باسم اللواء نجيب- وقال فيه «إن الجيش قد أصبح كله اليوم يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردا من أي غاية».

(بالمناسبة أنا أستند في هذه المعلومات للكتاب الرائع «دستور في صندوق القمامة» للكاتب الكبير صلاح عيسى).

وفي اليوم التالي، أصدر القائد العام للقوات المسلحة بلاغا قال فيه «إن هدف الحركة هو رفع لواء الدستور».

وقال بلاغ اليوم الثالث (25 يوليو 1952) إن الحركة تقوم على مبدأ أساسي هو «التطهير واحترام الدستور والمحافظة على الحريات العامة».

وفي اليوم الرابع (26 يوليو 1952) وجه اللواء محمد نجيب إنذارا إلى الملك فاروق، يطلب فيه أن يتنازل عن العرش، واستند الإنذار إلى أسباب كان من بينها «عبث الملك بالدستور وامتهانه إرادة الشعب».

لكن يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 1952، وبعد خمسة أشهر فقط أذاع اللواء محمد نجيب بيانا قصيرا، أعلن فيه -باسم الشعب- سقوط دستور 1923، ذلك الذي أقسم ووعد بالحفاظ عليه!

وفي 13 يناير 1953 صدر -بناء على طلب رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب- مرسوم ملكي بتأليف لجنة لـ«وضع مشروع دستور جديد يتفق مع أهداف الثورة».

وفي 10 فبراير 1953 صدر دستور فترة الانتقال..

وفي 21 فبراير 1953 افتتح اللواء محمد نجيب اجتماع لجنة الدستور الجديد، وقال إن دستور 1923 لم يعد أساسا صالحا للحياة الجديدة، وأن «وجوده القانوني منعدم أو ينبغي أن ينعدم».

هل هذا ارتباك؟

جمال عبد الناصر في ما بعد وصف تلك الشهور بمرحلة التجربة والخطأ، لكننا الآن في يوليو 2011 نقف أمام السؤال الحقيقي في التعامل مع ثورة يناير: هل نريدها مرحلة خروج أم مرحلة انطلاق؟

أداء المجلس العسكري، ومن ورائه حكومة شرف بضعفها الطيب وطيبتها الضعيفة، ينحاز لتحويلها إلى مرحلة خروج مما سبق من قواعد حكم مبارك، ولكن ببطء وبهدوء غير ثوري وغير جذري وغير متعجل، والتأهل والتأهب لفترة انتقالية ممتدة، بينما أداء قوى ثورة يناير من المجموعات التي دعت للثورة ونظمت مظاهرها الأولى يريدها مرحلة انطلاق لا تكتفي بالخروج البطيء المتمهل، بل تسريع الإيقاع ووضع القواعد الجديدة وقطع الصلة مع النظام السابق بمحاكمته ومعاقبته وضرب كل مفاصله السياسية والحكومية وبناء فوري لأسس الدولة المدنية التي يتمنون أن يصحو الوطن من النوم فيجدها أمامه

mercredi 7 juillet 2010

إبراهيم عيسى يكتب: الرئيس يقرأ قصص الأنبياء

77

فرق هائل الآن بين الشعب ورئيسه السابق.

يا سبحان الله! كل منهما ذهب عكس الآخر تماما.

نقيضان جدا ومتناقضان كلية في سلوكيهما، شعب يندفع نحو الحياة بكل ما لديه من عطش وشوق وعشم وغشم، ورئيس تزوى رغبته في الحياة ولا يريد أن يكمل أيامه فيها.

شعب قلق على حياته، ورئيس قلق من حياته.

شعب يريد فجأة كل شيء، ورئيس لم يعد يريد شيئا إطلاقا، كأنه مكتوب على الدول الديكتاتورية أن رئيسها كي يحيا يميت الشعب!

ومكتوب على كل ثورة كي تنتصر وتزهو أن ينكسر الديكتاتور ويذبل.

الناس مهتمة جدا وتتحدث في السياسة وفي الدنيا وما فيها، وتتشكل آراؤها وتتشاكل، ويتكلمون في قرارات البلد ومستقبله ويفتون ويهرتلون ويعكون وينطقون دررا، وتدخل حياتهم اليومية بكل قوة تتردد وتتداول مصطلحات الليبرالية والعلمانية والمدنية والسلفية والإسلام السياسي وكلمات العصيان المدني والمظاهرات، والوثيقة الحاكمة للدستور والقائمة النسبية، وتمارس شجاعتها وعدوانيتها على المجلس العسكري ومجلس الوزراء، ويطول لسانها على الكبير والصغير وعلى المثقفين والمفكرين والسياسيين وتتنطط على مرشحي الرئاسة وتتشرط على مرشحي البرلمان ولا يعجبها العجب!

بينما رئيسها السابق يعبر عمره الثالثة والثمانين وهو في غرفة عدة أمتار مهدد بقرحة الفراش، حيث لا يمشي ولا يريد أن يخرج متمشيا في ممر جناح العناية المركزة، حيث يخشى أن تصوره كاميرات المستشفى في هذه الحالة من الضعف والهشاشة، فيرفعون الكاميرات فيأبى الخروج أيضا، لا ينظر من النافذة ولا يجلس في الشرفة، ويلتقي ثلاثة أفراد في الأسبوع من غير أطبائه.

الرئيس الذي كان لا يتوقف عن الطيران تقريبا كل أسبوع أو شهر لا يريد أن ينزل من فوق السرير!

الشعب يتحرك ويغلي من الحركة، بل يهاجم بعضه بعضا على كثرة المظاهرات والاحتجاجات، كما يقرأ الصحف ويقبل على مشاهدة المناظرات ويشارك في الندوات والمؤتمرات، ودخل مئات الآلاف منهم أحزابا تولد وانطلق عشرات الآلاف من معتقلي ومساجين الرئيس السابق، يريدون أن يشتركوا في الحياة السياسية ويؤسسون أحزابا ويرفعون أصواتهم فوق صوت الخوف الأمني.

والرئيس الآن لا يتكلم في السياسة ولا يتحدث عن البلد، ويرفض أن تدخل له صحيفة أو مجلة حكومية أو خاصة، مصرية أو عربية أو أجنبية، لا يقرأ حرفا في صحافة ولا يطلع على شيء من السياسة الجارية، كما أنه رفض تركيب تليفزيون في غرفته، فلا يشاهد لا برنامجا ولا فيلما ولا يتابع نشرة ولا خبرا، ولا يعرف ماذا يجري في العالم من مجريات الأحداث!

الشعب يشق طريقه نحو المستقبل بكل حماس وتلعثم وتعثر.

والرئيس السابق يخط طريقه نحو نهاية يريدها ويتمناها، كأن حياة الشعب مرهونة بغياب الديكتاتور.

كثيرا جدا ما فكرت في مصر بعد غرق فرعون موسى ووجدت نفسي أمام حقيقة، أرجو أن يهزها أحد، مؤداها أن فرعون غرق وهو يطارد موسى وقومه، ومات الفرعون وغاب عن الدنيا، لكن هل آمن أهل مصر بموسى وإلهه؟ أبدا.. هل قال المصريون إن غرق الظالم الطاغية الكافر درس لا بد أن نتعلم منه ويتعلم منه حاكمنا القادم؟ أبدا.

جاء فرعون آخر وعاش معه وتحته الشعب المصري نفسه، وكأن موسى بعصاه لم يعبر، وكأن نبي الله لم يشق بحرا ولم يعبر نهرا وحاز نصرا!

هذه الأيام قطاع «صاحي ونبيه» من المصريين يقاومون أن يعودوا كما كانوا في عصر الرئيس السابق والأسبق، لكن بعضهم بدا له أن الاستقرار الذي هو جمود مضاد للحيوية ومساو لها في القوة هو غاية مناه ومنتهاه، فيدافع عن إبقاء الوضع على ما هو عليه ويعند ويعنت في تغيير حقيقي وجذري، ومن ثم يقف بشراسة اليأس أمام الباحثين والباعثين للأمل!

الرئيس السابق حسني مبارك في سريره بضغط دم مئة وثلاثين على ثمانين، وبنبض خمسين نبضة في الدقيقة يسمع تلاوة القرآن الكريم من مسجل في الغرفة يتلو بصوت مسموع رغم خفوته، والرئيس الذي يكاد يكون لم يقرأ كتابا واحدا في حياته، إذا به منذ أيام يقرأ كتابا وحيدا بجواره على الكومودينو وهو «قصص الأنبياء» للحافظ ابن كثير!

لعله وصل في القراءة إلى الفصل الذي يحكي قصة موسى والفرعون.

الفرعون غرق، وموسى رحل وظل المصريون مصرين على مصريتهم جدا!

lundi 8 mars 2010

علاء الأسواني : قف وأنت تكلم رئيس الوزراء

8
ما إن تخرجت فى الجامعة حتى عملت لمدة عام فى وظيفة طبيب مقيم فى قسم جراحة الفم بكلية طب الأسنان جامعة القاهرة. كانت تلك أسوأ أيام حياتى. كان الفساد ينخر كالسوس فى قسم الجراحة: المحاباة والمجاملات تعطى أبناء الأثرياء والكبار ما ليس من حقهم، نتائج الامتحانات يتم العبث بها علنا، انحرافات مالية وإدارية بلا حصر، تقصير فى الأداء الطبى يصل إلى حد الجريمة، معاملة سيئة ومهينة للمرضى الذين اضطرهم الفقر إلى العلاج المجانى. على أن أكثر ما عانيت منه المعاملة السيئة التى يلقاها الأطباء من رؤسائهم، الغطرسة والقمع والإهانة تعتبر من الحقوق الأصيلة لكل أستاذ فى القسم يمارسها على من هم أقل منه. كانت دورة القمع تنتقل بانتظام من الكبير إلى الصغير. رئيس القسم يهين الأستاذ الذى يهين بدوره الأستاذ المساعد الذى يهين المدرس الذى يهين المعيدين الذين يهينون الممرضات وأطباء الامتياز. كان أحد الأساتذة يشرف على رسالة الماجستير لأحد المعيدين وكان يسميه علنا بـ«الحمار». ما إن يدخل الأستاذ من باب القسم حتى يصيح فى الموجودين:
ــ الحمار فين؟.. عاوز أشوفه

عندئذ يتقدم المعيد وعلى وجهه ابتسامة ذليلة ويقول: أنا هنا يا فندم.
أذكر أننى عاتبت هذا المعيد لتفريطه فى كرامته، فقال لى:
ــ الأستاذ يعتبر مثل أبى.
ـــ أبوك المفروض يحترمك ولا يهينك أمام الناس بهذه الطريقة.
عندئذ تنهد المعيد، وقال:
ــ أيهما أفضل.. أن يحترمنى الأستاذ وأرسب فى الامتحان أم يشتمنى ويمنحنى الماجستير بسرعة؟!
كان هذا المنطق السائد فى قسم الجراحة. «تخل عن كرامتك حتى تتقدم فى العمل. تحمل الإهانات، وإذا فاض بك الكيل قم بإهانة من اهم أقل منك».
استدعانى رئيس القسم ذات يوم، وطلب منى بغطرسة أن أذهب إلى محطة مصر حتى أشترى له تذكرة قطار إلى الإسكندرية. كان لديه ضيوف فلم أرد إحراجه أمامهم. خرجت من المكتب واتصلت به من العيادة المجاورة ودار بيننا الحوار التالى:
ــ أنا آسف يا فندم لأننى لن أستطيع أن أشترى التذكرة.
ــ ليه؟
ــ لأننى أعمل طبيباً، ولست فراشا أو موظف علاقات عامة.
.. ضحك رئيس القسم ساخراً، وقال:
ــ إنت باين عليك مجنون. شوف لى أقدم واحد عندك فى العيادة
كان أقدم واحد بدرجة مدرس.. ناديته وأعطيته السماعة فوجدته يقول:
ــ حاضر يا فندم. تحت أمرك.
ذهب المدرس، الحاصل على درجة الدكتوراة فى الجراحة، لشراء التذكرة وهو سعيد، لأن رئيس القسم اختصه دون سواه بهذه المهمة الجليلة.. قدمت استقالتى من هذا المكان البشع، وسافرت إلى الولايات المتحدة، درست فى جامعة «إلينوى» للحصول على درجة الماجستير. كان علىّ أن أحضر محاضرات مع طلبة السنة الثانية.. أثناء محاضرة فى علم الأنسجة، رفعت طالبة أمريكية بجوارى يدها، ثم قالت للأستاذ:
ـــ أنا لم أفهم.. هل يمكن أن تعيد الشرح؟!
مسح الأستاذ ما كتبه على السبورة ثم أعاد الشرح من جديد، لكن الطالبة قالت بعد ذلك:
ــ عذرا.. أرجو أن تعيد الشرح مرة أخرى لأننى مازلت لا أفهم.
استدار الأستاذ ليمسح السبورة مرة أخرى لكنه حرك يده وكأنه زهق وبان على وجهه الامتعاض... هنا صاحت الطالبة:
ـــ لماذا تحرك يدك وكأنك زهقت من غبائى؟!. أنا لست غبية. لو كنت غبية لما حصلت على الدرجات التى أوصلتنى إلى هنا.
ساد صمت عميق وتوقعت (أنا القادم من جامعة القاهرة) أن كارثة ستنزل فوراً على رؤوسنا جميعا.. لكننى فوجئت بالأستاذ يبتسم برقة ويقول للطالبة:
ــ لم أقصد إهانتك إطلاقا. أرجو أن تقبلى اعتذارى. سأبذل جهدى حتى أوضح الفكرة بطريقة أفضل.
وجدت نفسى هنا أمام منطقين متناقضين: فى جامعة القاهرة يتم قمعك وإهانتك وإذلالك باسم احترام الكبير، وفى جامعة «إلينوى» أنت إنسان كرامتك مصونة، لك حقوق وعليك واجبات.. إذا أديت واجبك يجب أن تحصل على حقك.. الفرق بين المنطقين ليس فرقا بين الشرق والغرب وإنما هو الفرق بين الاستبداد والديمقراطية.. إن الاستبداد كالسرطان ينتقل من قصر الرئاسة إلى كل مكان فى المجتمع فيتحول أفراد الشعب المقموعون إلى مستبدين صغار يعيدون إنتاج القمع الواقع عليهم ضد من هم أضعف منهم. الحاكم الديمقراطى يعمل فى خدمة الشعب الذى اختاره عن طريق الانتخابات الحرة، أما الحاكم المستبد فلا يمكن أن يحترم أفراد الشعب لأنه يراهم جميعا أقل منه.. كان حسنى مبارك يتحدث إلى أكبر العلماء والفنانين وأساتذة الجامعة فيتعمد أن يناديهم بأسمائهم المجردة، وكثيرا ما يسخر منهم وهو يتوقع أن يتقبلوا سخريته بترحيب وامتنان.. بل إن صحفياً شهيراً خبطه حسنى مبارك مرة على كرشه أمام زملائه الصحفيين ووجه له شتيمة مقذعة فاعتبر الصحفى الكبير ما حدث شرفا يتيه به على الناس وظل يردد بفخر:
ــ تصوروا سيادة الرئيس قال لى يا (..).. هو دائما يحب يضحك معايا!
هذه العلاقات المذعنة الذليلة تقابلها علاقات إنسانية طبيعية ومحترمة فى المجتمع الديمقراطى، حيث يتساوى الكَنّاس مع رئيس الدولة فى الحقوق والواجبات، وبالتالى فإن المواطن يخاطب أكبر رأس فى الدولة باحترام، ولكن بندية وكرامة. بل إن القانون والعرف فى البلاد الديمقراطية يتيحان أنواعا قاسية من النقد ضد المسؤول العام لا يتيحان مثلها ضد الشخص العادى.. الفكرة هنا أن نقد المسؤول العام يتم من أجل المصلحة العامة، وبالتالى فهو متاح دائما الى أقصى حد.. كان رئيس الوزراء البريطانى الأسبق جون ميجور ذات يوم فى جولة انتخابية عندما اقتربت منه سيدة بريطانية وصاحت فيه أمام الناس:
ــ مستر ميجور.. يا لك من أفّاك.
ثم قذفته بالبيض الفاسد فأصاب وجهه، وطيرت وكالات الأنباء صورة رئيس وزراء بريطانيا ووجهه مغطى بسائل البيض الفاسد.. تم إلقاء القبض على السيدة لكن القاضى البريطانى، بعد ساعات قليلة، أصدر قرارا بالإفراج عنها، وقال فى حيثيات القرار:
«إن قذف السيد رئيس الوزراء بالبيض لا يشكل خطراً على سلامته أو حياته وبالتالى لا يعتبر جريمة اعتداء وإنما هو أسلوب عنيف للتعبير عن الرأى. وحرية التعبير تكفلها الديمقراطية الإنجليزية».
إن مرض الاستبداد ينتقل دائما من السياسة إلى الأخلاق.. فى المجتمع الديمقراطى يقف كل إنسان فى موقع واحد واضح ومحدد، أما فى مجتمع الاستبداد فتطالعنا نماذج إنسانية غريبة:.. نموذج أستاذ القانون الذى يضع علمه القانونى فى خدمة الطاغية ويتحول إلى ترزى قوانين يفصَّلها طبقا لرغبة الحاكم ويضيَّع حقوق الشعب، ثم إذا استغنى الحاكم عن خدماته انضم القانونى الكبير إلى المعارضة، وطالب برحيل النظام، ولكن ما إن يشير إليه الحاكم بإصبعه الصغير حتى يهرع ملبياً النداء وعارضاً خدماته.. نموذج الكاتب الذى يكتب أفلاماً ومسلسلات تدين الفساد لكنه فى الوقت نفسه يبايع حسنى مبارك ويمدحه ويسبّح بحمده ويسعى جاهداً لتقديم صورة ملائكية عن مباحث أمن الدولة. الضباط الجلادون الذين طالما عذبوا المصريين ببشاعة وهتكوا أعراض نسائهم أمام أعينهم يظهرون فى مسلسلات صاحبنا وكأنهم أبطال قوميون يجب أن ننحنى احتراما لهم. كل هذا التشوه الأخلاقى من مضاعفات الاستبداد. فى المجتمع الديمقراطى لا يحتاج الإنسان إلى صداقة أمن الدولة أو رضا الحاكم ليحقق نجاحه المهنى. القاعدة فى الديمقراطية العدل.. الأسباب تؤدى دائما إلى النتائج، والإنسان يتقدم بفضل موهبته وعمله وليس بفضل نفاقه أو مساندة أمن الدولة له.
لعل القارئ العزيز قد أدرك ما أرمى اليه من وراء هذه الأفكار.. منذ أيام، وضعتنى الظروف فجأة فى مواجهة تليفزيونية مباشرة على قناة «أون تى فى» مع الفريق أحمد شفيق أثناء توليه رئاسة الوزراء.
الفضل هنا يعود، بعد توفيق الله، إلى شجاعة رجل الأعمال نجيب ساويرس والإحساس العميق بالواجب الوطنى لدى أصدقائى: يسرى فودة وريم ماجد وألبرت شفيق والمناضل الكبير حمدى قنديل. لم أكن مع أحمد شفيق فى حوار ودى لطيف نتبادل فيه المجاملات والكلام المعسول بل كنت فى مواجهة عنيفة مع أحد أضلاع نظام حسنى مبارك الفاسد الظالم والمسؤول السياسى الأول عن المذبحة التى راح ضحيتها مئات الشهداء ومئات الذين فقدوا أعينهم بالرصاص المطاطى وآلاف المفقودين الذين لا يعرف أهلهم إن كانوا معتقلين أم استشهدوا رميا بالرصاص.. أردت أن أواجه السيد شفيق بمسؤوليته السياسية عن كل هذه المآسى والجرائم، وبرغم ذلك فقد حرصت طوال الحوار على ألا أتفوه بلفظ واحد غير لائق. الذى حدث العكس، عندما حوصر السيد شفيق وظهر أمام الجميع أن حكومته تمنح الفرصة لفلول النظام الساقط لكى يفلتوا من العقاب.. عندئذ خلع الفريق شفيق المظهر الناعم والابتسامة الرقيقة وأخرج ما فى جعبته من شتائم تضعه بسهولة تحت طائلة القانون بتهمة السب والقذف.
فى النظام الديمقراطى رئيس الدولة خادم للشعب. المواطنون يتعاملون معه باحترام ولكن بندية وكرامة. فى مصر بعد الثورة لن يكون هناك مواطن ينحنى ويقف مذلولا أمام الرئيس، ولن يفخر مواطن بأن الرئيس شتمه أو ضربه على كرشه.. من الآن فصاعدا على الرئيس أن يفهم أن مصر تغيرت، وأن الكَنّاس فى الشارع مواطن مصرى من حقه أن يستجوب رئيس الجمهورية وأن يتهمه بالتقصير وأن يطلب منه توضيحات حول سياساته.. ما إن انتهى اللقاء وخرجت من الاستوديو حتى انهالت على مئات المكالمات ورسائل التأييد من المصريين داخل الوطن وخارجه. أنا فخور بكل كلمة قالها هؤلاء الأعزاء، على أن وسام الشرف الحقيقى قد حصلت عليه من والد الشهيد محمد رمضان، أصغر شهداء الإسكندرية، الذى قتله ضابط شرطة برصاصة مباشرة فى رأسه، وهو لم يبلغ السادسة عشرة من العمر... كتب لى والد الشهيد فى رسالته..
«أشكرك. لقد أحسست وأنا أشاهدك بأن دم ابنى المرحوم محمد فى يد شريفة».