vendredi 16 juillet 2010

إبراهيم عيسى يكتب: مرحلة خروج أم انطلاق

78

تعديلات أو تغييرات وزارية، وحكومة جديدة برئيس جديد، ثم تغييره وتجديده.. كلها أمور طبيعي جدا أن تحدث بعد ثورة بحجم وبقوة ثورة 25 يناير، لا أحد يتصور أن التغييرات عدم استقرار، فهي في حقيقة الأمر تأتي بعد فترة جمود جليدية عشنا عليها مع مبارك، ومن ثم أي تغيير طبيعي بعد مبارك يصبح غير طبيعي مقارنة بما قبله، كذلك الثورة حين تنظر للواقع من أجل تغييره جذريا وتحويل اتجاهاته تجد عقبات وتتعثر في مشكلات، وإذا لم تكن قدرتنا على التصرف سريعة ويقظة لانغرسنا في المشكلات بدلا من أن نخرج منها، فيلزم إذن التغييرات ولا بأس إطلاقا في الإطاحة بوزير بعد مدة قصيرة من توليه أو إقالة رئيس وزراء بعد أشهر من جلوسه في منصبه، لأن ما يمكن أن نصبر عليه من بطء أو فشل في الأيام العادية لا نتحمل مثقال حبة من خردل منه في أيام الثورة ومراحل الانتقال والنشوء والتطور!

لسنا بالقطع أول من يمر بهذه اللحظات، كما أنها ليست المرة الأولى التي نمر بها، جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو تولى وزارة الداخلية، ثم بعدها صار رئيس الوزراء ثم رئيسا، علي ماهر تولى رئاسة الحكومة ثم ذهب لرئاسة لجنة الخمسين التي كانت تعد دستورا جديدا للبلاد.

الدستور نفسه راح وجاء وتغيرت النظرة له من الحفاظ عليه وحمايته إلى إلغائه وتغييره، إلى لجنة لوضع دستور جديد إلى تغيير الجديد نفسه.

من خلال البلاغ رقم واحد الذي أذاعه البكباشي أنور السادات -باسم اللواء نجيب- وقال فيه «إن الجيش قد أصبح كله اليوم يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردا من أي غاية».

(بالمناسبة أنا أستند في هذه المعلومات للكتاب الرائع «دستور في صندوق القمامة» للكاتب الكبير صلاح عيسى).

وفي اليوم التالي، أصدر القائد العام للقوات المسلحة بلاغا قال فيه «إن هدف الحركة هو رفع لواء الدستور».

وقال بلاغ اليوم الثالث (25 يوليو 1952) إن الحركة تقوم على مبدأ أساسي هو «التطهير واحترام الدستور والمحافظة على الحريات العامة».

وفي اليوم الرابع (26 يوليو 1952) وجه اللواء محمد نجيب إنذارا إلى الملك فاروق، يطلب فيه أن يتنازل عن العرش، واستند الإنذار إلى أسباب كان من بينها «عبث الملك بالدستور وامتهانه إرادة الشعب».

لكن يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 1952، وبعد خمسة أشهر فقط أذاع اللواء محمد نجيب بيانا قصيرا، أعلن فيه -باسم الشعب- سقوط دستور 1923، ذلك الذي أقسم ووعد بالحفاظ عليه!

وفي 13 يناير 1953 صدر -بناء على طلب رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب- مرسوم ملكي بتأليف لجنة لـ«وضع مشروع دستور جديد يتفق مع أهداف الثورة».

وفي 10 فبراير 1953 صدر دستور فترة الانتقال..

وفي 21 فبراير 1953 افتتح اللواء محمد نجيب اجتماع لجنة الدستور الجديد، وقال إن دستور 1923 لم يعد أساسا صالحا للحياة الجديدة، وأن «وجوده القانوني منعدم أو ينبغي أن ينعدم».

هل هذا ارتباك؟

جمال عبد الناصر في ما بعد وصف تلك الشهور بمرحلة التجربة والخطأ، لكننا الآن في يوليو 2011 نقف أمام السؤال الحقيقي في التعامل مع ثورة يناير: هل نريدها مرحلة خروج أم مرحلة انطلاق؟

أداء المجلس العسكري، ومن ورائه حكومة شرف بضعفها الطيب وطيبتها الضعيفة، ينحاز لتحويلها إلى مرحلة خروج مما سبق من قواعد حكم مبارك، ولكن ببطء وبهدوء غير ثوري وغير جذري وغير متعجل، والتأهل والتأهب لفترة انتقالية ممتدة، بينما أداء قوى ثورة يناير من المجموعات التي دعت للثورة ونظمت مظاهرها الأولى يريدها مرحلة انطلاق لا تكتفي بالخروج البطيء المتمهل، بل تسريع الإيقاع ووضع القواعد الجديدة وقطع الصلة مع النظام السابق بمحاكمته ومعاقبته وضرب كل مفاصله السياسية والحكومية وبناء فوري لأسس الدولة المدنية التي يتمنون أن يصحو الوطن من النوم فيجدها أمامه

mercredi 7 juillet 2010

إبراهيم عيسى يكتب: الرئيس يقرأ قصص الأنبياء

77

فرق هائل الآن بين الشعب ورئيسه السابق.

يا سبحان الله! كل منهما ذهب عكس الآخر تماما.

نقيضان جدا ومتناقضان كلية في سلوكيهما، شعب يندفع نحو الحياة بكل ما لديه من عطش وشوق وعشم وغشم، ورئيس تزوى رغبته في الحياة ولا يريد أن يكمل أيامه فيها.

شعب قلق على حياته، ورئيس قلق من حياته.

شعب يريد فجأة كل شيء، ورئيس لم يعد يريد شيئا إطلاقا، كأنه مكتوب على الدول الديكتاتورية أن رئيسها كي يحيا يميت الشعب!

ومكتوب على كل ثورة كي تنتصر وتزهو أن ينكسر الديكتاتور ويذبل.

الناس مهتمة جدا وتتحدث في السياسة وفي الدنيا وما فيها، وتتشكل آراؤها وتتشاكل، ويتكلمون في قرارات البلد ومستقبله ويفتون ويهرتلون ويعكون وينطقون دررا، وتدخل حياتهم اليومية بكل قوة تتردد وتتداول مصطلحات الليبرالية والعلمانية والمدنية والسلفية والإسلام السياسي وكلمات العصيان المدني والمظاهرات، والوثيقة الحاكمة للدستور والقائمة النسبية، وتمارس شجاعتها وعدوانيتها على المجلس العسكري ومجلس الوزراء، ويطول لسانها على الكبير والصغير وعلى المثقفين والمفكرين والسياسيين وتتنطط على مرشحي الرئاسة وتتشرط على مرشحي البرلمان ولا يعجبها العجب!

بينما رئيسها السابق يعبر عمره الثالثة والثمانين وهو في غرفة عدة أمتار مهدد بقرحة الفراش، حيث لا يمشي ولا يريد أن يخرج متمشيا في ممر جناح العناية المركزة، حيث يخشى أن تصوره كاميرات المستشفى في هذه الحالة من الضعف والهشاشة، فيرفعون الكاميرات فيأبى الخروج أيضا، لا ينظر من النافذة ولا يجلس في الشرفة، ويلتقي ثلاثة أفراد في الأسبوع من غير أطبائه.

الرئيس الذي كان لا يتوقف عن الطيران تقريبا كل أسبوع أو شهر لا يريد أن ينزل من فوق السرير!

الشعب يتحرك ويغلي من الحركة، بل يهاجم بعضه بعضا على كثرة المظاهرات والاحتجاجات، كما يقرأ الصحف ويقبل على مشاهدة المناظرات ويشارك في الندوات والمؤتمرات، ودخل مئات الآلاف منهم أحزابا تولد وانطلق عشرات الآلاف من معتقلي ومساجين الرئيس السابق، يريدون أن يشتركوا في الحياة السياسية ويؤسسون أحزابا ويرفعون أصواتهم فوق صوت الخوف الأمني.

والرئيس الآن لا يتكلم في السياسة ولا يتحدث عن البلد، ويرفض أن تدخل له صحيفة أو مجلة حكومية أو خاصة، مصرية أو عربية أو أجنبية، لا يقرأ حرفا في صحافة ولا يطلع على شيء من السياسة الجارية، كما أنه رفض تركيب تليفزيون في غرفته، فلا يشاهد لا برنامجا ولا فيلما ولا يتابع نشرة ولا خبرا، ولا يعرف ماذا يجري في العالم من مجريات الأحداث!

الشعب يشق طريقه نحو المستقبل بكل حماس وتلعثم وتعثر.

والرئيس السابق يخط طريقه نحو نهاية يريدها ويتمناها، كأن حياة الشعب مرهونة بغياب الديكتاتور.

كثيرا جدا ما فكرت في مصر بعد غرق فرعون موسى ووجدت نفسي أمام حقيقة، أرجو أن يهزها أحد، مؤداها أن فرعون غرق وهو يطارد موسى وقومه، ومات الفرعون وغاب عن الدنيا، لكن هل آمن أهل مصر بموسى وإلهه؟ أبدا.. هل قال المصريون إن غرق الظالم الطاغية الكافر درس لا بد أن نتعلم منه ويتعلم منه حاكمنا القادم؟ أبدا.

جاء فرعون آخر وعاش معه وتحته الشعب المصري نفسه، وكأن موسى بعصاه لم يعبر، وكأن نبي الله لم يشق بحرا ولم يعبر نهرا وحاز نصرا!

هذه الأيام قطاع «صاحي ونبيه» من المصريين يقاومون أن يعودوا كما كانوا في عصر الرئيس السابق والأسبق، لكن بعضهم بدا له أن الاستقرار الذي هو جمود مضاد للحيوية ومساو لها في القوة هو غاية مناه ومنتهاه، فيدافع عن إبقاء الوضع على ما هو عليه ويعند ويعنت في تغيير حقيقي وجذري، ومن ثم يقف بشراسة اليأس أمام الباحثين والباعثين للأمل!

الرئيس السابق حسني مبارك في سريره بضغط دم مئة وثلاثين على ثمانين، وبنبض خمسين نبضة في الدقيقة يسمع تلاوة القرآن الكريم من مسجل في الغرفة يتلو بصوت مسموع رغم خفوته، والرئيس الذي يكاد يكون لم يقرأ كتابا واحدا في حياته، إذا به منذ أيام يقرأ كتابا وحيدا بجواره على الكومودينو وهو «قصص الأنبياء» للحافظ ابن كثير!

لعله وصل في القراءة إلى الفصل الذي يحكي قصة موسى والفرعون.

الفرعون غرق، وموسى رحل وظل المصريون مصرين على مصريتهم جدا!