mercredi 4 janvier 2012

25 يناير جديد" في مصر!

450

د. وحيد عبد المجيد
دعوات متصاعدة من جانب حركات ومجموعات شبابية إلى "ثورة ثانية" في مصر تنطلق يوم 25 يناير الجاري بهدف إرغام المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ 11 فبراير الماضي على تسليم السلطة للمدنيين بشكل فوري ودون انتظار الموعد المحدد لذلك في 30 يونيو 2012. وتحذيرات متزايدة من جانب المجلس العسكري وأنصاره من محاولة لإثارة فوضى عارمة وخطة لافتعال صدام عنيف يوم 25 يناير، سعياً إلى إشعال حرب أهلية تجلب تدخلاً أجنبياً. وتحركات متباينة من جانب أطراف وشخصيات سياسية من أجل استباق "اليوم الموعود" بمبادرة أو مبادرات أملاًً في تهدئة الأجواء التي اشتد احتقانها نتيجة صدامين عنيفين بين قوات الأمن ومتظاهرين ومعتصمين فيما بات يُعرف بـ"معركتي" شارع محمد محمود ومحيط مجلس الوزراء وسقوط 45 قتيلاًً في الأولى و18 في الثانية خلال شهر واحد.

الموقف جد خطير إذن على نحو قد يجعل يوم 25 يناير 2012 موعداً مع المجهول إذا لم يتيسر طرح مبادرة توافقية تساعد في تهدئة التوتر المتزايد. فالوضع مختلف عما كان عليه في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وليس صعباً إدراك أن الاحتجاجات الراهنة ومكوناتها تختلف عن تلك التي أنتجت ثورة 25 يناير 2011.

لكن هذا لا يعني أن ما يحدث الآن منبت الصلة بتلك الثورة، لأنه موجة من موجاتها. فالحراك الثوري في موجته الأولى الأصلية لا يشبه موجاته التالية كما لا يماثل الزلزال توابعه. وقد دخلت ثورة 25 يناير بعد نحو خمسة أشهر على تنحى "مبارك" مرحلة جديدة أنتجت الموجة الراهنة التي يمكن فهم ملامحها العامة من خلال تحليل مكوناتها الاجتماعية الأساسية التي لا يجمع معظمها إلا طابعها الشاب بل الفتي حيث يبدو المتوسط العام لأعمار المشاركين فيها أقل من ذلك الذي كان في الثورة الأصلية.

فالأغلبية الساحقة من المشاركين في الموجة الراهنة شباب من شرائح اجتماعية مختلفة، بعضهم من الطبقة الوسطى وأكثرهم من الفقراء والعاطلين والمهمشين الذين حلموا بأن تكون ثورة 25 يناير بداية لتحسين أوضاعهم. لذلك يجوز القول إن الكثير منهم يمثلون البعد الاجتماعي الذي كان حاضراً في تلك الثورة، لكنه لم يكن غالباً إذ تقدمه مطلبان هما الحرية والكرامة الإنسانية.

وربما يظهر ذلك، لكن ليس بوضوح كاف، في الخلفيات الاجتماعية للضحايا الذين سقطوا في المعركة الأخيرة بين قوات عسكرية وأمنية والمعتصمين أمام مقر مجلس الوزراء وامتدت إلى الشوارع المحيطة بدءاً من فجر 17 ديسمبر الجاري. فقد سقط فيها 18 مصرياً بينهم تسعة طلاب في كليات الهندسة والطب والآداب فضلاً عن طالبين في المرحلة الثانوية، وأربعة عاطلين عن العمل أحدهم تخرج حديثاً من كلية الإعلام قبل أشهر قليلة. أما الباقون فهم مهندسان ومحاسب وفني كمبيوتر فضلاًً عن الشيخ عماد عفت أمين عام لجنة الفتوى في دار الإفتاء المصرية وهو الشخص العام الوحيد المعروف ضمن هذه الكوكبة.

ويلفت الانتباه الوزن النسبي الكبير للطلاب بين ضحايا تلك المعركة، وكذلك في أوساط مصابيها الذين يزيد عددهم الإجمالي على الألف. ورغم أن الطلاب كانوا رافداً من روافد ثورة 25 يناير 2011، فلم يكن وزنهم النسبي بهذا الحجم. وقل مثل ذلك عن روابط مشجعي كرة القدم في الأندية الرياضية الأساسية، وفي مقدمتها الأهلي والزمالك والمعروفين باسم "الألتراس". فقد كانوا حاضرين في الثورة قبل 11 شهراً . لكن حضورهم ازداد بوضوح في الاحتجاجات التي تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة. وكان أحدهم وهو طالب في كلية الهندسة ضمن ضحايا "معركة مجلس الوزراء"، الأمر الذي أضفى طابعاً "ثورياً" على الأجواء التي أحاطت مباراة كرة القدم التي أعقبتها إذ ذهب إليها شباب "ألتراس الأهلي" في ملابس الحداد وأقاموا طقوساً جنائزية وهتفوا تأييداً لموقف زميلهم الشهيد وعبروا عن إصرارهم على الانتقام له.

ولفت الانتباه موقف المدير الفني لفريق النادي الأهلي مانويل جوزيه (برتغالي) عندما دخل الملعب وخلع سترته كاشفاً عن قميص أبيض مسطر عليه بحروف سوداء رسالة تأبين للمشجع الذي لقي حتفه محمد مصطفى.

وقد تنامى دور شباب "الألتراس" في الموجة الراهنة للثورة بعد أن أحدثوا تغييراً جذرياً في نمط العلاقة بين الرياضة والسياسة في غير مصلحة السلطة التي استخدمت هذه العلاقة على مدى عقود سعياً إلى جلب شيء من الشعبية.

ورغم أن شباب "الألتراس" ينتمون إلى فئات اجتماعية مختلفة، وربما إلى كل طبقات المجتمع، فقد برز دور من جاءوا من خلفيات فقيرة ومتوسطة ودنيا في الموجة الراهنة أكثر من غيرهم. وينطبق ذلك أيضاً على الطلاب الذين ازدادت مشاركة من لم يصلوا إلى التعليم الجامعي بينهم، بما في ذلك تلاميذ في المدارس الإعدادية وليست فقط الثانوية. ولعل هذا أحد عوامل بروز دور الأطفال (الأقل من 18 عاماً) في هذه الموجة. ولا يقتصر هؤلاء على من يُطلق عليهم "أطفال الشوارع" الذين يمثلون إحدى أهم ظواهر البؤس في المجتمع المصري.

فالضعفاء اجتماعياً الأقوياء معنوياً هم الجزء الأكبر في الموجة الراهنة، إلى جانب من أحبطتهم إدارة المرحلة الانتقالية، فلم يتحقق في اعتقادهم شيء من أحلامهم التي لا يزالون يعضون عليها بالنواجذ. فهم يحملون أحلاماً كبيرة يصعب تحقيقها كلها في وقت قصير، ولا يسهل في الوقت نفسه إغفالها أو الاستخفاف بطرحهم لها.

وثمة رافد آخر في الموجة الراهنة لا يقل أهمية، يشمل من يريدون الثأر لزملائهم وأحبائهم الذين استشهدوا وأصيبوا، بعد أن اختلطت لديهم القضية العامة بالهم الخاص ضمن ما حدث من خلط لكثير من الأوراق خلال الأشهر الماضية.

ويبقى رافد آخر للموجة الراهنة يجوز اعتباره نوعياً لأنه يمثل ظاهرة مهمة ينبغي الانتباه إليها لأنها ستبقى مقيمة في مصر لفترة طويلة، وهي ظاهرة تحول عدم الثقة في السلطة إلى رفض مبدئي لها. فجزء من المشاركين في الموجة الراهنة بات يرفض السلطة في ذاتها باعتبارها مصدراً للشر، سواء بوعي أو بغيره.

ورغم أن هؤلاء هم الأكثر مثالية بين المشاركين في الموجة الراهنة، فهم الأقل استعداداً للحوار والتفاهم والأكثر تشدداً. لذلك سيظلون سيفاً على رقبة السلطة -أية سلطة- في المستقبل. وقد يكون في حضورهم في المشهد على هذا النحو رادعاً لأية محاولة للاستئثار بالسلطة مستقبلاًً. لكن تشددهم الراهن، ومعهم زملاؤهم في الموجة الراهنة للحراك الثوري، يجعل الطريق إلى هذا المستقبل صعباً ما لم تتوافر الحكمة وسعة الصدر في التعامل معهم والقدرة على استباق دعوتهم إلى "ثورة جديدة" في 25 يناير 2012 بمبادرة تعيد صوغ خريطة الطريق المضطربة وتحتوي الغضب وتضع أساساً لبناء الثقة المفقودة تدريجياً.

جريدة الاتحاد

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire