lundi 9 janvier 2012

فهمى هويدى : فتاوى مفخخة

285

سئل صاحبنا عن التحالف مع الليبراليين فأفتى بأن لا يجوز قطعا التحالف مع التيارات المخالفة للشرع. ومن ثم لا يجوز لحزب النور التحالف إلا مع الأحزاب التى تنصر الحق وتطبق شرع الله. ونهى عن تهنئة الأقباط فى الأعياد، قائلا: «إن أعياد المشركين لا يجوز شهودها ولا المعاونة على إقامتها، لأنها مرتبطة بعقيدة فاسدة». وعن اتفاقية كامب ديفيد ذكر المفتى أن حزب النور ملتزم بها، لأن تغيير الواقع المخالف للشرع مرتبط بالقدرة والعجز وبالموازنة بين المصلحة والمفسدة.

هذا الكلام لو قيل فى جلسة لمجموعة من الأصدقاء، لقلنا إنها ثرثرة وزلات لسان لا تؤخذ على محمل الجد، وهى فى النهاية وجهة نظر المتحدث لا تلزم إلا صاحبها. لكن الذى حدث أن الكلام نشر على الصفحة الأولى من جريدة «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى 4/1، منقولا على لسان نائب رئيس الدعوة السلفية الدكتور ياسر برهامى، الذى قيل إنه يعد المرجعية الشرعية لحزب النور. وقد فهمنا من الكلام المنشور أن ما صدر عن الدكتور برهامى على الأقل فى جزئه الأول جاء تعقيبا على تصريح لرئيس حزب النور الدكتور عماد عبدالغفور أثناء أحد البرامج التليفزيونية، تحدث فيه عن إمكانية تحالف حزبه مع الليبراليين فى البرلمان القادم، الأمر الذى إذا صح فإنه يعنى ان رئيس الحزب يتبنى موقفا فى حين أن «مرجعيته الشرعية» ترى رأيا على  النقيض منه تماما. على الأقل فى مسألة التحالف مع الآخرين.

ما نقل عن الدكتور برهامى أوقعنى فى حيرة، خصوصا حين قرأت أنه يمثل «مرجعية شرعية» لحزب النور الذى أثبتت الانتخابات النيابية أن له حضورا معتبرا فى الساحة المصرية. وقد تبدد بعض الدهشة حين علمت أنه فى الأصل طبيب أطفال. يغلق عيادته بالإسكندرية كل مساء، ثم يتوجه إلى مسجد قريب منها ليعطى فيه دروسا لآخرين من أنصاره ومريديه. لم استغرب فقط ما صدر عن الرجل، لكنى استغربت أيضا الاهتمام بكلامه وإبرازه على الصفحة الأولى لجريدة الصباح. ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن ذلك الأبراز جزء من التنافس الإعلامى على استنطاق السلفيين والحفاوة بما يصدر عن أغلبهم من آراء شاذة وصادمة سعيا وراء التخويف أو الإثارة.

ربما كان صاحبنا طبيب أطفال ناجحا، لكنى أشك كثيرا فى بضاعته من الفقه. إذ حين أفتى بعدم جواز التحالف مع الليبراليين، وقال هذا الكلام على سبيل القطع، وكأن القرآن تضمن نصا صريحا خص به الليبراليين وحزب الكتلة، فلعله لم يسمع بامتداح النبى عليه السلام لحلف الفضول، الذى أقامه وجهاء قريش لنصرة الضعفاء وهم على شركهم قبل الإسلام. وقال فى ذلك: «لو دعيت إلى مثله فى الإسلام لأجبت». ولو قرأ الآية الثامنة من سورة الممتحنة التى تدعو المسلمين إلى البر والقسط بالذين لم يقاتلوا المسلمين فى دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم، ولو أعاد قراءة النصوص التى تحث على التعاون مع الجميع على البر التقوى. لو فعل ذلك لتردد وتراجع عما أفتى به، أما المصطلحات التى وردت على لسانه خاصة بنصرة الحق وتطبيق شرع الله، فلو انه رجع إلى شىء مما كتب فى تحرير المفهومين، لأدرك أن نصرة الحق باب واسع يحتمل كل ما يخطر على البال من قيم إيجابية تلبى أشواق الناس وتطلعاتهم، وأن تطبيق شرع الله يكون أيضا بتحقيق المقاصد الشرعية المتمثلة فى الحرية والعدل والمساواة، وغير ذلك من القيم الخيرة التى لا يختلف عليها عقلاء البشر وأسوياؤهم. (أرجو أن يرجع إلى ما قاله ابن القيم فى الجزء الثالث من كتابه إعلام الموقعين).

استغرب أيضا ما قاله بحق الأقباط والدعوة إلى عدم تهنئتهم فى عيدهم، ليس فقط لأن نبى المسلمين كانت له زوجة قبطية وانه دعا المؤمنين لأن يفشوا السلام بينهم، ولكن أيضا لأن الإسلام الذى أباح للمسلمين أن يتزوج من كتابية، بحيث يصبح أخوال ابنائه وأجدادهم من المسيحيين، لا يمكن أن ينكر عليهم أن يهنئوهم فى أعيادهم. وللشيخ محمد الغزالى كلمة مأثورة فى هذا الصدد، قال فيها إن الإسلام الذى أباح للمسلم أن يعيش مع الكتابية تحت سقف واحد لا يمكن أن يضيق بأن يعيش الجميع فى وطن واحد.

استغرب أيضا أن يعلن صاحبنا موافقته على اتفاقية السلام مع إسرائيل، مبررا ذلك بضرورات القدر والعجز والموازنة بين المصلحة والمفسدة. ثم لا يستخدم معيار المصلحة فى التحالف مع الليبراليين أو تهنئة الأقباط فى أعيادهم، رغم أن التوافق مع هؤلاء وهؤلاء أولى وألزم.

حين أطالع أمثال تلك الفتاوى المفخخة التى يطلقها أولئك النفر من الدعاة الجدد، وألحظ ما فيها من جرأة وتغليط، تنتابنى الدهشة ويتملكنى العجب، الأمر الذى يدفعنى  إلى القول بأنه إذا كان أبناء الإسلام يقدمونه بهذه الصورة، فالن تشويهه لا يحتاج إلى أعداء.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire