lundi 16 janvier 2012

مقدمة كتاب حسنين هيكل ( زمان مبارك ..من المنصة الى الميدان )

نشرت صحف مصرية اليوم مقدمة كتاب الاستاذ محمد حسنين هيكل ( زمان مبارك ..من المنصة الى الميدان ) وقد احتفت وسائل الاعلام بالكاتب والكتاب

وينتظر القراء بشغف صدور الكتاب خلال الايام القادمة

109

يقول الاستاذ فى مقدمة الكتاب .. بدأت التفكير فى هذه الصفحات باعتبارها مقدمة لكتاب تصورت أن أجمع داخل غلاقه مجمل علاقتى بالرئيس حسنى مبارك، وقد كانت علاقة محدودة وفاترة، وفى كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أكثر ما فيها - طولاً وعرضاً - لقاء واحد تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981 - أى بعد شهرين من بداية رئاسته - وأما الباقى فكان لقاءات عابرة، وأحاديث معظمها على التليفون، وكلها دون استثناء بمبادرة طيبة منه، لكن الواقع أن الحوار بيننا لم ينقطع، وكان صعباً أن ينقطع بطبائع الأمور طالما ظل الرجل مسيطراً على مصر، وظللت من جانبى مهتماً بالشأن الجارى فيها، وعليه فقد كتبت وتحدثت عن سياساته وتصرفاته، كما أنه من جانب رد بالتصريح أو بالتلميح، وبلسانه أو بلسان من اختار للتعبير عنه أو تطوع دون وكالة.
وقد تراكم من ذلك كثير مكتوب مطبوع، أو مرئى مسموع، وفكرت أن أجعله سجلاً وافياً - بقدر الإمكان - لحوارات وطن فى زمن، ولعلاقة صحفى مع حاكم ومع سلطة فى الوطن وفى الزمن!
لكنى رُحت أسأل نفسى عن الهدف من جمع هذا السجل، ثم ما هو النفع العام بعد جمعه؟!
- وبداية فقد ورد على بالى أن تسجيل ما جرى فى حد ذاته قد يكون وسيلة إلى فهم مرحلة من التاريخ المصرى المعاصر مازالت تعيش فينا، ومازلنا نعيش فيها!
- ثم ورد على بالى أن كثيراً من قضايا ما جرى مازالت مطروحة للحوار، وبالتالى فالتسجيل سند للوصل والاستمرار.
- ثم ورد على بالى أن بعض الملامح والإشارات فى سياق ذلك الحوار ربما تكون مفيدة فى التعرف أكثر على لغز رجل حكم مصر، وأمسك بالقمة فيها ثلاثين سنة لم يتزحزح، وتغيرت فيها الدنيا، وظل هو حيث هو، لا يتأثر.
وذلك لابد له من فحص ودرس!

تركت خواطرى تطل على كل النواحى، ثم اكتشفت أن الاتجاهات تتفرع وتتمدد - لكن الطرق لا تصل إلى غاية يمكن اعتبارها نقطة تصل بالسؤال إلى جواب.
وعُدت إلى ملفاتى وأوراقى، ومذكراتى وذكرياتى، وبرغم آثار كثيرة وجدتها، ومشاهد عادت إلىّ بأجوائها وتفاصيلها، فقد طالعنى من وسط الزحام سؤال آخر يصعب تفاديه - مجمله:
- ماذا أعرف حقيقة وأكيداً عن هذا الرجل الذى لقيته قليلاً، واشتبكت معه - ومع نظامه - طويلاً؟!
والأهم من ذلك:

110

- ماذا يعرف غيرى حقيقة وأكيداً عن الرجل، وقد رأيت - ورأوا - صوراً له من مواقع وزوايا بلا عدد، لكنها جميعاً لم تكن كافية لتؤكد لنا اقتناعاً بالرجل، ولا حتى انطباعاً يسهل الاطمئنان إليه والتعرف عليه، أو الثقة فى قراره.
بل لعل الصور وقد زادت على الحد، ضاعفت من حيرة الحائرين، أو على الأقل أرهقتهم، وأضعفت قدرة معظمهم على اختيار أرقبها صدقاً فى التعبير عنه، وفى تقييم شخصيته، وبالتالى فى الاطمئنان لفعله!
وإذا أخذنا الصورة الأولى للرجل كما شاعت أول ظهوره، وهى تشبه بـالبقرة الضاحكة La vache qui rit - إذن فكيف استطاعت بقرة ضاحكة أن تحكم مصر ثلاثين سنة؟!
وإذا أخذنا الصورة الأكثر بهاء، والتى قدمت الرجل إلى الساحة المصرية والعربية بعد حرب أكتوبر باعتباره قائداً لما أطلق عليه وصف الضربة الجوية - إذن فكيف تنازلت الأسطورة إلى تلك الصورة التى رأيناها فى المشهد الأخير له على الساحة، بظهوره ممدداً على سرير طبى وراء جدران قفص فى محكمة جنايات مصرية، مبالغاً فى إظهار ضعفه، يرخى جفنه بالوهن، ثم يعود إلى فتحه مرة ثانية يختلس نظرة بطرف عين إلى ما يجرى من حوله - ناسياً - أنه حتى الوهن له كبرياء من نوع ما، لأن إنسانية الإنسان ملك له فى جميع أحواله، واحترامه لهذه الإنسانية حق لا تستطيع سلطة أن تنزعه منه - إلا إذا تنازل عنه بالهوان، والوهن مختلف عن الهوان!
وإذا أخذنا صورة الرجل كما حاول بنفسه وصف عصره، زاعماً أنه زمن الإنجاز الأعظم فى التاريخ المصرى منذ محمد على - إذن فكيف يمكن تفسير الأحوال التى ترك مصر عليها، وهى أحوال تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر، حتى إنه حين أراد أن ينفى عزمه على توريث حكمه لابنه، رد بحدة على أحد سائليه وهو أمير سعودى تواصل معه من قديم، قائلاً بالنص تقريباً:
- يا راجل حرام عليك، ماذا أورث ابنى - أورثه خرابة؟!

111

وهل تولى حكمها وهى على هذا الحال؟ وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة؟ وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكى تنهض وتتقدم!
ثم إذا كان قد حقق ما لم يستطعه غيره منذ عصر محمد على - إذن فأين ذهب هذا الانجاز؟! - وكيف تحول - تحت نظامه إلى خرابة؟! -

ثم لماذا كان هذا الجهد كله من أجل توريث خرابة خصوصاً أن الإلحاح عليه كان حقل الألغام الذى تفجر فى وسطه نظام الأب حطاماً وركاماً، مازال يتساقط حتى هذه اللحظة بعد قرابة سنة من بداية تصدعه وتهاويه!
وكيف؟!! - وكيف؟!! - وكيف؟!!

وهنا فإن التساؤل لا يعود على الصور، وإنما ينتقل إلى البحث عن الرجل ذاته!
وعلى امتداد هذه الصفحات فقد حاولت البحث عن الرجل ذاته قبل النظر فى ألبوم صوره، وعُدت إلى ملفاتى وأوراقى، ومذكراتى وذكرياتى عن حسنى مبارك، ثم وقع بمحض مصادفة أننى لمحت قصاصة من صحيفة لا أعرف الآن بالتحديد ما دعانى إلى الاحتفاظ بها ثلاثين سنة، لكنى حين نزعتها من حيث كانت وسط المحفوظات - رُحت أقرؤها وأعيد قراءتها - مفتكراً!!
وكانت القصاصة مقالاً منشوراً فى جريدة الواشنطن بوست فى يوم 7 أكتوبر 1981، وفى بداية المقال جملة توقفت عندها، وفى الغالب بنفس الشعور الذى جعلنى أحتفظ بها قبل ثلاثين سنة!!
والجملة تبدأ بنقل "أن الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس السادات تشير إلى أن الرجل الذى سوف يخلفه على رئاسة مصر هو نائبه حسنى مبارك - ثم تجىء جملة تقول بالنص: إنه حتى هؤلاء الذين يُقال إنهم يعرفون مبارك هم فى الحقيقة لا يعرفون عنه شيئاً.
والآن بعد ثلاثين سنة وقفت أمام هذه الجملة، وشىء ما فى مكونها يوحى بأنها مفتاح المقال كله، لأننا بالفعل أمام رجل رأيناه كل يوم وكل ساعة، وسمعناه صباح مساء، واستعرضنا الملايين من صوره على امتداد ثلاثين سنة، لكننا لم نكن نعرفه ولا نزال!!
وكان سؤالى التالى لنفسى: - إذا لم تكن للرجل صورة معتمدة تؤدى إلى تصور معقول عنه، فكيف أتفرغ شهورا لجمع ونشر ما سمعت منه مباشرة خلال مرات قليلة تقابلنا فيها، أو ما قلته له بطريق غير مباشر - أى بالحوار والكتابة والحديث ثلاثين سنة؟!
وترددت، لكننى بإلحاح أن تلك ثلاثين سنة بأكملها من حياة وطن، وهى نفسها ثلاثين سنة من المتغيرات والتحولات فى الإقليم وفى العالم، قادنا فيها رجل لا نعرفه إلى مصائر لا نعرفها - فإن زمان هذا الرجل يصعب تجاوزه أو القفز عليه مهما كانت الأسباب، مع أن هناك أسباباً عديدة أبرزها أن التاريخ لم ينته بعد كما كتب بعض المتفائلين من الفلاسفة الجدد!!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire