jeudi 23 février 2012

أزمة في القصر الجمهـوري.. "ســوزان" و رفض طنطاوى السناريو – حلقة 2

الحلقة الثانية - فريق عمل تقوده سوزان لبحث الخروج من المشكلة طنطاوي رفض السيناريو المقترح وفضَّل الانحياز للشعب

محمود عبدالكريم

17

كان سقوط ديكتاتور استمر يحكم لمدة 30 سنة بشكل منفرد ومطلق وبصلاحيات غير مسبوقة. سقوطاً غير مكتمل. ذلك أن الشوائب التي علقت بسلطات الديكتاتور وحاشيته لا يمكن التخلص منها بسهولة أو علي الأقل بالطريقة التي تجري مع نظام كنظام حسني مبارك. فالذي حدث هو خلع رأس النظام وبطريقة ناعمة لا خشونة فيها. بحيث يمكن أن تكون إنذاراً أو نذيراً للقوي العالقة به حتي لا تفكر في الانقلاب علي الثورة.
ولذا فإن السيدة التي عاشت 30 سنة تدير البلاد مناصفة مع رجل كان يشعر بالدونية تجاهها. باعتباره أقل اجتماعياً منها. وهي ابنة الطبيب الذي تزوج من انجليزية. بينما هو ابن موظف بسيط لا يزيد علي "كاتب" أو محضر في محكمة شبين الكوم. وأمه سيدة فلاحة أمية. نموذج لكثير من الأمهات المصريات في ذلك الوقت. ولذا فإن السيدة التي قبلت بالزواج من هذا الضابط الريفي فرضت عليه مع بداية حياتهما سوياً أن يقطع صلته بأمه وأشقائه وبلدته بالكامل. حتي أن زيارات الرجل وهو في قمة هرم السلطة لبلدته "كفر مصيلحة" طوال فترة حكمه لا تزيد علي زيارة أو اثنتين. وهي مسألة تعكس مدي أزمة الرجل النفسية من نشأته ومن قدرة زوجته وسطوتها علي منعه من زيارة قريته وأهله وأقاربه. وحتي جيرانه.. وهو الأمر الطبيعي لأي إنسان له جذور ريفية أو صعيدية أن يحن إلي أرض المولد أو أرض الآباء والأجداد. ولكن ذلك لم يحدث أبداً!!
إذن أحدثت ثورة الشعب يوم 25 يناير والأيام التالية له قبل أن يجبر رجل مصر الأول علي التخلص عن مقعده الوثير أزمة نفسية هائلة في القصر الرئاسي الذي انقسم في الفترة ما بين 25 إلي 28 يناير إلي مجموعات وتحالفات وفرق متضادة كلها تراهن علي بقاء الرئيس "الصورة" أو الرئيس "الواجهة" في القصر ليظل الرئيس الفعلي "الابن" جمال وأمه "سوزان" يحكمان من وراء هذا الستار الوهمي المسمي حسني مبارك. وهذا ما يفسر سر مقاومة هذه المرأة للسقوط حتي يومنا هذا. وحتي كتابة هذه السطور..
كان القصر الجمهوري منذ يوم 25 يناير وحتي إعلان الديكتاتور تخليه مكرهاً عن السلطة ورحيله مؤقتاً إلي شرم الشيخ. حتي تظهر الصورة وتتضح. قد تحول إلي خلية نحل ودبت فيه حركة غير مسبوقة بعد أن بدأ كبار المسئولين في التقاطر عليه وفي مقدمتهم اللواء عمر سليمان. والمشير حسين طنطاوي والفريق أحمد شفيق وكبار رجال الدولة من مسئولين مثل الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب. وصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري. بينما علي الجانب الآخر كان جمال الابن "الوريث للعرش" يقاتل مع أمه لاستعادة الحلم الذي أوشك أن يضيع. وشكل مع أمه وأنس الفقي وزير الإعلام جبهة تعمل بالتوازي من خلال مكتب جمال في قصر الرئاسة علي مراقبة ما تسفر عنه الأوضاع الآخذة في التطور.
فبينما كان هناك في غرفة جانبية مجاورة لمكتب مبارك في القصر الرئاسي اجتماعات متتالية يديرها الرئيس المذهول وغير المصدق لما يجري في البلاد في حضور طنطاوي وسليمان وعزمي وبقية رجال الدولة.
كانت سوزان وابنها وصديقهما وخادمهما المقرب أنس الفقي وزير الإعلام وراعي حركة التوريث ومنفذها إعلامياً قد اتفقوا علي أن الحل المؤقت للخروج من هذه الأزمة هو أن يعلن الرئيس الضعيف تعيين الرجل الأقوي والأكثر نزاهة ونظافة سياسياً وتاريخياً المشير محمد حسين طنطاوي. نائباً للرئيس وهي خطوة كانت تهدف إلي حرق اسم الرجل في هذا التوقيت. وتضعه في صدام ومواجهة صريحة مع الشعب وتنقذ الرئيس في نفس الوقت.
وحدث أن تبلورت الفكرة في رأس سيدة القصر. وقامت بنقلها إلي جمال الذي أوعز إلي أستاذه في التوريث زكريا عزمي. لماذا لا يتولي المشير قيادة البلاد في هذه المرحلة علي قاعدة ضرب عصفورين بحجر واحد. وهما إما التخلص من المشير بصدامه مع الشعب أو بالخروج من الأزمة إذا نجح في ترويض الثورة. ولكن زكريا عزمي دخل بسطوته المعهودة وتعاظمه وكل عقده النفسية الانتقامية ليخاطب المشير في الغرفة التي كانت تجري فيها مشاورات الخروج من أزمة الهياج الشعبي ضد الرئيس الديكتاتور وقال له بنبرة حادة. كما وصفتها الصحف التي نقلت الحدث فيما بعد: "ما تمسكوا البلد يا سيادة المشير!".. ولكن المشير كان حاسماً في رده عندما قال لعزمي: "لأ.. مش حنمسك كده.. انتو عارفين الشارع عايز إيه؟!.. ولن أقترب من الشارع".
كانت الأجواء قد تكهربت بالفعل في القصر الجمهوري. وأصبح هناك ما يمكن تسميته بالمواجهة بين رجال القصر الجمهوري في الوقت الذي كان جمال وأمه وتابعهما أنس الفقي يراقبان عن كثب ما قد تسفر عنه الأحداث.
كانت سوزان قد أدركت تماماً في هذه الفترة أن طنطاوي هو الرجل الأقوي وسط كل الكوكبة التي تحيط بالرئيس المريض. خاصة بعد أن خرج حبيب العادلي ورجاله من معادلة الثورة. وأصبحوا طرفاً خاملاً وبعيداً عن المشاركة في أحداثها سلباً أو إيجاباً. وأصبح العادلي الذي كان علي عهد سابق مع جمال بتمكينه من السلطة رجلاً غير موثوق فيه. بل وخرج هو ورجاله من معركة الشعب والسلطة تماماً.
وكان مبارك حتي قبل خروج الشعب ثائراً عليه يوم 25 يناير 2011 قد فقد صلاحياته جميعها تقريباً.. وأصبح كما ذكرت سابقاً مجرد رمز أو صورة لا حول له ولا قوة. وضمت المجموعة التي التفت حول جمال وباركتها سوزان وأحمد المغربي ورشيد محمد رشيد ومحمود محيي الدين وحبيب العادلي وأنس الفقي ويوسف بطرس غالي وحاتم الجبلي.. كانت هي التي تدير مصر بالوكالة بعد أن ترك رئيس الجمهورية المريض والمتعب واللاهي بمتعه الشخصية وتنكيره في كيفية نهب ما تبقي من ثروات مصر ونزحه إلي الخارج. كل مهامه ومسئولياته كانت هذه المجموعة التي تقودها سوزان تعمل علي إخفاء حقيقة الأمور. عمداً عن الرئيس الديكتاتور المهتم بصحته فقط. وبحواديت الصالونات وأخبار النميمة.
لقد عاش مبارك سنوات عشر وربما أكثر من عمره الرئاسي كالأطرش في الزفة. يري الموسيقيين ولكنه لا يسمع عزفهم.
كان مبارك قد انسحب تقريباً من مسألة الحكم وأصبح كل همه الحفاظ علي صحته ولون شعره. وشد بشرة وجهه. والحصول علي الحقنة التي تتكلف 90 ألف دولار لاستعادة النضارة. والحفاظ علي الخلايا حية. أو إحياء الميتة. وكان الشيخ زايد يدفعها له.
المثير أنه رغم أن مبارك كان يسرق بلا حدود وبلا توقف موارد البلاد وثرواتها. إلا أنه كان بخيلاً جداً حتي في حال الإنفاق علي نفسه وعلي صحته التي كان يحافظ عليها حتي يعيش 120 سنة علي حد قوله. وبرغم المليارات الكثيرة التي أودعها بنوك سويسرا وبريطانيا والإمارات والتي تحدثت عنها الصحف كثيراً. إلا أنه كان يستخسر أن يدفع 90 ألف دولار ثمن حقنة الشباب من أمواله الخاصة. وكان يلجأ لزايد كي يدفعها عنه. وهي مسألة تعكس بوضوح مدي ضعة النفس. وعدم اهتمام صاحبها بكرامته وعزته مقابل الاحتفاظ بما يسرقه دون أن يصرفه.
كان مبارك قد بدأ في التواري بنفس المعدل الذي كانت مجموعة سوزان وأنس الفقي تدفع بجمال نحو الكرسي الوثير والذي يكاد أن يخلو أو سيتم إخلاؤه قريباً.
كان يتم تغييب مبارك عمداً عن الحياة السياسية بدعوي الحفاظ علي صحته وعدم إزعاجه. وارتاح مبارك لذلك. كما كانت سوزان هي أسعد الجميع بخروج الأب تدريجياً من السلطة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire