lundi 13 février 2012

وائل عبد الفتاح : عامر والعامرية

59
هل أكتب عن العامرية أم عن جلال عامر؟
الحياة إذن بين الحزن والمسخرة.
بين غياب كاتب صياد للكتابة الرشيقة المتقشفة المشحونة بحكمتها.. والعودة إلى حكم القبيلة فى زمن الثورة.
هذه هى الثورة التى جعلت جلال عامر فى قلبها وفى وعى ثوار عرفوا الفرق بين سخرية تقتنص من السلطة قداستها وصولجانها.. وسخرية تحتقر الشعب وتضحك عليه لتبنى تمثالا من النفاق للسلطة وركابها، بين ساخر كبير يبنى من كتابته فلسفة، ومصطفى حسين الذى يضع نفسه أداة للجالس على الكرسى.. يستخدمها ضد من يشاء.
جلال عامر أضحك الشعب على سلطته وكشف عوراتهم، ومصطفى حسين يضحك على الشعب برسوم تشبه ملصقات الدعاية النازية مشغولة بثقل دم يفضح صاحبها.
الساخر إلى جوار شعبه، هكذا كان جلال عامر كاشفا لمدرسة قدمت أوراق توظيفها فى حاشية السلطان لتدين الحروب على خصومه من القذافى إلى الشعب.. من أحزاب خارج التدجين إلى ثوار لا يقبلون بإغلاق كتاب التمرد إلا باكتمال أحلامهم.
الساخر لم يحتمل قلبه وطار.. بينما بقت المسخرة وأجبرت ٨ عائلات مسيحية على مغادرة قريتها… أو بالتعبير الدقيق هجرت العائلات تنفيذا لاتفاق عرفى برعاية رسمية.
مشكلة روميو وجوليت: المسيحى والمسلمة، تفجرت من جديد فى قرية تابعة للعامرية بمحافظة الإسكندرية… وبالطبع وجدت من ينفخ فى الرماد لتصبح فتنة.. بين المسلمين والمسيحيين.
كيف يمكن أن تشتعل فتنة فى قرية خارج الزمن بسبب صورة على مواقع أحدث شبكات التواصل الزمنى؟
إنه عبور زمنى تم عبر وسطاء.. بينهم أو على رأسهم ضابط محترف فى جرائم التعذيب.. وبمساعدة شرائح فى السلفيين تريد العودة إلى حكم الأعراف بقوة تشبه ما كان يحدث فى زمن القبائل.
بأعراف دائما تأتى على الجانب الأقل قوة؟
لم نسمع مثلا عن أسر مسلمة تم تهجيرها لنفس السبب الذى وجدت ٨ عائلات مسيحية نفسها بسببه ضحية قرار بالعقاب الجماعى على خطأ ارتكبه شخص ولم يحقق فيه ولم يسمح له بالدفاع عن نفسه.. وبالطبع عن العائلات الملعونة بتواطؤ الدولة مع جماعات مهاجرة إلى زمن آخر.
العقاب فى الدولة الحديثة فردى.. لكن السلفيين التقوا مع الجانب المظلم فى نظام مبارك والذى كان الضابط ينفذ فيه العقوبة بيده.. يعذب ويقتل ويسحل…خارج القانون… وبقراره الشخصى.. ويمنح لنفسه رخصة تنفيذ قانونه الخاص.
هذه هى دولتهم فى العامرية، اشهد عليها يا عامر يا من فشلت فى منح الثوار هديتك.. لأن مدينة كبيرة مثل الإسكندرية ليس فيها بنك للقرنية.. تبرعت بقرنيتك لواحد من ضحايا قناصى العيون… لكنها لم تصل.
هذه هى تدوينتك التى لم تكتبها؟
دولة شبه الدولة.
دولة لا تتذكر حداثتها إلا عندما يتعلق الأمر بالحكام.. مبارك وورثته من مومياوات صحتهم محفوظة ومحمية بأكثر الوسائل حداثة.. لكن عندما يحتاج الثوار هدية جلال عامر فالإجابة: لا يوجد.
هى الإجابة نفسها إذا بحثت عن حماية للأسر المسيحية فى قرية العامرية… لماذا تستطيعون إذن حماية مبارك والمشير من بعده، ليس من فورة غضب عابرة ولكن من غضب ملايين تريد العبور إلى زمن بلا مومياوات؟
لماذا لم تتذكروا هيبة الدولة عندما أشرف المحافظ بنفسه على قرار ظالم يفتقر إلى العدالة؟
إنها إرادة بالحفاظ على التخلف لأنه السد العالى لدولة الاستبداد.
آلهة الدولة وكهنتها يفكرون بعاليات قديمة وتحميهم شخصيا كل سبل الحداثة ووسائلها بينما يتركون الشعب فريسة التخلف.. هذه هى دولتهم التى يلتقون فيها مع تيارات حلمها النقى بإعادة الدولة البدائية وتيارات أخرى تكرس مبادئ الرأسمالية المتوحشة حين تلغى حق العامل فى الإضراب وتعتبر ممارسة هذا الحق خيانة تستحق العقاب.
إنهم يلتقون إذن ليصنعوا دولتهم ويحموها بأسوار ومتاريس وقوانين تمنح رخص إطلاق النار.. وتتيح لمن لا يحب جاره المسيحى أن يدس عليه صورة ويثير بها فتنة روميو وجوليت ويجمع مجلسا عرفيا سيقرر له فى النهاية التهجير.
تهيم العائلات المسيحية المغضوب عليها دون مجتمع يحميها.. وستفسد هدية جلال عامر للثوار… بينما يضغط خيرى حسن على حروف بيان المجلس العسكرى وهو يقول لقد وعدناكم وسنوفى بعهودنا.
شكرا… لم نعد فى حاجة إلى وعودك ولا إلى دولتكم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire