lundi 6 février 2012

إبراهيم عيسى يكتب: لغز لاظوغلى



سألت وزير الداخلية السابق اللواء منصور العيسوى، وكان لا يزال فى منصبه وفى مكتبه: هل أجريتم تحقيقات داخل وزارة الداخلية عما جرى فى 28 يناير وما بعده من انسحاب وغياب الشرطة وانفلات أمنى؟
قال الوزير يومها إنهم بصدد ذلك، ولا أعرف هل ذلك لا يزال فى صدده أم أن الملف تم إغلاقه؟ فالحقيقة أن مفتاح فهم ما يجرى فى ومن وحول وزارة الداخلية هذه الأيام يبدأ من فهم ما جرى منذ عام مساء جمعة الغضب، لكن اللواء العيسوى -وهو موضع محبة حقيقية- كان مقتنعا تماما بأن جماعة الإخوان المسلمين هى التى هاجمت أقسام الشرطة فى جمعة الغضب واقتحمتها وأحرقتها، قال هذا بثقة من يملك معلومات، فلما طلبت منه أن يعلن ذلك إذن، ابتسم، ربما مشفقا أو مستغربا سؤالى، وقال إن المواءمات السياسية لا تسمح، ولا أعرف أى مواءمات تلك التى تمنع من إظهار الحقيقة متى كانت هناك أدلة دامغة عليها كما قيل، لكن أحدا لا رأى ولا شاف هذه الأدلة أبدا، حتى إنك تشك أنها موجودة أصلا، خصوصا أن اللواء العيسوى نفسه، وهو وزير الداخلية، كان قد افتتح مع مرشد الإخوان مقر الجماعة الجديد فى المقطم!
هذا التأكيد الواثق على تورط الإخوان فى حرق أقسام الشرطة، الذى يصاحبه صمت مطبق عن إعلان الأدلة تجده عقيدة عند جهاز المخابرات المصرية على لسان رئيسها السابق عمر سليمان فى تحقيقات النيابة وفى شهادته أمام المحكمة، بينما الرجل بكل ما يملك من صلاحيات وجهازه لم يقدم دليلا واحدا سوى كلام سيادته، لكن الأمر المدهش أن مزاعم عمر سليمان بتورط الإخوان فى حرق الأقسام وصل إلى حد جلبهم عناصر من حماس وحزب الله (ربما للتقريب بين المذاهب!)، وقد رصدت أجهزة المخابرات الاتصالات التليفونية بين الإخوان وعناصرهم فى الخارج مع هذه المنظمات ودخول هؤلاء إلى الحدود المصرية، وكل هذا كلام مهم وخطير لكن لا يلحق به دليل واحد بعشرة صاغ على ما يقال، وهو ما يجعله محض افتراء وادعاء، رغم أن الجهاز نفسه -كما فهمنا من إشارات كثيرة- لا يزال على قناعة بصحة ما قاله سليمان دون أن يقدم شيئا يؤكده إطلاقا، ولعل البعض حين يتكلم عن صفقة اليوم الأول بين المجلس العسكرى والإخوان فإنه يشير إلى أن المجلس العسكرى، وقد صدق مزاعم سليمان والداخلية عن تورط الإخوان، آثر أن يتحالف معهم لا أن يخاصمهم خشية قدرتهم على تفجير الوضع تحت أقدام العسكرى، فكانت الفكرة هى الاستعانة بهم لا مواجهتهم، طبعا القصة كلها ينفيها الإخوان جملة وتفصيلا، وقد سألت الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة عن خطة الإخوان لحصار وضرب واقتحام أقسام الشرطة فى جمعة الغضب، فكان رده حازما حاسما أن هذا كلام فارغ، وليس صحيحا على أى نحو.
لكن ما «النحو» الذى أقدم عليه الإخوان المسلمون فعلا سواء بالتحريض أو بالتخطيط أو بالتنفيذ؟
لقد كان الهجوم على مقرات جهاز أمن الدولة فى جميع مدن مصر قرارا إخوانيا كاملا، كانت الاقتحامات التى تمت بقرار من قيادة الإخوان وبتلبية متحمسة من شبابها ورجالها، ولعل الشواهد كلها تشير إلى وجود إخوان بارزين فى مناطق ومقرات أمن الدولة بعد اقتحامها وإحراق بعضها والسطو على ملفاتها، وهو ما كان إعلانا من الإخوان بنهاية الجهاز الذى كان يمثل عدوهم الأول فى مصر، خصوصا مع امتلاكه حشدا مذهلا من المعلومات والوثائق عن الجماعة، الأمر الذى أراد معه الإخوان تدمير قاعدة البيانات التى تملكها الأجهزة الأمنية عن الإخوان، وقد نجحت خطة الإخوان المعلنة، التى كانت واحدة من أدلة الذين يتهمون الإخوان بارتكاب الخطة الأولى فى جمعة الغضب.
المدهش هذه الأيام أن الإخوان الذين يهاجمون غضب شباب الألتراس فى المنطقة المحيطة بمبنى وزارة الداخلية هم الذين هاجموا واقتحموا مقرات أمن الدولة، وهى التابعة للدولة (أين كانت هيبة الدولة عند الإخوان ساعتها؟)، وهى كذلك المقرات والمبانى العامة التابعة لوزارة الداخلية (أين كان حرص الإخوان على احترام الأمن ومساعدته على إعادة الأمان والاستقرار؟) بشباب الإخوان وعناصره (أين كان حرص الإخوان على شباب مصر من الانزلاق نحو مخططات لتخريب المنشآت وبث الفوضى؟).
يبقى السؤال: هل فتح المجلس العسكرى هذا الملف، وحاول الإجابة عما جرى فى وزارة الداخلية وقتها؟
الإجابة: لا، لم يحدث فقد هوى المجلس العسكرى منذ اليوم الأول فى الهوة التى أرادها له قيادات الداخلية (وبعضهم لم يكن قد تم احتجازه ولا إزاحته من مقاعده)، فقد ورطوا المجلس العسكرى فى تسلم الملف الأمنى، ولأنه لا يعرف ولا يقدر ولم ينجح ووجد الأزمة معقدة تماما والواقع شديد الاشتباك ومعرفة «العسكرى» بالخريطة محدودة ومعدومة تقريبا، فلجأ الجنرالات بسرعة إلى الداخلية، يطلبون المشاركة والعون والإنقاذ، وقد استجابت قيادات الداخلية إلى النداء، بعدما أوصلوا الرسالة إلى «العسكرى» أن الجيش لا يستطيع أن يتحول قوة أمنية مدنية مجهزة ومنجزة، بل تورط بعض الأفراد من الشرطة العسكرية، وارتكبوا نفس خطايا وجرائم ارتكبها قبلهم ضباط شرطة مدنية، فصار هذا النوع من التورط والتحالف موحدا للداخلية و«العسكرى» فى مواجهة الثورة، ولعل الدفاع المستميت من «العسكرى» عن الداخلية، والرفض الدائم الهوسى لعملية إعادة هيكلة الشرطة سببه خوف «العسكرى» من تمرد الداخلية عليه، وتركه وحيدا فى الميدان، وقد بات واضحا أن جنرالات «العسكرى» المسؤولين عن الإشراف على وزارة الداخلية قد تلبسوا روح ضباط الشرطة ومنهج داخلية حبيب العادلى، حتى إنهم لا يتورعون عن ممارسات لم تسقط فيها أصلا الداخلية فى زمن مبارك!!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire