samedi 11 février 2012

مبارك فى ذگرى السقوط .. رئيس أسقطه العناد وحلم التوريث

مبارك فى ذگرى السقوط .. رئيس أسقطه العناد وحلم التوريث
مقربون: مبارك ضاق بمن حوله بعد أن شعر أنه أصبح فاهم كل حاجة ومش عايز حد يشرح له

320

قبل عام من اليوم أقر حسنى مبارك أن حكمه الذى بدأ مع اغتيال الجماعة الاسلامية لأنور السادات فى 6 أكتوبر 1981 قد أتى إلى نهاية كان يأمل كما يظن البعض انها ليست أليمة، حيث ظن أنه سيكون محل تقدير لتنحيه عن منصبه وأنه لن يحاكم، أو كما يقول البعض انها ليست نهائية لأن جمال مبارك، الابن الأصغر للرئيس الذى كان يضع عينيه وربما اطراف يديه على كرسى الحكم كان يقول له إن «الناس هتندم على اللى حصل وكل حاجة هترجع كويسة».
لكن بعد عام من تنحى مبارك، ورغم تداعٍ أمنى واقتصادى ورغم اتهامات من هنا وهناك توجه لثورة 25 يناير بأنها كانت «نكسة على مصر»، ما زال التيار الغالب فى الشارع السياسى المصرى مصرًا على أن يحاكم مبارك محاكمة عادلة ليس فقط عن التهم المنسوبة إليه اتصالا بفساد إدارى وقتل للمتظاهرين خلال الثمانية عشر يوما للثورة بل عن مجمل حكم دام 30 عاما يصر كثيرون أن مصر فقدت فيه الكثير والكثير من مقومات وضعها الإقليمى وصفائها المجمتعى وإمكانات رخائها الاقتصادى حتى وإن كسبت شيئا من الاحتياطى النقدى وبعض مشاريع البنية التحتية على أهمية هذا وذاك.
يقول معاونون ووزراء سابقون إن لحظة التنحى عن حكم مصر تحت ضغط المظاهرات الشعبية العارمة التى تفجرت فى كل أنحاء الوطن وتبعها دعوات من عواصم كان مبارك يظنها الحليف الذى يرتكن إليه بأن «يرحل» عن الحكم لم تكن حتمية الحدوث بهذا الشكل قبل ستة أعوام من اندلاع الثورة عندما بدأ المفكر الوطنى عبدالوهاب المسيرى والمناضل البورسعيدى جورج اسحاق دعوة كفاية.
يقول أحدهم إنه عندما ذهب اسحاق امام إحدى كنائس القاهرة وهتف منفردا «يا أم النور يا أم النور حسنى مبارك امتى يغور»، فى تضرع سياسى لا تتفق مفرداته مع محبة اتى به يسوع المسيح ودعا إليها للسيدة مريم العذراء أن تشفع لمصر بنهاية لحكم مبارك وعندما علم زكريا عزمى، مدير ديوان رئيس الجمهورية لمعظم سنوات حكم مبارك والرجل المتنفذ فى النظام السابق، تلفظ بألفاظ نابية بحق إسحاق ورأى أن ما جرى لم يكن فيه ما يستحق لفت نظر الرئيس إليه حتى وإن مثل سابقة لافتة بالفعل أن يجاهر احدهم بصراحة مباشرة لا لبس فيها أن مبارك يجب أن يرحل.
القصص التى تروى ممن عملوا مع مبارك، بما فى ذلك بعض من وزرائه السابقين، عن نهر عزمى لهم عندما كان يحاول أحدهم أن يطلع الرئيس على تفاصيل «تضايق الرجل» لا تنتهى، خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة لحكمه.
تفاصيل مشابهة يرويها بعض ممن كان لهم مكان فى حكم مبارك عن صفوت الشريف المستشار الأقرب لمبارك ووزير إعلامه لما يقارب طول فترة حكمه والأمين العام للحزب الوطنى الديمقراطى الذى ترأسه مبارك وهو كيان غير فاعل قبل ظهور جمال مبارك فى وسط المشهد السياسى فى 2002 ليعطى الحزب الحاكم قبلة بدت كأنها قبلة الحياة لهذا الكيان الواسع والمدعوم بالنفوذ المالى لرجال أعمال والأمنى لوزارة الداخلية ولكنها فى النهاية كانت، حسبما يصر كثيرون، قبلة الموت لنظام مبارك نفسه الذى تداعى تحت وطأة مشروع التوريث.
ويتفق ماجد عبدالفتاح الذى عمل مديرا لمكتب المعلومات فى مؤسسة رئاسة الجمهورية فى الفترة من 1999 وحتى 2005 ومحمد العرابى الذى عمل مديرا لمكتب وزير الخارجية فى مطلع العقد الاول من الالفية الثالثة قبل أن يكون سفيرا لمصر فى برلين التى اكثر مبارك من التردد عليه لعمليات جراحية واستشارات طبية منذ 2004 وحتى نهاية حكمه أن نصائح عزمى والشريف وآراءهما كانت لها دور رئيسى فى صيرورة الأمور وأن مبارك كان يثق فيهما.
ويقول العرابى إن «طول المدة التى حكم فيها مبارك كانت سببا رئيسيا فى الطريقة التى انتهى بها حكمه، خاصة وأنه نظر لمقعد الرئاسة على أنه وظيفة لمدى الحياة» وتزامن ذلك مع «طول بقاء نفس المستشارين حوله» وفى الوقت الذى كان تقدم مبارك فى العمر وظروفه الصحية يحولان دون قدرته على التطلع بدقة لتفاصيل بادية، خاصة فيما يتعلق بالاوضاع الداخلية، كان بقاء ذات المستشارين لفترة طويلة وتنفذهم لديه مدعاة لمزيد من «الركود» والابتعاد عن اتخاذ «مبادرات شجاعة» وأصبحت الفكرة المسيطرة هى تفادى الهزات.
ويقول معاونون عملوا مع الشريف أن الرجل كان يستخدم آلة الإعلام ليغذى لدى مبارك افكاره عن نفسه بأنه الرجل الذى جنب مصر الهزات وبأنه الرجل الذى تسلم البلد وهى فى حالة مزرية داخلية فحقق لها نهضة تنموية كبيرة وهو ما كان يتسبب انه عندما كان يلفت أحدهم نظر الرئيس إلى مشكلة كبيرة كان يطلب تقريرا مفصلا عنها.. لكنه كان يضيف «يعنى ما كنتش البلد عدلة قوى لما مسكت».
وفى حين يرى بعض من عملوا وثيقا مع مبارك وحتى الأيام الأخيرة أن تنفذ عزمى والشريف أصبح حاسما بل يكاد يكون وحيدا بعد قول جمال مبارك والسيدة سوزان مبارك، حسبما يقدرون يرى العرابى أن المشكلة كانت فى رغبة الدائرة المباشرة من المعاونين «بالانفراد بالرجل وإثناء أى من يحاول اختراق هذه الدائرة»، أما جمال مبارك والسيدة الأولى السابقة، فهما حسبما يروى، لم يكن لهما دور، فيما رآه وسمع به، فى سياق رسمى مباشر لأن مبارك «كان شخصيا مسيطرا على الاسرة».
ويتفق كثيرون أن طريقة مبارك فى الحكم خلال السنوات العشرة الاخيرة كانت تميل للاعتماد على تراكم الذاكرة المعلوماتية وهو ما أدى به إلى تقليص المساحة والوقت المقرر لقراءة التقارير والاعتماد على هذه الذاكرة التى يقول عبدالفتاح انها كانت جيدة جدا حتى عام 2005 وكانت ثرية بالفعل بالنظر إلى أنها تراكمية منذ توليه منصب نائب رئيس الجمهورية فى 1975. لكن الاعتماد على هذا الذاكرة، فى رأى البعض، أدى إلى امرين كارثيين، خاصة فيما يتعلق بالشأن الداخلى، أولهما هو تبنى تصورات مسبقة «لأنه أصبح فاهم انه عارف كل حاجة وأنه مش عايز حد يشرح له حاجة» وهذا فى ذاته بحسب العرابى جعل الكثيرين حتى من المخلصين والمقدرين له يحجمون عن تقديم النصح فى أحوال كان النصح يبدو فيها واجبا والأمر الثانى انه جعل مبارك نفسه يتصرف كمن يحتاج سكرتارية موثوقة فقط وهو ما فتح الباب أمام الدور الذى لعبه جمال مبارك والذى كان له مكتب مواز لمكتب مبارك فى سكرتارية الرئاسة، كان العديد من الوزراء فى السنوات الأخيرة يتسابقون على أن يحصلوا على حظوة التخاطب معه فأصبح «مؤثرا بصورة غير مباشرة وربما لا يراها مبارك نفسه على القرارات ودى كانت مساحة للعب أذت الرجل تماما»، حسب قول احد العارفين.
مبارك نفسه لم يكن خائنا لمصالح الوطن أبدا، كما يصر كل من تحدثوا مع «الشروق» سواء بالتقدير أو الغضب عن حكم مبارك، ولكنه فقد الرؤية لمحدودية الصلاحيات المفترضة لرئيس الجمهورية وتصور أنه المخلص لمصر فغابت عن عينه حقائق كانت بادية لكثيرين من تداعى الأحوال المجتمعية وفقدان الثقة فى منظومة الرئاسة بل وفى النظام بكامله وانفضاح أغراض الإعلام للقاصى والدانى وتسرطن دور الأمن فى كل اجهزة الدولة لدرجة تقول معها وزيرة سابقة أن رجال الأمن فى عهد مبارك كانوا يسعون لتجنيد خادمتها ومصفف شعرها للحصول على معلومات خاصة حول اسرتها. «كان شيئا فظيعا وبغيضا ووضيعا أن يصبح الأمن على هذه الصورة المزرية»، تقول.
ويعترف عبدالفتاح أن مبارك كان عليه أن يهتم أكثر بأن يشرح للناس بعض القرارات «مثل قرار بيع الغاز لإسرائيل الذى اتخذه مبارك لأن قطر كانت تعرض على إسرائيل بيع الغاز بسعر أقل ولأن مبارك أراد أن تكون إسرائيل معتمدة على مصر فى شىء يخص أمنها القومى وهو موضوع الطاقة»، دون أن ينفى عبدالفتاح أن التفاصيل الإجرائية ربما كانت تحتاج لمزيد من النظر.
ويقول العرابى إن مبارك كانت لديه فرص كثيرة واقتراحات جيدة كان يمكن على أساسها أن يتخذ قرارات تتوافق مع مطالب الرأى العام سواء فيما يتعلق بالملفات الداخلية أو الخارجية ولكنه لم يقم بذلك لأنه كان يظن فعلا أن التحركات الكبيرة لم تكن فى صالح الوطن ولأنه كان يظن أنه يعرف كل ما فى صالح الوطن، وهى الصفة التى يقول بعض من تحدثوا ل«الشروق» أنها لم تكن حاضرة على الإطلاق فى توصيف مبارك لنفسه عندما بدأ فى تولى الحكم ولكنها زحفت على نفسه بصورة تصاعدية حتى أنه كان يظن أن كل من يختلف معه يسعى للإطاحة به أو التقليل من أهمية ما يقوم به فكان يبادر بعزله ويفتح الباب للتشهير به وإيذاء صورته.
وبحسب قول أحد من عملوا مع حبيب العادلى آخر وزراء داخلية مبارك ولمدة 17 عاما فإن هذه الصفة على وجه التحديد هى الأمر الذى استغله العادلى لممارسة قمع وحشى، نبه البعض مبارك إلى حدوثه فلم يهتم لأن العادلى كان يقول له إن ذلك لمصلحة الاستقرار ولاغلاق الباب أمام التدخلات الخارجية. مبارك شخصية جادة ودءوبة على العمل ولكنها تفتقر للخيال وتخشى السقوط وتتذكر دوما أسباب نكسة 1967 ومقتل السادات، وانتهى به الأمر إلى حال أسوأ بكثير من جمال عبدالناصر فى 1967 الذى هزم عسكريا فطالبه شعبه بالبقاء، وحال السادات فى 1981 الذى انتصر عسكريا فقتله بعض جنوده، حسبما يقول ضابط متقاعد عرف مبارك. مبارك كان ضابط يسمع وينفذ وكان دائما عنده تصور أنه لازم يمشى فى خط ثابت، هكذا يقول الضابط المتقاعد، والدنيا فى مصر كانت بتتغير وهو مصر انه يمشى فى نفس الخط مهما كانت النتائج، هكذا يقول معاونوه، فكانت النتيجة أن سقط مبارك.

الشروق

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire