lundi 13 février 2012

حسنين هيكل : “ مبارك قدم للمحاكمة بسببى “

8

نشرت جريدة الاخبار في أول حوار لها على 3 حلقات مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ، والذي وصفته بأنه أخطر حوار عن ثورة 25 يناير، في الحلقة الأولى من الحوار كشف هيكل أنه رفض عرض من المجلس العسكري للظهور على شاشة التليفزيون المصري مبررا ذلك بأن رأيه سيصطدم مع المجلس العسكري، وهو لا يريد إحراجه، موضحا أن المجلس العسكري لم يكن يفكر في تقديم مبارك للمحاكمة إلا بعدما أثار هو الموضوع، حينما أشار إلى أن مبارك يعيش في شرم الشيخ لمدة شهور بعد الثورة وكأن شيئا لم يحدث.

وأضاف هيكل في الحوار الذي أجراه معه رئيس تحرير الأخبار ياسر رزق، ، أنه حتى هذه اللحظة يفضل اللجوء إلى انضباط الحرف بالحبر على الورق، أي أنه يفضل الكلمة المطبوعة، وأنه يعرف بالطبع أن التليفزيون هو أداة الإعلام الأوسع وصولا للناس في هذا العصر، ولكن المشهد بالنسبة له يبدو صاخبا بأكثر مما هو ضروري.
وقال هيكل: "أنا أرى نجوم هذا المشهد، وأعجب بالكثيرين منهم، ومعظمهم أصدقاء، وكلهم تفضل ودعاني إلى برامجه، لكني حتى هذه اللحظة أجد نفسي مترددا، فلا يكفي أن نرى الصورة على الشاشة، ونشعر بالألفة مع الملامح والأصوات، ولكن المهم أيضا ما وراء الصور والشاشات، لذلك خطر لي أن احتمي بانضباط الكلمة المطبوعة بالحبر على الورق".
واستطرد حول هذه النقطة قائلا : "أنا لا أتصور أن أبادر أحد بشك في نوايا أو مقاصد، لكن الوضع أمامي ملتبس كما هو مزدحم، وأحاول جاهدا التأقلم معه، ثم إن تليفزيون الدولة تفضل ودعاني بكل لسان، سواء بلسان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو بلسان وزراء الإعلام المختلفين بعد الثورة، وقد اعتذرت أيضا، على الأقل في هذه اللحظة، وقلت لمن تفضلوا بدعوتي للكلام في تليفزيون الدولة : لن أقول غير رأيي، وقد أجد نفسي مختلفا مع أصحاب الدعوة، ولا أريد أن أسبب حرجا لأحد، لا لغيري ولا لنفسي".
وعن أسباب الخلاف الدائرة الآن بين شباب الثورة -على وجه الخصوص- والمجلس العسكري على الرغم من أن القوات المسلحة مثل شباب الثورة كانت ترفض التوريث وتعتبره إهانة للعسكرية المصرية وأن هذا كان أهم أسباب الثورة، فقال هيكل:" يوم 25 يناير كان الكل متفقا على مطلب واحد من مطالب الثورة، وهو مطلب منع التوريث وانتقال السلطة من أب لابنه في مناخ مكفهر وعاصف، لكن الطرق راحت تتباعد بعدها مباشرة، والغريب أن الحوار الذي دار بين الطرفين جاء حوار طرفين لا يفهم كلاهما الآخر، لا يستوعب مقاصده لأنه لا يفهم لغته، فهدف الثورة لم يكن فقط منع التوريث ، لكن المجلس الأعلى كان يتحرك في هذه الحدود".
وعن نفس النقطة قال هيكل أيضا: "المجلس الأعلى للقوات المسلحة تصرف في حدود الاستجابة لما قدر ورأى، وتصور بالفعل أنه فعل ما يستطيع، وهذا صحيح وهو موضع تقدير، فهو في حدود ما تصور، أسقط بالاستفتاء ست مواد من الدستور القديم كانت تمهد للتوريث، وكان الشعب – وفي طليعته الشباب- يقاومها بكل جهده وطاقته، وكان ذلك في تقدير المجلس الأعلى للقوات المسلحة استجابة، ولكنها كانت في تقدير الشباب خطوة أولى خصوصا وأن الدستور القديم أي دستور 1970 جرى إسقاطه في اليوم الثاني بإعلان دستوري مؤقت، وبدأ الكلام عن دستور جديد لابد من كتابته، ثم إن هذا الاستفتاء ربط مسار ما بعد الثورة في حبل غليظ يجر إلى طريق شبه مغلق، وافترقت الطرق وراحت تتباعد كل يوم".
وأوضح هيكل هذا الافتراق بين الشباب والمجلس العسكري قائلا: "إنه من ناحية المجلس العسكري، كان تساؤله ماذا يريدون؟.. لقد حمينا خروجهم ثم إننا منعنا التوريث.. ومن ناحية الشباب، فإن 25 يناير لم يكن فقط لمنع التوريث وإنما كان طلب ثورة كاملة لمطلب الحرية والعدل والتقدم، أي مطلب تغيير شامل لأوضاع قائمة رغم سقوط التوريث، وسقوط رأس النظام ذاته، وكان الشباب في نظر المجلس العسكري متزايدا في طلباته، وكان المجلس العسكري في نظر الشباب غير قادر على المهمة، وبذلك فإنه يتحول إلى عقبة، والحوار المطمئن بين الطرفين تعقد وتعثر، ولم يكن الحوار بين الطرفين مجرد وقوع في سوء فهم، وإنما كان وقوعا فيما هو أخطر، وكانت الحقائق الغاطسة في الحالة المصرية موجودة حتى وإن لم تكن هذه الحقائق ظاهرة أمام الطرفين فإن مفعول هذه الحقائق كان محسوسا في الوعي العام دون تعبير واضح عنه، وحدث أن كل طرف لم يحسن تقدير موقف الطرف الآخر".
وأكد هيكل أن الشباب يرى أن المجلس لو لم يستطع أن يساعد على التغيير، فإنه لا يصح له اعتراض طريقه، وفي حالة أي خلاف فإن استفحاله دعوة إلى التجاوز، خصوصا وأنه بمنطق الشباب فإنه إذا لم تكن هناك حرب أو احتمال حرب أو مواجهة أو تهديد، إذن فمن أين العصمة؟؟..وعلى نحو ما فإن هذا التجاوز زاد أحيانا عن حده في شعارات وحتى أناشيد متحدثة عن "حكم العسكر" وعن "الخروج الآمن للعسكر" وبعض ذلك شرد عن القصد وابتعد عن العدل.
وأكد هيكل أن دواعي الخلاف ظهرت مبكرا جدا، وأوضح ذلك قائلا: "على سبيل المثال فإنني أظن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن يفكر في تقديم مبارك للمحاكمة، بل حدث عندما قمت بلفت النظر مرة إلى ما يجري في موقع شرم الشيخ، عندما كان مبارك يعيش فيها، وقد أقام فيها شهورا، كما لو أن شيئا لم يحدث في مصر".
وشدد هيكل على أن الأمور تفاقمت بين الشباب والمجلس العسكري عندما استجاب الأخير لطلب محاكمة مبارك، لكن المحاكمة جرت بعيدا عن السياسة تماما، أو بعيدا عن التاريخ، كأننا أمام قضية اختلاس أو نشل، أو سرقة أسلاك كهرباء.
وقال هيكل: "اعترف أنني شخصيا لم أفهم الإصرار أن الاستجابة للمطالب لا تبدأ إلا في مناسبات معينة، وتحسبا لمواقف بالذات يراد تجاوزها، ولم أفهم سياسة تأجيل قضايا ملحة، مرة لأنهم لا يريدون مشاكل، ومرة أخرى بذريعة أن هذه موضوعات تترك للأوضاع الدائمة بعد المرحلة الانتقالية".
وأوضح هيكل مقصده قائلا إن المجلس العسكري مثقل، فالقيود كلها عليه، والمحاذير كلها أمامه، وللأمانة فإن المجلس العسكري وجد نفسه في موقف لم يكن من صنع أعضائه، ولا تم بحضورهم ورضاهم، وإنما وجدوه أمامهم أو وجدوا أنفسهم أمامه، ولعلهم أحسوا أنهم من ضحاياه، وليسوا شركاء فيه.

الفجر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire