mercredi 15 février 2012

عادل إمام يستحق السجن‏!‏

حين أنبأني المخرج المسرحي هناء عبد الفتاح أن محكمة مصرية قضت بسجن الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر‏,‏ في دعوي رفعها عليه بعض السلفيين‏, واتهموه فيها بالاساءة الي الإسلام في عدد من أفلامه ومسرحياته لم أصدق النبأ, رغم ثقتي في حامله. ولم أكذبه أيضا!

لم أصدقه, لأني شاهدت معظم الأعمال التي زعم خصوم عادل امام فيما سمعته أنها تسيء الي الاسلام, كما شاهدها الملايين في مصر وفي مختلف الأقطار العربية, فلم أر فيها, ولم أسمع أن أحدا رأي فيها ما يسيء للاسلام تصريحا او تلميحا, بل كان بعضها دفاعا عن الإسلام وعن قيمه وانسانيته. واذا كان حقا أن في هذه الأعمال اساءة للإسلام كيف سمحت الرقابة بعرضها؟


ثم إني أطالع الصحف وأتابع نشرات الأخبار فلم أقرأ ولم أسمع شيئا عن هذا النبأ ولهذا ترددت في تصديقه.
لكنني لم أستطع أيضا أن أكذبه. لأن المناخ العام الذي نعيش فيه ليس فوق هذه الشبهات, بل هو يثيرها ويستدعيها. وما علينا إلا أن نرجع البصر كرتين او كرات لنري أن تاريخنا كله هو تاريخ التضييق علي الفكر الحر وتخويف المثقفين وإسكاتهم ومصادرة حرياتهم بشراء من يستسلم منهم والتنكيل بمن يقاوم.
وأنا لا أتحدث هنا عن تاريخ قديم كانت فيه الحريات مصادرة في كل أنحاء العالم, وكانت حقوق الانسان كلها مهضومة منتهكة, وانما أتحدث عن تاريخنا القريب الذي ظننا أننا سنتخلص فيه من القهر وسنخلع فيه قيودنا قيدا بعد قيد, فاذا بنا نرتد في نهاياته الي أسوأ مما كنا عليه في بداياته.


في النصف الأول من القرن العشرين كانت الأغلال تحيط بنا من كل جانب. أغلال من ماضينا المظلم وتقاليدنا البالية وخرافاتنا الموروثة. وأغلال من حكامنا المتألهين. وأغلال أخري من أعدائنا المحتلين الأجانب. وفي مواجهة هذه وتلك, وهؤلاء وأولئك وقف شعب مصر, ووقف زعماؤها, ووقف شعراؤها وكتابها وفنانوها ومفكروها يهتفون للحرية, ويضيئون الطريق اليها, ويدفعون الثمن.


مصطفي لطفي المنفلوطي هجا الخديو عباس حلمي, وندد به وبطغيانه في قصيدة نشرها فقدم للمحاكمة, وحكم عليه بالسجن.
والذي حدث للمنفلوطي حدث بعد ذلك لعلي الغاياتي حين نشر ديوانه وطنيتي بمقدمة ملتهبة فحوكم وحكم عليه وعلي من قدموا ديوانه لكن هذه الأحكام الجائرة لم تفت في عضد المصريين الذين يهبون في نهاية الحرب الأولي في ثورة عارمة يطالبون فيها بالاستقلال والدستور, فيحصلون عليهما, وإن ظل الانجليز يحتلون مصر, وظل الملك فؤاد يحارب الديمقراطية ويعبث بالدستور, وظل المصريون, وفي مقدمتهم المثقفون, يطالبون بحقوقهم, ويقاومون الانجليز المحتلين والملك الطاغية, ويخلعون عن أبدانهم وأرواحهم وعقولهم أغلال الماضي والحاضر.
علي عبد الرازق يتصدي للملك فؤاد والخاضعين لمشيئته من شيوخ الأزهر الذين دعوا لمؤتمر ينصبونه فيه خليفة للمسلمين, فيصدر علي عبد الرازق كتابه الإسلام وأصول الحكم يفند فيه دعوي الخلافة, ويكشف عن تاريخها الحقيقي, ويثبت أنها شأن من شئون الدنيا وليست ركنا من أركان الإسلام.


والحقيقة أن الخلافة التي ماتت في تركيا لم تكن قادرة علي أن تحيا في مصر ـ وهذا ما لم يفهمه الإخوان المسلمون حتي اليوم! ـ لكن مؤلف الكتاب انتهز الفرصة ليفضح الملك الذي أراد أن يحصن نفسه بلقب ديني من ألقاب العصور الوسطي يجعله فوق الديمقراطية وفوق الشعب وفوق الدستور. وقد اجتمع شيوخ الأزهر ليحاكموا الشيخ علي عبد الرازق ويسحبوا منه شهادة العالمية, وعندئذ تتمكن الحكومة من فصله من عمله.
ثم يمر عام فيصدر طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي داعيا فيه للموضوعية والاحتكام للعقل والإخلاص للحقيقة العلمية, ولو خالفت ما نشأنا علي الايمان به والتسليم بصحته كما نفعل مع الشعر الجاهلي الذي أثبت طه حسين أن كثيرا منه ملفق منحول. وقد اتهم طه حسين بالطعن في القرآن, وحوكم, وطرد من الجامعة لكنه ربي جيلا حمل الأمانة وبلغ الرسالة.
والذي حدث مع علي عبد الرازق وطه حسين يتكرر مع عباس محمود العقاد الذي يقف في مجلس النواب يحذر الملك فؤاد ويهدده بتحطيم رأسه اذا اعتدي علي الدستور!


ونحن نري أن الذي واجهه المثقفون المصريون في النصف الأول من القرن العشرين لم يسكتهم ولم يضعفهم. لأن الحركة الوطنية كانت تقف الي جانبهم, وتضعهم في المكان الذي يحتله الشهداء الأبرار والقادة الأبطال. وهذا ما فقدوه بعد ذلك. لأن ديكتاتورية يوليو 1952 لم تقمع حرية التفكير وحدها, بل قمعت كل الحريات, ودمرت كل ما بناه المصريون قبلها من مؤسسات ثقافية وسياسية, فلم يبق إلا الجحيم الذي تقلب فيه المثقفون المصريون بين حكومة العسكر من جانب وجماعات الاسلام السياسي من جانب آخر.


لقد تعرض العشرات من أساتذة الجامعة للفصل من عملهم. ومنع كبار الصحفيين من الكتابة. وزج بالمئات من الأدباء والفنانين في المعتقلات, وصودرت أعمال لنجيب محفوظ, وعبد الرحمن الشرقاوي, ولويس عوض, وصودرت معها ألف ليلة وليلة, والفتوحات المكية لابن عربي, وديوان أبي نواس. وهذا هو الجنون الذي يستبد بالطغاة فلا يكتفون بمصادرة الحاضر, وانما يتجاوزونه الي الماضي يصادرونه ويدمرونه تدميرا. وفي هذا المناخ يتراجع العقل, ويصبح العنف حلا وحيدا لأي خلاف, خاصة حين يختلط الدين بالسياسة وتتستر السياسة بالدين, ويزعم كل طرف أنه وحده المالك للحقيقة. فلا بجد المثقف دورا يؤديه إلا دور الضحية!.


هكذا قتلت الحكومة شهدي عطية, وقتلت الجماعات الدينية فرج فودة. والجماعات التي قتلت فرج فودة او حرضت علي قتله عندما كانت في المعارضة هي التي أصبحت الآن في الحكومة. فنحن لاندري الآن بمن نستغيث. بالحكومة من المعارضة؟ أم بالمعارضة من الحكومة؟ بالرمضاء من النار؟ أم بالنار من الرمضاء؟ بالإخوان من السلفيين؟ أم بالسلفيين من الإخوان؟ واذا كان هذا هو الواقع المخيف الذي نعيشه اليوم, كيف لانصدق أن يكون عادل امام ضحية من ضحاياه؟!
نعم. عادل إمام يستحق السجن. ليس لأنه اعتدي علي الاسلام, فالحقيقة أن عادل امام لم يعتد علي الاسلام, بل دافع عنه وبرأه مما يرتكبه باسمه المتاجرون به. ولكن عادل إمام يستحق السجن لأنه ندد في أفلامه ومسرحياته بالإرهاب, وأضحكنا علي الإرهابيين. ولأنه حارب الطائفية. وذكر المصريين بأنهم أمة واحدة. وأن حسن هو نفسه مرقس, وأن مرقس هو حسن. ولقد فضح عادل امام الطغيان في مسرحيته الزعيم ولهذا استغربت ما قاله بعد الثورة, او ما نسب اليه دفاعا عن الرئيس المخلوع الذي سخر منه ومن أمثاله في مسرحيته التي ظلت ثلاث سنوات تكشف الستار عن عالم الطغيان, وتثبت من خلال الحوادث أن الحكم المطلق فساد مطلق. وما أحوحنا اليوم لعرض هذه المسرحية من جديد. وما أحوج عادل إمام لمراجعة نفسه والاعتذار لجمهوره عما نسب له دفاعا عن الطاغية المخلوع!

أحمد عبد المعطي حجازي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire