mercredi 9 mai 2012

وائل عبد الفتاح: يحدِّثونك عن عمرو موسى السوبر مان

أضحك عندما أستمع إلى عمرو موسى وهو يتحدث كأنه المنقذ الذى سيعيد مصر كما كانت.
لم يحدد طبعا كما كانت فى أى زمن: عبد الناصر أم السادات أم السنوات العشر الأولى التى قالوا إنها كانت الأفضل فى عصر مبارك.
لكنه ينطلق بداية من أن مصر فى أزمة، وأنها مقبلة على كارثة لن ينقذها منها إلا رجل دولة.. وهو هنا يشير إلى نفسه.. إلى نقطة قوته الوحيدة تقريبا أنه كان أحد الموظفين فى دولة مبارك.
ومبارك دولته انتهت النهاية المأساوية لأنها لم تكن دولة، وقادها طول عمر الرئيس إلى مصيرها المتوقع: مافيا كاملة الأوصاف.
هل هذه هى الدولة التى يروِّج بها عمرو موسى لنفسه؟
هو ابن هذه الدولة، وعقله تربى فى ممراتها، وخياله لا يتجاوز حدود موظف مميز بحكم موقعه فى الخارجية.
هذه هى الدولة وهذا هو رجلها الذى يعتمد على أننا فى أزمة وهو المنقذ.
وهى نظرة قصيرة ومحدودة، لأن الثورة ليست أزمة، والإنقاذ ليس فى رجل ولكن فى بناء دولة غير التى كان عمرو موسى أحد رجالها.
عمرو يلعب على وتر قلق الناس من مغامرة الثورة، ويتصور أنه يمكن إعادة إنتاج الديكتاتور فى صورة أحد موظفيه.
هو كما قلت من قبل مينى ديكتاتور لا يملك إلا إعادة تركيب ماكينة مبارك بعد التخلص من الوجوه القديمة.
هذه الماكينة ستنتج فى النهاية ديكتاتورا بلا دولة.. أو ديكتاتورا يمتص مشروع الدولة التى ظلت تحت الإنشاء بسبب الاستبداد الذى رعى الفساد.
عمرو موسى ابن فكرة الحكم التى تقول إن هناك مجموعة محددة اسمهم رجال الدولة هم الذين يعرفون مصالحها وأسرار تشغيل ماكينتها.
هو سليل دولة الكهنة.
وهذا ما يضحكنى عندما يقول إنه مع الثورة أو فى قلبها، لمجرد أن مبارك غضب عليه أو لم يستطع استكمال الطريق إلى أذنه ليكون مسيطرا بما يكفى.
فشْل عمرو موسى فى الاقتراب أكثر من مبارك لا يعنى إلا أنه من مطاريد الحاشية.. ليس إلا.. ولا يملك إلا الخبرة فى الدهاليز.. خبرة مملوك لم يصل إلى الحكم.
وكلما تصورت عمرو موسى هابطا بأجنحة سوبرمان.. المنقذ للبلد من الكوارث.. ضحكت لأن الثورة قامت ضد فكرة السوبر مان.. أو الديكتاتور الهابط من غرف الكهنة ليكون منقذ البلاد.
وفى وقت مبكر كان السؤال: هل انتهت الثورة؟ هل تحولت الثورة إلى انقلاب عسكرى؟
كنا فى قلب الميدان، والجدل دائر حول «شكل الميدان» وصورته أمام المجتمع.
الميدان انقسم فى ساعات الفجر الأولى إلى حلقات نقاشية.. حول المستقبل وموقع كل مؤسسة فى تركيبة الحكم الجديدة.. ماذا تعنى الديمقراطية؟ وهل الثورة مجرد غزوة تحرر الصندوق وتخطف الحكومة؟
الإخوان والجيش والسلفيون وائتلاف الثورة والشباب والبلطجية والباعة الجائلون والمقيمون على الكنبة.. وكل هذه عناصر تتناثر بين كلمات حول ما سيحدث فى الغد؟
الثورة هنا بالضبط.. كل شخص يتصور أنه شريك فى صناعة الغد.
شراكة لم تتحقق بسهولة، وربما لم تتحقق حتى الآن، لأننا أسرى تربية عاطفية ترى الحاكم أبًا، والخروج عليه معصية، والثورة عليه نكرانا للجميل. الثورة فى عمقها كانت على هذه التربية العاطفية التى حولت الشعب إلى قطعان عبيد ينتظرون كل شىء من أعلى.. لهذا يلعب الفلول والثورة المضادة على فكرة الأب الغائب (أو رجل الدولة.. الغائب أيضا).
رغم أن مبارك لا يصلح لدور الأب حتى فى المسلسلات الفاشلة التى تملأ ساعات رمضان بكل أنواع الغثاء الإنسانى.
هكذا كتب المصريون على جدران البيوت ليلة وداع عبد الناصر: «إلى جنّة الخلد».. ظلت العبارة على جدران البيوت سنوات طويلة، مرفقة برسم للرئيس وهو يطير بأجنحة الملائكة إلى السماء. آخر بقايا الجنازة التاريخية لافتقاد زعيم مارس أبوّته فى عقد الستينيات، وظلت الجماهير متمسكة بهذه الأبوة رغم الهزيمة فى ١٩٦٧.. أنور السادات كان زعيما بمعنى مختلف. لم تُكتب له عبارات الخلود على الجدران. كاريزمته لها طبيعة نجوم السينما، وصناع الصدمات الكهربائية، كاريزما عشاق المتع لا الأبطال المستعدين لتقديم تضحيات، وعشّاقه سجلوا على قبره المجاور للجندى المجهول: عاش ومات من أجل السلام.
وهنا فإن شرعية الجمهورية الجديدة فى مصر، هى شرعية يناير التى تحاول إنهاء سنوات طويلة من حكم الآباء القادمين من الثكنات.. وكواليس الدولة الفاشلة.
وهذا هو الفرق بين يوليو ويناير

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire