samedi 5 mai 2012

قل: «حظر التحول».. ولا تقل: «حظر التجول» .. لميس واخوتها

قل: «حظر التحول».. ولا تقل: «حظر التجول»
90% من أصحاب المواقف والآراء تنكروا لكل ما أعلنوا عنه

القاهرة: طارق الشناوي
عشنا في الأسابيع الماضية وسوف نعيش أسابيع وربما شهورا مقبلة داخل لعبة اسمها «التحولات».. الكل، أو على أقل تقدير 90 في المائة من أصحاب المواقف والآراء الموثقة والمعلنة، تنكروا لكل ما أعلنوه، وصارت لديهم آراء أخرى.. إنهم المتحولون من زمن «مبارك» إلى زمن ثورة «25 يناير».. الكل صار عليه الآن أن يبحث عن مخرج يقدم خلاله آراء أخرى غير تلك التي ملأ بها رؤوسنا في الماضي وربما على مدى 30 عاما.. من نافق يؤكد أنه لم يكن يسعى لكي يكسب ود السلطان؛ إنه فقط كان مضللا، ولهذا لم يقل سوى ما يعتقد أنه حقيقة فلم ينافق أحدا.. من كتب وكذب صار يبرر، مؤكدا أنه لم يقل شيئا إلا الحق ولا شيء غير الحق.. الصحافيون الكبار الذين كانوا يضعون صورة «سوزان مبارك» في صدارة الصفحات فوجئنا بهم وهم يفتحون النيران بضراوة على السيدة التي كانوا لا يجرؤون على أن يكتبوا اسمها إلا بعد أن يسبقوه بتعبير السيدة الفاضلة.. كانوا يعلمون أنها تملك العديد من خيوط صناعة القرار في مصر، ولهذا كان الوصول إلى رضاها أحد الأهداف الاستراتيجية لمن يريد الصعود في عهد «مبارك»..

الكل صار يجري بعيدا عن عائلة الرئيس وكأنه لم يكن بالنسبة لهم قدس الأقداس الذي لا يمس، وبدأنا نقرأ بعض التبريرات التي أراها جديرة بأن نضعها تحت باب نطلق عليه «طرائف حكايات الثورة».. من أكثر هذه الطرائف التي تثير الضحك ما قاله «أشرف زكي» نقيب الممثلين السابق وكان هو أكثر المؤيدين لنظام «مبارك» بل كان هو زعيم المؤيدين منافسا في هذا المجال «عادل إمام»، حيث استغل موقعه كنقيب للممثلين وكان هو المدبر الرئيسي للمظاهرة التي شارك فيها عدد كبير من النجوم وخرجت من ميدان «مصطفى محمود» حيث رأينا عددا منهم وهم يرفعون شعارات تحمل اسم «مبارك» مثل غادة عبد الرازق، روجينا، مها أحمد، أحمد بدير، زينة، سماح أنور.. وغيرهم.. «أشرف» قال مؤخرا إنه لم يذهب إلى ميدان مصطفى محمود لتأييد «مبارك» ولكن من أجل أن تتوقف الشتائم التي تنال من «حسني مبارك» باعتباره رئيسا ورمزا لمصر، وعندما سألوه عن صورة «مبارك» التي كان يحملها في يده بكل فخر وإعزاز أجابهم: «لقد هددني عدد من البلطجية وأجبروني على رفعها ولم أكن أستطيع أن أقول لهم لا».. وكأنه يتبرأ في لحظة واحدة من كل تاريخه الذي كان فيه يدعو لمبارك، بل إن الدولة عندما دعمت «أشرف زكي» ومنحته العديد من المناصب كانت تنتظر منه هذا الولاء المطلق!

 أما أكثر العائلات التي انقلبت على «حسني مبارك» فإنها عائلة عماد أديب وشقيقه عمرو وزوجة شقيقه لميس الحديدي.. كان للثلاثة أدوار معروفة في حياة حسني مبارك تحمل كل أفكار النظام.. منها مثلا نظرية الخروج الآمن التي أعلنها عماد أديب قبل نحو ثلاثة أعوام، وكان المقصود بهذا النداء الخروج الآمن لحسني مبارك والدخول الأكثر أمنا لابنه جمال لكي يصبح رئيسا للجمهورية ووالده على قيد الحياة، لأن الكل كان يعرف أن حسني مبارك لو غاب عن المشهد فلا يمكن أن يأتي ابنه جمال وأن الطريقة الوحيدة لفرض جمال رئيسا هي في تحقيق ذلك ووالده لا يزال ممسكا بالسلطة في يده، ولهذا كان ينبغي أن يتم ترديد نظرية الخروج الآمن للرئيس، ولكن من الواضح أن دعوة عماد لم يحدث عليها نوع من الإجماع داخل دائرة الرئاسة، وهكذا، على الرغم من أن الفكرة خرجت من بيت الرئيس وبموافقة كل الأطراف، فإن البعض بعد ذلك لم يرتح إليها، أو إن توقيت إعلانها لم يكن ملائما. ورغم ذلك، فإنه بعد تنحي حسني مبارك كان عماد حريصا على أن يقدم قراءة أخرى لتلك المقولة، وهي أنه كان يعني بها فقط رحيل حسني مبارك عن الحكم وليس التمهيد لجمال رئيسا خلفا لوالده على الرغم من عشرات التسجيلات التي كان يعدد فيها عماد مآثر جمال وضرورة أن يخلف والده على اعتبار أن هذا هو الطريق الوحيد لمصر إذا أرادت أن تحيا حياة مدنية بعد مبارك.. كان عماد أيضا هو صاحب حديث الساعات الست عام 2005 الذي حمل اسم «كلمتي للتاريخ». وليس سرا أن أقول إن الدولة كانت تنتظر الكثير من خلال هذا الحديث الذي تم تسجيله قبل أن يستعد حسني مبارك لولايته الخامسة لمصر. واختار مبارك عماد أديب طمعا في تحقيق نجاح جماهيري، إلا أن النتاج النهائي لهذا الحوار جاء مخيبا للآمال، ولهذا لم يذع سوى مرة واحدة على الرغم من تعدد المناسبات الوطنية التي كانت تستحق أن يجد البرنامج له مساحة على الخريطة فيها.. كانت لميس الحديدي هي المسؤولة الإعلامية عن حملة حسني مبارك في ولايته الخامسة، كما أن تسجيلات عمرو أديب في برنامجه «القاهرة اليوم» لا تحمل إلا الدعاية لمبارك وابنه جمال رئيسا من بعده.. كبار الكتاب، خاصة في الصحف القومية تحولوا جميعا إلى مجموعة من الناصحين.. الكل أكد أنه كثيرا ما شجب وتحدى وواجه الفساد، ولكن زبانية النظام كانوا دائما ما ينقلون الصورة الوردية للرئيس، وأنه لم يتوقف عن توجيه النقد للرئيس وعهده. ولكن «تقول لمين؟».. فساد النظام كان يسيطر على كل شيء، وأن هذا الإعلامي الذي كان يدافع عن الرئيس، أصبح في يوم وليلة هو المهاجم الأول لعهده وفساده الذي كان يزكم الأنوف.. الكل كان يعرف أن عددا من البرامج في القطاع الخاص الفضائي كان الغرض من إنتاجها هو التمهيد لتوريث جمال الحكم مثل برنامج «واحد من الناس»، وأن خطة البرنامج تبدأ بأن يهاجم في الجزء الأول الحكومة التي تذل أعناق المواطنين، ولا بأس من أن يهاجم رئيس الوزراء وعدد من الوزراء، ثم تأتى المنطقة المحورية في البرنامج وهى استضافة فنان وسؤاله عن رأيه في جمال مبارك رئيسا، وهل هذا يعد توريثا، وتأتي الإجابة بأن هذا ليس توريثا وأن جمال مواطن مصري من حقه أن يتمتع بكل حقوقه الدستورية مثل أي مواطن.. من التحولات أيضا، ما رأيناه مع الماكيير محمد عشوب الذي كان يؤازر حسني مبارك وكان مبارك يستعين به في مكياج وجهه قبل التسجيلات التلفزيونية؛ بل إنه هو الذي أوحى للكاتب يوسف معاطي بكتابة سيناريو فيلم «طباخ الرئيس» والذي يقدم علاقة بين الرئيس وأحد أفراد الشعب، واستبدلوا «الطباخ» بـ«الماكيير».. فوجئت به ينقلب عليه ويعلن تبرأه منه وندمه على السنين التي قضاها في تجميل وجه الرئيس.. وحكى عشوب كيف أن الرئيس كان يتبسط معه إلى درجة أنه يقول إنه عندما تحتاج الدولة إلى أموال عاجلة كان يلجأ إلى الملك عبد الله الذي كان يرسل من حسابه الخاص الأموال المطلوبة، ولكنه كان يخشى أن يطلب ذلك من معمر القذافى لأنه من الممكن أن يفضح هذا الموقف عالميا!! النجوم الذين التقوا مع مبارك قبل بضعة أشهر في اللقاء الذي ضم عددا من الفنانين من مختلف الأجيال.. هؤلاء الفنانون بعد انتهاء اللقاء كانوا حريصين على أن يصدروا للجمهور معلومة أن الرئيس لا يزال بصحة جيدة ويمسك البلد بقوة.. هؤلاء الفنانون انقلبوا على مبارك وصاروا ينعتوه بـ«الطاغية» بعد أن كان قبلها بأسابيع فقط هو الرئيس المحبوب. الغضب توجه مباشرة إلى مبارك والعائلة، وكلما اقتربوا من مبارك أكثر، كان إحساسهم بضرورة الهجوم عليه أكثر!! عادل إمام يطلب من الناس أن يحاسبوه على أفلامه، رغم أنه صاحب المقولة الشهيرة: لولا الرئيس مبارك، ما كان من الممكن أن ترى هذه الأفلام النور. وروى أكثر من واقعة متعلقة بأفلام مثل «بخيت وعديلة» الجزء الثاني واسمه «الجردل والكنكة»، مؤكدا أن الدولة اعترضت على الفيلم وأن الذي دافع عن حقه في التعبير هو مبارك.. كذلك فيلمه «السفارة في العمارة» الذي اعترضت عليه الرقابة كما ذكر عادل إمام أكثر من مرة، بينما الذي دافع عن الفيلم هو حسني مبارك، وهو الذي أمر بتنفيذه ولولاه ما كان من الممكن أن يرى الفيلم النور.. إن أفلام عادل التي كانت تواجه الظلم وتتصدى للإرهاب والتطرف الديني لم تكن سوى أفلام للتنفيس عن الجمهور، والدولة ممثلة في مبارك كانت حريصة على تقديمها، ولا أتصور عادل سوى أنه يسعى لإرضاء السلطة السياسية بهذه الأفلام المصنوعة طبقا لأوامر السلطة السياسية.. ورغم ذلك، فإنه عادل كان أحد أعلى الأصوات التي أعلنت تحولها المفاجئ بعد أن أيقن بانتهاء عصر مبارك والتطلع إلى زمن آخر بعد نجاح الثورة، ولهذا حرص على المسارعة بنفاقها لعل وعسى؟! كانت الإذاعة المصرية قبل نحو أكثر من عشرين عاما تقدم برنامجا إذاعيا للراحل علي عيسى عنوانه: «قل ولا تقل»، الغرض منه إصلاح عدد من الأخطاء الشائعة في اللغة العربية.. ولأننا صرنا نستخدم كثيرا تعبير «حظر التجول» الذي بدأ ترديده مباشرة بعد ثورة 25 يناير، فأنا أرى أنه لا خطورة من «التجول» لو قارناه «بالتحول» الذي بات هو الشائع في الحياة السياسية في مصر.. ولهذا هو الأجدر بإصدار قانون سريع يقضي «بحظر التحول»!!

الشرق الاوسط

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire