vendredi 18 mai 2012

الناخب الحائر بين استطلاعات رأي خادعة و'جمهورية ثانية' آفلة!


محمد عبد الحكم دياب

فى السبت الأول من شهر كانون الثاني/ديسمبر من عام 2011 نشر على هذه الصفحة مقال بعنوان 'إمكانية تصفية الثورة بالديمقراطية!' مهتديا بنتائج أولية للانتخابات التشريعية، وكانت تشير إلى اكتساح أكبر كتلتين من كتل 'الإسلام السياسي' للسباق الانتخابي، وصفنا أحداها بأنها مترددة تائهة؛ بين غواية الحكم وإغراء السلطة من ناحية، وبين تكاليف الثورة وأعبائها من ناحية أخرى، ووُصفت الأخرى بأنها مندفعة نحو المغانم بلا حساب، قافزة على تضحيات المصابين والشهداء، فحل البديل مكان الأصيل، واستقر الاستثناء عوضا عن القاعدة.
وإن كان الإخوان المسلمون قد التحقوا بالثورة ولم يكونوا مفجريها أو صانعيها، فإن القطاع الأعرض من السلفيين رفضها، ثم تعامل معها على قاعدة الضرورة التي أباحتها فتاوى شيوخهم. فمن ثار وضحى غير من حصد وجنى، وهذه من مفارقات ثورة 25 يناير رغم عظمتها واتساعها.
ولما انتهت نتائج الانتخابات على ذلك النحو فإنها عنت أن الخيار الديمقراطي أتى على حساب الثورة، ولم يكن متوقعا له بأن يأتي بعكس ذلك. وقلنا كذلك أن مصر قد تجد نفسها بين خيار التقسيم والتفتيت بقيام 'إمارات إسلامية' متناحرة، وقد تُبتلى بـ'أتاتورك مصري' يقطف الرؤوس التي طالت بدعوى الحفاظ على وحدة الدولة وحمايتها من خطر التقسيم المذهبي والانشطار الطائفي، أو تدخل في دوامة انقلابات عسكرية تتوالد تباعا.
وكل ذلك قيل مع التأكيد على احترام إرادة الشعب والقبول باختياره، وأن الثورة لن تُقتل بالديمقراطية مادامت قواها يقظة ومستعدة للتضحية، وكان الرضا بالنتيجة من أجل الاستمرار في تعزيز التوجهات الديمقراطية والتمسك بالاحتكام للشعب، والعمل على تخليص 'الإسلام السياسي' من التشدد والتمذهب، وإقناع أتباعه بالانخراط في الجماعة الوطنية، ومساعدتهم على أن يكونوا جزءا معبرا عن روح الشعب واعتداله وتسامحه ومرونته، رذلك لاجتياز مرحلة البناء بأقل الخسائر.
وما أدى بنا لقول ذلك هو أن تغيير السلطة لم يتم، وميزان القوى السياسي والرسمي بقي على حاله، وسقط اليمين البوليسي ليحل محله يمين مذهبي وطائفي متطرف؛ حصيلة استفتاء 19/ 3/ 2011 وانتخابات مجلسي الشعب والشورى؛ وأقصيت قوى الثورة وأبعدت عن مقاعد الحكم، أو المشاركة فيه، وكان الرضا الذي عم القوى الحزبية والسياسية في جانب منه انعكاسا لقناعة لدى قوى ثورية بأن الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها، وهذه القناعة لم تحل دون تمكين فلول الحكم السابق من إعادة إنتاجه مرة أخرى.
وآلية الانتخابات وقد أدت إلى تلك النتيجة أغرت رجال مبارك - في الحكم وخارجه - بسرعة العمل على حسم معركتهم مع الثورة وإعلان الانتصار النهائي عليها، بعد أن وُجهت لها ضربات موجعة أوصلتها إلى حالتها الراهنة، وبدت إنتخابات الرئاسة فرصة مواتية تمكنهم من ذلك، وتعزز مواقعهم وتقوي شوكتهم، وساعد على ذلك استمرار الأخذ بالحلول الأمنية بما فيها من عنف مفرط وتضييق على الثوار وملاحقتهم، في ظروف انتشرت فيها صحف ومطبوعات وقنوات فضائية يمولها ويرعاها الفلول من حيتان المال السياسي والجريمة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات، تبث العداوة والبغضاء بين الناس وتؤلبهم على الثورة، حتى أنها أثرت بالفعل على أعداد ليست قليلة.
وهذا جرأ عمرو موسى وأحمد شفيق، على دخول معركة الرئاسة، وكان عليهما أن يتواريا خجلا بسبب دورهما البارز في منظومة مبارك باستبدادها وفسادها وتبعيتها. ودخلا طمعا في كسب الجولة، ومن أجلهما وظفت استطلاعات الرأي في غسل سمعتهما!!.
والتعرف على أهم مؤسستين تقودان لعبة الاستطلاعات يكشف فساد اللعبة، ويبين أنها لا تتمتع بمصداقية كافية تبعث على الثقة، وكانت المؤسستان داعمتين لحكم مبارك ومنحازتين لمخطط التوريث.. والمؤسسة الأولى هي 'مؤسسة الأهرام'، ورغم عراقتها تضم وحدة لاستطلاعات الرأي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لها، وتقع هذه الوحدة تحت إدارة وتوجيه عناصر محسوبة على جناح التطبيع مع الدولة الصهيونية في المؤسسة، ومن خلالها يمكن قياس الاتجاهات الصهيونية بالنسبة لانتخابات الرئاسة، والفريق المشرف على استطلاعات الرأي من تلاميذ رئيس المركز السابق جمال عبد الجواد؛ المتحمس للتطبيع والمدافع الشرس عن عائلة مبارك وكل ما ترمز له. ولم يكن أقل حماسا عن رئيس المركز الأسبق عبد المنعم سعيد للأمركة ومناصرة التطبيع، وتُختار عينات الاستطلاعات من عناصر لها نفس الهوى والحماس. وكل مناصر للدولة الصهيونية في مصر يحتل موقعه في مقدمة العاملين على إعادة إنتاج حكم حسني مبارك مرة أخرى، ومن الطبيعي أن يكون عمرو موسى وأحمد شفيق على رأس تلك الاستطلاعات.
والمؤسسة الثانية هي 'مؤسسة بصيرة' ويرأسها ويديرها ماجد عثمان، الرئيس السابق لمركز دعم اتخاذ القرار برئاسة الوزراء، وعين في منصبه ذاك في فترة رئاسة أحمد نظيف رجل جمال مبارك، وأي نتاج تم تحت إشرافه وقع تحت طائلة 'الشهادة المجروحة'، لارتباط وظيفته تلك بتعظيم دور جمال مبارك وإبرازه والترويج للتوريث، خاصة وأن مبارك الابن هو المحرك الحقيقي لأحمد نظيف، وكان نظيف بدوره عبدا مطيعا له، وبجهود 'المطبعين' والعاملين على صهينة السياسة المصرية تمت عمليات تشويه الوعي، التي تتكرر الآن باستطلاعات الرأي العام حول انتخابات الرئآسة.
وسوابق ماجد عثمان تفقد أعماله المصداقية. ففي مسح أجراه مركز دعم اتخاذ القرار تحت إدارته؛ في 2008 وصل إلى نتائج مضحكة تقول بأن ما يقرب من 90' من المصريين سعداء وفخورين بحياتهم!!، وأكثر قليلا من 10' قالوا بالعكس. وكل نتائج استطلاعات الرأي التي قام بها على هذه الوتيرة، واعتمد عليها جمال مبارك وأحمد نظيف في تسويق استبداد الحكم وفساده وقهره وتبعيته، وعاد ماجد عثمان يمارس نفس الدور في تشويه الرأي العام. وكان قد عين وزيرا للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في حكومة تسيير الأْعمال التي رأسها عصام شرف، وجاءت على أنقاض حكومة أحمد شفيق التي أسقطها الثوار بعد أن عينها مبارك قبل خلعه ورفضها الشعب!!
وانحياز صحيفة 'المصري اليوم' لمثل هذه الاستطلاعات 'المضروبة' مفهوم لكن غير المفهوم أن تكون صحيفة مثل 'الشروق' برصانتها، وهي أكثر ميلا للثورة أن تكون طرفا في هذه اللعبة؟، ويبقى السؤال معلقا إلى أن تتكشف الأمور وتتوفر المعلومات الموثوقة لفهم موقفها.
عظّمت الاستطلاعات من ثنائية مصطنعة تحاصر الرأي العام، وتضع عمرو موسى أبرز رموز حكم حسني مبارك ومن أكبر الفلول في المركز الأول، ومعه الإخواني المنشق عبد المنعم أبو الفتوح، ويحظى بتأييد قطاعات ذات وزن في المركز الثاني، وذلك لتمرير رمز الفلول ليكون نجم أول وآخر مناظرة تشهدها مصر بين مرشحي الرئاسة، وقد كان ذلك تمهيدا لحصر تلك الثنائية في اثنين من أركان الحكم البائد؛ وهما عمرو موسى وأحمد شفيق، فيجد الرأي العام نفسه أسير الاختيار بين أمرين أحلاهما مر، على أمل أن يكون فوز أي منهما تتويجا لمرحلة طالت من النشاط والعمل المستمر لإعادة إنتاج حكم عائلة مبارك.
ولو نجحت لعبة استطلاعات الرأي العام فمعناها أن انتخابات الرئاسة لن تكون جزءا من الحل أو خطوة نحو الاستقرار، بل تصبح جزءآ من المشكلة وطريقا لتعقيدات ومصاعب جمة تؤدي إلى دخول مصر في دوامة ومتاهة من الممكن ألا تخرج منها سالمة.
وما يجري على جبهة استطلاعات الرأي لا يمكن فصله عما يجري بين من اختيروا للعمل في لجان الانتخابات منتدبين من الإدارات الحكومية، ومثالها الفاضح اجتماعات عقدتها إدارات تعليمية بمحافظة الجيزة مع موظفيها الذين أختيروا للعمل في لجان الانتخابات، وهذه الاجتماعات يتولاها ويقودها فلول وأعضاء في الحزب الوطني المنحل وعناصر من جهاز أمن الدولة السابق؛ في محاولة للتلاعب في عمليات التصويت والفرز، وهذا يزيد من عبء الضغط على رؤساء اللجان من القضاة، ويؤثر على سلامة سير الانتخابات!.
وإئا ما نجح أولئك الموظفون في مهمتهم فسوف يعلن الفلول انتصارهم ويستعيدون زمام المبادرة بالكامل؛ لتبدأ عملية تصفية الحساب مع الثورة والثوار، ومن المتوقع أن يكون دمويا وعنيفا؛ في بلد يعاني من تخمة أسلحة منفلتة من كل نوع.
ويصر عمرو موسى في برنامجه وصف رئاسته بـ'الجمهورية الثانية'، وهدفه الحيلولة دون ظهور 'جمهورية ثالثة' تترجم أهداف الثورة وتلبي طموح الثوار، مع أنه نتاج 'الجمهورية الثانية' بطبعتيها؛ الساداتية المؤمركة، والمباركية المصهينة، وهو يعلم أن 'الجمهورية الأولى'أسقطها السادات وكانت قد استمرت من تاريخ إعلانها في 18 يونيو/ حزيران 1953 حتى 13 مايو/ أيار 1971، وهو تاريخ الانقلاب عليها، ونقل السادات بجمهوريته الثانية المجتمع المصري من الاستقلال إلى التبعية، ومن التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة إلى الاستغلال والتمييز الاجتماعي البين، ومن التماسك الوطني والتطلع إلى الوحدة إلى الانعزالية والتجزئة والاختراقات الطائفية والمذهبية والصهيونية لكل مناحي الحياة.
وإذا كان عمرو موسى يعيد إنتاج 'الجمهورية الثانية' فإن أحمد شفيق أعلن أن حسني مبارك مثله الأعلى، ومن أجل ذلك وضع شعار حملته 'الأفعال وليس الكلام'، ومن الممكن أن يكون شفيق أتاتورك القادم لقطف 'رؤوس قد أينعت وحان قطافها' على نهج الحجاج بن يوسف الثقفي، فيحكم بالحديد والنار والدم.
وثنائية الاختيار في استطلاعات الرأي العام 'المضروبة' بين عمرو موسى وأبو الفتوح تمهد لمرحلة تالية تحصرها بين عمرو موسى وأحمد شفيق، وموسى في مناظرته لم يجرؤ على وصف الدولة الصهيونية بالعدو، وتجاهلت المرشحين الآخرين؛ ومنهم أربعة على الأقل محسوبين على الثورة قبل اندلاعها هم حمدين صباحي وخالد علي وهشام بسطويسي وأبو العز الحريري، ويضاف إليهم عبد المنعم أبو الفتوح بين منزلتين؛ الانتماء السابق للإخوان المسلمين ثم الوقوف مع الثورة من يومها الأول، مثله مثل حزب الوسط وحزب العمل الإسلامي وبعض سلفيي الإسكندرية.
وتثبت مجريات الأوضاع في مصر أن الاكتفاء من الديمقراطية بصندوق الانتخابات واستطلاعات الرأي بعيدا عن تغيير العلاقات القائمة بين 'القوى المالكة الحاكمة' والشعب المتطلع للمشاركة وتقرير مصير بلاده واستكمال ثورته وبناء مستقبله حرث في البحر؛ يؤكد أن تصفية الثورة بالديمقراطية ممكن، وكي نكون أكثر دقة نقول أنها الثورات تُصفى باستمرار الظلم الاجتماعي وبقاء الفوارق الطبقية على حالها دون تذويب.
' كاتب من مصر يقيم في لندن

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire