jeudi 10 janvier 2013

د. محمد على يوسف يكتب : «هاتوا له راجل»!!

 

فى نشوة وسرور صاح الشاب بتلك العبارة المعنون بها للمقال، معلقا على مقطع عرضه الدكتور باسم يوسف فى مسرحه، الذى كان الشاب أحد الحضور به. ربما لم يوفق الداعية بطل المقطع فى المثال الذى أراد به فيما يبدو بيان مدى رضاه عن الأداء السياسى للرئيس مرسى، وربما يكون اللفظ قد خانه من حيث لا يدرى، فوقع فى تشبيه غير لائق أو مبالغ فيه، لكن لا يمكن أبدا أن يتصور عاقل أنه يحتمل المقصد البذىء الذى تحمله تلك الجملة التى سارع الشاب بإلقائها، والتى صارت منذ أسابيع «إفيه» متعارف عليه، يسارع كثير من الشباب باستعماله حين السخرية من شيخ أو داعية.


المقطع الأصلى نفسه والذى أُخذت منه تلك العبارة للدكتور محمود شعبان لم يكن يحتمل قط تلك البذاءة، التى ساعد عليها الدكتور باسم بإيحاءاته المعتادة بعد اقتطاع تلك الجمل عن سياقها، فالرجل كان يتحدث عن رفضه الظهور مع مذيعة ويطالب باستبدالها بمذيع وهو حق لا يستطيع أحد أن ينزعه عنه، قد تختلف مع تعبيره أو اختيار ألفاظه، لكن لا يحق لك بحال أن تشير إلى أن رفضه للظهور مع مذيعة يحتمل ذلك الإيحاء الذى أصبح فيما بعد «إفيه» معلوم الدلالة.


ذلك الموقف يمثل عرَضاً بسيطًا لما ذكرته فى مقال الأسبوع الماضى «أمعاء آخر شيخ»، حول مآل ما يفعله الدكتور باسم سواء قصد ذلك أم لم يقصده، العَرَض ببساطة هو: زوال الاحترام، وتجريف الأعراف، والقيم وزعزعة الثوابت التى نشأ عليها الناس.


لا أقول فقط زوال التوقير وحفظ حق العالم أو ذى الشيبة الموصى به فى الأحاديث الصحيحة، فهذا الزوال كان للأسف مرحلة تاريخية سابقة، لكننى أتكلم عن وصول الأمر إلى زوال الاحترام الإنسانى الطبيعى لشخص ربما لا يعرف الشاب عنه إلا هذا المقطع، ولا يدرى عن أحواله أو علمه أو تقواه أو تاريخه أى شىء، فقط سمع استعمالاً لغويًا يمكن مع الجو الساخر المحيط وبقليل من سوء الظن حمله محملا سيئًا، فاستهزأ به بكل هدوء أعصاب وأريحية قائلاً: «هاتوا له راجل».


هذا أحد الشواهد الواقعية التى تكلمت عنها فى المقال السابق، ولدى غيره الكثير مما تسود به الصفحات من اجتراء وإهانة واستحلال للأعراض، تابعت برنامج الدكتور باسم، الذى يهدم بإصرار تلك الثوابت الناصعة، فحينما تطالع مثلا على شاشة «البرنامج» صورة «مصطنعة» للدكتور حسين حامد حسان علامة الاقتصاد الإسلامى وأستاذ ورئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق، ومن لا يتسع المقام لذكر شهاداته العلمية ودرجاته الأكاديمية وخبراته العملية، وتفاجأ به مرتديا خرقة من جلد النمر تكشف عن صدره وكتفه، فى إشارة إلى الصورة النمطية لما يُعرف بإنسان الغاب رمز التخلف والبدائية؛ تعلم حينئذ أنك أمام حالة عبثية لا سقف لها، ومرحلة انعدام لكل معايير المنطق المستقيم، وتسأل نفسك إن كان هذا الجبل من العلم الراسخ والتاريخ المشرف والعمل الدؤوب يباح أن يُرسم بهذه الطريقة المهينة فى عرف الدكتور باسم، فمن إذن العلماء وأصحاب الفضل ومستحقو التوقير فى نظره؟!


من حقك أن تختلف مع ما قاله الدكتور حسين أو غيره، وأنا عن نفسى أختلف مع قوله عن الدستور أنه الأفضل فى التاريخ، ولنا أن نفنده ونناقشه، بل وننصح له إن رأينا خطأ طرحه، لكن أن نختزل حال المخالف فى صورة أو مقطع، فذلك ما لا يمكن تصوره أو قبوله، فلنختلف فى الرأى كما نشاء، طالما نختلف مع من رأيه ليس معصومًا من الزلل ولا محصنا ضد النقد، لكنَّ عِرض المرء وكرامته الإنسانية يظلان موضع صونٍ، تماماً مثل ماله ودمه لما صح فى الحديث: «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكُم حرامٌ»، لا يُحله خطأ، ولا يجيزه زلل، ولا ترخصه كبوة أو خلاف فى رأى.


القضية ليست فى علامة «للكبار فقط» التى وضعها الدكتور بعد ذلك على البرنامج، ولا فى مجرد الإيحاءات الجنسية التى اعتبر انتقادها مبالغة، لكنها قضية منهج وأسلوب يستبيح الحرمات ويبرر للسخرية والاستهزاء بغلاف من «الهزار»، وربما يؤدى فى نهاية المطاف إلى استمراءٍ لزوال الشىء الذى اعترف الدكتور بافتقارهم إليه حين وصفتهم الإعلامية منى الشاذلى بقلته -تصريحا لا تلميحا- فأقرها ضاحكا وقال: «آه» هذا الشىء الذى كان يعرف قديما بالـ«أدب».

د. محمد على يوسف يكتب : «هاتوا له راجل»!!
قسم الأخبار
Thu, 10 Jan 2013 11:10:00 GMT

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire