mardi 26 février 2013

نشر أوراق القضية الأصلية لمحاكمة أحمد عرابي (1-9)

 12 شاهد إثبات يحاولون إحكام التهمة علي عرابي

تأليف ـ الكاتب الصحفى محمود صلاح

ربما لم يشهد تاريخ القضاء المصري مثل قضية محاكمة أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية، هذا الضابط الفلاح الذي جاء من أعماق الريف المصري ورغم أنه تبوأ أكبر المناصب العسكرية حتى أصبح ناظرًا للجهادية إلا أن المنصب الكبير والرتب والنياشين لم تمنعه من أن يعلن الثورة على الخديوي من أجل كل المصريين. وأن يتصدى بكل جسارة وشجاعة لأساطيل وجيوش المحتل البريطاني.

إن وقائع محاكمة عرابي وأسرار القضية التي لم تذع من قبل. هي أشرف وسام للمواطن المصري.

ومن ناحية أخرى فإن تفاصيل القضية ومحضر استجواب أحمد عرابي، وحكم إعدامه الذي استبدل به النفي إلى الأبد من الأقطار المصرية، ستظل بكل ما فيها من أسرار وتناقضات شاهدًا على تاريخ مصر العظيمة وشجاعة رجالاتها الأوفياء، وكيف حاول – ويحاول – اللصوص والمنافقون تزييف هذا التاريخ برذاذ أسود وزبد الفقاعات الهشة. لكن الثوب يبقى ناصعًا رغم الرذاذ، والزبد دائمًا يذهب هباء.

ويكفي أن تهمة أحمد عرابي كانت الخيانة العظمى لأنه أبى الاستسلام وأصر على الدفاع عن مصر ضد الإنجليز.

كانت محاكمة عرابي بالفعل من أغرب المحاكمات في تاريخ القضاء المصري. لقد حوكم الزعيم أحمد عرابي أمام المحكمة الخديوية المصرية عام 1882 وتكونت هيئة المحاكمة من رءوف باشا، وإبراهيم الفريق باشا، وإسماعيل كامل باشا، وآخرين. أما شهود الإثبات الذين شهدوا ضد أحمد عرابي فكانوا سلطان بك، وأحمد السيوفي، وسعيد السماحي، وآخرين.

وكان من الغريب أن يكون أعضاء هيئة المحاكمة وشهود الإثبات من المصريين، أما الذين وقفوا للدفاع عن عرابي فقد كانوا من الإنجليز، فقد تشكلت هيئة الدفاع عنه من مستر برودلي وريتشارد إيف ومارك نابير!

لكن الأغرب أن التهمة التي وجهت إلى عرابي قبل استجوابه كانت أنه دافع عن مصر ضد الاحتلال البريطاني، مخالفًا بذلك تعليمات وأوامر الخديوي توفيق.

أشرف تهمة

فقد جاء في وصف التهمة التي وجهت لأحمد عرابي حسب السجلات الأصلية للقضية: أنه لما صدرت الإرادة الخديوية إلى أحمد عرابي باشا في 29 شعبان سنة 1299 هجرية الموافق 15 يوليو سنة 1882 بأن الضرب على الطوالي عن دونتمة الإنجليز. ما كان إلا للتهديد للدونمة باستمرار التجهيزات الحربية بالطوالي بعد صدور الأوامر بإبطالها، وأمر جناب الخديوي بأن يصرف النظر عن جمع العساكر وإبطال التجهيزات، ويخطر لطرف سموه برأس التين لإعطائه التنبيهات اللازمة، فلم يمتثل وأظهر العصيان بالرد على سموه بأن لابد من استمرار التجهيزات ما دامت المركب في الميناء، وفي الحال استعد للمقاومة وجدد استحكامات كفر الدوار وغيرها للمحاربة مخالفًا في ذلك للإرادة المشار إليها.

ويضيف وصف التهمة: ولم يكتف عرابي باشا بعصيانه لجناب الخديوي كما توضح، بل أرسل الأمر الصادر له بإبطال التجهيزات وبطلبه بإفادة منه لوكيل الجهادية في 17 يوليو سنة 1882 بقصد استمرار التجهيزات وحرر للمديريات وللجهات من طرفه منشورًا في نهاية 16 يوليو 1882، بأمر عموم الأهالي بالمداومة على التجهيزات، ويحذرهم من الإصغاء للأوامر الخديوية التي تصدر إليهم بإبطال التجهيزات، وأنهم لا يتبعون إلا أوامره هو فقط.

هل هناك أشرف من هذه.. تهمة؟

لقد رفض عرابي أوامر جناب الخديوي بعدم التعرض لأسطول الإنجليز، وعصى هذه الأوامر ورفض مقابلة الخديوي، وطلب من أهالي الإسكندرية وكل سكان مصر عدم الامتثال لأوامر الخديوي. وحتى بعد انسحابه من الإسكندرية استمر أحمد عرابي في عصيانه للخديوي الذي باع نفسه وأراد بيع مصر للإنجليز، مما جعل الخديوي يصدر فرمانًا بعزله من نظارة الجهادية.

فقد جاء أيضًا في وصف التهمة: كما أن ذهاب عربي إلى كفر الدوار مستصحبًا العساكر، وإخلاء الإسكندرية من غير أن يصدر له أمر بذلك.. وتوقيف حركة السكة الحديد وقطعه جميع المخابرات التلغرافية عن سموه ومنعه ورود البوستة لجنابه، ومنعه لرجوع المهاجرين لوطنهم الإسكندرية، واستمراره على التجهيزات الحربية، وامتناعه عن الحضور عند طلبه، كل ذلك أوجب عزله، ولهذا قد عزله من نظارة الجهادية والبحرية فلم يذعن لهذا أيضًا. بل بقي مستمرًا على ترأسه على الجيش، وعلى استدامة التجهيزات الحربية وتكليف الأهالي بالانقياد لأوامره ومخالفة أوامر الخديوي.

كل ذلك بعد رفع الراية البيضاء إشارة للسلم والدخول في المكالمة.

أمر بخلع الخديوي

وتسجل الأوراق الأصلية لمحاكمة الزعيم أحمد عرابي قبل إجراء التحقيق معه شهادات 12 شاهد إثبات تقدموا بشهادتهم ضد عرابي إلى القومسيون الذي أجرى استجوابه فيما بعد.

وعلى رأس شهود الإثبات الذين شهدوا ضد عرابي سلطان بك رئيس مجلس النواب الذي شهد بأن عرابي أعلن الثورة وطالب بخلع الخديوي توفيق.

تقول أوراق القضية إن سعادة سلطان بك رئيس مجلس النواب بشهادته قال إن العرابي لما حضر إلى منزله في يوم السبت 27 مايو 1882، ومعه جملة من الضباط والعساكر وبعد قليل حضر نحو خمسمائة منهم وأحاطوا بالمنزل داخلاً وخارجًا بعد سقوط وزارة محمود سامي.

ويقول سلطان بك في شهادته: ثم قام عرابي خطيبًا بما افتراه على ولاة مصر السابقين وعلى الحضرة الخديوية بأمور غير لائقة، وفي أثناء خطبته هدد من كان حاضرًا في المجلس من العلماء والنواب، حتى انتهى به التهور إلى المناداة بخلع سمو الخديوي، فارتفعت أصوات العساكر والضباط.

وقالوا : الخديوي مخلوع.

ثم قال عرابي مشيرًا للنواب وبقية الحاضرين: من كان منكم معنا فليقف.

ثم جرد محمد بك عبيد سيفه وقال:

علي الطلاق إن من لم ينتصب واقفًا لأضربن عنقه!

يقول سلطان بك. فلم يكترثوا وما زالوا جالسين إلا من كان من العسكرية مثل أمين بك الشمسي، وفهمي أفندي عمر، ومراد أفندي السعودي، وأبي عبد الإله، ومحمد أفندي جلال.

وطلب العرابي من النواب الختم على المحضر الذي معه.

فأخبرته أن هذا مستحيل الوقوع، وامتنع النواب وجلس العرابي والتمس مني ومن الحاضرين، طلبة باشا ويعقوب سامي باشا استرحام سمو الخديوي إعادة العرابي لوظيفته حفظا للراحة والأمن العمومي. فقمت وتوجهت للأعتاب – الخديوي – وعرضت ملتمسهم فلم يُجَب، وفي اليوم التالي حضر التجار والعلماء، ولكني امتنعت عن النزول إليهم متحججًا بالمرض ثم حضر العرابي في حالة تهور ودعاهم للتوجه للحضرة الخديوية ليلتمسوا عودته لنظارة الجهادية، فتوجهوا والتمسوا ذلك لأجل منع الخطر الذي كان متصورًا وقوعه.

والعياذ بالله

وتوالى شهود الإثبات ضد أحمد عرابي..

وكان منهم سليمان بك العيسوي الذي قدم شهادة بالمضمون المذكور وزاد فيها أن العرابي بعد مناداته بخلع الخديوي. أمر خليل بك كامل أن يستعد بآلايه ويحضر به إلى سراي الإسماعيلية ليلاً ويحاصرها".

وشهد محمد بك السيوفي بنفس شهادة العيسوي بك. أما مصطفى بك الهجين فقد شهد بأنه: "لما قال سلطان بك للعرابي بأن يتكفل بالأمن أجابه أنه يتكفل به لو كان ناظرًا للجهادية".

وشهد "حضرة الشيخ البحراوي" بنفس المضمون.

وأضاف في شهادته: العرابي في أثناء خطبته نسب إلى سمو الخديوي، الكفر والخروج عن دين الإسلام (والعياذ بالله). أما الذين لبوا عرابيًّا فهم أحمد محمود وإبراهيم الوكيل والسيد الفقي وأحمد عبد الغفار ومحمود بك العطار.. كما أن محمد بك عبيد جرد سيفه عليّ أنا على وجه الخصوص وحلف اليمين أن يقتلني. أما أمين أفندي فقد أكثر في سبي وطعني بيده في جسمي.. والعرابي كان متفقًا مع من تهور من العلماء.

وبطريقته يصف أحد شهود الإثبات ذلك الموقف التاريخي الذي وقفه الزعيم أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق في سراي عابدين.

يقول سعيد بك السماحي في شهادته: إن أحمد عرابي وعصابته جرد جملة عساكر خيالة وبيادة وطوبجية ومدافع على سراي عابدين. وأحاط بها وتهددها وكان سمو الخديوي مع وزرائه وكثير من أمراء الحكومة ووكلاء الدول والأوربيين ووجوه القاهرة وأعيانها وأنا منهم. وكان شريف باشا قد توقف في قبول رئاسة النظارة لما رآه من حالة الجهادية وتغلبهم. وأن كثيرًا من النواب كانوا لا يتكلمون إلا بإشارات أحمد عرابي ومحمود سامي. ولما تولى محمود سامي الرئاسة وأحمد عرابي نظارة الجهادية تصرف عرابي في عموم المصالح ولم يكن يرد له فيها قول. وكان يوقع على جميع ما يعرض إليه ويخاطب عموم الجهات. وكان رؤساء المصالح يمتثلون لأوامره.

ويروي سعيد السماحي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين عرابي. عندما ذهب إليه السماحي مع وفد في مدينة الإسكندرية ويقول:

سألت العرابي: ماذا تصنع إذا حضرت العساكر الشاهانية؟.

رد عرابي: أقاتلهم لأنهم مساعدون لعساكر الإنجليز. وإنا أقاتل كل من ينضم إلى الإنجليز حتى لو تجتمع عموم الدول.

يقول السماحي: ولما تكلمت مع درويش باشا بشأن أخذه إلى الآستانة.

رد عرابي: بيني وبين الضباط عهود وهم لا يرضون بذلك. فضلاً عن أن الأمة المصرية لا تعرف غيري!.

وشاية.. الخواجة

والطريف أن بعض شهود الإثبات كانوا من الوشاة الذين حاولوا الإيقاع بين عرابي ورفاقه!.

ومن هؤلاء "المسيو يوسف شاندلر" الذي شهد بأنه "لما تكلم مع محمود باشا سامي بشأن الشائعة التي تواترت عن رغبة عرابي في سقوط وزارة محمود باشا سامي ليتولي عرابي بنفسه الرئاسة بدله".

- رد عليه محمود باشا سامي قائلاً: لا صحة لهذه الشائعة.. والوفاق متمكن بيننا.. وأنا أعرف مقاصد عرابي السرية!

وكان من بين شهود الإثبات "خواجة آخر". وشهادته تتحدث عن نفسها!.

يقول "الخواجة موج" في شهادته: من ضمن ما أعلم أنه لما كان عرابي خارجًا في طابية الرماس سمعت حركة مقذوف خرج بالقرب من الطابية وقتل ضابطين وجملة ناس. وفي الحال أمر عرابي البوليس أن يدخلوا كافة المنازل المرفوع على سطوحها بيارق. لتوهمه أن إلقاء هذا المقذوف بسبب إشارات عملت بالبلدة للمراكب الإنجليزية. وتهجم أحد الضباط ومعه عشرون من عساكر البوليس على بابي. وكان معهم أحد عساكر المتحفظين يحمل بيده فأسا ملوثة بدم مستخدم التلغراف الذي كان قد بقي بالمكتب. وفي ثاني يوم نحو الساعة التاسعة صباحًا مر طلبة باشا إلى جهة الترسانة. وفي الساعة العاشرة ابتدأ ثانيًا الضرب وانتهى بعد ضرب أربع بمبات (قنابل). نظرًا لرفع البيرق الأبيض. وفي هذا الوقت تم إلزام الأهالي بالمهاجرة، ومن امتنع كان يجبر بالقوة. كان عرابي واقفًا بباب شرقي. وفي الساعة الثانية ونصف بعد الظهر حضرت عساكر جهادية في شارع باب شرقي. وبعد قليل ابتدءوا في كسر أبواب وشبابيك المحلات. ولما هجموا على أحد المحلات وقيل لهم أن يمتنعوا عنه لأن به صندوق الحكومة. قالوا إنهم مأمورون بنهب كل شيء وقتل من يجدونه من الأوروبيين وحرق كل جهة.

ويضيف الخواجة موج: قاومت على نفسي في محلي حتى توجهت العساكر إلى محل أخي. وكنت أسمع قرقعة أصوات الآلات الحديدية في الأبواب والشبابيك الجاري كسرها. حتى صار فتحها وتمكنوا من النهب. وفي الساعة الخامسة والنصف ضرب النفير فاجتمعت العساكر وتوجهوا جهة باب شرقي حاملين غنايمهم هم والضباط ومن يتبعهم من الأشقياء الأوباش. وبعدها نظرت لهيب البيوت التي حرقوها وأخذت في الانتشار. وما انتهى خروج العساكر إلا والنار وصلت كل الجهات.

قطع دابر الخونة

وتوالت شهادات شهود الإثبات ضد أحمد عرابي..

وكأن شهاداتهم لم تكن كافية. فقد جمع القومسيون الذي تولى التحقيق مع عرابي عددًا من التلغرافات التي اعتقدوا أنها لازمة لإحكام أركان التهمة حول عنقه.

ومنها تلغراف من عرابي إلى "بيسم بك" يقول له فيه: "إن الخديوي تواطأ مع الإنجليز.. وعضده درويش باشا" مع أن ذمته وديانته تلزمه أن ينصح الخديوي بأن يكون خلف الجيش المصري، ولكن من فعلهما يتضح أنهما متحدان مع الإنجليز.

وتضمنت أوراق القضية تلغرافات أخرى من أحمد عرابي ومنها.

تلغراف منه: "إلى الحارس عموم أركان حرب الاستفهام عما إذا كان صار سد الترعة الحلوة أم لا؟ مع المبادرة بسدها حالاً".

وتلغراف آخر منه: "إلى وكيل الجهادية بمحاكمة محمد رائف بك وقطع مرتبه. لكونه تعين محافظًا للسويس من طرف الإنجليز".

وتلغراف منه: "إلى محمود بك فهمي يأمره بأن يقطع السكة الحديد طريق الإسماعيلية".

وتلغراف من عرابي: "بمحاكمة علي أفندي ياور بالمجلس كونه انحاز إلى مراكب الإنجليز، وهو وجميع من سبق انحيازهم للإنجليز. ومن تركوا أوطانهم وأموالهم فرارًا من العدو".

وتلغراف لوكيل الجهادية: "بقطع دابر حسن حسني مأمور مالية الدقهلية وشكيب بك مأمور المطرية وعلي بك وكيله. لكونهم مفسدين لمساعدتهم لأعداء الدين".

وأخيرًا تلغراف من عرابي لوكيل الجهادية أيضًا.. "يبشره بما أوضحه طلبة باشا من نصرته على العدو.. ومشاهدته على غلبة الظن أن توفيق بك وابن ملكة الإنجليز كان في وسطهم".

أما آخر شهود الإثبات ضد عرابي فقد كان سليمان بك أباظة الذي قال: لما صار إحاطة سراي الرمل بالعساكر والسواري متسلحين. أمرني جناب الخديوي بأن أتوجه مع آخرين إلى عرابي وأسأله عن سبب ذلك. فتوجهت ومن معي فوجدنا عرابي بباب شرقي مع محمود سامي وضباط وعساكر واقفين تحت السلاح. وجملة منهوبات مكومة على الأرض وجاري الحريق فيها. وتكلمنا مع عرابي في خصوص إزالة العساكر المحاطة بالسراي.

فرد عرابي: إني لا أعلم ماذا أفعل.. الأمة غير راضية عن الخديوي وخائفون من نزوله بمراكب الإنجليز.

وعندما يكرر سليمان بك أباظة "الترجي، على عرابي لرفع العساكر، يرسل معه طلبة باشا لصرف العساكر وأن يعتذر للخديوي".

كانت هذه شهادات الإثبات ضد أحمد عرابي. فماذا دار في التحقيق التاريخي معه. وكيف تم استجواب زعيم الثورة العرابية؟.

محيط

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire