mercredi 6 février 2013

بالصور..فقر وسلاح ومرض ثالوث أطلق زناد الغضب بالسويس….. "الجناين" أخطر أحياء المدينة الباسلة

حي الجناين بالسويس

مياه طينية تتدفق من صنابير مياه حي الجناين بالسويس الذي يبعد مسافة لا تذكر عن "بورتو السخنة"، حيث منتجع الأثرياء.. السلاح الناري في كل يد بالمنطقة الواقعة شمال المدينة الباسلة بمكان غير بعيد عن ثكنات القوات المسلحة.
داخل هذا الحي توجد العديد من المناطق الفقيرة الجاثمة علي شط "القنال" الشريان الأهم للتجارة العالمية وللاقتصاد المصري. كما يوجد غضب ظاهر لا تخطئه العين لكن يبدو أن الدولة لا تلقي له بالا - علي حد قول الاهالي.. "بوابة الأهرام" كانت هناك وفتشت عن أسباب الغضب والاحتقان وخرجت بالنتائج التالية.
يشهد تاريخ السويس، بأنها بقيت علي الدوام مدينة باسلة تدفع دائما فاتورة استقلال الوطن وقيمة صك حريته من دماء شهدائها، أما حاضر السويس، فما زال بلا ملامح ويعكس بجلاء أنها محافظة لم تعد تحمل سوي الغضب العارم.
"بوابة الأهرام" تجولت بالمدينة الباسلة وفتشت بين ثناياها العريقة عن مكمان الغضب ومفتاح فتيل الأزمات المتلاحقة، وجاءت الإجابة واضحة دون لبس وتكمن في "الجناين" ذلك الحي الذي قدم أول شهيد للثورة في 25 يناير، فهناك تعجز الجغرافيا عن رسم تفاصيل واضحة لمعالم مكان تُعتبر المنازل الطينية فيه رفاهية يمتلكها الأغنياء، بينما تمثل عشش الفقراء السواد الأعظم لهذا القطاع الساقط من ذاكرة كل من بيده الأمر في مدينة الأبطال.
سُمّي حي الجناين بهذا الاسم لأنه قطاع ريفي بالأساس تنتشر فيه الأراضي الزراعية و"الجناين"، ولكن اسم الحي لا يدل بالمرة على حال قرى الحي الإثنى عشر، والتي أهمها قرى العمدة وعامر وكبريت والسيد هاشم والهيشة وغيرها، ففيها أراض زراعية لكنها محاطة بفقر وبطالة وتسرب صرف صحي وزراعي وتسرب من التعليم ووتهديد مستمر للحياة على مزلقان قطار الإسماعيلية الذي يصنع بقضبانه جسرا يوصل للآخرة ويسحق طلابا في عمر الزهور.
صحيح أن الجناين حي زراعي وريفي الطابع إلا أن تخومه صحراوية حيث يحده الخلاء من كل اتجاه، ويطل عليه طريق إسماعيلية الصحراوي من اليسار ومنه يمكن الوصول إلى نفق الشهيد أحمد حمدي الموصل لجنوب سيناء أو كما يفضل أهل الحي أن يسموه "البر الثاني".
وفي أول قرية من حي الجناين وهي قرية العمدة يقبع قسم شرطة الجناين مطلا على ترعة تروي الأراضي الزراعية، يعلوا جنبات واجهته سواد خلفته النيران التي أضرمها "البلطجية" يوم الجمعة 25 يناير الماضي وذلك للمرة الثانية منذ قيام الثورة.
ويجب على من يتجول داخل جنبات القسم أن يأخذ حذره لأن آثار المعركة ما زالت حاضرة بقوة، فهذه غرفة استراحة الضباط تختبئ خلف ستار من السواد، والملابس الميري المحترقة تفترش أرض الغرفة، بينما ضلف الشبابيك تنطق بحجم لآذى والضرر.
في قرية عامر ثاني قرى حي الجناين، ستجد لافتة بالية لقرية تقف بصمود على طريق مصر–الإسماعيلية الصحراوي، معلنة انتهاء الأسفلت لتبدأ رحلة مع الطرق غير الممهدة وقضبان السكك الحديدية غير المُسوّرة، والبيوت الطينية التي تستظل ببيوت أخرى قليلة ارتفعت لدورها الرابع.
الملاحظ في الأمر أن كلا من الأهالي والشرطة يلقي بتهمة اقتحام الأقسام وإحراقها وإضرام النيران فيها على البلطجية من مناطق بعينها مثل قرية "السيد هاشم" و"الهيشة" و"جبلاية الفار" و"أرض اللاجون"، ولكن يبقى السؤال، لماذا تحول حي الجناين لصداع في رأس تلك المدينة الشاطئية؟، ولماذا أصبحت قنبلة موقوتة تنفجر من أقل ضغط؟.
"مرحبا" بالفشل الكلوي.
"الجناين" تعاني كباقي أحياء السويس الخمسة من مشكلة المياه، ولكنها الأكثر فقرا، والأكثر اضطرارا لتجرع مرارة المياه الملوثة التي كثيرا ما تتدفق من صنابير المياه بصحبة كتل طينية وخليط داكن من الألوان.
"مفيش بيت في البلد ما فيهوش فرد مبيغسلش".. هكذا يقول ببساطة الدكتور سليمان حماد من قرية عرب الكبريت في إشارة إلى عمليات الغسيل الكلوي التي يقوم بها الأهالي بسبب تلوث المياه.
يرى حماد أن شهور الصيف هي الفترة الأسوأ بالنسبة لأهالي الجناين التي تتغذى على مياه ترعة الإسماعيلية والتي تمتد لأكثر من 90 كم حتى تصل إليهم وتمر بمدقات جبلية كثيرة وتختلط بالطحالب وتأخذ لونها.
"مفيش حاجة بتتحل المياه وهي فاسدة عندنا وفي السويس كلها، بس هنا بتيجي ألوان، هما مستنيين كارثة تحصل وبعدين يتحركوا"..رددتها بأسى والدة أول شهيد في الثورة المصرية مصطفى رجب وهي تنقل بصرها بين صور فقيدها من منزلها المطل على طريق الإسماعيلية الصحراوي.
في كل مكان يوجد صرف.. ستلاحظ ذلك بمجرد أن تتجول في أرجاء المكان فالصرف الصحي والزراعي حاضر في المشهد وبقوة، في الطرقات وأسفل المنازل وعلى أبواب المدارس، ورغم حداثة نظام الصرف إلا أنه أظهر فشله الذريع حتى أنه أغرق الطريق الصحراوي قبل ذلك قادما من قرية عرب أبو يوسف.
"أصل الناس هتعمل إيه، الصرف بايظ وبيجيبو ترنشات يصرفوا بيها نفسهم ويفرغوها في الخلا والمشكلة تزيد وتكبر أكتر وأكتر".. يختتم جودة أحد أهالي قرية عامر بملل من لاك فاه هذا الكلام مرات ومرات.
مزلقان الموت.
مع مواصلتنا للبحث عن أسباب الغضب في هذا الحي الذي يبدو كطفيل زائد عن حاجة مدينة السويس، ومن فوق أسطح أحد المنازل يبرز شريط السكة الحديد لقطار الإسماعيلية وقد انتُهكت حرمته من قبل سكان العشش الذين افترشوا القضبان وصنعوا "مزلقان" يدوي تسبب في وفاة العشرات عبر سنوات ولم تصل إليه خطط تطوير المزلقانات رغم علم المحافظين وزيارتهم لهذا المزلقان، فيما اعتبره عبد الفتاح برعي، عضو البرلمان المنحل، قنبلة موقوتة تنفجر بين الحين والآخر.
تكمن المشكلة في أن مدرستي محمد فريد الابتدائية والإعدادية تقعان على يسار شريط القطار وبالتالي يضطر الأطفال لعبور السكة الحديد من وإلى مدرستهم وهو ما يصنع مشاهدا مأساوية وصفها جودة بدموع محتقنة: "خايف في مرة ألم ولادي من تحت شريط القطر زي ما عملت مع تلامذتي".
السلاح في يد كل مواطن.
إذا كان الغضب حاضرا فبالتأكيد لهذا الغضب وسائله، والسلاح هو وسيلة الجناين للتعبير عن غضبها، سواء عبر عنها بلطجيتها، أو الأهالي أنفسهم، ومن أجل فهم لغز السلاح في حي الجناين يجب أن نتعرف أولا على التقسيمة السكانية للمكان الذي يتكون من ثلاث فئات رئيسية حسبما يقول الدكتور فراج السيد فراج رئيس قسم الاجتماع بكلية التربية بجامعة القناة:
الفئة الأولى هم البدو أو العربان أو العرباوية وكلها مسميات للفئة نفسها، وهؤلاء أقدم من سكنوا هذه المناطق ووضعوا يدهم على هذه الأراضي عندما كانت صحراء جرداء وباعوها شيئا فشيئا للأهالي، وبالتالي كانوا في حاجة للسلاح كي يحرسوا أراضيهم ولكي يباشروا أعمالهم في حراسة شركات البترول، فضلا عن ارتباطهم بجنوب سيناء من خلال نفق الشهيد أحمد حمدي بحيث يصبح جلب السلاح مهمة ليست شاقة عليهم
"كلنا اشترينا الأراضي من العربان ورجعنا دفعنا فلوسها للحكومة مرة تانية، والعربان مبيحبوش يعيشوا مع حد كل ما العمران يزحف عليهم يبعدوا" هكذا يؤكد جودة أحد الذين اشتروا أراضيهم من البدو.
الفئة الثانية، حسب فراج، هم: "الفلاحون والصعايدة" وهذه الفئة لا يمكنها أن تعيش بدون سلاح بحكم خلفياتهم وموروثهم لحماية أراضيهم ومواشيهم، وأغلب الفلاحين بتلك المنطقة قادمون من محافظة الشرقية المتاخمة لمدن القناة، حيث تبعد بلبيس مدة نصف ساعة عن الجناين.
وفيما يتعلق بالصعايدة فقد ارتبطوا بالمدينة أثناء عمل أجدادهم في حفر قناة السويس حيث استقروا مع أولادهم وأحفادهم في المكان نفسه.
الفئة الثالثة هم المغتربون القادمون من كل مكان بحكم النشاط التجاري والصناعي للمدينة الجاذب للسكان، وهذه النوعية يلزمهما السلاح كي تحمي نفسها في هذا الخلاء حيث الشرطة أقل فاعلية.
أما الفئة الرابعة هم المهمشون الذين يسكنون عادة على أطراف المدن وهوامشها، في العشش الصفيح وما شبه، ومنهم يخرج البلطجية الذين يصعب عليهم التكيف مع المستوى المادي المرتفع للحضر، فيستقرون في الأطراف، كما هو الحال في أغلب مدن القناة.
قسم الجناين نيران لا تنطفئ.
حريق قسم الجناين مرتين في 2011 و2013 واقتحامه مرة في 2009 كان تطورا طبيعيا لهذا التفاعل الكيميائي الغريب بين البلطجة والسلاح والإهمال المرفقي .
"فوجئنا ببلطجية من قرى مجاورة بالحي تطلق علينا نيرانهم من أسلحة خفيفة وثقيلة وتعاملنا معهم قدر المستطاع ثم هربنا بأسلحتنا وسياراتنا".. هكذا قال محمد العجمي من قوة مباحث القسم، أثناء التجول داخل ركام قسم الجناين، حيث كان الرجل شاهد عيان على الهجوم.
"البلطجية معروفين لينا بالاسم والعناوين وبالتسجيلات ونهبوا كل شئ بما فيها سيارات الأحراز والتليفزيونات والبطاطين وضلف الشبابيك" أضاف بأسى بعد أن أشار إلى أول حنفية تم تركيبها في القسم بعد احتراقه، مؤكدا أنهم سيقومون بضبط جميع البلطجية "بس أما نفوق يا باشا من اللي احنا فيه".
الأستاذ جودة أحد سكان قرية عامر المجاورة مباشرة لقرية العمدة التي يقع بها القسم وأحد شهود العيان على واقعة حريق القسم يتفق مع العجمي في هوية الفاعل ولكنه يختلف معه "ازاي يعني فوجئوا بالبلطجية.. إحنا رحنا قبل الواقعة نبلغهم ونعرض مساعدتنا ورفضوا، وأخبرونا أنهم جاهزين".
وتابع جودة بانفعال: قوات الشرطة لم تطلق رصاصة واحدة لحماية القسم وانسحبت تاركة المجال لـ"العربان" كي يسرقوا السيارات والأحراز والبلطجية نهبوا القسم وأخذوا ما فيه وتم تهريب 17 سجينا.
اتفق عبد الفتاح برعي عضو مجلس الشعب المنحل، والذي يقطن مباشرة أمام القسم في قرية العمدة مع رواية جودة. وأضاف أن شجارا نشب بين أسرته والبلطجية بعد أن حاولوا منعهم من إضرام النيران في القسم طالما سرقوه وانتهى الأمر.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض القسم للهجوم، فسبق أن تم اقتحامه في عام 2009 من قبل أهالي قرية عامر المجاورة لقرية العمدة وذلك احتجاجا على مقتل شخص يدعى حمادة السواحلي على يد قوات الشرطة التي قالت إنها كانت تطارده، بينما يؤكد الأهالي أنهم قتلوه بدماء باردة ومنعوا عنه أي مساعدة.
وفي عام 2011 وإبان أحداث الثورة تم إضرام النيران بقسم الجناين وسرقة الأسلحة التي كانت موجودة فيه "وكله تحت سمع وبصر قوات الجيش اللي متحركتش من مكانها" وفقا لجودة.
بعد جولة طويلة بمنطقة الجناين في السويس يبدو واضحا أن الفقر والبلطجة في وجود السلاح و تجاهل الدولة وإهمالها، هم الخليط غير السحري الذي يفجر الغضب في المدينة الباسلة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire