lundi 18 mars 2013

قانون الضرائب وقضية ساويرس

أثارت قضية الضرائب علي آل ساويرس ومنعهم من السفر حالة من اللغط حول الواقعة والجانب الذي يقف الحق في صفه‏,‏ وحول قضايا الفساد والتهرب الضريبي في مصر والذي بلغ نحو‏126‏ مليار جنيه‏,‏ أكثر من نصفها لحفنة من كبار العملاء‏,‏ ومدي جدية وعدالة الحكومة في معالجة هذه القضية‏.‏

والحكاية باختصار أن آل ساويرس أدرجوا شركة المصرية للاسمنت في( أوراسكوم للإنشاء والصناعة) في البورصة في مارس عام2002, ثم قرروا شطبها من البورصة لتفادي قواعد الإفصاح والحوكمة, وليس هناك ما يمنعهم قانونا من ذلك, وعندما بدأوا التفاوض لبيع الشركة, أعادوا تسجيلها في البورصة في24 أكتوبر2007, لاستغلال القانون الذي يعفي عمليات الاستحواذ أو البيع عبر البورصة من الضرائب. وتم البيع فعليا مقابل68.6 مليار جنيه لشركة لافارج الفرنسية في9 ديسمبر2007 بعد شهر ونصف من إعادة التسجيل, وبالتالي تم إعفاء عملية البيع من الضرائب. وبعد ذلك قامت الشركة المشترية بإخراج الشركة من البورصة. وهذا الأمر تكرر في عمليات بيع كثيرة في البورصة.

والعملية لأي مراقب موضوعي هي نوع من التحايل لعدم دفع الضرائب, وهو سلوك لا يختص به آل ساويرس بل هو سلوك عام للكثيرين من رجال الأعمال في التعامل مع حقوق المجتمع والدولة.

لكن هل قام آل ساويرس بهذا التحايل بالمخالفة للقانون. الحقيقة أن الإجابة القاطعة هي: لا.. لقد قاموا باستغلال القانون الفاسد والمتحيز للرأسمالية والمملوء بالثغرات التي تتيح التهرب الضريبي, شأنهم شأن غيرهم. ولو سادت الشرعية الثورية بعد الثورة مباشرة في محاكمة المستغلين والفاسدين وقتلة الثوار ومزيفي إرادة الأمة في الانتخابات والاستفتاءات المزورة, لكان من المنطقي أن يتم حساب آل ساويرس وغيرهم ممن كونوا جبالا من الأموال علي حساب المال العام في صفقات الخصخصة, و'المنح' الخاصة من أراضي الدولة والتهرب الضريبي.

وكان المنطقي في تلك الحالة أن تتم استعادة حقوق المجتمع والدولة منهم كلهم وفقا لقواعد واحدة تطبق علي الجميع علي قدم المساواة. وفي نفس السياق كان لابد من كشف الحساب المالي لجماعة الإخوان وما تلقته من أموال من الخارج والداخل ومدي توافق ذلك مع القانون, والمجالات التي تنفق فيها الأموال ومدي مشروعيتها أو إجرامها, وآدائها لحقوق المجتمع والدولة عن دخلها. لكن المجلس العسكري وبالتحالف مع جماعة الإخوان وحلفائها من القوي اليمينية المتطرفة دينيا, رفضوا مطلب اليسار وشباب الثورة بشأن الشرعية الثورية, وأقروا مبدأ الاحتكام للشرعية القانونية. وهنا تسقط أي إمكانية لمطالبة آل ساويرس بالضرائب, لأنهم أتموا صفقتهم وفقا للقانون الفاسد. وهذا القانون مستمر للآن, ولم يفكر مجلس الشعب المنحل الذي سيطر عليه الإخوان والسلفيون في تغييره.

ولا توجد خطة لتغييره لدي حكومة د. مرسي أو مجلس الشوري الذي انتخب كمجلس استشاري واغتصب له د. مرسي سلطة التشريع بإعلانه' الدستوري' الذي' ألغاه' وحصن كل القرارات الخارجة علي إرادة الأمة والدولة التي اتخذها في ظله ومنها إعطاء مجلس الشوري سلطة التشريع وتحصينه من الحل. وحتي لو تم تغيير القانون فإنه من غير الممكن تطبيقه بأثر رجعي في ظل أي شرعية قانونية.

والغريب أنه عندما قضت الشرعية القانونية باستعادة الدولة لبعض الشركات التي تمت خصخصتها بصورة واضحة الفساد والعوار, رفضت حكومة د. مرسي استعادتها بدعوي أن ذلك سيخيف' المستثمرين', كما أنها لم ترفع قضايا بشأن صفقات موبينيل وشركات المياه الغازية والأسمنت ومنجم السكري وأرض توشكا وغيرها من الصفقات المتخمة بالمخالفات التي تورطت فيها قيادات الدولة ومنها بعض مستشاري د.مرسي, فكيف يستقيم ذلك مع ما يتم في مواجهة ساويرس, إنها ازدواجية فظة!! والأمر الأكثر أهمية الآن هو تغيير قانون الضرائب لجعله أساسا حقيقيا للعدالة الاجتماعية, ولسد ثغراته التي تتيح للبعض التهرب من الضرائب. ومن الضروري أن يتم فرض ضرائب علي المكاسب الرأسمالية مثل أرباح الأسهم في البورصة وفوائد الودائع المصرفية والتي تزيد علي حد الإعفاء الذي يقرره قانون الضرائب, وتفرض الضرائب علي صافي الأرباح في البورصة كل عامين لمراعاة احتمال تعرض المتعاملين لخسائر في سنة تلتهم الأرباح التي حققوها في سنة أخري. وهناك ضرورة لتعزيز الضريبة علي التعاملات وعدم الخضوع لابتزاز مجموعات السماسرة والمتربحين من فوضي التعاملات الساخنة.

كذلك فإن هناك ضرورة لفرض ضريبة كبيرة علي تحويل المضاربين الأجانب في البورصة لأرباحهم إلي الخارج لأنها بمثابة نزح للموارد من مصر, كما أنها تستنزف رصيد مصر من العملات الحرة عند تحويل الأموال من الداخل للخارج. ومن الضروري أن يتم فرض ضرائب علي الدخل علي عمليات الاستحواذ أو بيع أي شخص أو شركة لكتلة من أسهم أي شركة تصل إلي10% خلال العام لإغلاق الثغرة التي استغلها ساويرس وغيره لتفادي دفع الضرائب.

أما التغييرات التي قررتها حكومة د. مرسي ومجلس الشوري بشأن الضرائب, فإنها تتسم بالهزال ولا تتضمن أي إصلاح حقيقي لنظام الضرائب. فالضرائب علي السلع سيتحملها الفقراء والطبقة الوسطي. أما رفع حد الإعفاء الضريبي لـ12 ألف جنيه في العام, فإنه قرار قديم اتخذه د. سمير رضوان في مايو2011 عندما كان وزيرا للمالية, ثم جمده د. حازم الببلاوي, ومن بعده د.الجنزوري, ومن بعدهما د. مرسي, والآن يفرج عنه وكأنه يأتي بمنة عظمي, وهذا الحد يعني أن من يحصل علي1000 جنيه في الشهر سيدفع ضرائب. وإذا كان مطلب النقابات العمالية منذ عام2008 هو رفع الحد الأدني للأجر إلي1200 جنيه شهريا تعادل حاليا نحو1900 جنيه وفقا لمعدلات التضخم الرسمية, فإن هذا يعني أن من يحصلون علي دخل أقل من الحد الأدني للأجر المطلوب من5 سنوات, سيدفعون الضرائب, وهو استمرار لظلم الفقراء وتحميلهم بالضرائب.

وللعلم فإن حد الإعفاء الذي حددته حكومة مبارك عام2005 بـ9 آلاف جنيه, يعادل حاليا20 ألف جنيه وفقا لمعدلات التضخم الرسمية. وبالتالي فإن إبقاء حد الإعفاء عند9 آلاف جنيه أو رفعه إلي12 ألف فقط, يعد تدهورا في اعتبارات العدالة الاجتماعية وتراجعا حتي بالمقارنة مع ما كان موجودا في عهد مبارك. أما التصور الخاص بنظام الضرائب الذي يساعد علي تحقيق العدالة الاجتماعية فهو موضوع لمقال قادم.

*نقلا عن صحيفة الأهرام المصرية.

http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/2013/03/10/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%88%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%B1%D8%B3-.html

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire