lundi 11 mars 2013

فهمي هويدي عسكرة الشرطة

 

بقلم: فهمي هويدي
ما يحدث فى قطاع الشرطة المصرية أصبح أمرا عبثيا وسورياليا فليست مفهومة حكاية الاضرابات ولا دوافعها حتى وإن كانت فى عدد محدود من الاقسام فنحن إذا فهمنا الدعوة الى اضراب فى مصنع أو مرفق أو بين الطلاب فى جامعة أو معهد فمن الغريب أن يحدث ذلك فى أوساط مؤسسة عسكرية مثل الشرطة أو الجيش وإذ نحمد الله على أن الجيش لايزال محتفظا بتقاليده كما نشكر سبحانه وتعالى لأن رسوخ تلك التقاليد حصنة فى مواجهة دعوات المحرضين والفوضويين إلا اننا لابد أن نستغرب ذلك التفلت الذى اهدر التقاليد العسكرية فى اوساط الشرطة الأمر الذى يدعونا الى التفكير بشكل جاد فى مسألة عسكرة الشرطة واخضاعها من جديد لتقاليد المهنة التى تجعل الشرطى ايا كانت رتبته عسكريا فى داخل مؤسسته، بمعنى أن يكون محكوما بقواعد واعراف الانضباط المقررة، ومدنيا فى تعامله مع المواطنين بمعنى التزامه بالقانون ومقتضيات احترام حقوق الإنسان.
إن ما أفهمه والمعمول به فى انحاء الدنيا أن للشرطة الحق فى الاحتجاج السلمى من خلال المؤسسات التى تمثلها لكن ذلك لا ينبغى أن يؤدى الى تعطيل مصالح المواطنين وهو ما يسمح مثلا للعاملين بالإضراب بنسبة 25٪، أما 75٪ من طاقة العمل فينبغى أن تستمر فى أداء وظيفتها المعتادة والمخالفة فى هذه الحالة لابد أن تواجه بمنتهى الحزم والشدة أما أن يمتنع العاملون فى القسم عن العمل ويغلقون أبوابه بالجنازير فتلك بدعة جديدة تعد جريمة لا تمر بغير حساب وحين يقوم جنود أو أمناء شرطة باحتجاز ضابط فى مكتبه أو حين يقوم ضابط بالاعتداء بالضرب على مجند أدنى منه رتبة فتلك بدورها من الجرائم التى تستوجب الحساب والعقاب.
لقد تراوحت الأرقام التى تحدثت عن اضرابات فى اقسام الشرطة فالتصريح الرسمى الذى ورد على لسان مستشار رئيس الجمهورية انها 15فقط من بين 365 قسما فى انحاء مصر فى حين أن صحف المعارضة تتحدث عن 24 أو 30 قسما.
واذ لابد أن تلفت انظارنا حفاوة أبواق المعارضة بفكرة الاضراب ربما بمظنة انها تمثل استجابة لدعوة العصيان المدنى إلا أن العدد ليس مهما كثيرا امام اهدار قيم الانضباط العسكرى فى محيط الشرطة الامر الذى من شأنه أن يفتح بابا جديدا للتفلت والفوضى نحن فى غنى عنه.
الذى لا يقل سواء عن ظاهرة الاضرابات هو تلك الدعوة التى اطلقها بعض قادة الجماعات الاسلامية وتحدثوا فيها عن تنظيم لجان شعبية من عناصرها للحفاظ على الأمن لسد الفراغ الذى ينشأ جراء اضراب الضباط والامناء عن العمل، وهى دعوة خطرة تفتح بابا اضافيا للفوضى وتأسيس ميليشيات جديدة يعلم الله وحده حدود الدور الذى يمكن أن تقوم به ناهيك عن انه قد يشجع آخرين على اتباع ذات النهج، الأمر الذى يعنى أن من أراد ان يخرجنا من مشكلة فانه ورطنا فى كارثة ودفع بنا الى مشارف الحرب الأهلية، وبدلا من الدعوة الى عسكرة الشرطة ومطالبتها بأن تتحمل مسئوليتها، فإننا ننزلق إلى عسكرة المجتمع وتهيئته للاقتتال بما يهدد السلم الأهلى.
سمعنا فى بداية الثورة عن ائتلاف ضباط الشرطة. وقد تراجعت تلك الخطوة فيما يبدو وظهرت بعدها فكرة إقامة نقابة للشرطة، وبعدها سمعنا عن تأسيس نادٍ لضباط الشرطة، وإلى جانب هؤلاء سمعنا عن ضباط ضد الأخونة، وعن تجمع الضباط الملتحين. ولم نعرف بالضبط ما هى المطالب المشروعة لهؤلاء. وهل هى مطالب تتعلق بالتأمين والتسليح أم تتعلق بمكافحة الفساد أم بتحسين الأوضاع. وما حدث مع الضباط تكرر بصورة أو أخرى مع أمناء الشرطة والأفراد. لكن الذى لم أفهمه هو ذلك المطلب الذى أبرزته الصحف خاصة بمنع اقحام الشرطة فى السياسة أو الاشتباك مع الجماهير. لأن المجتمع يريد منها أن تنفذ القانون وتحترم كرامة المواطن بصرف النظر عن هويته، ثم ان أحدا لا يستطيع أن يعفيها من التصدى للمظاهرات أو حماية المنشآت العامة، لأن ذلك يعنى اعفاءها من مسئولياتها الأساسية، لأن التحدى الحقيقى هو كيف يمكن أن تؤدى تلك الوظائف بأسلوب متحضر لا يهين المواطن ولا ينتهك حقه فى الاحتجاج والتظاهر السلمى.
إن أحدا لا يستطيع أن يعترض على أهمية الاستجابة للمطالب المشروعة لرجال الشرطة باختلاف مراتبهم، لكننى أخشى أن يكون الضجيج المثار حول تلك المطالب هدفه صرف الانتباه عن محاسبة رجال الشرطة المسئولين عن قتل المتظاهرين أو التعتيم على الدور الذى قام به القناصة أثناء الثورة، خصوصا ان ثمة جهدا بذل أخيرا لتسليط الضوء على شهداء الشرطة، الذين يستحقون منا كل الاحترام، إلا أن ذلك لا ينبغى أن يكون مبررا لاغلاق ملف الأولين واستبعاد فكرة القصاص منهم.

فهمي هويدي عسكرة الشرطة
احمد العبد
Mon, 11 Mar 2013 12:25:00 GMT

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire