تعديلات أو تغييرات وزارية، وحكومة جديدة برئيس جديد، ثم تغييره وتجديده.. كلها أمور طبيعي جدا أن تحدث بعد ثورة بحجم وبقوة ثورة 25 يناير، لا أحد يتصور أن التغييرات عدم استقرار، فهي في حقيقة الأمر تأتي بعد فترة جمود جليدية عشنا عليها مع مبارك، ومن ثم أي تغيير طبيعي بعد مبارك يصبح غير طبيعي مقارنة بما قبله، كذلك الثورة حين تنظر للواقع من أجل تغييره جذريا وتحويل اتجاهاته تجد عقبات وتتعثر في مشكلات، وإذا لم تكن قدرتنا على التصرف سريعة ويقظة لانغرسنا في المشكلات بدلا من أن نخرج منها، فيلزم إذن التغييرات ولا بأس إطلاقا في الإطاحة بوزير بعد مدة قصيرة من توليه أو إقالة رئيس وزراء بعد أشهر من جلوسه في منصبه، لأن ما يمكن أن نصبر عليه من بطء أو فشل في الأيام العادية لا نتحمل مثقال حبة من خردل منه في أيام الثورة ومراحل الانتقال والنشوء والتطور!
لسنا بالقطع أول من يمر بهذه اللحظات، كما أنها ليست المرة الأولى التي نمر بها، جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو تولى وزارة الداخلية، ثم بعدها صار رئيس الوزراء ثم رئيسا، علي ماهر تولى رئاسة الحكومة ثم ذهب لرئاسة لجنة الخمسين التي كانت تعد دستورا جديدا للبلاد.
الدستور نفسه راح وجاء وتغيرت النظرة له من الحفاظ عليه وحمايته إلى إلغائه وتغييره، إلى لجنة لوضع دستور جديد إلى تغيير الجديد نفسه.
من خلال البلاغ رقم واحد الذي أذاعه البكباشي أنور السادات -باسم اللواء نجيب- وقال فيه «إن الجيش قد أصبح كله اليوم يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردا من أي غاية».
(بالمناسبة أنا أستند في هذه المعلومات للكتاب الرائع «دستور في صندوق القمامة» للكاتب الكبير صلاح عيسى).
وفي اليوم التالي، أصدر القائد العام للقوات المسلحة بلاغا قال فيه «إن هدف الحركة هو رفع لواء الدستور».
وقال بلاغ اليوم الثالث (25 يوليو 1952) إن الحركة تقوم على مبدأ أساسي هو «التطهير واحترام الدستور والمحافظة على الحريات العامة».
وفي اليوم الرابع (26 يوليو 1952) وجه اللواء محمد نجيب إنذارا إلى الملك فاروق، يطلب فيه أن يتنازل عن العرش، واستند الإنذار إلى أسباب كان من بينها «عبث الملك بالدستور وامتهانه إرادة الشعب».
لكن يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 1952، وبعد خمسة أشهر فقط أذاع اللواء محمد نجيب بيانا قصيرا، أعلن فيه -باسم الشعب- سقوط دستور 1923، ذلك الذي أقسم ووعد بالحفاظ عليه!
وفي 13 يناير 1953 صدر -بناء على طلب رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب- مرسوم ملكي بتأليف لجنة لـ«وضع مشروع دستور جديد يتفق مع أهداف الثورة».
وفي 10 فبراير 1953 صدر دستور فترة الانتقال..
وفي 21 فبراير 1953 افتتح اللواء محمد نجيب اجتماع لجنة الدستور الجديد، وقال إن دستور 1923 لم يعد أساسا صالحا للحياة الجديدة، وأن «وجوده القانوني منعدم أو ينبغي أن ينعدم».
هل هذا ارتباك؟
جمال عبد الناصر في ما بعد وصف تلك الشهور بمرحلة التجربة والخطأ، لكننا الآن في يوليو 2011 نقف أمام السؤال الحقيقي في التعامل مع ثورة يناير: هل نريدها مرحلة خروج أم مرحلة انطلاق؟
أداء المجلس العسكري، ومن ورائه حكومة شرف بضعفها الطيب وطيبتها الضعيفة، ينحاز لتحويلها إلى مرحلة خروج مما سبق من قواعد حكم مبارك، ولكن ببطء وبهدوء غير ثوري وغير جذري وغير متعجل، والتأهل والتأهب لفترة انتقالية ممتدة، بينما أداء قوى ثورة يناير من المجموعات التي دعت للثورة ونظمت مظاهرها الأولى يريدها مرحلة انطلاق لا تكتفي بالخروج البطيء المتمهل، بل تسريع الإيقاع ووضع القواعد الجديدة وقطع الصلة مع النظام السابق بمحاكمته ومعاقبته وضرب كل مفاصله السياسية والحكومية وبناء فوري لأسس الدولة المدنية التي يتمنون أن يصحو الوطن من النوم فيجدها أمامه