لا أدرى أين كانت المفاجأة فى قرار «الرئيس» بإلغاء قرار «القائم بأعمال الرئيس» والخاص بحل البرلمان. خصوصا أن الرجل كان واضحا منذ اليوم الأول وفى خطابه «الرسمى» أمام كل رموز الدولة، رسميين، وشعبيين، وعسكريين أن «المجالسَ المنتخبة ستعود». كما أن الترتيب «البروتوكولى» لمقاعد الصف الأول يومَها كان دالًا، وتسهل قراءته. ولكنه الضجيجُ والصخب.. يُربكُ البعضَ من حسنى النية أحيانًا. ويستغله الآخرون ستارًا من الدخان لمعاركهم الصغيرة، ومواقفهم «المسبقة» من الآخر، فى معظم الأحيان.
الحاصل أن المعالمَ تضيعُ وسطَ دخان المعارك المفتعلة، واستقطابات الصارخين الزاعقين هنا وهناك. وأحيانا، بل كثيرًا ما ينسى الجميعُ توصيف ما يتحدثون فيه أو بالأحرى يتشاجرون حوله توصيفًا كاشفًا ودقيقًا. رغم أنه الشرط الأول لفهمٍ صحيح وقرارٍ أو موقفٍ عادلٍ ومنصف. وربما تصح الإشارة هنا ــ فى عجالة اقتضتها عواملُ وقت ضاغطة، وظروفٌ لا يصح أن تنتظر ــ إلى عشرة ملحوظات سريعة:
1ــ أن قرارَ الرئيس لو كان قد صدر فى ظروفٍ عادية، اكتملت فيها مؤسساتُ الدولة، وتحققت لها «شرعيتها» لكنا أولَ معارضيه. ولاعتبرناه جريمةَ استبدادٍ لا تغتفر. ولكنه قرارٌ نحسبه «استثنائيًا» صدر فى ظروفٍ استثنائية. والضروراتُ تبيح المحظورات أحيانا، فقهًا وقانونًا، وتاريخًا وسياسة.
2ــ أن قرارَ مبارك فى ١١ فبراير ٢.١١ «بالتخلى عن رئاسة الجمهورية... وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد» كما جاء فى نص القرار الأشهر، على لسان نائب رئيس الجمهورية فى حينه السيد عمر سليمان، لم يكن له أيضًا سندٌ من الدستور. بل كذلك قرار المجلس العسكرى الأخير بالإعلان المكمل (للقانونيين المهتمين بحرفية النصوص العودة إلى الإعلان الدستورى المنشور بالعدد ١٢ مكرر «ب» من الجريدة الرسمية فى ٣٠ مارس ٢.١١). وبالمناسبة، هناك من قام فعلا برفع دعوى أمام القضاء الإدارى يطعن فيها على قرار مبارك طالبا إحالته إلى الدستورية العليا دافعا بعدم دستوريته.
3ــ أن الإنصاف يقتضى أن ننظر إلى قرار مرسى هذا على أنه قرارٌ «سياسى» ينبغى أن نقيّمه من منظور سياسى، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول الجوانب القانونية له.
4ــ أن من الإنصاف أيضًا لا غيره أن نتذكر أن قرارات محكمة النقض الخاصة ببطلان عضوية البرلمانات السابقة «بسبب ما كان يجرى من تزوير مفضوح للانتخابات»، وهى بالعشرات، كان النظام السابق (سيد قراره) يضرب بها عرض الحائط كل مرة.
5ــ مناقشة قرار الرئيس هنا ليست بحال من الأحوال دفاعا عن برلمان ربما كان للبعض كثيرٌ من التحفظات على أعضائه أو أدائه. ولكنه «فهمٌ» ضرورى لقرار لا ينبغى أن يُستل من سياقه.
6ــ أن المبدأ المستقر دستوريًا أن «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات» (مادة ٣ من الاعلان الدستورى، ومن دستور ١٩٧١، بل فى كل الدساتير التى جاءت بعد ثورة يوليو، وإن تباينت الصياغات). وما الدستور «الذى يقرره الشعب» إلا تعبيرًا قانونيًا عن هذه السيادة. وما أحكامُ القضاة الا إعمالا لهذه السيادة «باحتكامها» إلى نصوصِ دستورٍ قرره الشعب، أو قوانين شرعها ممثلوه. إن كان ذلك كذلك، فأرجو ملاحظة أن الشعبَ لم يكتب دستوره بعد. وأن قوانين الأشهر السبع عشرة لم يُشرعها ممثلوه «المنتخبون». وعليه فإن بعض ما يجرى الاحتكام إلى نصوصِه، دستورا أو قانونًا، مع كل الاحترام للأحكام والناطقين بها، لا يتمتع ــ من منظور سياسى بحت ــ بالشرعية «المقصودة» بعد.
7ــ جوهر المشكلة وسببها الأصيل ــ فى ظنى ــ أننا للأسف لم نحسن توصيف ما جرى فى ٢٥ يناير. ولم نتفق جميعا على أنها «ثورة» وللثورة ــ بالتعريف ــ قانونها الخاص. ولهذا كان مفهوم «الشرعية» الذى استندنا إليه على مدى الأشهر السبع عشرة الماضية، يبدو دائما متناقضًا، ثورية تارة ودستورية قانونية تارة أخرى ولهذا كانت خطواتنا تبدو دائما «عرجاء». تبدى ذلك فى رفض البعض تفعيل قوانين هى تاريخًا من مقتضيات أى ثورة مثل «قانون الغدر»، بدعوى أنه من قوانين عبدالناصر. وما كان لهذا انصافًا أن يعيبه. كما وضح جليًا فى عجز محاكم الجنايات عن أن تصدر حكما واحدا بالإدانة فى قضايا قتل المتظاهرين، رغم أنه لا أحد بوسعه أن يمارى فى أن هناك ألفا ماتوا، وأن الدولة هى المسئولة أن تأتى بقاتليهم.. بل كان أكثر وضوحا وفجاجة فى مرافعة محامى مبارك عندما دفع بمواد فى قانون العقوبات «تتيح لرجال الضبطية القضائية فض أى شغب بالقوة».
8ــ سياسيا، وبعيدا عن نصوص قانون ندرك أهمية احترامه، فالقرار جاء اختيارا بين بديلين لا ثالث لهما: إما أن تترك مهمتى الرقابة على حكومة يفترض أن تبدأ عملها بعد أيام والتشريع، خاصة بما يتعلق باحتمال إعادة تشكيل جمعية تأسيسية للدستور، لجماعة «منتخبة» لا أحدد يشكك فى قدر النزاهة فى عملية انتخابها، أو أن تترك المهمتين على خطورتهما لمجلس عسكرى «معين» من رأس النظام الذى ثار الناس يطالبون بإسقاطه. وأظن الخيار «ليبراليًا» محسومٌ بين البديلين، مهما كان تقديرنا للمجلس العسكرى أو لأعضائه.
9ــ رغم كل ما سبق، وعلى أهميته، يبقى أن التصريحات التى تسرع بها البعض قائلين أن هذا «حقٌ مطلقٌ للرئيس... بوصفه حكم بين السلطات... وصاحب سلطة مطلقه... ولا معقب على قراره» بها مفاهيمَ تجاوزت، ومعانٍ لا تبشر بخير. وعلى أصحابها ألا ينسوا أن ما لهذا انتفضَ الناس وأن «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة».
10ــ وبعد... ونحنُ على بعد أيامٍ من الذكرى الستين لـ ٢٣ يوليو، أرجو أن يكون الإخوان قد أدركوا بدروس الواقع وتجاربه أن للتاريخَ سياقاته، «وأن للثورة أحكامها»، وضروراتها... وها هم اليوم «بمنطق الثورة» يفعلون
على هامش القرار والقضية.. ملحوظاتٌ عشر - أيمن الصياد
قسم الأخبار
Tue, 10 Jul 2012 09:17:00 GMT
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire