الجمعة, 15 أبريل 2011 14:42
مجدي سلامة سامي نجاح - جريدة الوفد
في ذات اللحظة التي أذن فيها المؤذن لصلاة الفجر أعلن اللواء محمد الخطيب مدير أمن جنوب سيناء ان النائب العام قرر حبس علاء وجمال مبارك 15 يوماً علي ذمة التحقيق.
كان هذا هو المشهد قبل الاخير لأحداث يوم ساخن عاشته مدينة شرم الشيخ أمس الاول.
ما المشهد الاخير فكان مطاردة مثيرة لمئات من الشباب الثائر لـ»علاء« و»جمال« في شوارع شرم الشيخ.. المطاردة استمرت 5 ساعات متواصلة وانتهت بانهيار علاء مبارك لدرجة انه بكي كالاطفال أما »جمال« فارتفع ضغط دمه بشكل كبير واضطر لتناول دواء لخفض ضغطه المرتفع حتي يتمكن من الوقوف علي رجليه.
ولم تتوقف المطاردة عند هذا الحد بل حاول بعض الشباب الفتك بنجلي الرئيس المخلوع ولم ينقذهما سوي مئات من جنود الامن المركزي المدججين بالدروع والهراوات!.
وهكذا انتهت أحداث يوم ستتحاكي بها ملايين المصريين لشهور طويلة قادمة.
أما البداية فكانت عملية أشبه بمناورة حربية.. تسريبات اعلامية تؤكد ان »مبارك« ونجليه »علاء« و»جمال« يخضعون للتحقيق في نيابة الطور.. الخبر أذاعه التليفزيون المصري ونشرته صحيفة الكترونية علي موقعها.. وفي لحظات انتشر الخبر في مصر كلها وصدقه كثير من المصريين ولم لا يصدقونه وقد أذاعه التليفزيون المصري نفسه!.
وراح البعض يضيف حكايات تضفي علي الخبر تشويقاً واثارة فقالوا ان مبارك ونجليه انتقلوا من شرم الشيخ الي الطور في اليخت الرئاسي الذي نقلهم عبر خليج العقبة.
ولاقت هذه الاضافات قبولاً كبيراً لدي المصريين خاصة أن السفر براً من شرم الشيخ الي الطور قد يكون صعباً علي مبارك الذي يعاني تدهوراً صحياً كبيراً في الايام الاخيرة.
لم تكذب خبراً ـ كما يقولون ـ وبعد أقل من نصف ساعة علي اذاعة التليفزيون المصري للخبر إياه ـ كنا أمام مجمع نيابات الطور.. وهناك وجدنا الملامح العامة للمجمع توحي بأنه يعيش حالة استرخاء كبير فكل ما فيه هادئي ولا يوجد دخله ما يلفت الانتباه سوي قيام عدد من عمال البناء بترميم أجزاء من المبني وكانت مثل هذه الاعمال دليلاً قاطعاً علي أن كل ما قيل عن التحقيق مع مبارك في الطور هو كلام كاذب جملة وتفصيلاً.
ذات النتيجة أكدتها لنا مصادر عديدة بمجمع نيابات الطور.. وقالت مصادر بوزارة العدل لـ»الوفد الأسبوعي« ان الخبر لم يكن سوي بالون اختبار ليقف المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد علي رد فعل المصريين اذا ما تم التحقيق مع مبارك خارج القاهرة!.
مفاجأة الثلاثاء
ولم تغرب شمس يوم الثلاثاء الماضي إلا مع مفاجأة أعلنها مستشفي شرم الشيخ الدولي.. قال مسئولو المستشفي ان مبارك تعرض لازمة صحية دخل علي أثرها للمستشفي.
وقال شهود عيان لـ»الوفد الأسبوعي« ان »مبارك« دخل المستشفي في سيارة اسعاف.. وأكدت مصادر طبية ان »مبارك« أصيب بانخفاض حاد في ضغط الدم تسبب في إصابته بغيبوبة وعندها صار نقله للمستشفي أمراً لا بديل له ولا مفر منه.
ومنذ أن وطئت قدم »مبارك« مستشفي شرم الشيخ الدولي كان واضحاً انه مازال يحتفظ بكثير من سلطته وسطوته وسلطانه، بدليل ان ادارة المستشفي فرضت حالة من حظر التجول بالمستشفي فور وصول »مبارك« وأمرت مرضي المستشفي وللممرضين والاطباء بعدم التجول في المستشفي وأصر مبارك علي أن يتلقي علاجه بالكامل علي يد الفريق الذي يصاحبه مستبعداً كل أطباء المستشفي.
دخل »مبارك« مستشفي شرم الشيخ الدولي في الخامسة والنصف من مساء يوم الثلاثاء الماضي ولم يكن في صحبته سوي فريق الاطباء الخاص به وبعد نصف ساعة وصل للمستشفي »علاء« و»جمال« مبارك في موكب يضم 4 سيارات »BMW« سوداء.
لم تمر سوي دقائق قليلة حتي فرضت قوات الشرطة كردوناً أمنياً حول المستشفي يضم مئات الجنود والضباط الذين كان بعضهم يحمل بنادق آلية.
وعلمت شرم الشيخ كلها ان »مبارك« يتلقي العلاج بالجناح الرئاسي لمستشفي شرم الشيخ وتوافد العشرات من الشباب علي المستشفي مطالبين بنقل »مبارك« للقاهرة لمحاكمته هناك.
فتنة اللواء عبدالشافي
ومع تزايد تدفق الشباب الثائر الي مستشفي شرم الشيخ بدأت قوات الشرطة المتمركزة حول المستشفي في تنفيذ مخطط غريب جداً.. المخطط تولي تنفيذه اللواء سيد عبدالشافي مساعد مدير أمن جنوب سيناء حيث طلب استدعاء أكبر عدد ممكن من شباب البدو للتصدي للشباب الثائر وبعد دقائق قليلة وصل العشرات من شباب البدو الي المنطقة المواجهة للمستشفي وبمجرد وصولهم حاولوا إقناع الشباب الثائر بالعودة الي منازلهم وعدم تنظيم مظاهرات بمدينة شرم الشيخ حرصاً علي السياحة في المدينة ولما رفض أغلب الشباب الثائر الانصراف وظلوا يهتفون ضد مبارك ويطالبون بمحاكمته واصطدم شباب البدو بهم ووقعت مصادمات بين الطرفين.
ازداد سخونة الأحداث أمام مستشفي شرم الشيخ وزادت المصادمات بعدما هتف الشباب الثائر ضد مبارك قائلين: »طلعوه برة.. طلعوه برة«.. وبعدها هتفوا »يا حرامي هات فلوسنا«. وعندها حاول أحد لواءات الجيش تهدئة الثائرين ولكنهم لم يستمعوا له فانصرف تاركاً المكان.
في تلك الاثناء أعلن وزير العدل لإحدي القنوات الفضائية ان »مبارك« يخضع للتحقيق داخل مستشفي شرم الشيخ الدولي!. وأثار كلام الوزير اندهاش الكثيرين وقالوا: كيف يكون »مبارك« مريضاً ويعاني أزمة قلبية وفي ذات الوقت يتم التحقيق معه؟!.. وزاد الامر غموضاً تأكيد وزير العدل بأن جهات التحقيق كانت تجري تحقيقاتها مع مبارك منذ التاسعة صباحاً وهو ما دفع البعض الي التندر علي وزارة العدل بالقول »انها تجري تحقيقات سرية رغم ان الاصل في التحقيقات أن تكون علنية«!.
وساد شعور عام بين الشباب الغاضب أن شيئاً غير طبيعي يتم تدبيره في الكواليس
وبالفعل صدق حدسهم وفوجئت شرم الشيخ بزيارة المستشار عبدالمجيد محمود.. النائب العام دخل المدينة وتوجه مباشرة الي المجمع القضائي بشرم ومن بعده وصل لذات المجمع 6 مستشارين برئاسة المستشار عبدلله الشاذلي المحامي العام لجنوب سيناء.
كانت الساعة وقتها تقترب من الحادية عشرة والنصف مساء وكان الشباب الثائر أمام مستشفي شرم الشيخ يزداد غضباً وهتافاً ضد مبارك وفساده وبدون مقدمات توجه إليهم عقيد شرطة ممن كانوا يحيطون بالمستشفي وتحدث معهم بحميمية وراح يناديهم قائلاً: »يا رجالة ممكن نسمع بعض« فلما لم يسمع له أحد عاد يكرر نداءه.. يا رجالة يا رجالة ولكن أحداً لم يستمع له وعندها تركهم عائداً من حيث أتي ومن جديد تعود الصدامات بين شباب البدو والشباب الثائر وبينما الجميع مشغولون بفض تلك الصدامات خرجت من المستشفي 4 سيارات واتجهت مباشرة الي المجمع القضائي بشرم الشيخ الذي يبتعد عن المستشفي بحوالي 800 متر فقط.
وكانت المفاجأة ان السيارات الاربعة كانت تحمل »علاء« وجمال مبارك وحراسهما وكانت إحدي السيارات الاربعة هي سيارة مدير من جنوب سيناء التي تحمل لوحاتها المعدنية رقم »2« ملاكي جنوب سيناء والمفاجأة الاكبر ان »جمال« كان داخل سيارة مدير الامن.
ونادي مناد في المدينة »جمال« و»علاء« بيتحقق معاهم في المجمع القضائي.. وعندها نسي الشباب الثائر مبارك والمستشفي وتوجهوا مباشرة الي المجمع.
ومع الساعات الاولي من فجر أمس كان عدد الشباب المحتشد أمام المجمع يقترب من 500 شاب بخلاف عشرات الاسر التي صحبت أطفالها وانتقلت الي المجمع لتري ما تسفر عنه التحقيقات.
وعلي مدي 5 ساعات كاملة استمرت التحقيقات وطوال هذه الساعات أطلق الشباب الثائر قذائفهم مستهدفين آل مبارك وقيادات الحزب الوطني.. وطبعاً كان لعلاء وجمال النصيب الاكبر.. وطويلاً هتف الشباب الثائر »يا حرامي.. يا حرامي سجن طره في انتظارك« قاصدين جمال مبارك ـ وهتفوا احبسوهم.. احبسوهم.. تبقي خيانة لو سبتوهم. وهتفوا أيضاً »مبارك حرامي.. جمال حرامي.. علاء حرامي.. »يا جمال قول لأبوك كل الشعب هيحبسوك«.
كانت ساعات الليل تمر أما هتافات الثوار فتتصاعد وتتنوع فمرة يهتفون »عايزين فلوسنا من الحرامية« ومرة يقولون »يسقط يسقط السفاح« ومرة يغنون أول طلعة جوية سرقت منا الحرية.. ومرة يصرخون »اوعي تبكي يا أما يا مصر.. ما خلاص راحوا كلاب القصر« وما بين كل هتاف والآخر كان الجميع يهتف يا جمال يا حرامي.. ويا علاء يا حرامي.
وطالت ساعات التحقيقات وكشف شهود عيان انه تم التحقيق مع »علاء« وجمال كل علي حدة وأن 3 مستشارين تولوا التحقيق مع كل منهما.. وقالت المصادر ان النائب العام عبدالمجيد محمود جلس مع »جمال« و»علاء« لمدة ساعة ونصف بمجرد وصولهما لمقر التحقيق وبعدها بدأ التحقيق معهما.
وأضافت المصادر ان »جمال« و»علاء« استعانا في التحقيقات بمحام أمريكي اسمه جورج بكين وآخر مصري اسمه رؤوف الصعيدي وأوضحت المصادر ان جهات التحقيق وجهت لجمال مبارك 4 اتهامات وهي الكسب غير المشروع والتورط في اطلاق النار علي المتظاهرين واهدار المال العام وتخريب الاقتصاد الوطني فيما اتهمت »علاء« بتهمة واحدة وهي الكسب غير المشروع. وكشفت ذات المصادر ان أوراق التحقيق والمستندات المرفقة بها تم تجميعها في 4 كراتين.. وقالت المصادر بعد انتهاء التحقيقات اجتمع المستشارون لمدة ساعة والنصف وبعدها أصدروا قرارهم بحبس كل من جمال وعلاء لمدة »15 يوماً« وهو ما وافق عليه النائب العام فوراً.. وبمجرد ان علم علاء بالقرار ظل يبكي لعدة دقائق أما جمال فسقطت من يده كوب ينسون كان يشربه ولم يتمالك نفسه إلا بعد تناول »دواء الضغط« وبعدها تمكن من الوقوف.
لم يكن الشباب الثائر يعلم ما يجري داخل المجمع القضائي ولم يكن أحد يستطيع أن يتخيل ما يحدث في غرفة التحقيقات لكن الجميع كان لديه هدف واحد وهو الهجوم علي جمال وعلاء والهتاف ضدهما.
وبسبب الحماس المتدفق للشباب الثائر اندفعوا تجاه باب المجمع القضائي وهم يهتفون بحبس نجلي مبارك.
وأمام اندفاع الشباب الثائر أحس ضباط الشرطة المتواجدون أمام المجمع انهم عاجزون عن التعامل مع الشباب وهداهم تفكيرهم الي الاستعانة بالمئات من عساكر الامن المركزي المدججين بالدروع والهراوات.
فرض العساكر كردوناً أمنياً حول مبني المجمع القضائي.. وبذكاء تعامل الشباب الثائر مع هذا الموقف فراحوا يهتفون »سلمية.. سلمية.. والشرطة والشعب ايد واحدة«. وأصابت هذه الهتافات قيادات الشرطة بالخجل ولهذا أصدروا قراراً لعساكر الامن المركزي بأن يضعوا الهراوات داخل الدروع ولا يرفعوها أبداً ثم طلب مدير أمن جنوب سيناء أن يتحدث للشباب.. وحتي يصل صوته للجميع حاول بعض الضباط رفع اللواء »الخطيب« علي أعناقهم ولكنه رفض وأصر علي أن يتحدث وهو واقف علي الارض ثم قال »أنا زيكم بالضبط« وعندها انفجر الشباب بالتصفيق له ثم تابع كلامه: كل اللي انتو عايزينه اتنفذ وصدر قرار بحبس جمال وعلاء 15 يوماً علي ذمة التحقيق وفي ذات اللحظة انطلق صوت المؤذن من أحد المساجد القريبة من المجمع معلناً ميلاد يوم جديد وداعياً المصلين لصلاة الفجر.
وطوال الأذان التزم الجميع الصمت وبعدها هتف الشباب الثائر مطالباً بنقل جمال وعلاء الي محبسهما في سيارة الشرطة وليس في سيارة ملاكي وقالوا »الملاكي لا.. البوكس أهوه«. وكشفت مصادر داخل غرفة التحقيق ان جمال وعلاء أصيبا بالهلع بسبب هتافات الشباب الثائر وحاول علاء أن يلقي نظرة عليهم فاقترب من شباك بحجرة التحقيق ونظر اليهم فقال »دول هيموتونا« وهي العبارة التي أغضبت »جمال« بشدة وقال موجهاً كلامه لشقيقه الاكبر علاء »اسكت.. اسكت يا ولد«.
وبعدها التفت »جمال« الي النائب العام وقال »انت يا دكتور..« وقبل أن يكمل العبارة نهره النائب العام وقال »اسمها حضرتك« ثم تركه في غرفة التحقيق وانصرف.
ولما شعر الشباب الثائر بأن »جمال« و»علاء« علي وشك الخروج زادوا من هتافهم قائلين: »الحرامي.. أهوه وانزل يا حرامي.. ومش هنسيبك مش هنسيبك« وأمام هذا الغضب ظل جمال وعلاء خائفين من الخروج لمدة ساعة كاملة وبعدها تم ادخال سيارة الشرطة الي داخل المجمع.. سيارة ميكروباص زرقاء اندفع اليها علاء وجمال ثم انطلقت بهم في لمح البصر بعيداً عن المجمع وحاول الشباب الثائر اللحاق بها ولكنها اختفت من أمام أعينهم بسبب السرعة الجنونية.
ويبقي في الواقعة حدثان طريفان.. أولهما ان المجمع القضائي الذي تم فيه التحقيق مع جمال وعلاء أنشئ حديثاً وكان مقرراً أن يفتتحه مبارك في يناير الماضي ولكن ثورة 25 يناير حالت دون ذلك وتم افتتاحه أمس الاول بشكل آخر.. بالتحقيق مع نجلي مبارك.
أما الواقعة الثانية فهي ان المستشارين الذين أجروا التحقيق لم يعجبهم الجلوس علي الكراسي الموجودة بالمجمع.
وعلمت »الوفد الأسبوعي« ان أسرة مبارك كانت تستبعد تماماً التحقيق معها ولهذا لم تهتم أبداً بالاصوات التي كانت تنادي بمحاكمتها وأكدت مصادر بشرم الشيخ ان مبارك وأسرته نظموا احتفالاً كبيراً قبل أربعة أيام بفندق شهير بشرم الشيخ وقالت المصادر ان الاحتفال أقيم من أجل عيون »عمر« نجل علاء مبارك الذي قال لجده »عايز أشوف أصحابي وزملائي في المدرسة فتم تنظيم الاحتفال ودعوة جميع زملاء عمر لحضوره وبالفعل حضروه.
وإذا كان مبارك وأسرته قد عاثوا فساداً لمدة 30 عاماً فإن الايام القادمة تحمل لهم أحداثاً سوداء.. عيد ميلاد مبارك الذي سيحل بعد 20 يوماً هو أسود ذكري في عمره كله.
مجدي سلامة سامي نجاح - جريدة الوفد
في ذات اللحظة التي أذن فيها المؤذن لصلاة الفجر أعلن اللواء محمد الخطيب مدير أمن جنوب سيناء ان النائب العام قرر حبس علاء وجمال مبارك 15 يوماً علي ذمة التحقيق.
كان هذا هو المشهد قبل الاخير لأحداث يوم ساخن عاشته مدينة شرم الشيخ أمس الاول.
ما المشهد الاخير فكان مطاردة مثيرة لمئات من الشباب الثائر لـ»علاء« و»جمال« في شوارع شرم الشيخ.. المطاردة استمرت 5 ساعات متواصلة وانتهت بانهيار علاء مبارك لدرجة انه بكي كالاطفال أما »جمال« فارتفع ضغط دمه بشكل كبير واضطر لتناول دواء لخفض ضغطه المرتفع حتي يتمكن من الوقوف علي رجليه.
ولم تتوقف المطاردة عند هذا الحد بل حاول بعض الشباب الفتك بنجلي الرئيس المخلوع ولم ينقذهما سوي مئات من جنود الامن المركزي المدججين بالدروع والهراوات!.
وهكذا انتهت أحداث يوم ستتحاكي بها ملايين المصريين لشهور طويلة قادمة.
أما البداية فكانت عملية أشبه بمناورة حربية.. تسريبات اعلامية تؤكد ان »مبارك« ونجليه »علاء« و»جمال« يخضعون للتحقيق في نيابة الطور.. الخبر أذاعه التليفزيون المصري ونشرته صحيفة الكترونية علي موقعها.. وفي لحظات انتشر الخبر في مصر كلها وصدقه كثير من المصريين ولم لا يصدقونه وقد أذاعه التليفزيون المصري نفسه!.
وراح البعض يضيف حكايات تضفي علي الخبر تشويقاً واثارة فقالوا ان مبارك ونجليه انتقلوا من شرم الشيخ الي الطور في اليخت الرئاسي الذي نقلهم عبر خليج العقبة.
ولاقت هذه الاضافات قبولاً كبيراً لدي المصريين خاصة أن السفر براً من شرم الشيخ الي الطور قد يكون صعباً علي مبارك الذي يعاني تدهوراً صحياً كبيراً في الايام الاخيرة.
لم تكذب خبراً ـ كما يقولون ـ وبعد أقل من نصف ساعة علي اذاعة التليفزيون المصري للخبر إياه ـ كنا أمام مجمع نيابات الطور.. وهناك وجدنا الملامح العامة للمجمع توحي بأنه يعيش حالة استرخاء كبير فكل ما فيه هادئي ولا يوجد دخله ما يلفت الانتباه سوي قيام عدد من عمال البناء بترميم أجزاء من المبني وكانت مثل هذه الاعمال دليلاً قاطعاً علي أن كل ما قيل عن التحقيق مع مبارك في الطور هو كلام كاذب جملة وتفصيلاً.
ذات النتيجة أكدتها لنا مصادر عديدة بمجمع نيابات الطور.. وقالت مصادر بوزارة العدل لـ»الوفد الأسبوعي« ان الخبر لم يكن سوي بالون اختبار ليقف المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد علي رد فعل المصريين اذا ما تم التحقيق مع مبارك خارج القاهرة!.
مفاجأة الثلاثاء
ولم تغرب شمس يوم الثلاثاء الماضي إلا مع مفاجأة أعلنها مستشفي شرم الشيخ الدولي.. قال مسئولو المستشفي ان مبارك تعرض لازمة صحية دخل علي أثرها للمستشفي.
وقال شهود عيان لـ»الوفد الأسبوعي« ان »مبارك« دخل المستشفي في سيارة اسعاف.. وأكدت مصادر طبية ان »مبارك« أصيب بانخفاض حاد في ضغط الدم تسبب في إصابته بغيبوبة وعندها صار نقله للمستشفي أمراً لا بديل له ولا مفر منه.
ومنذ أن وطئت قدم »مبارك« مستشفي شرم الشيخ الدولي كان واضحاً انه مازال يحتفظ بكثير من سلطته وسطوته وسلطانه، بدليل ان ادارة المستشفي فرضت حالة من حظر التجول بالمستشفي فور وصول »مبارك« وأمرت مرضي المستشفي وللممرضين والاطباء بعدم التجول في المستشفي وأصر مبارك علي أن يتلقي علاجه بالكامل علي يد الفريق الذي يصاحبه مستبعداً كل أطباء المستشفي.
دخل »مبارك« مستشفي شرم الشيخ الدولي في الخامسة والنصف من مساء يوم الثلاثاء الماضي ولم يكن في صحبته سوي فريق الاطباء الخاص به وبعد نصف ساعة وصل للمستشفي »علاء« و»جمال« مبارك في موكب يضم 4 سيارات »BMW« سوداء.
لم تمر سوي دقائق قليلة حتي فرضت قوات الشرطة كردوناً أمنياً حول المستشفي يضم مئات الجنود والضباط الذين كان بعضهم يحمل بنادق آلية.
وعلمت شرم الشيخ كلها ان »مبارك« يتلقي العلاج بالجناح الرئاسي لمستشفي شرم الشيخ وتوافد العشرات من الشباب علي المستشفي مطالبين بنقل »مبارك« للقاهرة لمحاكمته هناك.
فتنة اللواء عبدالشافي
ومع تزايد تدفق الشباب الثائر الي مستشفي شرم الشيخ بدأت قوات الشرطة المتمركزة حول المستشفي في تنفيذ مخطط غريب جداً.. المخطط تولي تنفيذه اللواء سيد عبدالشافي مساعد مدير أمن جنوب سيناء حيث طلب استدعاء أكبر عدد ممكن من شباب البدو للتصدي للشباب الثائر وبعد دقائق قليلة وصل العشرات من شباب البدو الي المنطقة المواجهة للمستشفي وبمجرد وصولهم حاولوا إقناع الشباب الثائر بالعودة الي منازلهم وعدم تنظيم مظاهرات بمدينة شرم الشيخ حرصاً علي السياحة في المدينة ولما رفض أغلب الشباب الثائر الانصراف وظلوا يهتفون ضد مبارك ويطالبون بمحاكمته واصطدم شباب البدو بهم ووقعت مصادمات بين الطرفين.
ازداد سخونة الأحداث أمام مستشفي شرم الشيخ وزادت المصادمات بعدما هتف الشباب الثائر ضد مبارك قائلين: »طلعوه برة.. طلعوه برة«.. وبعدها هتفوا »يا حرامي هات فلوسنا«. وعندها حاول أحد لواءات الجيش تهدئة الثائرين ولكنهم لم يستمعوا له فانصرف تاركاً المكان.
في تلك الاثناء أعلن وزير العدل لإحدي القنوات الفضائية ان »مبارك« يخضع للتحقيق داخل مستشفي شرم الشيخ الدولي!. وأثار كلام الوزير اندهاش الكثيرين وقالوا: كيف يكون »مبارك« مريضاً ويعاني أزمة قلبية وفي ذات الوقت يتم التحقيق معه؟!.. وزاد الامر غموضاً تأكيد وزير العدل بأن جهات التحقيق كانت تجري تحقيقاتها مع مبارك منذ التاسعة صباحاً وهو ما دفع البعض الي التندر علي وزارة العدل بالقول »انها تجري تحقيقات سرية رغم ان الاصل في التحقيقات أن تكون علنية«!.
وساد شعور عام بين الشباب الغاضب أن شيئاً غير طبيعي يتم تدبيره في الكواليس
وبالفعل صدق حدسهم وفوجئت شرم الشيخ بزيارة المستشار عبدالمجيد محمود.. النائب العام دخل المدينة وتوجه مباشرة الي المجمع القضائي بشرم ومن بعده وصل لذات المجمع 6 مستشارين برئاسة المستشار عبدلله الشاذلي المحامي العام لجنوب سيناء.
كانت الساعة وقتها تقترب من الحادية عشرة والنصف مساء وكان الشباب الثائر أمام مستشفي شرم الشيخ يزداد غضباً وهتافاً ضد مبارك وفساده وبدون مقدمات توجه إليهم عقيد شرطة ممن كانوا يحيطون بالمستشفي وتحدث معهم بحميمية وراح يناديهم قائلاً: »يا رجالة ممكن نسمع بعض« فلما لم يسمع له أحد عاد يكرر نداءه.. يا رجالة يا رجالة ولكن أحداً لم يستمع له وعندها تركهم عائداً من حيث أتي ومن جديد تعود الصدامات بين شباب البدو والشباب الثائر وبينما الجميع مشغولون بفض تلك الصدامات خرجت من المستشفي 4 سيارات واتجهت مباشرة الي المجمع القضائي بشرم الشيخ الذي يبتعد عن المستشفي بحوالي 800 متر فقط.
وكانت المفاجأة ان السيارات الاربعة كانت تحمل »علاء« وجمال مبارك وحراسهما وكانت إحدي السيارات الاربعة هي سيارة مدير من جنوب سيناء التي تحمل لوحاتها المعدنية رقم »2« ملاكي جنوب سيناء والمفاجأة الاكبر ان »جمال« كان داخل سيارة مدير الامن.
ونادي مناد في المدينة »جمال« و»علاء« بيتحقق معاهم في المجمع القضائي.. وعندها نسي الشباب الثائر مبارك والمستشفي وتوجهوا مباشرة الي المجمع.
ومع الساعات الاولي من فجر أمس كان عدد الشباب المحتشد أمام المجمع يقترب من 500 شاب بخلاف عشرات الاسر التي صحبت أطفالها وانتقلت الي المجمع لتري ما تسفر عنه التحقيقات.
وعلي مدي 5 ساعات كاملة استمرت التحقيقات وطوال هذه الساعات أطلق الشباب الثائر قذائفهم مستهدفين آل مبارك وقيادات الحزب الوطني.. وطبعاً كان لعلاء وجمال النصيب الاكبر.. وطويلاً هتف الشباب الثائر »يا حرامي.. يا حرامي سجن طره في انتظارك« قاصدين جمال مبارك ـ وهتفوا احبسوهم.. احبسوهم.. تبقي خيانة لو سبتوهم. وهتفوا أيضاً »مبارك حرامي.. جمال حرامي.. علاء حرامي.. »يا جمال قول لأبوك كل الشعب هيحبسوك«.
كانت ساعات الليل تمر أما هتافات الثوار فتتصاعد وتتنوع فمرة يهتفون »عايزين فلوسنا من الحرامية« ومرة يقولون »يسقط يسقط السفاح« ومرة يغنون أول طلعة جوية سرقت منا الحرية.. ومرة يصرخون »اوعي تبكي يا أما يا مصر.. ما خلاص راحوا كلاب القصر« وما بين كل هتاف والآخر كان الجميع يهتف يا جمال يا حرامي.. ويا علاء يا حرامي.
وطالت ساعات التحقيقات وكشف شهود عيان انه تم التحقيق مع »علاء« وجمال كل علي حدة وأن 3 مستشارين تولوا التحقيق مع كل منهما.. وقالت المصادر ان النائب العام عبدالمجيد محمود جلس مع »جمال« و»علاء« لمدة ساعة ونصف بمجرد وصولهما لمقر التحقيق وبعدها بدأ التحقيق معهما.
وأضافت المصادر ان »جمال« و»علاء« استعانا في التحقيقات بمحام أمريكي اسمه جورج بكين وآخر مصري اسمه رؤوف الصعيدي وأوضحت المصادر ان جهات التحقيق وجهت لجمال مبارك 4 اتهامات وهي الكسب غير المشروع والتورط في اطلاق النار علي المتظاهرين واهدار المال العام وتخريب الاقتصاد الوطني فيما اتهمت »علاء« بتهمة واحدة وهي الكسب غير المشروع. وكشفت ذات المصادر ان أوراق التحقيق والمستندات المرفقة بها تم تجميعها في 4 كراتين.. وقالت المصادر بعد انتهاء التحقيقات اجتمع المستشارون لمدة ساعة والنصف وبعدها أصدروا قرارهم بحبس كل من جمال وعلاء لمدة »15 يوماً« وهو ما وافق عليه النائب العام فوراً.. وبمجرد ان علم علاء بالقرار ظل يبكي لعدة دقائق أما جمال فسقطت من يده كوب ينسون كان يشربه ولم يتمالك نفسه إلا بعد تناول »دواء الضغط« وبعدها تمكن من الوقوف.
لم يكن الشباب الثائر يعلم ما يجري داخل المجمع القضائي ولم يكن أحد يستطيع أن يتخيل ما يحدث في غرفة التحقيقات لكن الجميع كان لديه هدف واحد وهو الهجوم علي جمال وعلاء والهتاف ضدهما.
وبسبب الحماس المتدفق للشباب الثائر اندفعوا تجاه باب المجمع القضائي وهم يهتفون بحبس نجلي مبارك.
وأمام اندفاع الشباب الثائر أحس ضباط الشرطة المتواجدون أمام المجمع انهم عاجزون عن التعامل مع الشباب وهداهم تفكيرهم الي الاستعانة بالمئات من عساكر الامن المركزي المدججين بالدروع والهراوات.
فرض العساكر كردوناً أمنياً حول مبني المجمع القضائي.. وبذكاء تعامل الشباب الثائر مع هذا الموقف فراحوا يهتفون »سلمية.. سلمية.. والشرطة والشعب ايد واحدة«. وأصابت هذه الهتافات قيادات الشرطة بالخجل ولهذا أصدروا قراراً لعساكر الامن المركزي بأن يضعوا الهراوات داخل الدروع ولا يرفعوها أبداً ثم طلب مدير أمن جنوب سيناء أن يتحدث للشباب.. وحتي يصل صوته للجميع حاول بعض الضباط رفع اللواء »الخطيب« علي أعناقهم ولكنه رفض وأصر علي أن يتحدث وهو واقف علي الارض ثم قال »أنا زيكم بالضبط« وعندها انفجر الشباب بالتصفيق له ثم تابع كلامه: كل اللي انتو عايزينه اتنفذ وصدر قرار بحبس جمال وعلاء 15 يوماً علي ذمة التحقيق وفي ذات اللحظة انطلق صوت المؤذن من أحد المساجد القريبة من المجمع معلناً ميلاد يوم جديد وداعياً المصلين لصلاة الفجر.
وطوال الأذان التزم الجميع الصمت وبعدها هتف الشباب الثائر مطالباً بنقل جمال وعلاء الي محبسهما في سيارة الشرطة وليس في سيارة ملاكي وقالوا »الملاكي لا.. البوكس أهوه«. وكشفت مصادر داخل غرفة التحقيق ان جمال وعلاء أصيبا بالهلع بسبب هتافات الشباب الثائر وحاول علاء أن يلقي نظرة عليهم فاقترب من شباك بحجرة التحقيق ونظر اليهم فقال »دول هيموتونا« وهي العبارة التي أغضبت »جمال« بشدة وقال موجهاً كلامه لشقيقه الاكبر علاء »اسكت.. اسكت يا ولد«.
وبعدها التفت »جمال« الي النائب العام وقال »انت يا دكتور..« وقبل أن يكمل العبارة نهره النائب العام وقال »اسمها حضرتك« ثم تركه في غرفة التحقيق وانصرف.
ولما شعر الشباب الثائر بأن »جمال« و»علاء« علي وشك الخروج زادوا من هتافهم قائلين: »الحرامي.. أهوه وانزل يا حرامي.. ومش هنسيبك مش هنسيبك« وأمام هذا الغضب ظل جمال وعلاء خائفين من الخروج لمدة ساعة كاملة وبعدها تم ادخال سيارة الشرطة الي داخل المجمع.. سيارة ميكروباص زرقاء اندفع اليها علاء وجمال ثم انطلقت بهم في لمح البصر بعيداً عن المجمع وحاول الشباب الثائر اللحاق بها ولكنها اختفت من أمام أعينهم بسبب السرعة الجنونية.
ويبقي في الواقعة حدثان طريفان.. أولهما ان المجمع القضائي الذي تم فيه التحقيق مع جمال وعلاء أنشئ حديثاً وكان مقرراً أن يفتتحه مبارك في يناير الماضي ولكن ثورة 25 يناير حالت دون ذلك وتم افتتاحه أمس الاول بشكل آخر.. بالتحقيق مع نجلي مبارك.
أما الواقعة الثانية فهي ان المستشارين الذين أجروا التحقيق لم يعجبهم الجلوس علي الكراسي الموجودة بالمجمع.
وعلمت »الوفد الأسبوعي« ان أسرة مبارك كانت تستبعد تماماً التحقيق معها ولهذا لم تهتم أبداً بالاصوات التي كانت تنادي بمحاكمتها وأكدت مصادر بشرم الشيخ ان مبارك وأسرته نظموا احتفالاً كبيراً قبل أربعة أيام بفندق شهير بشرم الشيخ وقالت المصادر ان الاحتفال أقيم من أجل عيون »عمر« نجل علاء مبارك الذي قال لجده »عايز أشوف أصحابي وزملائي في المدرسة فتم تنظيم الاحتفال ودعوة جميع زملاء عمر لحضوره وبالفعل حضروه.
وإذا كان مبارك وأسرته قد عاثوا فساداً لمدة 30 عاماً فإن الايام القادمة تحمل لهم أحداثاً سوداء.. عيد ميلاد مبارك الذي سيحل بعد 20 يوماً هو أسود ذكري في عمره كله.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire