تكررت الاقتحامات التي يقوم بها المتطرفون الصهاينة للمسجد الأقصي خلال الأسابيع الأخيرة, ووقف أهل القدس يتصدون لها رغم قلة العدد, وضعف الإمكانات,
بل إن إحدي هذه الهجمات تصدي لها بعض النساء المقدسيات اللائي لم يجدن حولهن رجالا أو شبابا! أما حكومات دولنا العربية والإسلامية فهي منشغلة, أو لاهية, لكنها في الحالتين لا تقصر في إصدار بيانات الشجب والاستنكار, وأحيانا التحذيرات شديدة اللهجة, التي عرف الاحتلال مداها, بل أصبح يستعذب سماعها, ولسان حاله يقول: نحن نعمل ونهود القدس, ودعهم يستنكرون ويشجبون!
في حوار صحفي نشر أخيرا, رد الرئيس الفلسطيني بلغة الاستنكار علي سؤال: هل هناك خطر حقيقي علي القدس؟قائلا:( خطر! القدس تهودت, وتكاد تضيع من أيدينا, ولابد من إنقاذها فورا).
وأوضح أبو مازن رؤيته لإنقاذ القدس قائلا:(لا بد للعالم الإسلامي أن يتكاتف فورا لإنقاذ القدس من الضياع, وهناك أراض يمكن تعميرها, وبيوت يمكن شراؤها, وعندنا300 ألف مواطن يملكون منازل في المدينة ولا يجدون عملا, ولا أستطيع أن أطالبهم بالبقاء...).
كلام أبو مازن عن الأخطار التي تهدد القدس ليس جديدا, بل قيل مرات ومرات, منه ومن غيره من القيادات الفلسطينية والعربية والإسلامية.
التحذيرات نفسها أطلقها الأسبوع الماضي خالد مشعل ـ رئيس المكتب السياسي لحماس, وإسماعيل هنية ـ رئيس الحكومة الفلسطينية بغزة, كما صرح بها الشيخ الدكتور أحمد الطيب ـ شيخ الأزهر, والدكتور محمد بديع ـ المرشد العام للإخوان المسلمين, والدكتور يوسف القرضاوي ـ رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين, ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية, وغيرهم كثيرون.
الخطر علي القدس والأقصي, والمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين حقيقة واقعة, وليست مجازا.
هناك خطر محدق يتعاظم يوما بعد يوم, ولم يعد سرا أن إجراءات التهويد التي يقوم بها الاحتلال متسارعة, وقد طالت مدينة القدس, بمعالمها, وشوارعها, ببيوتها, بل بمقابرها!
الاحتلال يعمل ولا يتكلم, ونحن نتكلم كثيرا, ولا نعمل سوي القليل!
المستوطنات تتوسع كل يوم, وأصبحت تطوق البلدة القديمة, من كل جانب, وهناك مدينة يهودية جديدة تم تشييدها تحت المسجد الأقصي والبلدة القديمة, تضم متاحف, ومعابد, وطرقا!
هناك مئات البيوت المملوكة لمقدسيين تم انتزاعها من أهلها استنادا لقانون المنفعة العامة, وتم تحويلها إلي حدائق ومتنزهات وأسواق وطرق!
آلاف المقدسيين تم طردهم من منازلهم, وآلاف تم منعهم من دخول المدينة بعد إسقاط حقهم في الإقامة, وآلاف اخرون غادروا المدينة لوجودهم مع أزواجهم في مدن فلسطينية أخري بعد رفض الاحتلال لإقامة غير المقدسيين في المدينة, حتي ولو كانوا متزوجين من مقدسيين أو مقدسيات!
تجارة المقدسيين كسدت بسبب سياسة التضييق والمنع والإغلاق التي تمارسها سلطات الاحتلال, وقبل ذلك وبعده بسبب الضرائب الباهظة التي يفرضها الاحتلال علي محلات التجار المقدسيين ـ رغم قلة مبيعاتها وبضاعتها ـ لكنه يفرض أنواعا من الضرائب, ومنها ضريبة الأماكن المسقوفة(الأرنونا) والتي تحدد طبقا لمساحة المحل,وليس طبقا لمبيعاته أو محتوياته, وتؤدي إلي إجبار البعض علي الإغلاق!
كثير من المقدسيين لا يستطيعون بناء بيوتهم, أو توسعتها لتستوعب أبناءهم, بسبب الرسوم الباهظة للتراخيص, والتي تصل إلي خمسة وثلاثين ألف دولار للبيت الواحد, الأمر الذي يدفع بعضهم إلي بيع البيت, والسكن خارج المدينة في منزل يستوعب أسرته وأولاده. وعصابات شراء بيوت المقدسيين جاهزة وتدفع مبالغ مغرية, وأحيانا تعطي صاحب البيت شيكا علي بياض ليكتب هو الثمن الذي يريده!
القدس في خطر, وتحتاج إلي الفعل لا إلي القول, فالاحتلال ينفق سنويا علي المدينة ومشاريعه فيها أكثر من مليار دولار, أما العرب فلا ينفقون إلا عشرات الملايين!
فهل يتنبه الغيورون, ويدركون المدينة قبل ضياعها؟!
الاهرام