عشنا وشفنا: الجنرال الهارب يعطى دروسا لجبهة الإنقاذ، ويطل علينا فى هيئة الزعيم المنقذ، راعى الثورة والثوريين، ويتحدث باعتباره الأب الروحى للعصيان المدنى.
قد يبدو ذلك مدهشا، لكن المدهش أكثر أن الرموز الوطنية النضالية الثورية الكبيرة تلتزم الصمت ولا تنطق ببنت شفة أمام قفزة قائد منطاد الثورة المضادة على المشهد الثورى، وكالعادة لم يشأ أحدهم أن ينطق بكلمة تسد هذا الهويس، وتتصدى لهوس المزج بين عذبهم الفرات وملح زعيم الفلول الأجاج، وربما كان المنطق ذاته الذى استخدموه حين سمحوا باستقبال مجموعات «آسفين يا مبارك» وأبناء عمر سليمان فى ميادين الثورة لايزال سائدا، وهو منطق الحشد والكثافة بصرف النظر عن المكونات وعلاقتها بالثورة.
إذن يتحدث الجنرال بكل ثقة منتقدا أداء جبهة الإنقاذ ومعلما ومرشدا، ولم لا وهو يدرك أن داخل هذه الجبهة من كانوا فاعلين فى حملته الانتخابية، سواء بالحضور فى قلب مقاره، أو بالوقوف على الأرصفة فى انتظاره ليعرضوا خدماتهم.
لكن الجديد هذه المرة أنه يريد أن يخطف الشارع منهم، ففى حديثه لقناته «العربية» مساء أمس الأول يجلد الجبهة على انقسامها وخلافاتها فى الرأى، ثم يغازل الشارع مباشرة متحدثا عن العصيان المدنى وكأنه اختراعه ومنتجه الأولى بالرعاية والتصعيد.
وبصرف النظر عن الركاكة والضحالة اللفظية فالرجل يريد أن يقول بوضوح: «أنا العصيان والعصيان أنا وما فى الجبة الثورية إلا الجنرال» ،موجها التحية للجماهير ومشجعا على العصيان إلى أن تتدخل القوى الدولية وتنقذ مصر، ويحرض على حصار البلاد اقتصاديا، مبديا الخوف على أموال المستثمرين الأجانب من التبدد فى حالة العمل داخل مصر، ومشفقا على صندوق النقد الدولى من تقديم قرض إلى ذلك البلد المعادى المسمى مصر.
وبالتوازى مع اقتحام الجنرال لمشهد العصيان المدنى، ينشغل نفر من بقايا مشروعه الانتخابى فى حملة «التجييش» بمواصلة تحريض واستدعاء المؤسسة العسكرية للانقلاب على المشهد، وفرض سيطرتها على البلاد، دون أن تدرك ــ وربما تدرك ــ أن مثل هذه الدعوات المجنونة تؤدى إلى فتح أبواب الجحيم على مصاريعها وإلقاء البلاد والعباد فى أتونها.
وإذا كان مفهوما أن البعض مصاب بنوع من الفوبيا يجعله يفر من الانتخابات فرار الحالم بالنوم من الضوء، فغير المفهوم ألا يشعر أحد بخطورة أن يكون طريق الفرار ومنتهاه محرقة، إن اندلعت لن ينجو منها أحد، بمن فى ذلك الذين يتسولون انقلاب الجيش على السياسة وعودة الحكم العسكرى.
وأزعم أن المؤسسة العسكرية تدرك جيدا أن مثل هذه الدعوات الطائشة لا تنطلق حبا فى الجيش أو خوفا عليه، بل تقوم أساسا على انتهازية مقيتة واستثمار شرير لأوهام صنعها الداعون للانقلاب بأنفسهم وسوقوها باعتبارها حقائق.
حمى الله ثورة مصر من جنرال الثورة المضادة، وحمى جيشها من مراهقات العجزة.
وائل قنديل يكتب : عصيان الجنرال الهارب وعسكرة الليبراليين
قسم الأخبار
Fri, 01 Mar 2013 10:27:00 GMT
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire