mardi 26 février 2013

علاء الاسوانى : "مـَـــــــــاذا نـَـصنـــــع فــي الــــدم ؟!"

‏الصفحة الرسمية للأديب علاء الأسواني‏ - ‏‎Cairo, Egypt‎‏
في العام الماضي ، تلقيت دعوة لحضور الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في كنيسة قصر الدوبارة . هذه الكنيسة لعبت دورا عظيما في الثورة .
أقامت مستشفى للمصابين وجمعت تبرعات وتصرف المسئولون فيها بشجاعة نادرة لحماية الثوار من القتل والاعتقال . دخلت الى القاعة فوجدت مجموعة من الشخصيات التى ارتبطت بالثورة . جاء مكاني خلف الدكتور أحمد حرارة ووالدته .
حرارة طبيب أسنان شاب من أسرة ميسورة . تخرج في كلية طب الأسنان وافتتح عيادة خاصة .
كانت حياته على ما يرام وكان بامكانه مثل أطباء كثيرين أن يسافر للعمل في بلد خليجي فيكسب ثروة طائلة لكنه آمن بالثورة واشترك فيها وفي جمعة الغضب أصابه ضابط شرطة بطلق خرطوش في عينه ففقدها .
كان بامكان حرارة أن يكتفى بهذه التضحية لكى يكون أحد أبطال الثورة لكنه ظل بعد أن فقد عينه يشارك بذات الحماس في المظاهرات حتى كانت أحداث محمد محمود فأصيب في عينه السليمة وفقدها ليصبح كفيفا ، سافر حرارة الى فرنسا حيث أخبره الأطباء بأن الأمل شبه منعدم في علاج عينيه .
الثمن الباهظ الذى دفعه البطل حرارة لم يصبه بالاحباط . . اذا أردت أن تتأكد أن هذه الثورة ستنتصر يكفى أن تجلس لمدة دقائق مع حرارة .
لايمكن أن تنهزم ثورة يضحى فيها شاب بعينيه ومهنته ويحتفظ مع ذلك بايمانه بالثورة وتفاؤله . جلست خلف حرارة ووالدته . كانت والدته تضع يدها على كتفه وتنقل اليه ما يحدث حوله .,
كانت تخبره عن شكل القاعة وتحركات الناس وعندما يأتي أحد لتحيته تهمس في اذنه باسم من يحدثه . فكرت أن ما تفعله هذه الأم مع ابنها قد فعلته لسنوات طويلة . انها الآن تنقل اليه ما لايراه بنفس الحنان الذي كانت تعتنى به وهو طفل وتسهر بجواره اذا مرض ، تهمس اليه الآن بنفس الرقة التى كانت تعد بها العشاء وهو يستذكر .
فكرت في فرحتها بمجموعه المرتفع في الثانوية العامة وزهوها لما التحق بكلية طب الأسنان وسعادتها لما زارته لأول مرة في عيادته . هاهى في النهاية تعود الى نقطة البدء فتحتضنه وتحكي له ما لا يراه تماما كما كانت تهدهده وهو طفل .
حرارة ومالك مصطفى وكثيرون غيرهم أبطال حقيقيون فقدوا عيونهم حتى ترى بلادهم نور المستقبل . .
الأمهات دفعن الثمن الأكبر في هذه الثورة . .
أقف دائما مبهورا أمام أمهات الشهداء . حزن الأم على ابنها الشهيد لا يمكن وصفه بالكلمات . اذا استشهد صديق لك ستحزن من أجله أما أمه فانها لن تحزن وانما ستموت ..ستموت كل يوم عندما يحين موعد عودة ابنها ولا يعود . ستموت كلما رأت ملابسه وكتبه ودخلت الى حجرته ، كلما قابلت أصدقاءه وكلما صنعت طعاما تعرف أنه يحبه .
أمهات الشهداء جميعا لهن سمت واحد ، طابع ما ، حالة تتجاوز ما نعرفه عن الحزن . كأن الفجيعة نقلتهن الى عالم آخر .
كأنهن يعشن وسطنا لكنهن صرن ينتمين الى دنيا أخرى ليس بامكاننا أن ندركها . .
كثيرا ما رأيت أم الشهيد تتحدث عنه وكأنه لم يمت . والدة محمد الجندى ظهرت في التليفزيون وراحت تفخر باتقانه لثلاث لغات وحكت بالتفصيل كيف يصر على أن تأكل معه الحلويات مع أنها مصابة بالسكر ..مرة قالت لي أم شهيد بلهجة هادئة محايدة :
ــ الحمد لله اني كفنته ودفنته بيدي .كنت أول من استقبله في الدنيا وآخر من ودعه .
.. أثناء اعتصام سعد زغلول في الاسكندرية اقتربت منى سيدة متشحة بالسواد وقالت لي :
ــ أنا والدة أميرة أصغر شهداء الاسكندرية . أميرة عندها 13 سنة كانت واقفة جنبي في البلكونة ولما لقت الضابط بيقتل المتظاهرين طلعت التليفون وبدأت تصور . الضابط شافها قام ضربها رصاصة في دماغها . .كان ممكن يأخذ منها التليفون بدل ما يقتلها . ..
لم أجد ما أقوله لها . كل كلمات التعازي التقليدية تبدو بلا معنى أمام أم فقدت ابنتها . الضابط الذى قتل أميرة حصل على حكم بالبراءة وتمت ترقيته فصار يأخذ ثلاثة أضعاف مرتبه . حتى الآن لا أحد يعرف عدد شهداء الثورة بالضبط .
أرقام وزارة الصحة كاذبة والمستشفيات تستجيب لضغط الأمن فتكتب تقارير وهمية حتى تبرىء القتلة والطب الشرعى موال للحكومة كما عرفناه في قضية الشهيد خالد سعيد . في التقديرات غير الرسمية يقترب عدد الشهداء من ثلاثة آلاف بالاضافة الى الفي مفقود ( غالبا استشهدوا ودفنوا سرا في أماكن مجهولة ) بخلاف 18 ألف مصاب ...
كان هذا الثمن الذى دفعته مصر للتخلص من مبارك. تنحى مبارك لكن القتل استمر . ارتكب المجلس العسكري مذابح عديدة راح ضحيتها مئات الشهداء ثم ذهب المجلس العسكري وتولى الاخوان الحكم فاستمروا في القتل .
محمد مرسي ، الذى يقدم نفسه كرئيس اسلامي ورع ضرب رقما قياسيا في قتل المصريين بواسطة وزير داخليته الجلاد . خلال شهر واحد سقط ما يقرب من سبعين شهيدا ولأول مرة في تاريخ مصر تم اطلاق الرصاص على جنازة الشهداء في بورسعيد فسقط مشيعو الشهداء شهداء مثلهم .
شباب الثورة يتم خطفهم وتعذيبهم ببشاعة أو قتلهم والقاؤهم في الشارع طبقا لمخطط واضح لتصفية كل من يؤدى دورا فعالا في كشف جرائم الاخوان ..
في أى بلد في العالم اذا قتل الرئيس مواطنيه يفقد شرعيته فورا ويحاكم حتى لو كان منتخبا مائة مرة لكننا في مصر لدينا من لازال يعتبر مرسي رئيسا شرعيا كأن من قتلهم ذباب أو صراصير لا قيمة ولامعنى لحياتهم .. الاسلام عند شباب الاخوان يتمثل في المرشد ، سييؤيدونه بحماس لو قتل الشعب كله .
المشهد في مصر الآن أوضح من أى وقت مضى: رئيس تم انتخابه ثم تحول الى ديكتاتور وقرر ــ بتعليمات المرشد ــ أن يستولى على الحكم الى الأبد .
بدأ بكتابة دستور بواسطة لجنة غير شرعية حصنها بنفسه حتى لايبطلها القضاء ثم عين نائبا عاما موال يتهمه أعضاء النيابة بالتدخل لصالح الاخوان ثم حصن مجلس الشوري الباطل حتى لا يقضى القضاء بحله وأحال مجلس الشوري الى سلطة تشريعية ــ برغم أنه منتخب من 7 في المائة من المواطنين ــ واستصدر منه كل القوانين الكفيلة بابقاء الاخوان في السلطة .منذ البداية ،
تواطأ الاخوان ضد الثورة مع المجلس العسكري في صفقة تبادل منافع . يسمح لهم العسكر بالانتخابات قبل الدستور ويتجاهلون شراءهم لأصوات الفقراء حتى يفرضوا الدستور الذى يريده المرشد وفي المقابل يحافظ المجلس العسكري بموجب دستور الاخوان على امتيازات أعضائه وثرواتهم الطائلة وتتم حمايتهم من المحاسبة على الأرواح التى أزهقوها .
فعل الاخوان ما أرادوه وحصلوا على ما طلبوه ..كل ما ينقصهم الآن الاطار الفارغ الذى يمنح شرعية لجرائمهم .
كان مبارك حاكما استبداديا يتحكم في الدولة المصرية كما يشاء لكنه كان يغطى استبداده بمسرحية سخيفة صاخبة ..
مجلس شعب ومجلس شوري ومناقشات وكلام وشعارات حتى يبدو الشكل ديمقراطيا بينما السلطة في يد مبارك وحده .. الآن يتبع الاخوان طريقة مبارك .
بعد أن فرضوا دستورهم وقوانينهم والنائب العام الخاص بهم وعطلوا القضاء سوف يجرون انتخابات يشكلون بها مجلس الشعب بأغلبية تمكنهم من السيطرة عليه ولا مانع من التبرع ببعض المقاعد لمعارضة شكلية حتى تكتمل مسرحية الديمقراطية الزائفة . ما قيمة انتخابات تجرى طبقا لقانون باطل أصدره مجلس شورى باطل وفقا لدستور باطل أنتجته لجنة تأسيسية باطلة ..؟!.
أى شرعية لانتخابات تجرى في ظل سلطة تسيطر عليها جماعة غير قانونية تمويلها مجهول المصدر وتحت اشراف رئيس مسئول عن قتل وتعذيب مواطنيه . من يوالى الاخوان ويتغاضى عن جرائمهم ويشترك في انتخاباتهم ، هل يحق له بعد ذلك أن يطالب باسقاط الدستور الباطل اذا كان قد حصل بموجبه على مقعد في البرلمان .؟ .سيقول بعض الناس طبعا انهم سيشتركون في الانتخابات حتى لايتركوها للاخوان وحتى يكشفوا التزوير وحتى ينقلوا صوت الثورة في البرلمان ..
كلها تبريرات خائبة تعكس تفكيرا ساذجا أو أطماعا سياسية تافهة لا تليق باللحظة الفارقة التى تمر بها مصر . الحقيقة ساطعة : كل من يشترك في هذه الانتخابات يخون الثورة ويضيع حق الشهداء ويمكن الاخوان من تغطية جرائمهم و يضفى شرعية على رئيس قتل مواطنيه وعطل القانون لصالح جماعته .
المطلوب اسقاط الدستور واقالة النائب العام غير الشرعي وانتخابات رئاسية مبكرة ومحاكمة عادلة للمسئولين عن قتل الشهداء وأولهم مرسي نفسه والجلاد محمد ابراهيم وزير الداخلية .
هذه مطالب الثورة الواضحة التى يحتشد ملايين الناس في كل أنحاء مصر من أجل تحقيقها و هي تتعارض تماما مع الاشتراك في انتخابات يجريها نظام قاتل وغير شرعي . لن تحقق الثورة أهدافها بصفقات مع القتلة وانما الطريق الصحيح هو ما يفعله أهل بورسعيد الآن .
اضراب عام يؤدى الى عصيان مدنى سلمى يجعل من سيطرة الاخوان على الدولة مستحيلة ، عندئذ سيضطرون رغما عنهم الى تلبية مطالب الشعب . الاخوان لديهم مجموعات من القتلة تنتمي اليهم أو الى الشرطة .
بمقدورهم دائما أن يقتلوا من يعارضهم لكنهم لن يستطيعوا أبدا مواجهة العصيان المدنى .
لن يستطيعوا أن يعتقلوا ملايين المصريين اذا قرروا الامتناع عن العمل . فكرة العصيان تصيب الاخوان بالرعب .
سقط أربعون شهيدا في بورسعيد خلال يومين فقط وبرغم ذلك خرج مرسي ليشكر القتلة ويهدد الضحايا بالمزيد من القتل لكنه في اليوم الأول للعصيان المدنى سارع باعادة المنطقة الحرة لبورسعيد في محاولة مؤسفة لرشوة أهل المدينة .
يتخيل مرسي أن أهل بورسعيد سينسون دماء أبنائهم مقابل أموال المنطقة الحرة .
العصيان المدنى حق قانوني للمصريين يكفله القانون والمعاهدات الدولية التى وقعتها الحكومات المصرية .
واجبنا أن نقاطع هذه الانتخابات لأنها ملطخة بدماء جيكا والحسيني وكريستي والجندي والشافعى وغيرهم من الشهداء الذين ضحوا بحياتهم حتى نعيش نحن في دولة عصرية ديمقراطية تحترم آدمية مواطنيها وترعي حقوقهم . الدم سوف يعلق بيد كل من يشترك في هذه الانتخابات الباطلة .
فلنقاطع الانتخابات وننضم الى العصيان المدني حتى تتحرر مصر من قبضة القتلة . الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها باذن الله .
الديمقراطية هي الحل
 
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=486449024738178&set=a.148257715223979.27628.148101218572962&type=1

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire