22/01/2000
أحمد منصور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلا بكم في حلقة جديدة مع ضيف جديد في برنامج (شاهد على العصر) شاهدنا على العصر في هذه
الحلقة والحلقات القادمة، معالي الدكتور مصطفى خليل (رئيس وزراء مصر الأسبق).
ولد الدكتور مصطفى خليل في إحدى قرى محافظة القليوبية في مصر عام 1920م، درس في كلية الهندسة وتخرج منها في عام 1941م، ابتعث إلى الدكتوراه، وحصل عليها من جامعة (إليني) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1951م، عمل في الفترة من عام 1951م وحتى عام 1956م أستاذاً مساعداً في كلية الهندسة (جامعة عين شمس) شغل بعدها مناصب وزارية عديدة في الفترة من عام 1956م وحتى عام 1966م.
فقد شغل وزارات المواصلات والنقل والاتصالات، ونائباً لرئيس الوزراء لشؤون النقل والمواصلات، ثم نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الكهرباء والبترول والطاقة، وذلك في حكومة الوحدة، التي نشأت بين مصر وسوريا في الفترة من عام 1958م وحتى
عام 1961م.
ظل دكتور مصطفى خليل بعدها في مناصب وزارية عديدة حتى عام 1966م، حيث قدم استقالته لظروف صحية، شغل بعد ذلك منصب رئيس الإذاعة والتليفزيون، أو الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون في الفترة من يونيو عام 1970م وحتى أبريل
عام 1971م، انتخب بعدها أميناً عاماً للاتحاد الاشتراكي العربي، الذي كان الحزب الرئيسي الحاكم في مصر في ذلك الوقت، وذلك في أعقاب تكليفه برئاسة مستقبل مصر السياسي، الذي كلَّفه به الرئيس (محمد أنور السادات) آنذاك.
كلف من الرئيس محمد أنور السادات بالعمل على تغيير النظام السياسي في مصر، والانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام الأحزاب الذي أخذت به مصر بعد ذلك، رافق الرئيس السادات في رحلته الشهيرة إلى القدس في نوفمبر عام 1977م، كُلِّف بعد ذلك برئاسة الوزراء، وشكَّل الحكومة المصرية في الفترة من أكتوبر عام 1978م، وحتى مايو عام 1980م، يشغل حتى الآن منصب نائب رئيس الحزب الوطني الحاكم في مصر، مرحباً دكتور مصطفى.
حياة حافلة بالأحداث والمهام الجسام، والتغيرات السياسية العديدة في مصر في الفترة من عام 1956م، حيث توليت أول منصب سياسي عام وحتى الآن، حيث لا زلت تشغل منصب نائب رئيس الحزب الوطني الحاكم، أريد أن أبدأ معك من القرية، من البيئة الأولى التي نشأت وترعرعت فيها، ومؤثرات هذه البيئة في تكوين شخصيتك، بإيجاز لو سمحت، تفضل.
د. مصطفى خليل:
والله، أنا أبدأ باشكر سيادتك على إتاحة هذه الفرصة لي، لأنه يعنيني الشباب الناشئ –الآن- وإنه يعرف إن الحياة حياة مهياش سهلة، وحياة الإنسان يتعرض فيها لنقلات كتير من طريقه، فعلاً أنا ولدت في القرية، اسمها كفر تصفا تاء، صاد، فاء، ألف، ووالدي كان مالك أرض، أو ما كان يُسمى في ذلك الوقت من الأعيان.
ولكنه لم يكن يزرع الأرض بنفسه، وإنما النظام الذي كان سائداً في ذلك الوقت هو تأجير الأرض لفلاحين بملكيات صغيرة، كما تعلم سيادتك، الأرض مفتتة في مصر تفتيت كبير جداً، فالإيجارات كانت تتراوح ما بين فدان إلى اثنين، لأنه كان زراعة باليد في ذلك الوقت، وطبيعي الأثر الذي سابته فيه كان أثر سلبي.
بمعنى إن الواحد بيتعامل مع المؤجرين اللي بيبقوا موجودين، مستوى المعيشة ما كانش يرضيني، وأستطيع أن أقول: إنني خرجت من الحياة هناك بانطباع جعلني أكره الأرض.
أحمد منصور:
ما هي الأسباب التي دفعتك إلى ذلك، وأنت لم تكن معنياً بحياة البسطاء -وإنما– كما ذكرت- كان والدك من الأعيان، ومن المؤكد أنه كان يوفر لك شكلاً من أشكال الحياة الرغدة؟
د. مصطفى خليل:
مما لا شك فيه أن التسمية الأعيان في ذلك الوقت، والفلاحين في مصر مش معناها إن إحنا عائلياً جينا واشترينا أرض في قرية، بل تجد سيادتك إن أقل فلاح حتى ماشي في الطريق لابد إنه يقول أنا قريب فلان، وفعلاً لما بنتتبع التسلسل العائلي بنجد تربطني بيه رابطة تكون موجودة، فإحنا مش أجانب عن المنطقة، ماحناش ملاك أرض نسيوا واشتروا هذه الأرض.
ولكن كان والدي وجدي وجدودي من هذه المنطقة، وفيه فرق كبير في مصر بين اللي بنسميها العزوة، إن يبقى له عزوة في بلده، شيء مختلف كل الاختلاف، عن شخص بيشتري أرض في أي مكان ويزرعه، لكن العزوة عندنا وباستمرار لم تكن عزوة تجبر.
أحمد منصور:
يعني العزة المقصود فيها هناك، الأهل والعشيرة والأقارب اللي بيدعموا الشخص ويعطوه المكانة القوية في مجتمع القرية.
د. مصطفى خليل:
أيوه، بالظبط في مجتمع القرية، ولكن العزوة كانت عزوة رعاية وخدمات تُؤدى لهم، ورغم هذا عندما أعود بالذاكرة، وبمنتهى الصراحة أقول: أنا لم أكن أرضى عن العلاقة بين المالك ومستأجر الأرض عموماً..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كنت تحس أن المستأجر مظلوم يعني؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
كان نتيجة الشعور ده، أنا بقيت أشعر إن الأرض لمن يزرعها..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
وليس لمن يملكها؟!
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
وليس لمن يملكها، ولهذا لما كان الإصلاح الزراعي حتى بعد كده، وقت الرئيس عبد الناصر، أستطيع أن أقول بيني وبين نفسي أنا مقتنع تماماً بإن توزيع الملكيات على الفلاحين كانت عمل عادل، ونظام المالك المتغيب عن أرضه انتهت في كثير من البلاد، كانت موجودة في اليابان في فترة، وحصل إصلاح زراعي في اليابان.
أحمد منصور:
يعني بلاد كثيرة لازال فيها هذا النظام، لكن أنا سأعود بشيء من التوسع، ربما حينما نتحدث عن عمليات نزع الملكية التي تمت، والتأميم في عهد الرئيس عبد الناصر، متى تركت مجتمع القرية وانتقلت إلى مجتمع المدينة؟ وهل حدث شيء، يعني شكل من أشكال العزلة بينك وبين القرية؟
د. مصطفى خليل:
لا، إحنا انتقلنا للدراسة.
أحمد منصور:
لكن ظل لك علاقة بالقرية قائمة؟
د. مصطفى خليل:
ظل ليا علاقة بالقرية، كنت أروح في الصيف، وكنا بنمضي الأجازات بتاعتنا، أو كشباب صغير بيلعب كورة، وبيروحوا بيشوف الفلاحين، وعلاقتنا كانت زي ما بأقول، علاقة قوية تربطني بالمجتمع الزراعي الموجود، ولكن مش علاقة مالك بمستأجر على وجه الإطلاق.. لما بفكر في الأيام اللي فاتت.. الوضع كان لازم يتغير، يعني شعوري إن الوضع ما كانش يجب أن يستمر..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
رغم أنك لم تكن متضرر من النظام الموجود، بل ربما تكون مستفيد؟
د. مصطفى خليل:
أنا بعتقد طول عمري إن الشخص أهم حاجة في حياته التعليم، ولما تسألني عن.. أنا كان والدي يروح ويدفع مصاريف الأولاد المتفوقين في المدارس مثلاً في القاهرة والبلاد الثانية، لأن التعليم هو أساس لكل فرد، وأعتقد إن كل فرد يجب أن يعمل، ويجب أن يكسب ويعيش مما يعمل به، مش عن طريق إرث الأرض أو مثل هذا الوضع.
ولكن طبعاً في نفس الوقت بقول: إن إرث الأرض بالنسبة لي -وأنا ورثت أرض وما بنكرش الأوضاع اللي الإنسان كان فيها- كان بالنسبة لي ضمان لحريتي في العمل بعد ذلك، يعني الدخل اللي بيجي من هذه الأرض ضمن لي استقلالية الرأي، لأن أي إنسان لما بيوضع بين إنه يفاضل بين أمرين، إما استقلالية الرأي، وإما ترك العمل، والبحث عن عمل آخر، أو بيأخذ خط معين مخالف للخط السائد في ذلك الوقت، بيبقى تكاليف المعيشة بالنسبة له قاسية.
أحمد منصور:
أنت دكتور الآن بتطرق -الحقيقة- نقطة هامة جداً في حياة كل إنسان من المفترض أنه بيشارك في صناعة الرأي أو صناعة القرار..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
أو في القضايا العامة.
أحمد منصور [مستأنفاً]:
ممن يكتب، أو يوجِّه، أو يشارك في الحياة العامة، أو يشارك في القرار السياسي أو في الوظائف العامة، من أن يكون له مورد رزق يجعله يحافظ –يعني- على استقلاليته وعلى نفسه، وعلى قراره، وهذه ربما التي تجعل كثير من الناس يتنازلون عن مبادئهم في بعض الأوقات، من أجل الحفاظ على الوظيفة أو غيرها.
د. مصطفى خليل:
أيوه بالظبط.
أحمد منصور:
دكتور، درست في نهاية الثلاثينات في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وتخرجت منها في عام 1941م، في هذه الفترة كانت مصر تموج بالتيارات السياسية المختلفة داخل الجامعة، وكان الطلبة يُعْمل لهم حساب كبير لدى الحكومات المختلفة، وكانت المظاهرات الطلابية لها.. يمكن أن تقيم وزارات، وتُقِيل وزراء ووزارات، هل جذبك أي تيار سياسي في ذلك الوقت لكي تنتمي إليه، وتكون جزءاً مؤثراً أو فاعلاً فيه في الحياة السياسية المصرية؟
د. مصطفى خليل:
نعم، أهم شيء أثر علينا في الفترة دي كشباب كان الاحتلال البريطاني لمصر، وأنا بأعتبر إن احتلال أي جزء من الأرض المصرية بالنسبة ليا، أنا بأعتبر إنه بيبقى مهانة فظيعة جداً، كنا لما بنشوف جيش الاحتلال، كان في قصر النيل، سيادتك عارف الثكنات بتاعتهم هنا، لما الواحد بيفوت وبيمر مبيقدرش إنه هو.. يعني شعور الألم والحسرة في قلب الواحد.. أنا لما كنت شاب اشتركت في بعض هذه المظاهرات، وسابت لي أثر ما زال موجود عندي حتى الآن.
أحمد منصور:
يعني اعتدى عليك في إحدى المظاهرات؟
د. مصطفى خليل:
نعم.
أحمد منصور:
تم الاعتداء عليك؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، كان حصل.. وبعدين حقق معايا، أنا كنت في البكالوريوس في ذلك الوقت سنة 1941م، وكان مظاهرات ضد البريطانيين في ذلك الوقت، وفعلاً التحقيق اللي أجراه معايا شخص تربطني به علاقة -بعد ذلك- قوية جداً من الصداقة وخلافه.
أحمد منصور:
تذكره يعني؟
د. مصطفى خليل:
أيوه.
أحمد منصور:
لم تذكر لي هل انتميت سياسياً إلى أي تنظيم من التنظيمات التي كانت تملأ الساحة السياسية المصرية؟
د. مصطفى خليل:
أنا لم أنضم إلى أي تنظيم سياسي على وجه الإطلاق، ولما رجعت من الولايات المتحدة.
أحمد منصور:
قبل الولايات المتحدة.
د. مصطفى خليل:
لا، لم أنضم.
أحمد منصور:
ألم تعجب –أيضاً- بأي تيار سياسي موجود؟ ألم تؤيده من الناحية النفسية؟ ألم..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
من الناحية النفسية، كان حزب الوفد.
أحمد منصور [مستأنفا]:
الوفد؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، أنا بأعتقد إن سعد زغلول كان رمز لنا جميعاً، ما زال في قلوبنا حتى الآن كزعيم وطني بيناضل لاستقلال بلاده، لكن أنا كنت بأشعر دائماً إن التعليم أساس قوة الفرد.
أحمد منصور:
هناك من يتوجه إلى توجه سياسي، أو توجه اجتماعي أو كذا.. أنت توجهت إلى الجانب الرياضي، وجانب التجديف على وجه الخصوص، وانشغلت بهذا في أثناء فترة شبابك، ذكرت لي أثناء جلسات الدردشة التي أجريناها أنك –أيضاً- في الفترة دي كنت تهوى الموسيقى، وذهبت لتدرب الموسيقى، وكان مدربيك من اليهود.
د. مصطفى خليل:
أيوه، اللي حصل في الحقيقة حاولت، بس حاولت وأنا كبير إنه أتعلم العزف على الكمان، فكان فيه موجود في ذلك الوقت كونسرفتوار بتاع واحد اسمه (تجرمان) وكان مدرس الكمان في ذلك الوقت اسمه (منشي) فرحت فعلاً لغاية ما سافرت الولايات المتحدة ما كانش في فرصة إني أكمل.
أحمد منصور:
أنا هنا فيه نقطة مهمة اللي دفعتني إني أسألك هذا السؤال، وهو إن في هذه الفترة قبيل أن تذهب إلى الولايات المتحدة، حينما ذهبت إلى تعلم الموسيقى كان (منشي) هذا كان يهودياً، وأنت تقول: أنك لا تجد من صغرك أي شكل من أشكال الحواجز النفسية في أن تتعامل مع أي إنسان من أي ديانة حتى لو كان يهودي، في هذا الأمر إنت لما عرفت إن المدرس اللي هايدرس لك يهودي، لم يكن لديك أي شكل من أشكال التحفظ على هذا الأمر، أم تقبلك لهذا كان طبيعياً بحكم إن مصر في ذلك الوقت كان يعيش فيها عدد من اليهود لا بأس به؟
د. مصطفى خليل:
ها قول لسيادتك حاجة، أنا تخرجت سنة 1941م من كلية الهندسة، الفترة اللي قبل كده ما كانش فيه الشعور اللي نما بعد ذلك بعد حرب 1948م يعني فيه فرق هنا، أنا لما أُعْلنت دولة إسرائيل كنت في الولايات المتحدة، وكنت في الولايات المتحدة لي أصدقاء من كل الجنسيات الموجودة، وكل العقائد الدينية إزاي..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
يعني القضية كانت شغلاك –أيضاً- من الناحية العقائدية، كان عندك شغف بأنك تتعرف على كيف يفكر الآخرون؟ ما هي معتقدات الآخرين؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
أيوه، كان عندي شغف فعلاً، وأستطيع إني أقول: إن قراءاتي كانت.. أحب كتاب مثلاً اللي كان على نفسي في ذلك الوقت، كتاب (حياة محمد) اللي عمله محمد حسين هيكل، وأنا بأقول لأني قريت بعد كده كتب بالإنجليزية وخلافه، فأنا بضع كتاب هيكل ده في مقدمة الكتب اللي الواحد يوصي غيره بإنه يقراها.
أحمد منصور:
هو ربما لأنه خاطب المستشرقين، ووجهوا إلى الغرب أو العقلية الغربية بشكل أساسي، فتركت هذا الأثر في نفسك.
د. مصطفى خليل:
بتترك أثر كبير، لأن لما بنقول لي الواحد يعرف أعظم الشخصيات اللي اتوجدت في العالم، أستطيع أقول على طول كان سيدنا محمد..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
عليه الصلاة والسلام.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
مش محتاجة، لأن أنا خدتها بطريقة إن ما دام أنا مسلم يبقى لابد إن محمد يبقى أعظم شخصية في العالم، لا ده نتيجة إن الواحد بيقرأ وبيشوف عظمة الشخصية، كانت فين القيم الأخلاقية بتاعة الطباع معاملة الناس، كل هذا بيدي للإنسان نوع من التمسك بدينه وبعقائده.
وإنما في نفس الوقت ما بيدنيش إن أنا أعادي الطرف الآخر، أو الدين الآخر على وجه الإطلاق، أنا ما زلت بأرى إن الإسلام دين سماحة ودين إقناع، مهواش دين عنف، ولا دين إن أقتل وأسرق وأقول: والله المفتي بتاعي قال لي الكلام ده، لا يعني الواحد ما يقدرش يقبل هذا.
أحمد منصور:
دكتور، في الفترة من 1947م إلى 1951م، وهي الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه، ما هي المؤثرات الأساسية التي تركتها البيئة الأمريكية في ذلك الوقت، وأنا حددت تاريخياً على بنائك النفسي، وعلى شخصيتك، وعلى البيئة –أيضاً- التي انتقلت منها إلى هناك؟
د. مصطفى خليل:
أنا بدي أقول شيء، أنا لما رحت الولايات المتحدة، فيه بعض ناس بينبهروا بالحياة هناك، أنا شخصياً لم أنبهر بالحياة في الولايات المتحدة، وأستطيع أن أقول إن بمنتهى الصراحة: أنا كنت عايش في مصر في حياة في مستوى أحسن من المستوى اللي أنا رحت وعشت فيه في الولايات المتحدة لما كنت بدرس..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
مستوى اجتماعي تقصد؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
مستوى اجتماعي، مستوى مادي، مستوى حياتي، أنا بتكلم بمنتهى الصراحة، ولذلك كان اهتمامي الكبير مش بالناحية المادية، يعني في اللي خلصوا معانا في نفس الوقت كان فيه بعض شخصيات أنا كنت أحبهم جداً، ولكن كان معايا زميل خلص الرسالة بتاعته، وخد الدكتوراه في نفس الوقت، وبعدين اثنين - إحنا كنا أربعة – اثنين قعدوا عشان..هناك في الولايات المتحدة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
استقروا واشتغلوا؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
أه، وحصلوا على مناصب عظيمة جداً بعد كده، أنا شخصياً عُرِض عليَّ هذا العرض، وعرض علي من أستاذي، لأن أنا كنت بشتغل –أيضاً- بجانب الدراسة ك Research arristant..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
باحث مساعد؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
وحتى قال لي: طب إنت لما هاتسافر هتاخذ كام جنيه؟ قلت له: مش هاخد كتير، ولكن أنا بأفكر إن أسافر أنا عندي شعور إن ما تعلمته هنا أستطيع أني أطبقه في بلدي، أو أفيد بلدي بيه، وفعلاً أنا مقعدتش، ولكن إيه اللي ساب أثره عندي من الدراسة في الولايات المتحدة؟ المجتمع الأمريكي مفتوح جداً..
أحمد منصور:
حتى في ذلك الوقت في الحرب العالمية الثانية..
د. مصطفى [مقاطعاً]:
أيوه.
أحمد منصور [مستأنفاً]:
قبل خمسين عاماً تقريباً؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، كان مجتمع مفتوح، لما تقعد مع الأمريكان ممكن يحكي لك أسرار بيته من أول جلسة فمهماش Reserve زي الأجانب الآخرين.
أحمد منصور:
الآخرون محافظون، ويجعلون حواجز بينهم وبين الغير.
د. مصطفى خليل:
مش موجودة، بس هناك الصدقات اللي بتعملها صداقات قائمة once إن الشخص مش خلاص انتهت مفيش صلة، يعني بيجمع، لكن هم كأشخاص طيبين جداً في مرحلة الدراسة، أنا بتكلم مش مرحلة ما بعد الدراسة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
هناك فرق؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
لا، حياة مختلفة، تنافس شديد جداً.
أحمد منصور:
يعني أنت كان همك في خلال فترة تواجدك في الولايات المتحدة أن تحصل على رسالتك للدكتوراه، وأن تعود لتفيد بلدك، ولم يكن في تخطيطك بالمرة البقاء هناك، أو الانبهار بوظيفة أو بمنصب، أو بأي شيء مما يشغل الآخرين.
د. مصطفى خليل:
لا، محصلش.
أحمد منصور:
ورجعت من هناك، ولم تتأثر بالحياة الاجتماعية التي هناك، كثيراً حاولت أن تحافظ على قيمك التي سافرت بها من هنا؟
د. مصطفى خليل:
بدون شك، لأن الواحد.. لما بأقول: إيه مستقبل بلادي بالنسبة لمستقبل العرب، مستقبل المصريين، أنا بأقول: فيه فارق كبير جداً بين ناحية العمل والتخصص وناحية البحث العلمي، وفرق القيم الأخلاقية اللي إحنا بنتوارثها، القيم الأخلاقية اللي عندنا على جانب كبير جداً - وأنا باستمرار أقول – من الرقي، يعني أيوه إحنا لينا قيمنا الأخلاقية، ولكن هل قيمي الأخلاقية دي بتعاديك، بتسبب لك إنك تقول: إن أنا مسلم، يعني فيه تفكير في دماغك إنه هو يخليك تنظر لي نظرة غير طبيعية، أيوه أنا لي قيم مختلفة.
أحمد منصور:
في الفترة هذه نفسها من 1947م إلى 1951م وقع شيئين، هما قرار تقسيم فلسطين، وإعلان قيام دولة إسرائيل على أطلال فلسطين في 1948م تأثير هذين القرارين عليك، هل انشغلت بهما وأنت في معمعة الدراسة بعيد عن وطنك بآلاف الأميال، وأمامك مهام –يعني- تختلف عن الجو الذي ربما تكون تمور فيه الأحداث في الشرق؟
د. مصطفى خليل:
طبعاً، كان لها تأثير كبير على الواحد، لأنه كنا بنتابع أخبار حرب اللي سبقت إعلان الدولة، وحرب ما كانتش متكافئة، يعني اللي بيفتكر إن الجيوش العربية اندحرت من شوية ناس عصابات بيحاربوا .. إسرائليين بيحاربوا هذه الجيوش العظيمة.. مش حقيقي هذا الكلام.
أحمد منصور:
أمال إيه الحقيقي؟
د. مصطفى خليل:
الحقيقة إن كان فيه يهود كتير تدربوا على القتال مع الحلفاء ..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
أثناء الحرب العالمية الثانية؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
أثناء الحرب العالمية، ودول نزحوا إلى إسرائيل بعد كده.
أحمد منصور:
دول تدربوا بنيَّة الاستعداد لمواجهة العرب؟
د. مصطفى خليل:
أيوه.
أحمد منصور:
في فلسطين؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، وأنا كنت أعرف بعضهم، وكان بيقول لي هذا الكلام.
أحمد منصور:
التقيت فيهم أنت في الوقت دا؟
د. مصطفى خليل:
أقول لسياتك: تقديرات الجيوش اللي حاربت العرب لا تقل عن ستين ألف، يعني لما نقول (الهغانا) والكلام ده .. دول ما كانوش عصابات، يعني أفراد كده غلبوا جيش نظامي، لا محصلش هذا، حصل غير كده، اللي حصل إن إحنا دخلنا مفككين، دخلنا بدون ارتباط استراتيجي بين القوات اللي داخلة، وكانوا بيحاربوا عساكر محترفين، تدربوا مع قوات الحلفاء (عزرا وايزمان) نفسه كان طيار في الجيش البريطاني.
أحمد منصور:
أنا أعرف أن لك صداقة به، فهل حكى لك شيئاً عن تلك المرحلة؟
د. مصطفى خليل:
أيوه.
أحمد منصور:
بإيجاز ما الذي رواه لك عن دوره؟ عن الأشياء اللي قام بها في حرب 1948م؟
د. مصطفى خليل:
يعني ولو خرجنا شوية عن الموضوع (عزرا وايزمان) غيَّر تفكيره بالكامل بعد جولات المفاوضات، هو كان معتبر من الصقور اللي خاض معركة 1967م..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
نعم، نعم.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
هو كان قائد الطيران في ذلك الوقت وغير تفكيره تماماً.
أحمد منصور:
سنعود له بالتفصيل، ولكن أنا أريد أن أبقي في 1948م والحرب العربية الإسرائيلية، ودور عزر وايزمان فيها، وما رواه لك عن استعدادات الشباب في ذلك الوقت في حرب العصابات؟
د. مصطفى خليل:
إنه دخل كلية طيران بريطانية، اتخرج منها، كان موجود هنا في مصر، وكان المحل اللي كان بيروح له باستمرار جروبي، اللي إنت عارفه في عماد الدين، وكان ياخد فطاره هناك، وكان أول ما جه قال: أنا عايز أروح جروبي أشوف إيه اللي حصل له من الأيام اللي فاتت، ده غير تفكيره، لأنه ابتدى يشوف إن متقدرش إسرائيل تستمر مبنية على الردع العسكري خالص.
أحمد منصور:
دكتور، سنعود لهذا بالتفصيل أثناء حديثنا عن المفاوضات لك فيها صولات عديدة، ولكن أنا أبقى في حرب 1948م والاستعداد اليهودي مقابل الاستعداد العربي في ذلك الوقت، اليهود دربوا في الحرب العالمية الثانية، ودخلوا بنيّة التدرب لمواجهة العرب على أرض فلسطين.
درسوا دراسات عسكرية، ومنهم عزرا وايزمان الذي درس في بريطانيا، وكان طيار، وهو روى لك بنفسه هذه الأمور هذه .. لو جينا نقيم 1948م برؤيتك كسياسي، كرجل سياسي، يعني واصلت العمل السياسي إلى الآن من ذلك الوقت، كيف تقيم هذه المرحلة بإيجاز لأجيالنا نحن؟
د. مصطفى خليل:
لأجيالنا أستطيع إني أقول: إن .. طبعاً لما قرأنا عن إعلان دولة إسرائيل، اللي أَعلن في الأول الاتحاد السوفيتي بعد نصف ساعة (بن غوريون) لما أعلن قيام الدولة، ولما أعلنه..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ودي لها مغزاها اللي متقدرش نسقطه حول العلاقات السوفيتية المصرية حتى بعد ذلك.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
آه، طبعاً.
أحمد منصور:
يعني منقدرش؟
د. مصطفى خليل:
مش بس العلاقات السوفيتية المصرية، العلاقات السوفيتية بباقي الدول العربية كلها، ولكن اللي أستطيع إني أقوله، والواحد واثق منه، إن هما كانوا ابتدوا عن طريق الهستدروت، والمنظمات الأهلية، إنهم يعملوا أساس للدولة اللي ها تقام، يعني مش بيعلن قيام دولة، وبعدين لسه هينشيء الأنظمة الداخلية اللي..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
يعني عن طريق المنظمات القائمة كان عامل تشكيلات تهيئ لأن تدير دولة.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
على طول بالضبط.
د. مصطفى خليل:
إحنا بكل أسف لما بنرجع للتاريخ في ذلك الوقت ما كنش في اتفاق عام بين الدول العربية على وجه الإطلاق..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ده السبب مثلاً.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
يعني ده من ضمن الأسباب..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
غيره.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
مكناش بنقيم الطرف الآخر تقييم مظبوط، وأنا أقول: من أهم الأمور إن ضروري القيادات اللي بتبقى موجودة، إن تقيِّم الأطراف الأخرى، اللي بترى إنه ممكن إن مش ضروري أدخل حرب وياها، ولكن فيه مجال تنافس كبير بيني وبينها، فلابد إن نكون نبقى عرفين دول بيفكروا إزاي، دول بيهدفوا لإيه؟ دول بيعملوا إيه عشان يصلوا إلى الأهداف بتاعتهم؟ أما إن أغمي عيني ووداني، وبعد كده أقول: لأ، مفيش أي حاجة تنشر ولا تقال على الطرف الآخر، طب هيفدني بإيه؟ وأخاف إن أنا كل واحد هيقرأ عن الطرف الآخر هاينسى وطنية هاينسى بلده، هاينسى إن هو شخص له صفات معينة، ربما تختلف مع صفات الشخص الآخر، إنما ممكن إن هذا الاختلاف نعمل على إنه ما يكونش موجود.
أحمد منصور:
لكن هل كان العرب في ذلك الوقت يستطيعوا أن يَحُولوا دون قيام دولة إسرائيل رغم التأييد اللي حصلت عليه إسرائيل في الأمم المتحدة، ووعد بلفور في 1917م، والتهيئة الدولية لإقامة هذه الدولة؟
د. مصطفى خليل:
العرب ما كانوش أبداً في وضع إنهم عاملين تقدير أو حسابات مظبوطة للظروف الدولية اللي بتحصل بعد كده، بمعنى إن هل من مصلحة الغرب أو الاتحاد السوفيتي يبقى فيه دولة إسرائيل موجودة بالطريقة اللي اتوجدت بيها، الطريقة اللي اتوجدت بيها كانت دعاية فظيعة جداً في جميع الصحف أو الميديا medea كلها إن فلسطين دي أرض ما فيهاش سكان، وإن دُول جايين يعمروا وتلاقي الصور كلها اللي بتطلع فلاح ماشي، رغم إنهم عمرهم ما كانوا رجال زراعة.
لكن أول حاجة عملوها في المستعمرة إن قال: إن لابد أن أنا أفهم في الزراعة، وأمارس الزراعة، إحنا مقيمناش هذه الأوضاع على وجه الإطلاق، معرفناش إن –أيوه- همَّا لهم نفوذ قوي في الغرب، طب سبب النفوذ ده إيه؟ معرفناش، وإحنا حتى ما زال الوضع لغاية النهارده كيف تواجه الوجود الإسرائيلي في المستقبل مع وجودك ومع ظروفك، ومع ما تتمنى أن تحققه؟، مش بس كدولة مصر، لكن دولة كذا، ودولة كذا وكل العرب.
أحمد منصور:
يعني فيه رؤية استراتيجية مستقبلية عربية غائبة.
د. مصطفى خليل:
أنا بعتقد كده.
أحمد منصور:
تجاه الصراع مع إسرائيل.
د. مصطفى خليل:
أيوه أنا بعتقد كده، وبعتقد اللي أكتر من كده، إحنا حتى مش قادرين لغاية النهارده نصل إلى وضع أساسيات لتكامل عربي في المستقبل، أو لوحدة عربية، إذن قد نذهب بعيداً جداً، أو تضامن عربي، وأنا باستمرار بأقول: إن طيب فهَّمني لما بتيجي مشكلة كذا، إيه اللي العرب ممكن يعملوه؟ هنا مفروض إن يبقى تخطيط، تخطيط بيشمل المواجهة في المستقبل، وأنا مشبعني بالمواجهة عسكرية، ولازم أقول الكلام ده أنا بعني في المستقبل..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ولماذا يا دكتور لا تكون مواجهة عسكرية؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
لأن اللي يطالب بحرب، أولاً ناحية عسكرية دا أمر في غاية الصعوبة، الناحية العسكرية بترتبط بنظام الدولة نفسه، ونظام اللي هو يضمن إن يكون لك جيش محترف، على درجة عالية من الكفاءة، اللي تخليك تعرف إن علاقاتك الخارجية ممكن تبقى إزاي، يخليك تعرف طيب مين اللي هيقف ويايا، ومين اللي هيقف ضدي، مين اللي هيقف وياه، ومين اللي هيقف ضده، هيخليني أقول طيب إيه النتيجة يعني؟ النتيجة يعني مفيش حرب تقوم لمجرد إن أنا أقول: أنا شجاع أنا بحارب، الحرب تقوم لإني عايز أحقق هدف معين، أنا مش قادر أحققه بدون حرب، إذا أقنعتني إن فيه هدف معين ممكن تحقيقه بالحرب مقدرش أحققه سلماً أقول لك: والله دا موضوع تاني..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
زي قضية تحرير الأرض؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
بالضبط.
أحمد منصور:
كمحور أساس يمكن أن يدفع إلى قيام الحروب، قامت.. أعلن عن قيام إسرائيل في 1948م، وأنت كنت لازلت تدرس في الولايات..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
إحنا كطلبة، إحنا وقتها كنا طلبة من بعثات حكومية، يعني فيه طلبة النهارده مفتوح.. كتير من المصريين بيتعلِّموا في الخارج، وعلى نفقتهم الخاصة، مكناش على نفقتنا الخاصة، إحنا كنا طلبة مرسلين من الحكومة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
المصرية.
د. مصطفى خليل[مستأنفاً]:
للبعثات، وكان أهم حاجة إحنا عارفين إن لابد إن إحنا نثبت أنفسنا، يعني كطلبة، وأنا أذكر تماماً إن كلية الهندسة كانت -وما زالت- مستواها العلمي مستوى مرتفع، مرتفع جداً، وللعلم إن كان عميد كلية الهندسة كان هو، وقت أنا ما كنت موجود كان هو عميد كلية الهندسة بتاعت (زيورخ) في سويسرا.
أحمد منصور:
في نفس الوقت.
د. مصطفى خليل:
أيوه، لا مش في نفس الوقت، يعني كان قبل كده عميد ال.. ودي كلية مشهورة جداً في العالم الهندسي، إحنا.. كانت المحاضرات بالإنجليزي مش بالعربي.
أحمد منصور:
هنا في مصر؟
د. مصطفى خليل:
وكنا بنقرأ الكتب، المراجع بتاعتنا كانت إنجليزية، وأنا اتوجدت بعد كده في لجان حكومية، اللي كان بيقولوا لابد أن إحنا نعرب الدراسة في كلية الهندسة وكلية طب .. أنا شخصياً ما كنتش موافق على هذا، لأن بأقول: انا مش حكاية الوطنية بدون شك إن لو.. أنا رحت روسيا بعد كده وشوفت المراجع بتاعتهم، لقيت المراجع بتاعتهم مترجمة عن مراجع أمريكية من الإنجليزية إلى بتاع طب، هل أنا عندي جهاز أستطيع إني أتابع التطور العلمي السريع اللي بيحدث في مختلف المجالات والتخصص، زي الطب والهندسة والعلوم وكل الأمور؟ لا مش موجود.
أحمد منصور:
رجعت إلى مصر 1951م عُيِّنت أستاذاً مساعداً في كلية الهندسة، وبدأت تأخذ المجال الأكاديمي في الدراسة، في 23 يوليو 1952م قامت الثورة حينما رجعت من الولايات المتحدة، هل تغيرت –يعني- عقليتك المهنية الأكاديمية، وفكرت في السياسة، أم ظليت تأخذ المسار الأكاديمي بعيداً عن التغيرات السياسية التي كانت في مصر في ذلك الوقت؟
د. مصطفى خليل:
أنا لما رجعت .. أنا حاجة بدي أقولها يمكن للمرة الأولى: أنا بصيت لقيت في اتصال حصل بين الإخوان المسلمين وبيني، والرسول واحد قال لي: تعالى شوف الشيخ حسن البنا، واحضر وشوف..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
حسن البنا قتل في فبراير 1949م.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
نعم.
أحمد منصور:
كان في فبراير 1949م قتل حسن البنا.. فبراير 1949م.
د. مصطفى خليل:
يبقى كان الهضيبي هو اللي..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كان حسن الهضيبي في ذلك الوقت كان مرشد للإخوان 1951م.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
أيوه، فأنا اعتذرت قلت له: لأ.
أحمد منصور:
الذي جاءك كان من الإخوان، كان صديق ليك؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، كان صديق، وقال لي: تعال.
أحمد منصور:
ممكن تذكر اسمه، ولا فيه حرج من ذلك؟
د. مصطفى خليل:
لا، مقدرش.
أحمد منصور:
لازال موجود إلى الآن؟
د. مصطفى خليل:
لا، توفى في الحقيقة.
أحمد منصور:
إذا توفى اذكر لنا اسمه.
د. مصطفى خليل:
لا معلش، أنا في الحاجات دي متاعب بدون شك فأحسن، المهم إن أنا في الحقيقة قلت: لا، أنا ما بنضمش لأحزاب سياسية، الوفد كان ممكن إني أدخل وأبقى نشط فيه، ولكن الكلام عن الوفد وقيادته في ذلك الوقت بتخلي الواحد يحجم عن الانضمام، منضمتش وفضلت إن أبقى موجود، اللي حصل بعد كده إن..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
يعني حينما عرض عليك – عفواً خلينا في الإخوان الآن- حينما عرض عليك أن تلتقي مع مرشد الإخوان، أو تنتمي إلى الإخوان رديت رد قاطع، ولم تفكر في الأمر بالمرة، أم إن الأمر استغرق معك وقت، سعيت إنك تروح تشوف إيه أفكار الأخوان إيه؟، ما الذي عند الإخوان؟ ثم أخذت قرار فوري البت بالقطع مباشرة؟
د. مصطفى خليل:
أيوه، لأنه أنا كنت -وما زلت- وقت كبير بأديه في القراءة، وأنا من ناحية المبادئ نفسها، أنا لا أتفق فيها مع الإخوان..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كمبادئ في الأساس؟
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
كمبادئ.
أحمد منصور:
ولم يجذبك حسن البنا أثناء فترة دراستك، ولا أثناء ..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
ولم يجذبني حسن البنا، التنظيمات اللي اتعملت، ولا النشاط اللي اتعمل، ولا حاجة، وأنا بعتقد إن حركة الإخوان لو كانت اقتصرت على النشاط الاجتماعي، أو النشاط اللي هي –أنا باخد الدين من ناحية قيمه- مش أقول .. طبعاً كثير من الجماعات يقولك: لا، الدين الإسلامي دين ودنيا.
أحمد منصور:
صحيح.
د. مصطفى خليل:
نعم، دين ودنيا، ولكن أنا أقدر أفسر الدين بطريقة، وأفسر الدنيا بطريقة تانية.
أحمد منصور:
يعني هناك قواعد أساسية، ولا يستطيع أحد أن يخرج عنها، يعني حتى الفقهاء المشرعون، وضعوا ضوابط معينة لمثل هذه الأمور، لكن هل معنى ذلك أيضاً أنك بترى إن الإسلام يبقى قيم فقط، ولاَّ ممكن..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
أنا هقول لك: لما يجي يبقى أول حاجة للعضو إن هو يقسم على المصحف وعليه المسدس.
أحمد منصور:
دا دول أعضاء النظام السري.
د. مصطفى خليل:
الله ؟! طب مش موجود.
أحمد منصور:
كان موجود، لكن إذا أنت ارتضيت تبقى عضو في ..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
بعدين أنا لما أقول إن الحزب دا لابد إنه يبقى حزب مدني، حزب يمارس نشاطه بأسلوب إني معملش له فرع عسكري..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
كان فيه احتلال بريطاني في ذلك الوقت، ولم يكن الإخوان وحدهم إنما كان هناك القمصان الزرقاء، وكان مصر الفتاة لها تنظيمها العسكري، وكان كل التنظيمات تقريباً السياسية المعلنة لها تنظيمات عسكرية سرية، لمقاومة الاحتلال البريطاني.
د. مصطفى خليل:
مش بس كده، دا حنا كان عندنا القمصان الخضر، والقمصان الزرق.
أحمد منصور:
يعني كان في احتلال فرض على ..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
لا، لا.
أحمد منصور [مستأنفاً]:
التنظيمات السياسية في ذلك الوقت إنها يكون لها..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
لا لا، هنا فيه فرق كبير جداً بين إن أقول: الاحتلال كان في.. أو إن دول جماعات بتحارب الاحتلال فقط، فدا شيء يقولوه ويصدقه أي حد، أنا شخصياً لا أصدق هذا، أنا لا أستطيع إن أبداً في تفكيري حتى وأنا شاب صغير إن أقول: إن الحزب يكون له جناح عسكري، أو جناح سري، أو أو أو إلى آخره، لأ هنا بقى بقينا زي الفاشست، وطبع فيه قيادات بعض التنظيمات بعضهم كان ميال جداً لموسوليني، والبعض الآخر لهتر، والكلام..
أنا بالعكس اعتبرت إن مغادرة هتلر للعالم بهذه الطريقة.. أنا كنت أكرهه كراهية التحريم.. والله، أنا بأقولك بصدق، إنت بتسألني بصراحة لا أستطيع إني أقبل الحياة في ظل نظام بهذا الشكل على وجه الإطلاق.
أحمد منصور:
أنت لما عرض عليك الانتماء للإخوان، ودي آخر نقطة في هذا الجانب، عرض عليك إنك تنتمي للتنظيم العام، واللا للتنظيم السري الخاص للإخوان؟
د. مصطفى خليل:
لا، للتنظيم العام.
أحمد منصور:
للتنظيم العام، ومع ذلك أنت لك تحفظاتك العامة، سواء على التنظيم العام أو التنظيم الخاص للإخوان ألم..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
أنا لازم أقول نقطة برضه أكون واضح فيها، وكده أنا لا أعتقد بدخول الدين في السياسة، ولا يمكن إني أوافق عليه.
أحمد منصور[مستأنفاً]:
إذا كان الدين هو سياسة؟
د. مصطفى خليل:
لأ.
أحمد منصور:
يعني إذا كان القرآن فيه أحكام للسياسة كيف يتعامل الحاكم مع الناس؟ كيف يدبر الدولة؟ كيف يدير دولة؟
د. مصطفى خليل:
ممكن جداً يدير دولة زي ما هو موجود في الدستور المصري، أيوه، أنا باخد القرآن المصدر الرئيسي للتشريع، ولكن مش أجيب رجال دين و..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
لا فيه نقطة، فيه فرق هنا بين إن رجال الدين يحكموا، وما بين إن الدين كتشريع يحكم به رجال السياسة.
د. مصطفى خليل [مستأنفاً]:
موجود .. موجود في الدستور، هو أنا مش ضد .. إحنا جميع القوانين اللي بتصدر مفيهاش جملة، ولا كلمة تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
أحمد منصور:
هي دي النقطة، حتى حضرتك يفهم الأمر على الوجه الصحيح، أنت لا تطالب بأن يحكم رجال الدين، وإنما أنت تقول أيضاً: أن رجال السياسية يحكموا بالتشريع الإسلامي، وليس رجال الدين.
د. مصطفى خليل:
أيوه.
أحمد منصور:
يعني دي نقطة واضحة، عشان كلمة التفريق بين الدين والسياسة تفهم خطأ الآن، أنت الآن قلت مفهوم إنك بترفض حكم رجال الدين، وليس حكم الدين نفسه.
د. مصطفى خليل:
لأ.
أحمد منصور:
الدين يحكم، يحكم به رجال السياسة.
د. مصطفى خليل:
من خلال السياسيين.
أحمد منصور:
هذا الذي تقصده؟
يعني معتقدش فيه كثير من الإسلاميين، ماعتقدش يختلفوا معك في هذا الطرح اللي حضرتك..
د. مصطفى خليل [مقاطعاً]:
أنا بأقولك بصراحة، حقيقة أنا بأقولها كثيراً، أنا من النوع اللي لا أطالب أي واحد إنه يتفق معايا في الرأي، ولا أعتبر الخلاف في الرأي خصومة، الخلاف في الرأي حاجة طبيعية، وممكن جداً، وأنا لي أصدقاء بيختلفوا معايا في الرأي، يمكن 100% فمهواش إن الخلاف في الرأي أنا ضده، لا أنا معاه، ومعاه قلباً وقالباً، وليا أنا كان من الحركات اليسارية أو الإخوان المسلمين أو خلافهم صداقات شخصية دي حاجة..
أحمد منصور [مقاطعاً]:
ولا زالت؟
د. مصطفى خليل:
ولا زالت.
د. مصطفى خليل:
في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نتناول معك ثورة يوليو، ثم مشاركتك مع الرئيس جمال عبد الناصر في الوزارة لمدة أحد عشر عاماً في الحكم معه، وربما أيضاً نستكمل بعض الجوانب التي فتحناها في نهاية هذه الحلقة.
أشكرك جزيلاً على ما تفضلت به، كما أشكر مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نواصل الاستماع إلى شهادة دكتور مصطفى خليل (رئيس وزراء مصر الأسبق) في الختام، أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire