أظهرت العملية العسكرية الأخيرة التى تمت داخل إسرائيل كيف كانت اتفاقية كامب ديفيد تتضمن قبولا بانتهاك السيادة المصرية، وكان هذا خافيا عن شرائح عريضة من الشعب المصرى، التى بدأت تعطى اهتماما بقضايا الشأن الوطنى بعد ثورة 25 يناير ولا شك أن تأمين المناطق الحدودية مهما كانت طبيعة الاتفاقيات الثنائية التى تفرض مسؤولية تأمين كل دولة فى أن لا تتعرض لاعتداءات يمكن أن تأتى من داخل حدود الطرف الآخر، وهذا المبدأ يعتبر إطارا دوليا راسخا فى العلاقات بين الدول، وهنا تجدر الإشارة إلى الآتى:
أولا: أنه طبقا لاتفاقية كامب ديفيد لا توجد فى المنطقة (ج) الملاصقة للحدود أى قوات مسلحة مصرية، واقتصر الوجود على الشرطة المدنية فقط.
ثانيا: انعكست التغييرات الاستراتيجية الجذرية التى طرأت على البيئة الإقليمية وتحولات البنى السياسية على الأرض، مما أثر على طبيعة الصراع العربى-الإسرائيلى، ومثال لذلك ظهور حزب الله كرقم فاعل فى المعادلة واستيلاء
حماس على غزة وتأجج صراع تل أبيب مع إيران التى تطور بإصرار مشروعها النووى، وهذا يؤثر على كل الدول الأخرى فى المنطقة.
ثالثا: تمارس إسرائيل ضغطا مستمرا وعنيفا على الفلسطينيين فى قطاع غزة، مما يؤدى بطبيعة الحال إلى ردود فعل انتقامية نتيجة الإيذاء الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى هناك.
رابعا: تجرؤ القوى الأصولية على تهديد سيادة الدولة فى سيناء نتيجة القصور الأمنى المتمثل فى غياب قوات مسلحة قادرة على حماية الشرعية الدستورية عندما يأخذ التهديد الداخلى بعدا يعتمد على القوة المسلحة.
خامسا: مع غياب الوجود العسكرى المصرى فى جزء كبير من سيناء وحظر هذا الوجود فى منطقة شاسعة من الحدود أصبح هذا الوضع يتيح فراغا أمنيا فى منطقة ملتهبة وشديدة الخطورة.. الآن.. مقارنة بالوضع عند إنشاء اتفاقية كامب ديفيد، وربما تم استغلال هذا الوضع الحرج لضرب عصفورين بحجر، بالانتقام من عدوان إسرائيل وحصارها لغزة، ومن ناحية أخرى تشتيت القدرة المصرية فى المواجهة الأخيرة ضد التيارات السلفية التى تهدد بنية الدولة المصرية فى سيناء
فى محاولة لإقامة إمارة إسلامية
1 ثغرات فى نظام الدفاع الإسرائيلى
اللافت للنظر أن الإسرائيليين يحملون مصر تبعة العملية الأخيرة، ووصل بهم الأمر إلى قتل خمسة من رجال الشرطة المصرية واخترقوا خط الحدود وتوغلوا فى الأراضى المصرية، وأطلقوا النار فى استهتار بالغ بالسيادة المصرية، بادعاء مطاردة القوى التى هاجمتهم، وهنا يجب أن لا نغفل أن إسرائيل كانت قد بدأت فى بناء سور واق على الحدود تراجعت عنه نتيجة الأزمة الاقتصادية، ثم إن لدى الإسرائيليين أخطاء فى نظام الدفاع المتحرك واستدعاء الاحتياطى الموجود بالخلف، وقد ظهر هذا القصور جليا فى عملية إيلات، حيث عجزت القوات المتحركة أو الموجودة فى الاحتياط عن رد الفعل السريع أو إحباط التسلل فى هذه العملية التى استمرت وأخذت مراحل متعددة.
تحديدا بعد الاعتداء الصارخ على الشرطة المصرية غير المجهزة للقتال الحربى مثل أى شرطة فى العالم كجهاز مدنى على مواجهة أوضاع عسكرية نتيجة هجوم من قوات مسلحة نظامية مثلما فعلت إسرائيل حينما فقد جنودها أعصابهم بعد أن تلقوا ضربة موجعة فى إيلات كما أن قوات الشرطة غير قادرة على المراقبة والتصدى للعناصر المسلحة المعدة إعدادا عسكريا. هذا الوضع المائع يفرض وجود قوات مسلحة قادرة على حماية وتأمين الحدود المصرية فى ظل الظروف الحالية الخطيرة والمعقدة التى تم توضيحها فى ما تقدم ولإظهار أهمية تعديل اتفاقية كامب ديفيد التى تقيد وجود القوات المصرية بشروط مخلة ومجحفة داخل سيناء، وفى هذه الاتفاقية طبقا لما نصت عليه الملاحق تقسم سيناء إلى ثلاث مناطق:
التحرك من المنطقة «ب» إلى المنطقة «ج» 2
المنطقة (أ) وتوجد بها قوات عسكرية من فرقة مشاة ميكانيكية وتتكون من ثلاثة ألوية مشاة ميكانيكى – لواء مدرع – 7 كتائب مدفعية ميدان – 7 كتائب مدفعية مضادة للطائرات تشمل صواريخ فردية فقط أرض جو، على أن لا يزيد عدد أفراد هذه المنطقة على 22 ألف فرد.
المنطقة (ب) توجد بها 4 كتائب حرس حدود بأسلحة خفيفة ومركبات عجل على أن لا يزيد أفرادها على 4 آلاف فرد. المنطقة (ج) توجد بها الشرطة المدنية فقط بأسلحة خفيفة، وكذا قوات المراقبة الدولية ومراكز قيادتها.
إذن لا تستطيع مركبة مشاة مدرعة طبقا للاتفاقية أن تتقدم وتخترق المنطقة (ب) وصولا إلى المنطقة (ج) إذا كان هناك موقف يتطلب تدخلا عسكريا من وحدات قادرة على تنفيذ مهام لا تستطيع الشرطة المدنية أو قوات حرس الحدود تنفيذها، علما بأن المسافة بين خط نهاية المنطقة (أ) من منتصف سيناء إلى الحدود تبلغ 150 كيلومترا ومعنى هذا ببساطة أن تحرك قوة من المنطقة (أ) إلى خط الحدود داخل الأراضى المصرية سوف يأخذ من الوقت مدى زمنيا يبطل قيمة هذا التحرك مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يمكن لقواعد استخدام السلاح تحرك مركبة مدرعة مثل هذه المسافة، لما يسببه هذا من إعطال وإخفاق فى القدرات
هل يزيد عدد الجنود الإسرائيليين على 4 آلاف؟ 3
لا بد إذن من تعديل الاتفاقية لكن بالعودة إلى كل ما يثار فى وسائل الإعلام حولها يجب أن نلاحظ أن تصريحات الجانب الإسرائيلى لم تأت بها أى إشارة إلى تعديل اتفاقية كامب ديفيد وأن الحد الأقصى فى هذه التصريحات جاء فى ما قاله إيهود باراك إلى مجلة «إيكونوميست» البريطانية وفيه بالنص «أوافق على نشر قوات إضافية فى سيناء بالقرب من الحدود فى ظل الظروف الراهنة على الرغم من مخالفة هذا معاهدة السلام المبرمة».. مرة ثانية علينا أن نلاحظ أنه لم يأت ذكر تعديل معاهدة السلام، فهل يعنى هذا أن هذه القوات سوف يكون وجودها لفترة مؤقتة، مع العلم أنه من المؤكد تماما أن تلك القوات التى ألمح إليها باراك لن تضمن أى أنواع من الصواريخ بما فيها ذات الاستخدام الفردى أو الدبابات أو المدفعيات، حيث من المحتمل أن يتوقف الجانب الإسرائيلى على قبول وجود كتيبة أو اثنتين من حرس الحدود ولواء أو كتيبتين من المشاة الميكانيكى بعد أن تفصل عنها وحدات المدرعات والمدفعية الموجودة فى صلب تنظيمها ولا يستبعد أن يمارس الإسرائيليون بعض الابتزاز ويطالبون بزيادة قواتهم فى المنطقة (د) الملاصقة داخل حدودهم، والتى يوجد بها 4000 جندى إسرائيلى فى قوة أربع كتائب مشاة ميكانيكى رغم أن هذه ميزة ليست موجودة لدى المصريين. وعلى متخذى القرار المصرى، والمجلس العسكرى تحديدا صاحب السلطة فى البلاد الآن، التمسك بتعديل الاتفاقية لأن مناورات إسرائيل السياسية وألاعيبها القانونية تفرغ دائما أى تغييرات لازمة من مضمونها وتجعلها قابلة لتدخل يبدد أهدافها.
القرار المصرى الآن فى أزمة مناطق الحدود مع إسرائيل مدعوم بإرادة شعبية أصبحت فاعلة ولا يمكن تجاهلها، وهذا يقوى شرعية ومكانة المفاوض المصرى فى هذه القضية التى أصبحت تشغل عميقا الرأى العام المصرى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire