صبري حسنين من القاهرة
لم توجّه النيابة العامة في مصر أية تهم إلى اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، والذي كان أحد أعضاء الدائرة الضيقة لصنع القرار في مصر إبان ثورة 25 يناير، ورغم أنّ تهمة الاشتراك في قتل المتظاهرين وجّهت إلى مبارك ونجليه وعدد كبير من رموز حكمه، إلا انّ سليمان ظلّ في منآى عن المحاسبة.
اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق في مصر
القاهرة: رغم أن اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق كان أحد أعضاء الدائرة الضيقة لصنع القرار في مصر إبان ثورة 25 يناير، إلا أن النيابة لم توجّه إليه تهمة الإشتراك في قتل المتظاهرين التي يحاكم بموجبها الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، إضافة إلى جميع رموز نظام حكمه، بدءاً من وزير داخليته حبيب العادلي وست من قيادات وزارته، مروراً برئيسي مجلسي الشعب والشورى وإنتهاء بقيادات الحزب الوطني المنحل. الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول أسباب إستبعاده من المحاكمة الجنائية، والإكتفاء بإعتباره شاهداً، وليس متهماً.
الرجل الغامض
عندما يذكر جهاز المخابرات العامة المصري يتبادر إلى أذهان المصريين اسما اثنيين من رؤسائه، الأول ال
لواء صلاح نصر صاحب قضية إنحرافات جهاز المخابرات الشهيرة في ستينيات القرن الماضي، والتي ثبت فيها تورّط نصر شخصياً وقيادات أخرى منهم صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى المنحلّ، في استغلال الفنانات المصريات جنسياً.
أما الاسم الآخر فهو اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، الذي تولى رئاسة الجهاز في العام 1993، حتى 29 فبراير/شباط الماضي.
لا أحد في مصر يعلم على وجه الدقة اسم رئيس المخابرات العامة السابق لسليمان، إذ كان مجرّد ذكر أو تداول اسمه من المحظورات، ولم يكن أحد قبل العام 2002، يعلم اسم سليمان، الذي تزامن الكشف عنه مع بداية التحضير لخلافة جمال مبارك لوالده في حكم مصر، حيث تقاسم سليمان مع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ملف علاقات مصر الخارجية، وكان لافتاً أنه تولى الملف الفلسطيني والملف السوداني، إضافة إلى الشق الأمني في ملف العلاقات المصرية الأميركية.
ورغم أهمية الملفات التي تولاها سليمان، إلا أن الرجل لم ينبث ببنت شفاه لوسائل الإعلام أبداً، وكانت وسائل الإعلام المصرية تكتفي بعرض لقطات مصورة له في لقاءات مع زعماء فلسطينيين أو إسرائيليين أو زعماء سوادنيين أو أميركيين من دون أن يظهر صوته فيها.
وظل سليمان يقوم بدور الرجل الغامض في نظام حكم مبارك لسنوات طويلة، ولم ينطق بكلمة واحدة إلا بعد أن تولّى منصب نائب الرئيس في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، لكن عندما نطق خسر كل شيء، وصار ورقة محروقة.
بدون صلاحيات
ووفقاً لعضو هيئة الدفاع عن الضحايا بالحق المدني، المحامي حسن أبو العينيين فإنه كان من المفترض إحالة نائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان للجنايات بتهمة المشاركة فى قتل المتظاهرين، والمتهم فيها الرئيس السابق وحبيب العادلي وزير الداخلية السابق.
وأضاف أبو العينين لـ"إيلاف" أن سليمان كان مشاركاً أساسياً في صنع القرار أثناء الثورة، وكان حاضراً الإجتماعات التي صدرت فيها الأوامر للضباط بقتل المتظاهرين، ولكن المفاجأة كانت في استبعاد لجنة تقصي الحقائق لسليمان من دائرة الاتهام، ومعه آخرون كان يفترض وجودهم ضمن المتهمين، مثل اللواء محمود وجدي وزير الداخلية السابق والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق، إبان هذه الفترة، مشيراً إلى أنه تمت إحالة الشخصيات التي تناولها تقرير لجنة تقصي الحقائق فقط.
يرجع أبو العينيين استبعاد اللواء عمر سليمان من المحاكمة إلى أن لجنة تقصي الحقائق في قضية قتل المتظاهرين أستندت إلى أنه كان نائباً للرئيس، وليست له صلاحيات اتخاذ قرار في وجود الرئيس، حتى ولو كان مشاركاً في الاجتماعات التي صدرت فيها قرارات ضرب المتظاهرين بالنار، معتبرة أنه بريء من تهمة المشاركة مع الرئيس السابق وحبيب العادلي وزير الداخلية السابق في قتل الثوار، واكتفت النيابة بشهادته.
ونبه أبو العينيين إلى أن دفاع المصابين وأسر الشهداء في قضية قتل المتظاهرين طالبوا بأن توجّه لعمر سليمان تهمة المشاركة في قتل المتظاهرين، ونقله من دائرة الشهود إلى دائرة المتهمين، ولكن المحكمة رفضت الطلب، وإستطرد: لكننا في الجلسات المقبلة سوف نعيد المطالبة بها مرة أخرى، رغم أنه من الواضح أنها سوف ترفض مجدداً، حيث تريد المحكمة غلق القضية على المتهمين الحاليين، دون دخول متهمين جدد.
شعبية زائفة
كان سليمان يحظى بشعبية في الشارع المصري منذ ظهوره العلني أمام وسائل الإعلام مع بداية الألفية الحالية، ورشحته الصحافة المصرية لتولي منصب نائب الرئيس الذي ظل شاغراً لنحو ثلاثين عاماً منذ تولي مبارك الحكم في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1982، وحتى 29 يناير/كانون الثاني من العام 2011، ولم تقف الترشيحات عند هذا الحد، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث رشحته وسائل إعلام مصرية وغربية لخلافة مبارك في الحكم، رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد أن المسرح يعد لجلوس جمال مبارك على سدة الحكم.
في سبتمبر/أيلول من العام 2010 خرجت حملات تدعو إلى ترشيح سليمان لرئاسة الجمهورية، ونشرت له ملصقات في الشوارع والميادين، وأنشئت مجموعات على فايسبوك لهذا الغرض، لكنها لم تنجح، إذ جرت حملة إعتقالات واسعة من قبل جهاز أمن الدولة في صفوف الداعين إليها، وخرج سليمان عن صمته للمرة الأولى، ورد قائلاً إن الهدف من تلك الحملات الوقيعة بينه وبين الرئيس مبارك، معلناً عن ولائه التام للرئيس السابق.
ويبدو أن مبارك أراد في إستغلال تلك الشعبية في إنقاذ نفسه من الإنهيار، حيث أصدر قرارًا بتعيين سليمان نائباً له للمرة الأولى والأخيرة، ولكن لم تنجح الخطة، حيث كان قد فات الأوان، ولم يلبث سليمان في منصب نائب الرئيس إلا ثلاثة عشر يوماً فقط، خسر فيها كل شيء، منصبه كرئيس للمخابرات والشعبية الزائفة التي كانت وسائل الإعلام تتحدث عنها.
يجب محاكمة سليمان
ويقول الدكتور رجب عبد المنعم عضو هيئة الدفاع بالحق المدني فى قضية قتل المتظاهرين لـ"إيلاف": إننا طالبنا في بداية جلسات محاكمة قتل المتظاهرين بإخضاع كل من كان في السلطة أثناء الثورة للمساءلة القانونية، ومن هؤلاء اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، لكونه كان مطلعًا على كل القرارات التي صدرت من الرئيس السابق، ولكن لم يستجب لنا.
وأضاف عبد المنعم أن كل الإجتماعات التي تمت أثناء الثورة كان سليمان حاضراً فيها، كما إن تصريحاته قبل تنحّي الرئيس السابق حسني مبارك، التي هدد فيها المتظاهرين بقوله "إما بالاستقرار مع مبارك أو الفوضى"، تعتبر دليلاً مباشراً على مشاركته وبقوة في اتخاذ القرارات.
ورفض عبد المنعم كل ما يقال عن أن نائب رئيس الجمهورية السابق لم تكن له أية صلاحيات إبان هذه الفترة في وجود الرئيس، وهذا غير حقيقي، وقال إن المصريين جميعاً يعلمون جيداً مدى وجود سليمان القوي في الحكم أثناء هذه الفترة، مشيراً إلى أن إحالة سليمان للجنايات في قضية قتل المتظاهرين سوف تكون عاملاً قوياً في كشف الحقيقة كاملة أمام هيئة المحكمة والرأي العام وستكون أكثر إيجابية من كونه شاهدًا فقط.
ويؤكد الدكتور محمد حمزة عضو ائتلاف الثورة أن هناك العديد من رموز النظام السابق تم استبعادهم من المحاكمة، وراحوا في طيّ النسيان، وأضاف لـ"إيلاف": نحن طالبنا أكثر من مرة المجلس العسكري وحكومة شرف بإحالة كل رموز النظام السابق للجنايات بحكم إفساد الحياة السياسية في البلاد، ولكن تم تجاهل البعض مثل اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق، مشيرًا إلى شباب الثورة يشعرون بأنها قامت من أجل محاكمة مبارك ونجليه فقط، وأن حق الشهداء سوف يضيع لو لم تتم محاسبة جميع من شارك في السلطة في عهد مبارك.
إتهامات دولية
تنسب بعض التقارير الصحافية الغربية لسليمان التورط في تعذيب عناصر يعتقد أنها تنتمي إلى جماعات إسلامية متشددة، وذلك لمصلحة وكالة الإستخبارات الأميركية، أبان ما يسمّى بـ"الحرب على الإرهاب"، في بداية منذ العام 2001 وحتى العام 2005، ونسبت إليه أيضاً إختراع أساليب جديدة في التعذيب، وإحكامه الحصار على قطاع غزة من أجل إسقاط حركة حماس، فضلاً عن كرهه لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والوقوف وراء إحالة قياداتها للمحاكمات العسكرية وشنّ حملات إعتقالات في صفوفها.
أحدث ما نسب لسليمان من إتهامات، جاء على لسان عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية السابق في ليبيا، حيث وصفه بأنه "رجل القذافي في مصر".
وقال شلقم في تصريحات صحافية في 16 يوليو/تموز الماضي، إن المخابرات المصرية في عهد سليمان تولّت عملية إعتقال المعارض الليبي البارز منصور الكيخيا في القاهرة ونقله إلى ليبيا، حيث ما زال مصيره مجهولاً حتى الآن، ويعتقد أن القذافي قتله، أو ذبحه كالخروف، كما فعل مع معارض آخر كان في المغرب، هو العقيد المحيشي.
لا أدلة ضده
وحسب وجهة نظر، المستشار محمود الخضيري عضو هيئة الدفاع بالحق المدني في قضية قتل المتظاهرين، فإن اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق لم يكن مشاركاً في قتل المتظاهرين، ومن غير القانوني توجيه هذه التهمة إليه، متوقعاً أن يحصل على البراءة من الجلسة الأولى، لو تمت إحالته إلى المحاكمة.
وأوضح لـ"إيلاف" أن منصب نائب رئيس الجمهورية وفقًا للدستور 71 والذي كان يعمل به أثناء الثورة لا يعطي أي صلاحية لنائب الرئيس، طالما أن رئيس الدولة يمارس صلاحيات حكمه، وبالتالي ليست من صلاحياته إصدار تعليمات لوزير الداخلية أو غيره بضرب المتظاهرين، لكونه كان يحضر اجتماعات الرئيس السابق والقيادات الأمنية، وحتى لو افترض معرفته بهذه التعليمات فلا يمكن محاسبته على ذلك، ولكن من حق المحكمة المطالبة بشهادته لمعرفته بما كان يحدث في الغرف المغلقة.
ودعا الخضيري كل من لديه أدله وبراهين ومستندات تثبت تورط اللواء عمر سليمان في قتل المتظاهرين أو تربح أو إستغلال منصبه في الكسب غير المشروع أن يتقدم بها فوراً إلى النائب العام، معتبراً أن الحديث عن أسباب عدم إحالة نائب الرئيس السابق للجنايات مع المتهمين الآخرين بدون دليل، الهدف منه المماطلة فى القضية بما يصبّ في مصلحة المتهمين الحقيقيين الآن.
فشل خارجي
رغم أن سليمان تولى الملف الفلسطيني، إلا أنه فشل في أخطر وأهم ثلاث مهمات، الأولى ملف الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط المعتقل لدى حماس، والثانية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والثالثة وقف العدوان المتكرر على قطاع غزة.
كما فشل في ملف إحتواء أزمة حوض النيل، حيث لم يستطع منع سبع من دول حوض النيل في توقيع إتفاقية من شأنها التقليل من حصة مصر التاريخية من مياه النهر، الذي ليس لها سواها من مصدر للمياه العذبة.
الحوار مع المعارضة
ويشير حافظ أبو سعدة المحامي بالنقض وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى أن النيابة العامة أحالت كل من اتهمهم تقرير لجنة تقصي الحقائق بالتورط في قتل المتظاهرين إلى جانب من شملتهم بلاغات المحامين والمواطنين، وبعد التحقيق ثبتت الاتهامات بحقهم.
وأوضح لـ"إيلاف" أن استبعاد اللواء عمر سليمان من التحقيقات جاء بشكل سليم دون أي شبهة، ونحن نثق في تقرير لجنة تقصى الحقائق وتحقيقات النيابة العامة. وحسب رأي أبو سعدة، فإن نائب الرئيس السابق كانت له مهام خاصة أثناء فترة وجوده في المنصب، وهي الحوار بين التيارات السياسية، كما إنه تولّى منصب نائب الرئيس عقب جمعة الغضب، والتى راحت ضحيتها غالبية الشهداء والمصابين، ويحاكم بسببها الرئيس السابق وحبيب العادلي ومعاونيه، وحيث إن التحقيقات قد كشفت أن الحزب الوطني وراء موقعة الجمل، فإن هذا يعطي صكّ البراءة لنائب الرئيس السابق.
إلغاء إستفتاء مرشحي الرئاسة
رغم أن سليمان بلتزم الصمت منذ الإطاحة بنظام حكم مبارك في 11 فبراير الماضي، ورغم أنه لم يعلن عن نيته صراحة، إلا أن هناك أصواتًا تنادي بترشيحه رئيساً للجمهورية، وتم وضع اسمه ضمن المرشحين في الإستفتاء الذي أجراه المجلس العسكري عبر صفحته على فايسبوك لمرشحي الرئاسة.
وتسبب سليمان ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ في إلغاء نتيجة الإستفتاء، فقد لوحظ قبل موعد إقفال الإستفتاء بأسبوع أن هناك صعودًا لأسهمه بقوة و بإستمرار، مما جعله يتفوق على الدكتور محمد البرادعي بقوة، ويزيحه من على القمة التي ظل متربعاً عليها أسابيع، وتم الكشف عن أن هناك سيدة ـ غامضة أيضاًـ إستاجرت ميلشيات للتصويت الإلكتروني لمصلحة سليمان بعشرات الآلاف، مقابل جنيه مصري للصوت الواحد.
المشهد الأخير
لكن المصريين لن يمحوا من ذاكرتهم مطلقاً المشهد الأخير في حياة نظام مبارك، والذي كان بطله اللواء عمر سليمان، حيث وقف يتلو خطاب التنحّي قائلاً: "أيها المواطنون، في هذه الطروف العصيبة، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد. والله الموفق والمستعان".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire