lundi 1 août 2011

عبد الحليم قنديل : ضد التمويل الأجنبي

331
لاحظ المراقبون حدة رد حركة 'كفاية' على ادعاءات اللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري الحاكم في مصر، قال الرويني: أن كلمة 'كفاية' تعني Enough باللغة الإنجليزية، وهو ما يعني ـ حسب كلام الرويني ـ أن حركة كفاية غير مصرية، وردت كفاية باتهام كلام الرويني بالبلاهة والسخافة، وبادرت بتقديم بلاغ ضده إلى النائب العام حمل رقم 9244/2011، وجرى تحويل البلاغ إلى النيابة العسكرية للتحقيق مع الرويني بوصفه عسكريا، وإعادة التحقيق إلى مكتب النائب العام تمهيدا لإحالته إلى محاكم الجنايات بتهمة السب والقذف بلا دليل ولا شبه دليل، وبلا قرينة ولا شبهة قرينة.

حزم حركة كفاية في الرد على الرويني له أسباب مفهومة، فسقطة الرويني تسيء إلى حركة كفاية التي هي قطعة من شرف الشعب المصري، وطريقته في التدليل بدت غاية في السذاجة، فليس لديه من دليل سوى أن كلمة كفاية تساوي كلمة Enough، وياله من دليل، ينافس به الرويني أطفال مدارس الروضة في مدى المعرفة البدائية باللغة الإنجليزية، فقد لايعرف الرويني أن كلمة جيش تساوي كلمة Army في اللغة الإنجليزية، وهذا لايعني ـ لاسمح الله ـ أن الجيش المصري غير مصري، فهذا كله عبث طفولي، ولا يليق بجنرال يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية المركزية، عينه المخلوع مبارك في منصبه، وكان مشغولا بأداء التحية العسكرية لمبارك ومن يليه، في الوقت الذي كانت 'كفاية' فيه تخوض حربها الطويلة ضد نظام الديكتاتور، وتضم إلى عملها آلاف القادة الوطنيين من كافة الاتجاهات والمدارس الفكرية والسياسية، والذين تعرضوا لصنوف شتى من التنكيل والترويع والتجويع والسجن بأحكام عسكرية.
ومبعث غضب كفاية ليس ـ فقط ـ كلام الرويني المستخف المثير للسخرية، بل لأن الرويني ذكره في سياق حديث تليفزيوني عن التمويل الأجنبي، واتهام لبعض شباب حركة 6 إبريل، ثم ذكر العبارة إياها عن حركة كفــــاية، وهو ما قد يوحي للمشاهد أو السامع بامتداد الاتهام إلى حركة كفاية، وهنا موضع الخطأ ـ بل الخطيئة ـ في كلام الجنرال، والسبب في وصف هذا الكلام بالخطيئة معروف جدا، فالقــــاصي والداني يعلم موقف حركة كفاية من التمويل الأجنبي، فهي أكـــثر الجماعات الوطنية المصرية حزما وتشددا في رفض التمويل الأجنبـــي، وتحت أي عنوان، ومن وراء أي لافتة، وإلى حد أن جعلت رفض التـــمويل الأجنبي من جملة مبادئها الأساسية الكبرى، ورسمت على أساس الرفض الثابت خطط بنائها التنظيمي، وعلاقـــاتها مع الغــــير، وسلاسل بياناتها الموجهة إلى الرأي العام، وأقامت بينها وبين الجهات الممولة أجنبيا ـ أو المتسامحة مع التمويل ـ سورا صينيا فاصلا.
وموقف كفاية ضد التمويل الأجنبي غاية في المبدئية، وليس انتقائيا بحسب الظروف والأحوال، وقد شرفت بالمشاركة في تأسيس حركة كفاية، وشغل مواقع قيادية وأمامية فيها حتى الآن، وبدأت ـ قبل تأسيس كفاية ـ أوسع حملة إبادة صحفية ضد مبارك ونظامه وعائلته، بدأت الحملة المتصلة منذ أواسط العام 2000، قبلها كانت حملتي الصحفية ضد وباء التمويل الأجنبي، وهي ظاهرة ملازمة لعصر مبارك، والذي تفككت فيه حصانة الاستقلال الوطني، وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد ريع أو اقتصاد تسول، ولعبت فيه المعونة الأمريكية الرسمية أخطر الأدوار، وبالتوازي مع تجريف الأساس الانتاجي للاقتصاد.
وتنفيذ روشتة صندوق النقد والبنك الدوليين في 'التكييف الهيكلي'، كان التمويل الرسمي ـ بالمعونة الأمريكية ومعونات الاتحاد الأوروبي ـ يعيد رسم صورة الاقتصاد، ويخلق طائفة من مليارديرات المعونة، تداخلت أدوارها مع مليارديرات الفساد البيروقراطي، وخلقت حكومة لصوص من حول عائلة الحكم، وهي العائلة التي درجت هي الأخرى على عادة التسول من عائلات الخليج، وفي السياق الموازي، كانت تدفقات التمويل الأجنبي غير الرسمي تؤثر بشدة، وتسحب من رصيد الحركة الوطنية المصرية إلى خانة التكيف مع الأمريكيين والسياسة الغربية عموما، وتكاثرت الجهات الممولة أجنبيا كالفطر على سطح المجتمع المصري، وتحولت السفارة الأمريكية بالقاهرة إلى مهبط الوحي التمويلي، وتضخمت أجهزة المعونة الأمريكية، وتشعب عملها، فضلا عن مؤسسات تمويل غير حكومية في ظاهرها كمؤسسة فورد وغيرها، كذا عملت سفارات أوروبية عديدة، ومؤسسات تمويل مرتبطة بأجهزة مخابرات، وكلها صنعت في مصر ما أسميته ذات مرة ب 'الرأسمالية الحقوقية'، فقد هجر كثير من النشطاء اليساريين أحزابهم العلنية والسرية إلى خانة منظمات حقوق الإنسان، تركوا حلم تغيير أحوال العالم إلى حلم تغيير أحوالهم الشخصية، بدت الهجرة مغرية، فهي تتم من وراء واجهات براقة، ثم أنها تنتهي ـ في غضون شهور ـ إلى ترقيات طبقية مفاجئة، تحولهم من سكان عشش إلى سكان قصور، وسرعان ما تحولت الحكاية إلى حرفة، فيها المعلمون وفيها الصبيان، وفيها عائلات احتكارية على طريقة أحمد عز، وفيها تفاهم موصول مع أجهزة الأمن، وفيها حسبة مصالح قائمة على تبادل المنافع والخيرات الآثمة، وفي المحصلة: جرى تجنـــيد طبقة واسعة من المثقفين والأكاديميين، بعضهم عمل مع نظام الرئيس المخـــــلوع، وآخرون بالقرب منه، وطائفة ثالثة على مسافة ابتعاد، وإن كان الكل على صلة اقتراب ملحوظ من أولويات 'القيم' الأمريكية، وبأثر من ' التكييف الهيكلي ' للعقل والسياسة على طريقة التمـــــويل الأجنبي، وهذا يفسر ما جـــرى في رحلة كفاح السنوات الطويلة ضد نظام مــــبارك، فلم يشارك هؤلاء أبدا في مظاهرات كفاية وأخـــواتها، ولا في مظاهرات جمــــاعات الشباب بعد انتفاضة 6 إبريل 2008، وظلوا دائما في المناطق الآمنة، وباستثناءات محدودة جدا تؤكد القاعدة ولا تنفيها.
وإلى أن اشتعلت وانتصرت الثورة الشعبية المصرية، فلم يكن للجماعات الممولة أجنبيا من دور في ثورة ذات طبيعة وطنية خالصة، وفوجئت بها واشنطن التي أنفقت 60 مليار دولار معونة على نظام سقط، وأنفقت مليارات أخرى في التمويل الأجنبي غير الرسمي، ثم هاهي تتذكر الآن أصدقاءها وتستدعيهم، تزيد لهم في تدفقات التمويل، وتتعمد إعلانها رسميا، وتستنفر أصدقائها المحميين إلى الآن من داخل النظام القديم نفسه، وتعيد تجميع قواتها في خطة احتواء شاملة للثورة، تريد التأثير بالخض والرج والتخويف في صفوف المجلس العسكري الحاكم، وتريد تنمية اتجاهات 'ليبرالية ' متأمركة، وتستعين بتدفقات المال السعودي والخليجي في ترويض القوى الإسلامية، وتعلن عن حوار سياسي مع جماعة الإخوان المسلمين، والهدف معروف، والعنوان مزدوج، طرفاه حرية السوق وثقـــــافة السلام، وتحويل شريعة الإسلام إلى شريعة سوق، والأولوية ـ بالطــــبع ـ لتقديس ما يسمى معاهدة السلام مع إسرائيل، وتحريم الاقتراب منها بالجرح أو بالتعديل، وبأثر من التدفق المحموم للمال السياسي، ومن وراء أقنعة داخلية، في صورة صحف وفضائيات وأحزاب ومرشحين محتملين للرئاسة، وبهدف احتواء الثورة وتدجينها وحجز تطورها الوطني والاجتماعي والديمقراطي المهدد للمصالح الأمريكية والإسرائيلية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire