-تحرير: د. عمرو هاشم ربيع
-عدد الصفحات: 448
-الناشر: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام, القاهرة
-الطبعة: الأولى 2011
اخيرا قامت ثورة مصر، ثورة على احتكار السلطة وكبت الحريات وحقوق الإنسان وسيادة الاحتكارات ونهب الثروات، ثورة أسقطت معها كل التحليلات والرؤى حول عزوف بل وخنوع الشعب المصري عن المشاركة بالرأي، فما بالنا بالمشاركة في التغيير؟!
من هنا كان من المهم أن يبدأ التأريخ لتلك الثورة، ليس من أجل تحليل ما حدث، بقدر ما هو رصد لما حدث واستشراف المستقبل.
فما القوى المشاركة في الثورة؟ وكيف كان أداء النظام السياسي أثناء الأزمة في بدايتها؟ وكيف كان أداء المؤسسات الأمنية الشرطية والعسكرية؟ وما مستقبل الثورة في ضوء كل من العمل على وضع أطر لدستور جديد وبرلمان حديث بمعنى الكلمة، وإدارة جديدة للمؤسسات والهياكل الإدارية والإعلامية والشرطية، وأدوات مغايرة لمكافحة الفساد؟ .. كل هذه الأسئلة يحاول هذا الكتاب الإجابة عنها.
في البداية يجب أن ندرك أنه من المستحيل تصور حدوث فعل ثوري، في أي مجتمع من المجتمعات، دون أن تسبقه مسيرة طويلة من عوامل القهر والتسلط والاستبداد، ودون أن يسبقه تراكم نضالي شعبي.
ومن ثم لم تكن ثورة 25 يناير مفاجأة للحكم فقط، بل كانت مفاجأة لقوى المعارضة والشعب كله أيضا، وهذه المفاجأة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي ثمرة وامتداد لنضال سياسي طيلة السنوات العشر الأخيرة.
وعن دور الإخوان المسلمين في الثورة، يشير الكتاب إلى أن الإخوان رغم أنهم لم يطلقوا ثورة الشباب ضد النظام بمفردهم، فإنهم لعبوا فيها دورا هاما، ومن ثم تناول موقف الإخوان المسلمين والقوى الأخرى المحجوبة عن الشرعية، ويقصد بها حزب الوسط، وذلك قبل إعلانه حزبا شرعيا في 19 فبراير/شباط 2011، وحزب الكرامة تحت التأسيس.
فبخصوص الموقف من الدعوة للتظاهر، جاء موقف القوى السياسية الثلاث واضحا تماما، عكس الأحزاب السياسية، من قضية قبول الدعوة للمشاركة في التظاهر يوم 25 يناير، حيث ألقت انتخابات 2010 بظلالها على الإخوان والكرامة، خاصة أن عمليات تزوير طالت قيادات هذه القوى، التي عملت على تشكيل ما يعرف باسم البرلمان الموازي ليكون البرلمان الفعلي المعبر عن الشعب وصوته الحقيقي، وليشكل أيضا أداة ضغط على الحكومة لملاحقة الفساد والمفسدين.
الأحزاب والثورة
"
رغم أن الإخوان لم يطلقوا ثورة الشباب ضد النظام بمفردهم، فإنهم لعبوا فيها دورا هاما
"
أما الأحزاب الشرعية –وعددها 24 حزبا سياسيا- فقد اختلفت مواقفها حيال ثورة 25 يناير، حيث جاء موقف كل حزب معبرا وكاشفا عن طبيعة علاقة الحزب، سواء بالنظام الحاكم كطرف أول، أو بالشعب المصري كطرف ثانٍ لثورة 25 يناير.
كما اهتم الكتاب كذلك بسلوك السلطة التنفيذية، وعلى الأخص رئيس الجمهورية ونائبه، أثناء ثورة 25 يناير 2011 إلى لحظة التنحي، وذلك من خلال تحليل الخطابات والمواقف الصادرة عن مبارك وأركان حكمه، خاصة نائبه اللواء عمر سليمان.
أما بخصوص البرلمان المصري، فمما لا يخفى على ذي عقل أن الواقع المصري يشهد منذ عقود حالة من الانفصال بين المواطنين والبرلمان، حيث عجز الأخير عن التعبير عن مطالبهم.
لهذا لم يكن مستغربا أن تأتي مواقف الغالبية العظمى من أعضاء مجلسي الشعب والشورى مناهضة لثورة 25 يناير، مدعومة بآراء تعد شباب الثورة مجرد "قلة مندسة" تنفذ أجندات خارجية، أو مجموعات تنتمي لجماعة محظورة، تحاول إثارة الفتنة وزعزعة استقرار البلاد، بينما أكد البعض الآخر دعمه لحق التظاهر السلمي المكفول بموجب القانون، ودعا إلى بحث المطالب المشروعة لهؤلاء الشباب.
الأداء الحكومي في الثورة
وعن الأداء التفاوضي للحكومة المصرية، يقرر الباحثون حقيقة أنه لم تكن هناك خلية أو مجموعة لإدارة الأزمة، لا سيما أن موعد التظاهرة الأولى كان محددا من قبل، فقد جرى التهوين كثيرا من أهمية الحدث، كما جرى الاعتماد على وزارة الداخلية في معالجة الموقف برمته.
فالإدارة كانت أمنية بامتياز من اللحظة الأولى، ولم تكن هناك رؤية أو دور للقيادة السياسية أو الحكومة في التعامل مع الأزمة في أيامها الأولى، واستمر الوضع كذلك حتى مساء يوم الثامن والعشرين من يناير.
ويبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان أكثر قدرة على قراءة الواقع وإلى أين وصل، وما المطلوب عمله لإنهاء الأزمة، من هنا أصدر بيانه الأول منتظرا قرار مبارك بالتنحي حتى يصدر البيان الثاني، وأعلن أنه في حال انعقاد دائم.
"
كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكثر قدرة من القيادة السياسية على قراءة الواقع وإلى أين وصل، وما المطلوب عمله لإنهاء الأزمة
"
أما المؤسسة الإعلامية فقد تميز أداؤها خلال ثورة 25 يناير بالتغير حسب مراحل الثورة، وهذا الأمر لم يقتصر فقط على الصحف القومية، وإنما امتد إلى الصحف الخاصة، وإن كان ذلك بدرجة أقل، ولم يختلف الأمر بالنسبة لأداء القنوات التلفزيونية، سواء الحكومية والخاصة.
وعن أداء جهاز الشرطة في الأحداث، يخلص الكتاب إلى أنه كان يحمل في داخله مقومات انهياره.
ومن اللافت، أنه بقدر التردي الذي ساد بناء المجتمع ما قبل الثورة، كان المجتمع الناتج عن الثورة هو الأكثر إشراقا، وإننا إذا تأملنا مشهد ميدان التحرير، فسوف ندرك أنه يبرز مجموعة من الظواهر الأساسية المتعلقة بتفاعلات ثورة التحرير المصرية.
فعلى خلاف ما كان يسود المجتمع المصري من حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسي، وجدنا اختفاء التحرش والسلوكيات اللا أخلاقية على ساحة التحرير، وهو ما يعني أن الشعب المصري استرد كل مثله ومعانيه السامية.
من ناحية أخرى، دلت شعارات الثورة على طبيعة العلاقة بين الثورة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكل بيئتها وتقدم لمسبباتها.
وفي الوقت الذي دعا فيه شيخ الأزهر إلى الهدوء والحفاظ على الأمن والاستقرار، والشروع في الحوار، ظهر في ميدان التحرير مجموعة من شيوخ الأزهر الشريف بزيهم الرسمي، يعلنون تأييدهم لمطالب الشباب، ويؤكدون انضمامهم لتلك التظاهرات.
وقد رفضت الطوائف القبطية الثلاث: الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية دعوات المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات، ومع ذلك خرج المسيحيون بعيدا عن أسوار الكنيسة، واتجهوا مباشرة إلى الشارع، وكانت تلك رسالة تتجاوز في دلالاتها مجرد كسر حاجز الخوف من سلطة نظام بوليسي قمعي، وصولا إلى الوعي الكامل بحقائق الواقع.
"
سقوط شهداء ومصابين خسارة باهظة من الناحية الإنسانية والاقتصادية، لكنه يعد من أكبر الاستثمار في مستقبل مصر
"
وينوه الكتاب إلى الآثار الاقتصادية لثورة 25 يناير، التي يرتكز معظمها على العناصر الاقتصادية المعروفة (البورصة المصرية-قطاع الخدمات-قطاع السياحة–القطاع المصرفي–عجز ميزان المدفوعات–قطاع الصناعات التحويلية والاستخراجية والتشييد والبناء–معدل النمو والموازنة العامة للدولة)، على أننا ننوه إلى أن أكبر الخسائر، والتي لا تقدر بثمن هو سقوط شهداء ومصابين، وهي خسارة باهظة من الناحية الإنسانية، وهي كذلك من الناحية الاقتصادية، وإن كان ما فعلوه حتى استشهدوا أو أصيبوا يعد من أكبر الاستثمار في مستقبل مصر.
المواقف الدولية
أما بخصوص المواقف الدولية من الثورة، فقد اتسم الموقف الأميركي والمواقف الغربية بشكل عام بقدر كبير من الارتباك، خاصة في الأيام الأولى للثورة التي اتسمت بقدر من عدم الوضوح، ومن الواضح أن الخيارات ومساحة المناورة كانت ضيقة للغاية أمام صانع القرار الأميركي الذي وجد نفسه فجأة خارج دائرة الحدث، وحافظت إسرائيل على صمتها منذ بدأت أحداث الثورة.
ورحبت بها إيران بشكل كبير، وعبرت عن هذا الترحيب منذ البداية، غير أن الموقف الأقوى لإيران جاء عبر خطبة الجمعة التي ألقاها مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في 4 فبراير/شباط.
وعربيا، نجد أنه بخلاف الثورة التونسية التي تم استيعابها ولم تثر الكثير من القلق لدى الدول العربية إلا على مستويات محدودة، أحدثت الثورة المصرية قلقا طاغيا في كل المنطقة العربية، ووقف الجميع يرقبون المشهد الذي باغتهم كما باغت العالم.
"
الصوت الذي انطلق من القاهرة مطالبا بالتغيير تردد صداه بقوة داخل شعوب المنطقة، مما أعطى الثورة المصرية خصوصيتها الثقافية داخل المنطقة
"
وألهم التغيير السلمي الذي قاده شباب ثورة مصر شعوب المنطقة العربية القدرة على التغيير لبلوغ حلم الإصلاح السياسي، وتحقيق غايات العدالة الاجتماعية، ومواجهة فساد النخب السياسية، التي اعتقدت أنها بمأمن من المحاسبة الشعبية.
فإذا بالصوت الذي انطلق من القاهرة مطالبا بالتغيير وإسقاط النظام، يتردد صداه بقوة داخل شعوب المنطقة، مستلهما الوسائل التي اعتمدها المصريون في الثورة نهجا للتغيير داخل بلدانهم، مما أعطى الثورة المصرية خصوصيتها الثقافية داخل المنطقة؛ قياسا بسابقتها التونسية.
شعارات الثورة
تغيير، حرية، عدالة اجتماعية... ذلك كان الشعار الأساسي لثورة يناير الكبرى، وهو الشعار الذي يجب أن تجسده المنظومة القانونية لهذه الثورة في جميع المجالات. والحرية هي الجزء من الشعار الذي يجب أن تستهدفه منظومة القوانين السياسية المكملة للدستور.
ولكي يتحقق ذلك، كان يجب نسف المنظومة القانونية الحالية المتضمنة لقوانين مباشرة الحياة السياسية، وانتخاب مجلسي الشعب والشورى، وقانون الجمعيات، وسلطة الصحافة وقوانين النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والأندية الرياضية والاجتماعية.
وقبل البدء في وضع تصور أو مقترح للحديث عن برلمان الثورة أو برلمان المستقبل، يجب أن نشير إلى ضرورة الاعتراف بأكثر من حقيقة، وهذا الاعتراف لا يدعو المرء إلى الإحباط أو اليأس قدر ما يدعوه إلى إعادة التفكير في الأشهر القادمة في أسس برلمان المستقبل بشيء من التمهل والتروي ودون العجلة التي قد تؤدي إلى إحداث انتكاسة حقيقية من المؤكد أن المستفيد منها هي القوى المعادية للثورة المصرية.
ولا بد أن ترتكز الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد على عدة مبادئ وهي: (حكم القانون–الحكم الجيد–الاتفاق والتنسيق والتعاون–الشراكة بين القطاعين العام والخاص).
"
تغيير، حرية، عدالة اجتماعية.. ذلك كان الشعار الأساسي لثورة يناير الكبرى، وهو الذي يجب أن تجسده المنظومة القانونية لهذه الثورة في جميع المجالات
"
من ناحية أخرى يقدم الباحثون رؤية حول الجهاز الإداري في الدولة والعاملين فيه، والعوامل المؤثرة في سلوكهم. ويقررون أن الأمر يتطلب النظر في كيفية إعادة بناء أجهزة الإدارة الحكومية بصورة أكثر عدالة وتوازنا.
أما عن الثورة المضادة، فإن تحليل مكوناتها ومدى خطورتها والسبل الأكثر كفاءة في مواجهتها، يستلزم أولا التطرق إلى طبيعة الثورة المصرية والخصائص الرئيسية التي اتسمت بها وذات العلاقة بهذه الثورة المضادة، سواءً من زاوية عوامل ظهورها أو من زاوية إمكانيات مواجهتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire