-المؤلف: محمد عادل العجمي
-عدد الصفحات: 303
-الناشر: مكتبة جزيرة الورد, القاهرة
-الطبعة: الأولى/ 2011
تجه المؤلف عبر الصفحات الأولى من كتابه إلى التأصيل والاستطراد التاريخي لظاهرة رجال الأعمال في مصر، منطلقًا من عصر محمد علي وما بعده من حكم أبنائه، ثم عصر الاحتلال الإنجليزي، ثم النقلة النوعية مع انقلاب يوليو 1952، واختلاف التوجه الاقتصادي لمصر نحو الاقتصاد الموجه، وتضاؤل دور القطاع الخاص.
ويشير الكتاب إلى أن مصطلح رجال الأعمال لم يكن معروفًا قبل الثروة، بل كان يطلق على أصحاب الثروات الكبرى مصطلح "الأعيان" أو "كبار الملاك"، وهم في الغالب أصحاب الملكيات الكبيرة من الأراضي الزراعية، وعادة ما كانوا يحصلون عليها نظير قربهم من الأسرة المالكة، لكونهم من رجال الجيش السابقين، أو كبار موظفي الدولة، أو الفقهاء وعلماء الدين.
لكن منتصف سبعينيات القرن العشرين شهد تحولًا آخر في السياسة الاقتصادية لمصر، لتبدأ خطوات جديدة نحو اقتصاديات السوق، وإن كانت على استحياء في ظل بقاء عمل القطاع العام. ومن هنا بدأ المجتمع المصري التعرف على مصطلح رجال الأعمال.
الاصطلاح والتجربة المصرية
يؤكد الكتاب أن الأدبيات الاقتصادية لا تشير إلى تعريف محدد لرجل الأعمال، ولكنه انتهى بعد عرض التعريفات المختلفة ومناقشتها إلى تعريف رجل الأعمال بالآتي: "هو من يملك أو يدير نشاطا صناعيا، أو تجاريا، أو خدميا، أو زراعيا، أو أي نشاط في شكل شركة أو مؤسسة أو مجموعة يزيد رأسمالها عن عشرة ملايين جنيه، ويسعى إلى الارتقاء، وتحقيق النمو، وزيادة الأرباح، ومواجهة الأزمات التي تتعرض لها المؤسسة سواء كانت محلية أو عالمية، وذلك من خلال ما يتمتع به من قدرة على القيادة والابتكار والوعي بمجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي والعالمي، ويراعي المسؤولية الاجتماعية وينتمي إلى منظمات رجال الأعمال، سواء في شكل اتحاد أو جمعية أو مجالس أو غرف مشتركة".
ويبين الكتاب أن المعاجم العربية لم تعرف هذا الاصطلاح، ولكنه مأخوذ عن التجربة الأوروبية، التي شهدت تطورات مختلفة في إطار التجربة الرأسمالية.
ويذهب المؤلف إلى أن أهم ما يميز رجال الأعمال في التجربة الرأسمالية الغربية، هو التخصص العميق، في مجالات الصناعة، أو التجارة، أو الخدمات المالية، بالإضافة إلى وجود الإرث العائلي في مجالات التخصص، والذي يمتد لعشرات السنين. أما التجربة المصرية وبخاصة بعد منتصف السبعينيات، فقد بدأت مختلفة تمامًا، حيث لا تعرف روافد أصيلة ينحدر منها من أطلق عليهم رجال الأعمال في مصر.
فمعظمهم مارسوا أعمال التجارة والخدمات والحصول على توكيلات خارجية، ولم يركزوا على الصناعة والأعمال الإنتاجية، وفي الغالب ينحدرون من عائلات زراعية لا تعرف مجالات الصناعة أو التجارة، والعديد منهم اكتسب خبرته في ظل تجربة القطاع العام في مصر، أو كان من رجال الجيش السابقين.
غير أن المؤلف يستثني تجربة طلعت حرب التي أسست لرأسمالية صناعية حقيقية في مصر، نافست الرأسمالية الأجنبية إبان الاحتلال الإنجليزي.
رجال الأعمال ورحلة الفساد
يذهب المؤلف إلى أن الفساد صفة لازمة لأداء رجال الأعمال في مصر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، بعد إعلان الرئيس السادات تبني سياسات الانفتاح الاقتصادي، وكانت ظاهرة استيراد الغذاء الفاسد أهم مظاهر هذه الفترة.
ومع نهاية السبعينيات بدأ بعض رجال الأعمال الهروب من مصر، مخافة أن يقعوا تحت طائلة القانون، وظل الحال على ما هو عليه، مع مجيء مبارك في عقد الثمانينيات، الذي شهد ظهور ما سمي بشركات توظيف الأموال، التي شكلت واحدة من أهم المشكلات الاقتصادية في النظام المالي المصري، وانتهت بتصفية هذه الشركات، ودخول معظم أصحابها للسجن أو هروبهم إلى الخارج.
وفي بداية التسعينيات راج مصطلح الرأسمالية الوطنية، حيث توجه بعض رجال الأعمال إلى إنشاء مصانع بالمناطق الصناعية الجديدة، وبدأت أسماء جديدة الظهور، وفتحت الدولة لهم باب الاقتراض من البنوك، وتولي قيادة منظمات الأعمال القائمة مثل اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات، وسمحت أيضًا بتنظيمات جديدة مثل جمعيات المستثمرين بالمناطق الصناعية، وجمعيات رجال الأعمال.
لكن نهاية عقد التسعينيات كانت غير سعيدة لرجال الأعمال في مصر، حيث أعلن عن تعثر العديد منهم، والهروب إلى الخارج بأموال البنوك، وحدث تحول جذري في نشاطهم، من الصناعة والتجارة، إلى المضاربات في البورصة المصرية التي بدأت العمل منتصف التسعينيات، أو المضاربة في سعر الصرف عبر تجارة العملات الأجنبية، أو المضاربة في العقارات والأراضي وبخاصة في المدن الجديدة.
كما بدأ التطلع السياسي لرجال الأعمال في عقد التسعينيات أيضًا، حيث توجهوا إلى الترشح لعضوية مجلسي الشعب والشورى، من خلال عضوية الحزب الوطني الحاكم، وسيطروا على لجان مهمة داخل المجلسين، وساهموا في إصدار قوانين تعكس مصالحهم الشخصية، وتسهل حصولهم على شركات قطاع الأعمال العام، في إطار برنامج الخصخصة.
وقد ضمّت حكومة نظيف -التي أقيلت مع فعاليات ثورة 25 يناير– العديد من رجال الأعمال لحمل حقائب وزارية، وسُمِّيت حكومة رجال الأعمال. ومثلت هذه الخطوة أبرز صور تزاوج المال والسلطة، ولم يكن هذا التزاوج في إطار المصالح الاقتصادية والمالية والسياسية فقط، بل امتد إلى المصاهرة الحقيقية، حيث شهد وسط "البزنس" زواجات عكست مصالح اقتصادية أكثر منها أواصر نسب ومصاهرة.
وظلت العلاقة بين رجال الأعمال والنظام في مصر قائمة على ما يعرف بـ"تبادل المصالح"، فرجال الأعمال يؤيدون النظام مقابل أن يسهل لهم الحصول على أكبر قدر من المنافع الاقتصادية. وأشار الكتاب إلى أشهر قضايا الفساد لرجال الأعمال المقربين من النظام، بل والمحسوبين عليه، حيث كانوا من أعضاء الحزب الحاكم أو برلمانيين، أو وزراء بحكومة نظيف، مثل قضية عبارة السلام، ونواب القروض، وتحريض رجل الأعمال هشام طلعت على قتل فنانة لبنانية، وكل هذه القضايا كانت مثيرة للرأي العام.
ولم يكتف رجال الأعمال بالوجود في السلطة السياسية من خلال توطيد علاقتهم بالنظام، ولكنهم توجهوا أيضًا إلى الإعلام وامتلكوا الصحف والقنوات الفضائية.
وقد تضمن الكتاب دراسة لتحليل مضمون لجريدتي الأهرام والوفد خلال الفترة من 1991 حتى 2006، للتعرف على صورة رجل الأعمال في الصحافة المصرية، وخلص إلى مجموعة من النتائج، كان أبرزها أن السمات السلبية هي المسيطرة لدى رجل الشارع تجاه رجال الأعمال، وبخاصة خلال السنوات القليلة الماضية.
وقد أتت هذه النتيجة من خلال تحليل جرائم رجال الأعمال في الجريدتين خلال فترة الدراسة، حيث رصد المؤلف قضايا الانحراف لرجال الأعمال، وتبين منها أن الاستيلاء على المال العام كان أعلاها بنسبة 28.8%، ويليها استغلال النفوذ 9.2%، والتربح 8.7%، والتهرب الجمركي والنصب والاحتيال والرشوة 6%، والاتجار بالعملة 5.7%، والاتجار بالمخدرات 2.6%.
كيف حكم رجال الأعمال مصر
يذهب المؤلف إلى أن الموقع المتقدم الذي احتله رجال الأعمال في صنع القرار السياسي والاقتصادي في مصر لم يكن من خلال قوة لوبي رجال الأعمال، ولكنه كان مرهونًا بالقبول السياسي، ورغبة النظام في هذا الفعل.
فالملاحظ أن رجال الأعمال في مصر لم تكن تجمعهم مصالح مشتركة، من خلال منظمات الأعمال، ولكنهم كانوا يتصرفون من واقع مصالحهم الشخصية.
وكان النظام يستغل رجال الأعمال داخليًّا وخارجيًّا، ولم يكن بوسع رجال الأعمال أن يكونوا معارضين للنظام، حيث إن ذلك سوف يكلفهم ضياع ثرواتهم وحرياتهم، وجاء نظير هذا الولاء من قبل رجال الأعمال للنظام، أن وفر لهم النظام الحماية لممارستهم غير القانونية، فظهر الاحتكار والسيطرة على الأسواق، والاستيلاء على المال العام. وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من رجال الأعمال البارزين حرصوا على الحصول على جنسيات دول أوروبية، كنوع من الحماية، أو آلية للهروب عند وقوعهم تحت طائلة القانون.
غير أن ارتفاع سقف العلاقة بين البيروقراطية الحاكمة وسطوة المال، أدى خلال العقد الأخير إلى سيطرة رأس المال على صناعة القرار الاقتصادي، حتى فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، كما حدث في اتفاقية "الكويز" مع دولة الكيان الصهيوني، التي حظيت برفض شعبي شديد، ولكن القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس مبارك، صرحت بأن توقيع هذه الاتفاقية أتي استجابة لمطالب رجال الأعمال.
وعلى الجانب الآخر وظفت البيروقراطية الحاكمة رجال الأعمال في تمرير بعض الأعمال الخارجية، كما حدث في تصدير الغاز لإسرائيل، حيث إن التصدير تم عبر شركة أحد رجال الأعمال، المعروفين بأنهم جزء من البيروقراطية الحاكمة. إلا أن هذا الاندماج بين رأس المال والبيروقراطية الحاكمة على المستوى الأعلى، سهل علاقة رجال الأعمال بالمستويات المتوسطة والدنيا في بقية مؤسسات الدولة.تجه المؤلف عبر الصفحات الأولى من كتابه إلى التأصيل والاستطراد التاريخي لظاهرة رجال الأعمال في مصر، منطلقًا من عصر محمد علي وما بعده من حكم أبنائه، ثم عصر الاحتلال الإنجليزي، ثم النقلة النوعية مع انقلاب يوليو 1952، واختلاف التوجه الاقتصادي لمصر نحو الاقتصاد الموجه، وتضاؤل دور القطاع الخاص. ت المتوسطة والدنيا في بقية مؤسسات الدولة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire