أعرف أن المشير طنطاوى وأعضاء المجلس العسكرى تابعوا مظاهرة الإسلاميين الجمعة الماضية عبر كاميرات خاصة فوق ميدان التحرير، تنقل صورا مقربة ومكبرة مع أصوات الهتافات وملامح الهاتفين، هؤلاء الذين طالب آلاف منهم بالمشير أميرا، ولا نعرف هل المقصود أميرا بمعنى الإمارة على مملكة أم الإمارة على جماعة أم أنها الرئاسة التى نعرفها، وهى عند الجماعات الإسلامية والسلفيين إمارة. لكن ماذا يا تُرى مشاعر المجلس تجاه هذه المبايعات المفرطة فى الحب التى كالها الإسلاميون وقادتهم من الدعاة والوعاظ ومن القتلة المتقاعدين والإرهابيين السابقين؟
هذه نقطة مهمة كان واجبا أن نسمع بعدها شيئا من المجلس أو مكالمة تليفونية فى برنامج تليفزيونى، من تلك التى أوحشتنا لنسمع رأى المجلس فى المشهد وما يوحيه وما صدره لملايين من المصريين من إحساس بأنهم باتوا على حرف جرف من تحول ميدان التحرير إلى ميدان تورا بورا كما مازح البعض، أو تحول مصر كلها إلى أفغانستان أخرى كما بالغ البعض.
أولا هذه المظاهرات قام بها مصريون وأبناء لهذا الوطن رغم أنهم رفعوا أعلام السعودية بغزارة تثير الدهشة وتثير معها الأعصاب، كما تثير إعجاب العائلة المالكة قطعا فى السعودية، لكن انظر إلى الجانب الإيجابى، أنهم لم يرفعوا أعلام صربيا، لم نسمع درسا من أحد فى الوطنية لهؤلاء الذين رفعوا أعلاما غير أعلام مصر ممن تعودنا أن نسمع منهم دروسا فى التربية الوطنية، المذهل أن أقل أعلام مصر ارتفاعا فى تاريخ مظاهرات المليونيات السابقة كان فى مظاهرة الإسلاميين، وكانت هناك حالة من الإفراط فى أعلام الجماعات والتنظيمات وكذلك طبعا أعلام السعودية، لكن يبقى أن بعض إخوتنا السلفيين، بحسن نية، اندفعت عندهم حماسة الخلط مع تغييب الوعى، حيث يتصور سلفيون أن دار الإسلام فى الرياض، بينما الحقيقة أن عواصم الخلافة الإسلامية العظمى كانت فى دمشق وبغداد والقاهرة، وأن وجود البقاع المقدسة فى الحجاز سابق بالتأكيد لنشأة الدولة السعودية، ثم إن راية الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، لم تكن خضراء، بل كانت سوداء ولم يكن مكتوبا عليها الشهادتان.
ثانيا أؤمن يقينا أن المجلس العسكرى تعهد للشعب بالحفاظ على الدولة المدنية، وقال لنا اللواء محسن الفنجرى فى بيان ألقاه بنفسه إن المجلس ملتزم بوضع وإعلان المواد الحاكمة للدستور، لكن يبقى رد فعل المجلس عقب هذه الجمعة مفتوحا للأسئلة، فالحقيقة أن القوى الإسلامية هى التى لا تكف عن إعلان التأييد والمبايعة للمجلس، ثم هى التى وقفت وراء حصول الاستفتاء الأثير عند المجلس على نسبة السبعة والسبعين فى المئة التى يعتبرها المجلس جواز شرعيته (وليست الثورة -شبابها وقواها السياسية- التى منحته الشرعية، فهو يصر على أن الاستفتاء هو مصدر شرعيته، وأن «نعم» التى قيلت لتعديل الدستور -يا للغرابة!- كان معناها شرعية للمجلس، رغم أن أحدا لم يكتب ذلك إطلاقا فى ورقة الاستفتاء التى فهمناها لقصور فى وعينا وتقصير فى تركيزنا أنها استفتاء على تعديلات دستور ميت )
إذن المجلس مطالب بأن يصرح هل سيستجيب لمظاهرة المليون سلفى (وبضعة آلاف من الإخوان وعشرات من الجماعة الإسلامية) التى رفضت المواد الحاكمة وسيتراجع عن إعلان نيته الالتزام بها أم أنه سيعلنها كما وعد متجاهلا مطالب مليونية الجمعة، ثم هل المجلس متمسك بدولة مدنية فعلا؟ وماذا إذن عن أنصاره ومبايعيه الذين يطلبونها دينية إسلامية ويرون كل من يطالب بالدولة المدنية علمانيا كافرا، ورغم أن المجلس العسكرى قال إنه متمسك بالدولة المدنية، فلسبب غامض لم يعتبره السلفيون علمانيا وطبعا ليس كافرا، بل دعوا المجلس العسكرى فى شخص مشيره ليكون الأمير!
ردود المجلس العسكرى تبدو مطلوبة ومهمة، ولو من غير كلام، فهناك قرارات منتظرة تخص وعده بالإعلان الدستورى الذى يضم المواد الحاكمة، فهل هو ماض فيها أم ماض عنها؟!
عموما بدا طبيعيا بعد مظاهرة الجمعة أن يتحدث البعض داخل الإسلاميين أنفسهم وخارجهم عن فوز قادم بأغلبية البرلمان وتشكيل حكومة إسلامية، ومع احترامى الكامل والمؤكد لحركة حماس المقاومة للعدو الإسرائيلى (رغم أنها تفرغت هذه الأيام للهدنة مع تل أبيب وسجن من يطلق صواريخ على إسرائيل، وكذلك منع الاختلاط فى الجامعة والشواطئ وإلزام المحاميات بارتداء الحجاب)، فالواضح أننا أمام نموذج حكومة حماس مصرى لو نجحت القوى الإسلامية فى الفوز بالانتخابات النزيهة، والسؤال هنا: هل سيوافق المشير حسين طنطاوى على أن يكون وزير دفاع حكومة حماس... القادمة؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire