لا شك أن في الحكومة رئيساً وأعضاء لديهم إخوة وأخوات وأبناء يتقاضون أمام المحاكم، ولاشك أيضاً أن كبار الموظفين لهم أقرباء من التجار يذهبون إلي المحاكم، فإذا كانوا جميعاً لا يعيرون أهمية واهتماماً للناس العاديين، فعلي الأقل يعيرون أهمية واهتماماً لأقاربهم الذين لهم قضايا بالمحاكم.
الأيام الماضية كانت "كالحة" بالنسبة لأصحاب المصالح من التجار ورجال الأعمال والمتقاضين أمام المحاكم.
المحاكم تعمل أو لا تعمل رهناً بما يقرره القضاة والمحامون، وطوال الليل والنهار.. المتقاضون واقفون أمام المحاكم لمعرفة ما إذا كانت المحاكم ستعمل اليوم أو غداً.
ومع قرب ساعات المساء يطمئن المتقاضون علي أن الإضراب أو وقف عمل المحاكم قد عُلق، فينصرف المتقاضون علي هذا الأساس، ليتبين بعد ذلك أن خبر تعليق إغلاق المحاكم غير صحيح، وأن الإضراب لايزال قائماً.
تقدمت ساعات المساء ليظهر في الأجواء أن هناك إمكانية للتوصل إلي تسوية بين المحامين والقضاة، وهذا يعني فتح المحاكم مجدداً.
عاد أصحاب المصالح والمتقاضون إلي مرحلة الترقب الصعبة، في انتظار خروج الدخان الأبيض أو الأسود من قاعة مجلس الوزراء، ليطمئن المتقاضون علي استئناف عمل المحاكم، بعد أن احترقت أعصابهم: فتح المحاكم، أو إغلاقها.
وانتصف الليل.. وخلد المتقاضون إلي النوم وهم يترقبون طلوع الفجر، فوضي عارمة.. محاكم أغلقت أبوابها، ومحاكم فتحت أبوابها دون أن يحضر القضاة أو المحامون.. محاكم فتحت أبوابها وحضر المتقاضون وحدهم.
فعلاً وضع لا يطاق.
من أعطي القضاة والمحامين حق التلاعب بأعصاب الناس والمتقاضين، من منح الحكومة أيضاً هذا الحق، إذا كان هم غير حريصين علي أعصاب وحقوق وقضايا الناس، فكيف يمكن أن يكونوا حريصين علي مستقبل البلد؟
هذه الحكومة لا تملك أي مقومات لتسيير الأمور، ولا عدد من المحامين يملكون الأهلية لحمل مطالب جموع المحامين، لا القضاة راضون ولا المحامون راضون، ولا المتقاضون راضون، ولا الحكومة راضية عما يحدث بين القضاة والمحامين ووقف مصالح الناس.. فمن هي هذه القوي الخارقة التي فرضت هذا الوضع الذي نعيشه، وصنعت هذه الأزمة؟
عيب وألف عيب هذا الذي يجري، لقد ولدت معارضة جديدة لحكومة الدكتور شرف، وهي معارضة أصحاب القضايا والمتقاضين أمام المحاكم، الذين اكتشفوا أن حكومتهم تعمل بدون تخطيط أو أفق أو بُعد نظر، بل تعمل بشكل ارتجالي، وكل ساعة بساعتها.. ما هكذا يكون تسيير الأمور.. وما هكذا تكون إدارة السلطة التنفيذية.
لقد أصبحت مشكلة القضاة مع المحامين موضع تندر بين عامة الناس، والذين يقول لسان حالهم: "إذا كنت لا تستطيع حل المشكلة فابتسم لها"، والناس صاروا يبتسمون لمصلحة حل مشكلة القضاة مع المحامين.
كتب إبراهيم خليل روز اليوسف العدد 1947 - الأربعاء الموافق - 2 نوفمبر 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire