لازالت تفاعلات قضية الشابين المسيحيين الذين تعرضا للإعتداء على أحد شواطئ الإسكندرية تثير الردود والتعليقات بشكل أتمنى أن يحدث مع كل قضية إنتهاك أو إعتداء يتعرض لها أى مواطن أيا كانت ديانته أو جنسه أو طبقته الإجتماعية أو حالته المادية. مثلما حدث فى قضية إختفاء الشاب محمد بلال لم نسمع شيئا من وزارة الداخلية التى يبدو أنها عادت سريعا إلى مرحلة الطناش التى كانت قد خاصمتها لعدة أشهر بعد الثورة حين كنت أتلقى ردا على كل ما أنشره عن أى إنتهاك لحقوق الإنسان، فهل كانت تلك مرحلة وراحت لحالها، أم أن مسؤولى الداخلية لا يجيدون التعامل مع البريد إلالكترونى، مع أن لديهم ضباطا متخصصين فى إختراقه والتجسس عليه.على أية حال أملى كبير فى أن يشكل هذا العمود على قد طاقته جسر تواصل بين جميع المواطنين وبين الجهات المسؤولة وبين المنظمات الحقوقية مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز النديم ومركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز هشام مبارك وغيرها من المنظمات الجادة التى ستتضاعف فاعليتها وتأثيرها عندما تحكم هذه البلاد سلطة مدنية منتخبة لن تفوت حالة إنتهاك واحدة دون أن تحاسب من قام بها، وإذا كان البعض يكتفى بالنواح والولولة ونشر التشاؤم فلا ينبغى لمن رأى آيات الله فى الظالمين وهى تتنزل أمامه أن يكف عن العمل والأمل.
الدكتور صلاح البحراوى مدير مستشفى مبرة العصافرة غرب أرسل إلينا ردا حول إتهام للمستشقى بالإهمال فى إسعاف غريق إسمه مينا ضمن الواقعة التى نشرتها يوم الجمعة الماضية، حيث أكد أنه حضر بالفعل إلى المستشفى فى ا
لساعة السادسة والنصف تقريبا شخص أراد الدكتور أن يحتفظ بإسمه وكان يعانى من حالة غرق أدى إلى توقف بالقلب وفشل تنفس وتم إستقباله من قبل طبيب الطوارئ وهو متخصص فى الطب الحرج وقام بعملية إنعاش للقلب وتركيب أنبوبة قصبة هوائية وعمل تنفس صناعى للمريض لمحاولة إنقاذ حياته وذلك لمدة ثلاثين دقيقة ولكن القلب لم يستجب وتم إعلان وفاة المريض لأهله ومرافقيه فى السابعة وخمس دقائق وتم إبلاغ الشرطة بالحادث، وقام مرافقو المتوفى بشكر الطبيب وطاقم التمريض على مجهودهم. نافيا مانشر عن تهاون المستشفى فى إصدار تقرير طبى لأنها تتمتع بمصداقية عالية مؤكدا أن بها عدد كبير من الأطباء من الإخوة المسيحيين يعملون جنبا إلى جنب مع إخوتهم المسلمين فى مختلف الأقسام دون أى تمييز، لأننا نؤمن تمام الإيمان بأن مبدأ المواطنة هو الحاكم وأن الدين لله والوطن للجميع.
بطل الواقعة المهندس فيكتور ابراهيم فهمى أرسل يشكرنى على مانشرته، وقال معلقا على بعض تعليقات القراء أنه لا يشعر بهوس الإضطهاد المستمر، وأن كل طلابه وأصدقائه من المسلمين يشهدون له بالإعتدال، لكنه لم يكن مغاليا عندما قال أن ماتعرض له على الشاطئ من ضرب وشتيمة وسب للدين كان على أساس دينى، أما بقية الواقعة فقد كان يهدف منها إلى إظهار مايحدث فى مصر من سلبية وفساد يتعرض له المسلمون والمسيحيون معا، “للأسف فإن كلمة رمضان كريم لم تعد ترتبط لدينا بالعمل والإجتهاد، بل أصبحت ترتبط بالتفويت وتكبير الدماغ وتعطيل الشغل والتنازل عن الحقوق، وكل ماحدث فى الواقعة لن يغير من بشاعته شيئا لو كان حدث لشخص إسمه محمد، والفساد الموجود فى الأقسام لا يفرق بين دين ولون”. أرسل إلى فيكتور تسجيلا صوتيا للحوار الذى دار بينه وبين مدير شركة الغواصين فى اليوم التالى للحادث وهو تسجيل يحتوى على قدر كبير من الإهانات التى لا تليق ولا تصح لا فى رمضان ولا فى غير رمضان. تمنياتى له بالتوفيق فى أخذ حقه وأن يكون قدوة لكل من يتعرض للظلم أو التمييز.
كان أحد القراء قد علق قائلا عن الحكمة من نشر هذه الوقائع التى يمكن أن تستغلها أطراف خارجية لتضخيم مايتعرض له المسيحيون فى مصر، وأعتقد أنه الآن بعد أن رأى ردود الفعل الإيجابية يعرف أن الحكمة كل الحكمة تقتضى ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال وأن نواجه أنفسنا بكل واقعة سلبية كبيرة كانت أو صغيرة، لأن ذلك لا يعطى فقط الكثير من العزاء للمظلوم فيشعر أنه ليس وحيدا فى مواجهة الظلم، بل لأنه يجعلنا نواجه أنفسنا بأخطائنا وعيوبنا ونعرضها لشمس الحقيقة بدلا من الكمكمة والعفونة. على نفس المنوال أتلقى رسائل تهاجمنى لأننى أهاجم الإنتهاكات التى يتعرض لها المدنيون على أيدى الشرطة العسكرية، معتبرا أن ذلك يتناقض مع دعوتى المستمرة للحذر من الوقيعة بين الجيش والشعب وهو مايمكن أن يعرض البلاد لأخطار كثيرة على رأسها فى رأيى خطر الوقوع تحت الحكم العسكرى من جديد، وللأسف فإن هذا النوع من التفكير ناتج عن عدم قدرتنا على التفكير المركب الذى لا خلاص لنا إلا به، بالمناسبة أنا لم أولد وأنا أفكر هكذا، فقد كنت كغيرى من الذين ينظرون إلى الدنيا كلها على طريقة يا أبيض يا إسود، لكننى توقفت عن ذلك يوما بعد يوم بفعل القراءة المستمرة والحرص على التعلم من التجارب التاريخية، لذلك أؤمن بأنه لا يعنى أن يدفعنا الحرص على وحدة المؤسسة العسكرية وإحترامنا لها بأن نمتنع عن مواجهة قادتها بأخطائهم، إذا حدث إنتهاك لحقوق الإنسان يجب أن نواجهه بقوة دون أن تدفعنا هذه القوة إلى التهور وإشعال النار فى البلاد. هذا منهجى ولا أفرضه على أحد، أنا من الذين يحبون أن يعرفوا لأقدامهم قبل الخطو موضعها، ولا أصادر على المتهورين والمنفلتين حقهم فى أن يفعلوا مايشاؤون، لذلك لا أغضب عندما تأتينى رسائل تتهمنى بالتخاذل أمام العسكر فى نفس الوقت الذى تأتينى فيه رسائل تتهمنى بالتحريض على الجيش، ليس لأننى جبلة أو لا تهزنى الشتائم، بل لأننى أعذر كل من يرسل هذه الرسائل لأنه يرى فى الإنحياز الكامل لطرف ما أمرا أكثر مبدئية أو ربما يجده أسهل بكثير، لكنه سيكتشف يوما ما مثلما اكتشفت أنه لا يوجد تناقض بين أن يكون للإنسان مواقف مبدئية ثابتة ضد الظلم والإستبداد والفساد، وبين أن يظل محافظا على إستقلاليته ونظرته النقدية للجميع.
والله من وراء القصد، أو هكذا أزعم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire