vendredi 26 août 2011

إبراهيم عيسى : مظاهرات بلا صلاح الدين

635
ربما هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الصراع العربى-الإسرائيلى التى لا نسمع فيها خلال مظاهرات التنديد والرفض لتصرفات العدو الصهيونى هذا النداء الذى يشبه الاستغاثة والاستنجاد: «أين أنت يا صلاح الدين؟».
لم أسمع أخيرا هذا النداء فى مظاهرات الغضب أمام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة، وهذا تطور رائع ومؤشر فى منتهى الأهمية على أننا فى طريقنا لتحرير أنفسنا من الأوهام، ثم تحرير فلسطين من أعدائنا!
نعم كان هذا النداء والشعار يشبه الأوراد التى يرددها ويتمتم بها الجميع فى لحظات الإحساس بالهزيمة وبوطأة المآسى على أكتافنا، عندما نرى ما يفعله الإسرائيليون أين أنت يا صلاح الدين الأيوبى كى تعيد بيت المقدس عربية إسلامية؟ لكن الحقيقة أن هذا النداء بالغوث كان واحدا من أكثر عيوبنا مقتا ومن أعمق أسباب تأخرنا تجذرا، ليه؟
أفهم أن التنادى على صلاح الدين الأيوبى بحثا عن منقذ، وانتظارا لبطل وهذا موطن المشكلة، أننا نتصور أننا فى حاجة إلى قائد مثل صلاح الدين الأيوبى، بينما الحقيقة أننا فى حاجة إلى قيادة وليس قائدا، فالفرد رغم دوره المهم فى التاريخ يظل فردا ولا يمكن الرهان على شخص مهما علا قدره وارتفع شأنه على تغيير أمة وإنقاذ وطن، بل ربما يبقى التحجج بانتظار بطل مثل صلاح الدين محاولة لإعفاء أنفسنا من القيام بأى دور للبطولة، هنا مكمن الروعة فى أن مظاهرات ضد إسرائيل لم تأت فيها
سيرة صلاح الدين، بل حتى برامج الفضائيات التى تابعت بحرارة وبحماس هذه الأحداث لم تولول لنا قليلا كما كانت تفعل عن غياب صلاح الدين!
لماذا؟
لأن ثورات العرب التى تنطلق نارا ونورا وتنويرا فى الشهور الأخيرة إنما هى ثورات ضد زعامة الفرد وتفرده، ضد نموذج القائد الأوحد والزعيم الأعظم، انتهت هذه الترهات الفاسدة التى أنامت أوطانا وشعوبا فى سرير واحد مع الذل والطغيان والهزيمة المنكرة، صحا المصريون فعلا وبدا أنهم الآن فقط مستعدون للتعامل مع الحقيقة الأهم، وهى أن الشعوب هى التى يجب أن تقود وتقاوم وتهاجم وتحارب وتنتصر أو حتى تنهزم، لكن لا بد أن تكون هذه القرارات نابعة من الأمة ومن جماهير المواطنين عبر حياة ديمقراطية حقيقية لا فضل فيها لعربى على أعجمى ولا سلفى على علمانى ولا يسارى على إخوانى إلا بصندوق الانتخابات.. ظل العرب ينادون صلاح الدين الأيوبى منذ 1948، فلم يأت ولن يأتى، وحان أوان أن يدركوا أن صلاح الدين ليس حلا ولم يكن فى يوم من الأيام حلا للقضية الفلسطينية!
فقد كان الخطر الكامن فى دعوة الناس بمجىء صلاح الدين، أن صلاح الدين لم يحقق شيئا ولا يستحق إلا أن يكون مثلا فى حكمة عنوانها «صلاح الدين لا يفيد»، اصبر قليلا دونما أن تسابق نفسك فى اتهامى بالطعن فى الرموز الوطنية والثوابت وهذا الخرف الذى يتربى عليه الخراف، تعال لننظر حقا إلى الحقيقة، لقد أعاد صلاح الدين الأيوبى القدس فاتحا المدينة منقذا لها من أيدى وسيطرة الصليبيين، وهو ما يؤكد أنه قائد عظيم وعسكرى نابه وعقلية عسكرية فذة لكن السؤال: ولماذا ضاعت القدس مرة أخرى بعد رحيل صلاح الدين الأيوبى بأربعين عاما؟ وما الذى جعل صلاح الدين يعقد معاهدات صلح مع الصليبيين وإماراتهم حول القدس حتى تمكنت هذه الإمارات التى تصالح وتعايش معها صلاح الدين من القفز على المدينة المقدسة مرة أخرى بمجرد ما غاب ظل هذا الرجل؟ لقد سيطر الصليبيون على القدس وأعلنوها مملكة صليبية وطردوا عربها ومسلميها ونكلوا بهم وذبحوهم وعذبوهم بعد أعوام من موت صلاح الدين، السبب هو صلاح الدين الأيوبى نفسه، حيث ترك صلاح الدين دولته مفتتة بين أيدى أولاده ومقسمة بينهم وبين إخوته، فبعدما وحد صلاح الدين العرب جميعا تحت راية حكمه وجيشه عاد وقبيل وفاته وزع الأمة العربية مثل أى تركة وورثها عياله ومن بينهم الفالح والطالح وغير المستعد وغير المؤهل وغير أبيه، فضاعت القدس بسرعة واستردها الصليبيون!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire