الآن.. مصر على بعد 3 أسابيع من اختيار رئيس قادم.. وعلى بعد ساعات قليلة من صدور حكم تاريخى ضد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك.. فى محاكمة القرن.. الآن التاريخ يسطر أوراقه ويكتب.. يكتب «دراما» مختلفة.. ليست دراما بالمعنى المعروف.. لكنها «واقع حقيقى».. نحن بين «رئيس منتخب قادم.. ورئيس مخلوع يصدر ضده حكم».. أى حكم سواء بالبراءة أو الإدانة، الأنظار تتجه في الثاني من يونيو إلى أكاديمية الشرطة في التجمع الخامس.. وبالتحديد إلى داخل القاعة التي بدأت فيها محاكمة الرئيس السابق وابنيه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلى و6 من كبار مساعدي الأخير.. الجميع ينتظر «حكمًا» يقوله المستشار أحمد فهمى رفعت، قاضى محاكمة القرن، حكماً على رموز نظام سابق ورئيس هذا النظام الذين أسقطتهم ثورة شباب فى يناير 2011.
مبارك.. ينتظر «حدثين».. «حكمًا ضده» وإعلان اسم رئيس قادم
منذ 11 فبراير 2011 أصبح محمد حسنى السيد مبارك رئيسا سابقاً.. مواطناً عادياً بعد أن أعلن تنحيه عن حكم مصر مضطراً عقب ثورة استمرت 18 يوماً.
يوم إعلان التنحى، انتقل مبارك وأسرته إلى منتجعه بشرم الشيخ على خليج العقبة.. والتزم الصمت قرابة شهرين ودار فى الإعلام حديث عن تهريبه أموالاً للخارج.. وهو ما اضطره لأن يخرج عن صمته ويدافع عن نفسه، وذلك فى حديث صوتى بثته قناة العربية الفضائية يوم 10 إبريل 2011.. قال فيه إنه لا يمتلك هو وأسرته أى أرصدة أو عقارات فى الخارج، وإنه مستعد للتعاون مع النائب العام.. ثم أعلن التحدى بقوله إنه يحتفظ بحقه فى مقاضاة كل من أساء إليه فى وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
وبعد ساعة من البيان الصوتى لمبارك، أعلن النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، استدعاء مبارك ونجليه للتحقيق، وانتقل المستشار مصطفى سليمان، المحامى العام الأول، إلى جنوب سيناء ويحقق مع مبارك وابنيه وينتقل مبارك إلى مستشفى شرم الشيخ الدولى ويستمر معه التحقيق، ومن هناك تصدر النيابة العامة قراراً تاريخياً بحبس مبارك وابنيه احتياطياً، وذلك فى 13 إبريل2011.
وأحالت النيابة مبارك إلى محكمة الجنايات ومعه ابناه ووزير داخليته حبيب العادلى و6 من كبار مساعدى الأخير، هم: عدلى فايد وحسن عبدالرحمن وإسماعيل الشاعر وأحمد رمزى وأسامة المراسى وعمر الفرماوى.. ليكون يوم 3 أغسطس هو يوم تاريخى بظهور الرئيس السابق فى قفص الاتهام.
وتستمر الجلسات، وفى مطلع العام الجارى تأتى ردود مبارك على رئيس المحكمة: «أيوه يا أفندم أنا موجود» قبل أن يستبدلها فى جلسات لاحقة بكلمة واحدة فقط وهى «موجود».. كان مبارك ولا يزال «محتجزاً» فى المركز الطبى العالمى بطريق مصر - إسماعيلية الصحراوى، ومنه يخرج بطائرة إلى مقر محاكمته فى أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس.. وغاب مبارك جلسة واحدة عن المحاكمة بسبب سوء الأحوال الجوية وتعذر إقلاع الطائرة من المستشفى لمقر المحاكمة.
وتستمر الجلسات وتطلب النيابة فى مرافعتها توقيع أقصى العقوبة وهى إعدام المتهمين وأولهم مبارك لاتهامه بقتل المتظاهرين والتربح وجرائم أخرى دونها وأمر بإحالته إلى محكمة الجنايات، وكان يظهر على مبارك صمت.. وكان ابناه علاء وجمال ينقلان له ما يدور فى المحكمة أو يوضحان له بعض الجمل التى لم يسمعها.
وتظهر ابتسامة الرئيس السابق فى جلسة 17 يناير لأول مرة هى ابتسامة فارقته لعام كامل ولوح بيديه لمؤيديه بالقاعة عقب مرافعة محاميه فريد الديب، الذى أظهره فيها بأنه برىء وخدعه من حوله ولا ذنب له، وكان بإمكانه أن يترك البلاد ويرحل عنها لكنه فضل البقاء.
وانتهت جلسات المحاكمة بسماع شهود إثبات ونفى ومحامى الضحايا ودفاع المتهمين ومرافعة النيابة، وكذلك المتهمون وبينهم مبارك، الذى نقل جملة تاريخية إلى محاميه قالها يوم دفاعه وهى: «بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة.. وأهلى وإن ضنوا على كرام».
وتقرر المحكمة حجز القضية للحكم فى 2 يونيو الجارى.. ليكون هذا اليوم تاريخياً.. يوم يصدر فيه حكم ضد رئيس «مخلوع»، أو «متنحى».. فى الوقت الذى تنتظر فيه مصر والعالم إعلان اسم رئيس جديد.. وبالتحديد بعد 19 يوماً من الحكم.. مبارك ينتظر الاثنان.. الحكم عليه.. وتحديد اسم الرئيس.. انتظار «يؤلمه» كثيراً عندما يقارنه بـ30 سنة كان فيها على رأس الحكم
علاء مبارك.. من «تعاطف وغموض» إلى «اتهامات ومحاكمة»
علاء الدين محمد حسنى مبارك.. الابن الأكبر للرئيس السابق، والمولود فى العام 1960 بالقاهرة، كان من النادر ظهوره وهو ما جعل منه نجما.. أو قل «محبوبا» ودارت حوله علامات استفهام خاصة أبرزها ماذا يعمل.. ونسبت معلومات عن امتداد نفوذه لدرجة إجبار رجال الأعمال على امتلاك حصة من أسهم شركاتهم مقابل السماح لهم بالعمل التجارى داخل مصر.
وفى أعقاب الثورة نشرت صحيفة الجارديان البريطانية ما قالت إنه تقدير لثروة عائلة مبارك وقالت إنها 70 مليار دولار موزعة بين استثمارات داخل مصر وخارجها.
وكان لعلاء نصيب الأسد من هذه الثروة، حيث بلغت حسب التقديرات 30 مليار دولار.
لكن الحقائق بدأت تتوالى بسرعة.. لتكشف وثائق صادرة عن البنك المركزى فى قبرص أن علاء يمتلك شركة قبرصية اسمها «إنترناشيونال سيكيو ريتيز فوند» تعمل فى الأسهم والسندات، بالإضافة إلى شركة أخرى تتولى تحويلات الشركة المذكورة إلى الخارج اسمها «بيليون كومبانى ليميتيد» هى أيضا ملك لعلاء.
لكن المستشار عاصم الجوهرى مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع ورئيس اللجنة القضائية المشكلة لاسترداد أموال مصر المنهوبة قال رقما آخر وأعلن أن علاء وحده يمتلك فى بنوك سويسرا فقط ما يقرب من 300 مليون دولار.. وبعيداً عن المال والثروة كانت هناك صفحة الفنانات فى حياة علاء مبارك وأشهر ما قيل عن علاقة أو حبه للنجمة شريهان.
واقترن اسم علاء مبارك بقوة بعالم الرياضة.. وكان يظهر بقوة فى لقاءات المنتخب، وسافر إليهم فى نهائى غانا عام 2010 وإلى السودان قبلها حين خرجت مصر من تصفيات كأس العالم فى مباراة الجزائر الشهيرة بـ«أم درمان».. وقيل إن لديه عشقاً خاصاً للنادى الإسماعيلى.. ربما ليبتعد عن الدائرتين الجماهيريتين الأضخم الأهلى والزمالك، فيصبح فى نقطة حياد لا تُغْضِب أحداً منه.
ونسبت تقارير إعلامية أنه كان مسؤولاً عن فضيحة صفر المونديال الشهير عندما مارس ضغوطه على علىّ الدين هلال وزير الشباب والرياضة وقتها لكى يرسل ملف مصر إلى «فيفا» رغم عدم الاستعداد الكافى لتنظيم كأس العالم.
ويعتبر كثيرون أن عام 2011 هو الأسوأ فى حياة علاء مبارك.. ففيه انتهت حياة والده سياسيا وتدمرت الأسرة بالكامل، وأصبح هو ووالده وشقيقه الوحيد جمال رهن الحبس الاحتياطى بقرار من النائب العام..
لكن لن ينسى الملايين أن العام 2009 كان عاماً قاسياً على ابن الرئيس السابق.. ففى هذا العام.. فقد ابنه الأكبر محمد13عاماً.. ليحصد وقتها تعاطفاً شعبياً فطرياً مصرياً بامتياز وكسب علاء مبارك أرضاً جديدة بين محبيه وتعاطف جموع المصريين معه وشاركوه أحزانه لفترة طويلة.
وتأتى الثورة ويرحل الأب وابناه إلى شرم الشيخ.. وتذهب إليهم النيابة العامة وتبدأ التحقيق مع «الشقيقين» والأب.. ويصدر قرار بحبسه هو وجمال وتنقلهما طائرة عسكرية إلى القاهرة ونقلتهما سيارة إلى سجن طرة
جمال مبارك.. من حلم «عرش مصر» إلى «سجن طرة»
يوم 22 أكتوبر عام 1981، وبعد نحو أسبوعين فقط من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.. قال مبارك فى حديثه لجريدة «نيويورك تايمز»: «جمال ابنى كان فى المنصة، وشاهد الحادث بتفاصيله.. كانت التجربة مؤلمة بالنسبة له.. ووقت الحادث بحثت عنه إلى أن وجدته ونظرت إليه واطمأننت»، والآن ونحن فى العام 2012 جمال أيضا إلى جوار والده فى قفص الاتهام ينتظران حكما قضائيا تاريخيا، سواء كان براءة أم إدانة.
الحديث عن جمال الدين محمد حسنى مبارك 49 عاماً، أو قل «الوريث اللى كان»، الذى التحق بالجامعة الأمريكية، وحصل على بكالوريوس فى مجال الأعمال عام 1984، ثم حصل على الماجستير فى إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية أيضاً، وبدأ موظفاً ببنك «أوف أميريكا» فرع القاهرة، ثم انتقل إلى فرع لندن حتى وصل إلى منصب مدير الفرع، وعاد «جمال» للقاهرة وبدأ عمله فى السياسة وظهر فى المشهد السياسى بهدوء.
وفى عام 2000 وفى إحدى زيارات مبارك لأمريكا سأله الصحفيون عما يتردد بالقاهرة حول مشروع التوريث، فكان الرد بالمقولة الشهيرة «مصر ليست سوريا»، فى إشارة إلى ما حدث فى سوريا مع «بشار» بعد وفاة حافظ الأسد.
وتدخل «جمال» فى صناعة القرار السياسى، ففى 14 يوليو 2004 تتشكل حكومة برئاسة د.أحمد نظيف كلها من رجال الأعمال والمرتبطين بدوائرهم، ليدرك الجميع أنها الحكومة التى يشكلها جمال مبارك ليوقع على قرار تعيينها والده حسنى مبارك.
فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، كان «جمال» يمسك مقاليد الحكم بيده، كانت المعلومات تؤكد أن وزارات المجموعة الاقتصادية كانت فى يده عمليا منذ تعيين حكومة «نظيف».
وإلى جانب هذه «الإدارة الخفية» للسلطة، كانت «كاريزما جمال» مفقودة وواحدة من أسباب كثيرة لعدم القبول الشعبى للوريث، وكان ظهوره فى دوريات لكرة القدم وظهوره أيضاً فى مباريات لكرة القدم طرفها منتخب مصر يحمل كثيراً من الرسائل.
وعندما تراجعت صحة الرئيس السابق مبارك وبالتحديد فى منتصف عام 2010، انطلقت حملات داعمة لتأييد ترشيح جمال مبارك، وتنتشر الملصقات فى القاهرة وبعض عواصم المحافظات، والذى كان بمثابة «جس النبض».. لكن تحول ذلك إلى رغبة فى الشارع أن يثور ويقول «لا». وزاد من الغضب ضد فكرة التوريث نتيجة انتخابات مجلس الشعب 2010 التى تجاوزت أعمال التزوير فيها كل الحدود.
وفى يناير 2011 انطلقت الثورة وأعلنت رسميا قبل تنحى الرئيس وفاة مشروع «التوريث والوريث».
وحاول «جمال» أن يجهض الثورة ويبقى والده فى الحكم، لكن كلمة القدر كانت أسرع، ونقل البعض أن «جمال» كان متحدياً لأى محاولة تطلب من والده أن يتنحى وسحب من يده «قلم» كان سيوقع به على قرار التنحى.
ويفاجأ الجميع وبينهم «جمال» نفسه فى 13 إبريل 2011 بإصدار المستشار عبدالمجيد محمود قراراً بحبسه هو وشقيقه ووالده 15 يوماً
العادلى.. وزير الداخلية الذي قاد النظام لـ«النهاية»
حبيب إبراهيم العادلى 74 سنة.. إنه الوزير الحديدى الذى كان هدفه إرضاء القيادة السياسية والتى بادلته الرضا وينسب لحبيب العادلى تزوير الانتخابات والاستفتاءات والاعتداء على القضاة وجميع فصائل النخبة والمثقفين.
كان «العادلى» منذ 2005 أهم أركان التمهيد للتمكين للوريث جمال مبارك، وبدا وكأنه قد سلم له مفاتيح الوزارة، ليبلغ العسف والعصف بكل من يهدد مشروع التوريث مداه منذ ذلك الحين.
ويأتى حادث مقتل الشاب السكندرى خالد سعيد وبعدها انتخابات 2010، ثم حادث تفجير كنيسة القديسَيْن فى الساعة الأولى من العام 2011 لتزداد معها أمواج الغضب الشعبى ضد الأمن والعادلى تحديدا.
وفى 23 يناير 2011، تظهر رياح الثورة، ويضطر حبيب العادلى لتقديم الاحتفال بعيد الشرطة قبل موعده الرسمى بيومين، بحضور مبارك وكبار رجال الدولة والشرطة وكأنها «بروفة لمشهد القفص» الذى جرت وقائعه فى نفس المكان «أكاديمية الشرطة».
ويأتى اليوم.. «25 يناير» 2011 وتنطلق المواجهات بين قوات العادلى والشعب بالشوارع والميادين وحول أقسام الشرطة. ويضطر مبارك فى 31 يناير أن يقيل «العادلى» بعد 5 أيام من عمر الثورة.
وبعد 4 أيام يجد «العادلى» نفسه أمام نيابة أمن الدولة العليا، وفى 18 فبراير 2011 يصدر أول قرار للنائب العام بحبس حبيب العادلى وزير الداخلية فى قضايا فساد مالى. وجاءت اللحظة التاريخية.. فى الثالث من أغسطس 2011، وفى تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا فى أكاديمية الشرطة كان الموعد مع الصورة التى وقف أمامها العالم كله ما بين دهشة عدم التصديق، وبين أبرع حَبْكة لـ«دراما التاريخ».. وزير الداخلية بجانب رئيس الجمهورية برداء السجن فى قفص الاتهام.
وتعتبر أهم اعترافات وأقوال حبيب العادلى أثناء التحقيقات معه بالنيابة العامة أن بمقر الحزب الوطنى على الكورنيش حجرة تسمى «غرفة جهنم» لا يعرفها سوى هو وصفوت الشريف وجمال مبارك، وتحوى مستندات بالصوت والصورة لما سموه جرائم كبار المسؤولين بالدولة ورجال الأعمال والفنانين، والبعثات الأجنبية العاملة فى القاهرة.
وقال أيضا إن النظام هو الذى قدمه ككبش فداء، لأنه يعلم أن الشعب يكرهه، وسوف يصدق أنه الوحيد وراء ما حدث. وزاد: «أى اتهام يوجه إليه لابد أن يُسأل عنه الرئيس حسنى مبارك».
وفى المشهد قبل الأخير، وقبل أن يسدل الستار على وقائع جلسات محاكمة القرن، سمحت المحكمة لحبيب العادلى بالكلام، فتحدث لأكثر من ساعة وكأنه حديث إبراء الذمة والدفع بما يستطيع، أملاً فى حكم مخفف.
وقال الرجل فى مستهل مرافعته: «أبدأ حديثى بتقديم واجب العزاء لأسر الشهداء من المواطنين ومن رجال الشرطة الذين تسامَت أرواحهم لبارئها، وتمنياتى للمصابين بالشفاء العاجل، وأقول ما كنت أتمنى أن يحدث لأى مصرى ما حدث فى نهاية فترة عملى فى خدمة وطننا العزيز علينا ولا فى أى وقت كان.
وكانت آخر كلماته: «إذا كان تقديرى فى بعض الأمور لسنوات طوال، بذلت فيها كل الجهد لتحقيق الأمن والاستقرار، قد جانبه الصواب، فأنا فى النهاية بشر، وأمتلك شجاعة الاعتذار». وما بين شجاعة الاعتذار ورُعب الانتظار.. يقبع حبيب إبراهيم العادلى الآن فى سجنه.. ولا يعلم هو ولا أى إنسان ماذا تخبئ له الأقدار.. بماذا يحكم رئيس المحكمة عليه، وهو أقوى وزير داخيلة طوال 13 عاما من عام 1997 إلى العام 2011.. ينتظر العادلى وهو يمتلك حكمين سابقين بالسجن.. ينتظر ماذا تحمل له الأيام.. وبالتحديد يوم 2 يونيو 2012.
حسن عبدالرحمن.. الرجل الغامض صاحب «سِرِّى جداً»
اللواء حسن محمدعبدالرحمن يوسف.. رئيس جهاز أمن دولة مبارك المولود فى مارس عام 1948، وتخرج فى كلية الشرطة عام 1971. والتحق فور تخرجه بالعمل بإدارة البحث الجنائى بمديرية أمن القاهرة، إلى أن تم ترشيحه من قبل قيادات بوزارة الداخلية للالتحاق بجهاز أمن الدولة كضابط صغير برتبة نقيب.
ظل يتدرج فى مناصبه صعوداً ليصبح مفتشاً لأمن الدولة بالبحيرة، إلى أن أصدر اللواء حسن الألفى وزير الداخلية الأسبق قراراً بتعيينه وكيلا للجهاز.
وفى فترة تولى العادلى وزارة الداخلية، يصعد اللواء عبدالرحمن ليعين رئيسا للجهاز فى مايو عام 2004 خلفاً للواء صلاح سلامة، وظل فى موقعه حتى إقالته بعد ثورة يناير.
عرف عن اللواء حسن عبدالرحمن الصمت وندرة الحديث.. لذا وصف بالرجل الغامض، وكان ديكتاتورا فى إدارته لجهاز أمن الدولة.
وأشرف «عبدالرحمن» على قضايا شهيرة.. أبرزها قضية تفجيرات دهب، وشرم الشيخ، وطابا بجنوب سيناء.. وقضيتى خلية الزيتون، وحزب الله وآخر قضاياه هى تفجير كنيسة القديسَيْن بالإسكندرية، وربما كانت أول سطور قرار النهاية الدراماتيكية للواء حسن عبدالرحمن، خاصة بمقتل الشاب السلفى سيد بلال تحت تأثير التعذيب.
وفى الخامس والعشرين من يناير 2011 يندلع بركان الثورة الهادر.. وبطبيعة الحال، يقف اللواء حسن عبدالرحمن كواحد من أهم الجنرالات فى خندق المواجهة ضد الشعب الثائر بالشوارع والميادين.
وفى الرابع من مارس 2011، وفى وقت واحد تتصاعد أعمدة الدخان من مقار ومكاتب جهاز أمن الدولة، بالعاصمة وفى المحافظات.. يهرع إليها الناس ليتبين أن الدخان صادر عن حرق أوراق ومستندات وملفات أمن الدولة وتظهر الحقيقة بأن اللواء حسن عبدالرحمن أمر بإحراق المستندات والأوراق بعد تسريب ونشر خطابه الذى يحتوى أمراً لجميع رؤساء فروع الجهاز بحرق الملفات تحت بند سرى جدا
إسماعيل الشاعر.. رحلة 30 سنة مباحث تنتهى فى «قفص الاتهام»
إسماعيل محمد عبدالجواد الشاعر، مدير أمن القاهرة ومساعد حبيب العادلى وزير داخلية مبارك.. تخرج فى كلية الشرطة فى العام 1971، ويقول ملف الدراسة إنه كان طالبا متفوقا إذ كان ترتيبه الثالث على دفعته بدأ حياته العملية بوزارة الداخلية ضابطا بقسم شرطة المعادى.. وتدرج فى المناصب حتى وصل إلى مدير مباحث العاصمة، ليصبح الرجل الثانى بعد حبيب العادلى مدير أمن القاهرة عام 1995 لتصل جملة سنوات خدمته بالعاصمة إلى ثلاثين عاماً، وأصبح فى العام 2006 مساعداً أول لوزير الداخلية لأمن القاهرة.
«الشاعر» كان مسؤولا عن أمن القاهرة التى تحتضن أكثر من 15 مليوناً وأكثر من 3 ملايين زائر يومياً، وكان الشاعر يحوز على ثقة حبيب العادلى وزير الداخلية فيختاره لعضوية المجلس الأعلى للشرطة.
وفى الأعوام الثلاثة التى سبقت الثورة ارتفع صوت ووتيرة المظاهرات المتفرقة والوقفات الاحتجاجية التى كانت تشكل رقما مهماً فى أجندة مدير أمن العاصمة.. كان يتعامل معها مرة بالحصار و مرات بعض الأصابع وشىء من العنف.
وتستمر المظاهرات الصغيرة وتتراكم الوقفات تلو الوقفات، إلى أن صارت فوق احتمال النظام وليس مدير أمن العاصمة وحده.. لتندلع المواجهة الكبرى فى 25 يناير 2011.
وبعد تنحى الرئيس السابق مبارك فى الحادى عشر من فبراير2011.. تبدأ كتابة الأسطر الأولى فى سِفْر النهاية للواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة.. ففى 14 فبراير يقرر اللواء محمود وجدى أول وزير داخلية الذى خلف العادلى أثناء الثورة إقالة اللواء إسماعيل الشاعر على خلفية إطلاق النار على المتظاهرين بميدان التحرير فى ظل ضغوط شعبية هائلة فى غمار سخونة الثورة. وفى 16 فبراير2011 يقرر المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام حبس الشاعر 15 يوماً على ذمة التحقيقات التى تجريها نيابة أمن الدولة برئاسة المستشار هشام بدوى، المحامى العام الأول فى الأحداث التى شهدتها البلاد منذ 25 ينــــــــاير
أحمد رمزى.. «عصا النظام ودِرْعه»
عند الحديث عن الأمن المركزى، يأخذك تفكيرك إلى جندى الأمن المركزى بالعصا والدرع والخوذة، والسيارات المصفحة ذات الشبكات الواقية من الطوب، أعلى الزجاج، والقنابل المسيلة للدموع.. ووسط كل ذلك يتوه أو يغيب اسم قائد هذا القطاع.
اللواء أحمد رمزى، كان قائداً لهذا القطاع حين اندلاع الثورة، وكالعادة كان اسمه «تائها»، لكنه ظهر بقوة بعد القبض عليه بتهمة قتل المتظاهرين بطريق الاشتراك والاتفاق والمساعدة.
أحمد رمزى منذ تخرجه فى كلية الشرطة عمل بقطاع الأمن المركزى، وظل يعمل به طوال مدة خدمته، وعُرِفَ عنه القوة والصرامة فى تنفيذ التعليمات بين ضباط القطاع منذ أن كان ضابطاً برتبة نقيب، وكثيراً ما كان يتم انتدابه هو وفرقته للاشتراك فى قمع مظاهرة أو حماية منطقة ما من تداعيات الفوضى والعنف، إذا وقع بها حادث إرهابى، وعاصر أكثر من 600مظاهرة. تعيين اللواء أحمد رمزى فى منصبه مديراً لقطاع الأمن المركزى كان فى عام 2010 خلفاً للواء مجدى التهامى، ليصبح «يد» النظام لفرض الأمن فى الشارع فى حالات الاضطرابات، كالمظاهرات والاشتباكات والاعتصامات.
عندما تصدرت الأنباء وضع ستة من كبار قيادات وزارة الداخلية فقط جنباً إلى جنب مع حبيب العادلى فى قضية قتل المتظاهرين، كان من بينهم اللواء أحمد رمزى، مساعد أول الوزير للأمن المركزى، والسبب أن طبيعة عمله مع الوزير تكفل له إصدار تعليمات وأوامر وقرارات فى جميع المحافظات لقيادات الأمن المركزى بها. وتمثلت اتهامات «رمزى» فى القتل العمد والشروع فى القتل والإضرار العمدى بالممتلكات وإحداث تلفيات، والاشتراك فى تلك الجرائم بطريق الاتفاق والمساعدة، وحدوث فراغ أمنى، وإشاعة الفوضى، وتكدير الأمن العام، وترويع الآمنين.
وقال الرجل فى التحقيقات إن الوزير حبيب العادلى عقد اجتماعاً مع عدد من مساعديه قبل المظاهرات بساعات وطلب منهم فض المظاهرات باستخدام القوة مهما كلفهم ذلك من جنود، وأن حبيب العادلى أصدر فى ساعة متأخرة من ليلة 28 يناير 2011 أوامر إلى مساعديه بالانسحاب بسرعة من مراكز خدمتهم، بعد علمه بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع، وترك الخدمات وهو ما أدى الى إحداث فراغ أمنى فى البلاد
اختياره للقضايا التى يقرر الترافع فيها هو دائما ما يثير حوله العديد من علامات الاستفهام، إلا أن علامات الاستفهام الأكثر صعوبة فى إيجاد إجابة عنها هى تلك التى تثار بعد ما يعلنه من مبررات لاختيار تلك القضايا و«استماتته» فى إثبات صحة رأيه بشأن هذا الاختيار.
وكما يقال فى المثل الشعبى الشهير «لكل واحد نصيب من اسمه» حصل «الديب» على أكبر نصيب من اسمه، فكثيرون لقبوه بــ«ديب المحاكم» رغم أن معظم القضايا التى خاض معركة الدفاع عن متهميها لم يحالفه الحظ فيها بقدر الجدل الذى يظل مثارا حوله طيلة فترة نظرها.
ما بين قضية الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام، مرورا بالدفاع عن هشام طلعت مصطفى، أحد كبار رموز «المال» فى النظام السابق فى قضية قتل المطربة سوزان تميم، دخل فريد الديب معركة سماها هو «معركة الحياة أو الموت» بعدما قبل فى مارس من العام الماضى الترافع عن الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال فى قضية سيكتبها التاريخ، ليس المصرى فقط بل تاريخ العالم فى سجلاته تحت عنوان كبير «محاكمة القرن».
مبارك مازال رئيسا لمصر.. أثق فى براءة مبارك.. مازلت أناديه «يا ريس».. ومبارك أول من أيد الثورة والتظاهر السلمى.. تصريحات قالها فريد الديب بصوت عال أمام المحكمة وأمام وسائل الإعلام، ولم يبال بكل ما حوله، ووقف مصرا على موقفه مؤكدا طوال الوقت أن مبارك برىء ولم يصدر قراراً بقتل أى متظاهر فى أحداث الثورة، بل لا يمتلك أى أموال من مصادر غير مشروعة بل ضحى بحياته لخدمة هذا الوطن.
مرة أخرى يدخل الديب «مذبحة قضائية» جديدة، فكما كان واحدا من القضاة الذين استبعدوا من السلك القضائى فى مذبحة القضاة عام 69، يقف اليوم طالبا البراءة لأول رئيس مصرى يقف خلف القضبان يحاكم بتهم القتل العمد وإهدار المال العام فى حق شعبه.
الإدانة أو البراءة.. أيا كان قضاء المحكمة ففى كلتا الحالتين سيكتب التاريخ اسم فريد الديب فى «فصله القضائى» كأحد أبطال سيناريو محاكمة القرن، إلا أن هناك جزءاً من تفاصيل هذا الفصل لا يزال «مجهولا».. فإذا كان مصير الرئيس السابق ونجليه ستحسمه المحكمة، فما مصير الديب بعد هذا الحكم بكلتا حالتيه، أمام هذا الرفض الذى يلقاه ممن حوله من المصريين؟
النائب العام.. محامي الشعب الذي أحال «مبارك» وابنيه إلى «الجنايات»
فى الأول من يوليو عام 2006.. أصدر الرئيس السابق حسنى مبارك القرار رقم 225 لسنة 2006 بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود نائباً عاماً.. وفى 24 مايو 2011 أعلن المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام إحالة مبارك وابنيه وآخرين إلى محكمة الجنايات.. بين القرارين ترى بوضوح «مصر الثورة».. ثورة 25 يناير 2011 التى أسهمت بصورة قوية فى وضع اسم «محمود» كأشهر نائب عام فى تاريخ مصر المعاصر وربما فى تاريخها كله.
التاريخ أيضا سيؤكد أنه النائب العام المصرى الأكثر عرضة للجدل ما بين الهجوم الذى وصل إلى حد التجريح والاتهام بالتباطؤ، وأيضا بين التأييد انطلاقا من الإشفاق عليه لما واجهه من أعباء جسام فى سياق ظرف تاريخى استثنائى وخطير.
ولأنه محامى الشعب، كانت الأبصار معلقة دوما على دار القضاء العالى بشارع 26 يوليو فى قلب القاهرة، تنتظر بشغف نتائج التحقيقات فى قضايا كثيرا ما شغلت الرأى العام واحتلت مساحات كبيرة وبارزة فى اهتمامات الشارع.
وتظل التحقيقات الأهم والأخطر فى تاريخ النيابة العامة على الإطلاق هى تحقيقات قضية محمد حسنى مبارك رئيس الجمهورية السابق.. والتى أمر بها وأشرف عليها لحظة بلحظة وسطرا سطرا وكلمة بكلمة المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام.
وفى 10 إبريل 2011 حين بث مبارك رسالة صوتية مسجلة عبر قناة العربية والتى أعلن فيها كذب الادعاءات حول ثرواته وولديه وإعلان تحديه للجميع، وتهديده بمقاضاة كل من أساء إليه.. عادت موجات الهياج الثورى للشارع وتجدد الاتهام للنائب العام. وأصدر بيانا بعد ساعة بالتمام وبدأ التحقيق، مع مبارك بعد يومين.. ووقع «محمود» أول قرار فى التاريخ المصرى قديمه وحديثه باستدعاء رئيس الجمهورية وولديه للتحقيق وفى 13 إبريل 2011 يقرر النائب العام حبس مبارك ونجليه علاء وجمال 15 يوما على ذمة التحقيق
سامح عاشور.. «نقيب» برتبة «محامى الشهداء»
نوفمبر 1982، ويونيو 2012 تاريخان جمعا بين سامح عاشور نقيب المحامين الحالى وبين الرئيس السابق حسنى مبارك. كلاهما كانا لحظة فارقة فى حياة عاشور، فالتاريخ الأول أصدر فيه مبارك قرارا بالعفو عنه كواحد ضمن عشرات المعتقلين السياسين بعد توليه رئاسة مصر خلفا للرئيس الراحل أنور السادات بعد اعتقاله على خلفية اعتراضه ومناهضته لاتفاقية كامب ديفيد ليلتقيه وباقى المفرج عنهم فى قصر العروبة.. والتاريخ الثانى وقف فيه عاشور على بعد خطوات من مبارك ولكن فصلهما قفص الاتهام الذى يقف خلفه مبارك متهما بالقتل ويقف عاشور مطالبا بالقصاص منه لدماء شهداء ثورة 25 يناير، والحكم بإعدامه.
سامح عاشور نقيب المحامين الذى اشتهر بنضاله فى العديد من القضايا القومية تتعلق اليوم فى رقبته حقوق شهداء ثورة 25 يناير، فهو رئيس هيئة الدفاع المكلفة بالحصول على تعويضات لأسرهم من مبارك وباقى المتهمين بقتل متظاهرى هذه الثورة.
وبالرغم من أن محامى المدعين بالحق المدنى خذلوا الكثيرين أثناء نظر تلك القضية، لكن عاشور استطاع أن يوحدهم من جديد، ليكون هدفهم «قلب رجل واحد».. وظل عاشور «يجاهد» طوال 10 أشهر لتوحيد صفوف «محامى الشهداء» لتخرج المحاكمة على النحو الذى يبغيه أهالى الشهداء، ويليق بقضية أقل ما وصفت به أنها «محاكمة القرن».
ورغم أن سيرته الذاتية شهدت العديد من المواقف الشائكة مثل اتهامه فى قضايا فساد وإهدار لأموال النقابة وقت حكم النظام السابق لكن القدر كتب له أن يقف أمام المحكمة التى تحاكم رأس هذا النظام فى اتهامات مماثلة بل وأشد.
43 جلسة هى عمر محاكمة مبارك وباقى المتهمين فى تلك القضية، ظل سامح عاشور طوالها مصراً على توحيد صفوف المحامين ليس فقط لأنه «نقيبهم» ولكن لأجل شهداء دفعوا أرواحهم من أجل المصريين جميعا فى ثورة كان شعارها «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» ليكون هو أحد أقطاب تلك العدالة التى سعى لأجلها هؤلاء الشهداء وينظرون لأرواحهم «عدالة القضاء
المصرى اليوم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire