برنامج الحزب
برنامج حزب الوسط
مايو 2009
تمهيد
يؤمن مؤسسو حزب الوسط الجديد أن الأوطان الحرة لا تملك ترف الاستغناء عن جهود أحد من أبنائها، ولا تستطيع إهمال رأي فريق منهم. ويعتقدون أن الأمة تكون أقوى عزما وأعظم شأنا عندما تتضافر جهود أبنائها وتتعدد اجتهاداتهم علي اختلافاتهم .
ومصر العزيزة أغلى على أبنائها وبناتها من أن يقعد عن المساهمة في إقالتها من عثرتها الراهنة قادر على ذلك بالفكر والرأي والعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وقد شهدت مصر تحولات عميقة بفعل عوامل داخلية وخارجية. ويؤمن مؤسسو الحزب أن من واجبهم الإسهام فى توجيه هذه التحولات الوجهة الصحيحة الى تخدم جميع أبناء الأمة خاصة بعد أن تدهورت من ناحية الأحوال الاقتصادية لأبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة وازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعا صار ينذر بالخطر وشهدت الحياة السياسية من ناحية أخرى تكلسا واضحا تزامن مع تراجع غير مسبوق فى مكانة مصر الدولية والإقليمية.
ومصر لاتعيش فى فراغ. فما يجرى فى العالم من تحولات كبرى من شأنه أن يؤثر تأثيرا كبيرا على حاضرها ومستقبلها.
والوضع الحالى للعرب والمسلمين عموما يعكس أزمة حقيقية تتجلى فى القابلية للاستعمار المباشر وغير المباشر الناتج عن الوهن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي. وهو الأمر الذى يغرى الطامعين ويدفعهم إلى التداعي علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.
ورغم أن هناك اتجاها عالميا متناميا نحو الهيمنة والاستبداد والتعصب، فإن هناك أيضا قوى وحركات اجتماعية شتى تزداد قوة حول العالم وتتحدى الطغيان بشتى صوره وتنتصر لقيم العدل والحرية والتأكيد على المشترك الإنساني العام.
ونحن، إذ ننحاز لتلك القوى التى تكافح من أجل العدل والحرية والسلام نجد أن مصر فى حاجة أولا لبناء الذات حتى تتمكن من الإسهام الفعال فى الكفاح العالمى من أجل نظام دولى أكثر عدلا وإنسانية.
ومن هنا نؤمن -نحن مؤسسو الوسط- بضرورة بلورة رؤية وطنية واضحة تستوعب متغيرات الواقع المحلى والدولى وتكون قادرة على بناء النهضة المصرية الحقيقية التى هى أيضا المفتاح الوحيد لاستعادة المكانة الدولية لمصر ولمواجهة الهيمنة الأجنبية.
ويرى المؤسسون أن النهوض بمصر وإخراجها من عثرتها أمر لايمكن لتيار واحد أن يقوم به وانما هو عمل يحتاج إلى فكر الكل وجهدهم. ومن هنا، فهم يرفضون العمل السياسى القائم على الاستحواذ أو الاستئصال. ويؤمنون بأنهم ليسوا فى صراع ولا تصادم مع أى من التيارات الوطنية، وانما يقدمون الوسط باعتباره اجتهادا يطرح رؤية وطنية حضارية تمثل إسهاما تحتاجه الحياة السياسية فى مصر ويهدف للبناء مع الآخرين من أجل خير الوطن ورفعته.
ويؤمن المؤسسون بأن مصر لديها ماتقدمه للعالم. فقد أضفت من روحها وشخصيتها كمركب حضاري ثري بعناصره المتعددة طابعا مميزا على الحضارة العربية الإسلامية، الأمر الذى جعلها صاحبة ثقافة ثرية أسهم فى صقلها أبناؤها - مسلمون وأقباط- عبر العصور المختلفة. وتلك الحضارة العربية الإسلامية ذات النكهة المصرية المتميزة التى تتسم باعتدالها ووسطيتها، هى جوهر الإسهام المصرى إذا ما نفضنا عنه الغبار ونجحنا فى أن نخلص مصر من الوهن والتراجع الذى تعانى منه فى الوقت الحاضر كي تواصل الخبرة المصرية التراكم علي ما أنجزته من خلال النضال الوطني لكل المصريين .
والوسطية من منظور وطنى حضارى تعنى - عند المؤسسين- أن مصر لن تنهض إلا بالعدل والحرية معا وليس بأحدهما دون الأخرى. والوسطية تعنى أيضا إن طريق البناء الذاتي يؤسس على الثقة بالذات الوطنية والحضارية التعددية وينبع من قيم الحضارة العربية الإسلامية ذات الطابع المصري المتميز بخصوصيتها الثقافية المستمدة من المرجعيات التى ارتضاها المجتمع ونص عليها الدستور المصرى.
وعلى هدى ما تقدم، صاغ مؤسسو حزب الوسط الجديد المعالم الرئيسية لبرنامجهم. والبرنامج لايتناول بالضرورة كل القضايا المهمة، وانما عنى أساسا بشرح رؤية المؤسسين وتوضيح منهجهم وأولوياتهم وخياراتهم الفكرية والسياسية، مقرونا بالقدر العملى المناسب من القضايا.
أولا ـ المحور السياسي
يؤمن المؤسسون بأن الإصلاح السياسى هو أحد المداخل المهمة للنهضة التى ننشدها والشرط الضرورى لتحقيق المصلحة العامة.
ولأن الهدف الأساسى لأية عملية تنمية هو البشر فلايمكن حدوث تلك التنمية دون حفظ كرامة هؤلاء البشر وحقوقهم وحرياتهم. ومن هنا يؤمن المؤسسون بأن إطلاق الحريات العامة شرط ضرورى لتحقيق النهضة وهو مدخل لا غنى عنه لتفجير طاقات الإبداع والتفكير الخلاق لدى أبناء أى مجتمع.
ورغم أن هدف أى إصلاح سياسى ودستورى هو المواطن المصرى المنوط به رفعة شأن وطنه، فقد ثبت أيضا بالدليل الواقعى من تجارب دول أخرى أن غياب الديمقراطية يؤدى إلى ضياع الأوطان أو على أقل تقدير إلى وقوعها فى براثن التدخل الأجنبى الذى يتخذ من غياب الديمقراطية ذريعة لتحقيق مآربه الخاصة الدولية والإقليمية وهذا التدخل الأجنبى لا يراعي – فى جميع الأحوال- خصوصية المجتمع المصري، ولا يقيم وزناً لتاريخه السياسي ونضاله الوطني والديمقراطي.
ومن هنا يرى المؤسسون أن إطلاق الحريات العامة وتحقيق الإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يزيد قوة المجتمع في مواجهة التحديات الخارجية ، التي تأتي في مقدمتها الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب والأوطان. كما أن إطلاق الحريات يؤدي إلى دعم الاستقرار، ويحمى المجتمع من التعرض لهزات وقلاقل نتيجة استمرار الأوضاع الراهنة.
ويؤكد المؤسسون التزامهم بالمبادئ والأسس التالية التى يؤمنون بأنها السبيل نحو النهضة المنشودة:
1- الشعب مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام ، وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تحقق مصالحه .
2- المواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصري، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو المكانة أو الثروة في جميع الحقوق والالتزامات وتولى المناصب والولايات العامة بما فى ذلك منصب رئاسة الجمهورية.
3- المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الأهلية السياسية ، والقانونية ؛ فالمعيار الوحيد لتولي المناصب والولايات العامة مثل القضاء ورئاسة الدولة هو الكفاءة والأهلية والقدرة على القيام بمسؤليات المنصب.
4- تأكيد حرية الاعتقاد الدينى ، وحماية الحق فى إقامة الشعائر الدينية بحرية للجميع.
5- احترام الكرامة الإنسانية وجميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، التي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية .
6- احترام حق التداول السلمي للسلطة عبر الانتخاب الحر المباشر، ووجوب تحديد حد زمني أقصى لشغل المواقع الأساسية في قمة السلطة السياسية.
7- التأكيد على مبدأ سيادة القانون.
8- إقرار التعددية الفكرية والسياسية والتأكيد على احترام حرية الصحافة والإعلام وإلغاء القوانين المقيدة لهما.
9- تأكيد حرية الرأي والتعبيرعنه والدعوة إليه . وتعتبر حرية تدفق المعلومات – بما فى ذلك تلك التى تأتى عبر الشبكة الدولية للمعلومات- وإنشاء وسائل الإعلام وتملكها ضرورة لتحقيق ذلك.
10- الحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كافة، على أن تكون الجهات الإدارية عوناً في أداء مهماتها. ولا يكون لأية جهة إدارية سلطة التدخل بالحرمان من هذا الحق أو تقليصه. وتكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتقرير ما هو مخالف للنظام العام والمقومات الأساسية للمجتمع والسلم والأمن الداخلي .
11- تفعيل مؤسسات الأمة من اتحادات ونقابات وجمعيات ونوادٍ وغيرها ، بما يعيد التوازن إلى علاقة الدولة بالمجتمع المدني .
12- إقرار حق التظاهر والإضراب السلميين والاجتماعات العامة والدعوة إليها والمشاركة فيها.
13- التوسع في تولي المناصب بالانتخاب ، وخاصة المناصب ذات العلاقة المباشرة بجماهير المواطنين [عمد القرى ـ رؤساء الأحياء ـ المحافظون- رؤساء الجامعات- عمداء الكليات...].
إن تهيئة الأوضاع لتحقيق هذه المبادئ العامة يتطلب الإسراع في تطبيق مجموعة كبيرة من الإجراءات من أهمها:-
1- إلغاء جميع القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية أو الخاصة ، ورفع حالة الطوارئ عن البلاد ، وعدم العودة إليها إلا في حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية وبمقدار ما تمليه الضرورة الناشئة عن أي منها وفق ما يراه ممثلو الشعب فى المجالس النيابية، وتعديل القانون بما يقيد فرض حالة الطوارئ، إن فرضت، بمناطق معينة وبأعمال محددة على سبيل الحصر.
2- تجريم الاعتقال السياسى وحظر حبس أصحاب الرأى والممارسات التى تنتهك حقوق الإنسان، ومعاقبة من يثبت اعتدائه علي تلك الحريات.
3- توفير الضمانات لنزاهة الانتخابات العامة بإنشاء هيئة مستقلة تختص بالإشراف على جميع مراحل العملية الانتخابية دون أى تدخل من أى سلطة من سلطات الدولة والنص علي تجريم التزوير بشتي صوره واعتباره جناية مضرة بأمن الوطن .
4- إطلاق حرية العمل الطلابي والنشاط الجامعي .
5- تعزيز آليات الشفافية والمحاسبة بما يحول دون ظهور الفساد فضلا ًعن استشرائه.
6- توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة للنقابات المهنية وكذا العمالية.
7- تحقيق استقلال القضاء استقلالا تامًا عن السلطة التنفيذية على النحو الذي أكدته مؤتمرات القضاة وبياناتهم العديدة، وإنهاء سلطات وزارة العدل فى الشئون القضائية وشئون القضاة كافة ؛ وبحيث لا يكون لأية جهة ـ سوى مجلس القضاء الأعلى ـ أي اختصاص يتعلق بالعمل القضائي أو تعيين القضاة أو ندبهم وإعارتهم أو توليتهم مناصب إشرافية، أو توزيع العمل عليهم أو اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية أو الاستثنائية.
8- تحقيق الاستقلال المالي للسلطة القضائية بإدراج ميزانيتها رقمًا واحدًا مجملا في ميزانية الدولة .
9-استعادة الضمانات القانونية بحيث لا يعامل العاملين بالدولة إلا بموجب القواعد القانونية العامة والمحررة فى شأن مدة خدمتهم وترقياتهم ومنحهم مزايا الوظائف وتكليفهم بالمهام الوظيفية.
10- تقليص السلطات الممنوحة فى الدستور لرئيس الجمهورية وتحديد حد أقصى لتوليه المسئولية بفترتين مدة كل منهما أربع سنوات.
ثانيا: المحور الاقتصادي
يؤمن المؤسسون بأن مصر ليست بلدا فقيرا. فهى ثرية بتراثها الفكرى والحضارى وغنية بمواردها المختلفة. و لعل أهم ماتمتلكه مصر من ثروات هو أبناؤها. فهذه الثروة البشرية، وفق منظور الحزب، هى عماد أية نهضة اقتصادية حقيقية وهى هدفها النهائى. والتجربة المصرية خير شاهد على ذلك، فقد ظلت مصر لسنوات طويلة- قبل كبوتها الأخيرة- مصدرة للخبرات والكفاءات الفكرية والمهنية والحرفية لكل محيطها الإقليمى العربى والأفريقى.
ويرى المؤسسون أن النهضة الاقتصادية الحقيقية لن تحققها إلا عقول أبناء مصر وسواعدهم. ومن ثم فإن تلك النهضة مشروطة بالاستثمار الجاد فى البشر عبر محورين الأول هو ضمان الحياة الكريمة لهم والثانى هو تنمية ملكاتهم و صقل مهاراتهم وإطلاق مواهبهم لتحقيق النهضة.
وعلى ذلك يقدم المؤسسون فيما يلى مجموعة من المبادئ العامة والسياسات المقترحة لحل الأزمة الاقتصادية المصرية. ونحن لانرسم سياستنا الاقتصادية فى فراغ. فهى من ناحية ترتبط ارتباطا وثيقا بقراءتنا لطبيعة الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها مصر فى اللحظة الراهنة ، بينما ترتكز من ناحية أخرى على علم الاقتصاد بل وعلى الاستفادة من التجارب المختلفة حول العالم، بما فيها التجربة المصرية ذاتها عبر العصور المختلفة.
بعبارة أخرى، فإننا نفرق بين المبادئ العامة للحزب وبين السياسات التى يتبناها. فالمبادئ العامة تمثل رؤيتنا السياسية لإدارة الاقتصاد وهى ثابتة من زاوية تعبيرها عن الأولويات المصرية من وجهة نظرنا. أما السياسات المقترحة فهى متغيرة بتغير الظروف الاقتصادية.
المبادئ العامة
أولا: الهم الأساسى الذى يشغل المؤسسين هو البحث فى سبل النهوض بأبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة لأنهما تتحملان أعباء تردى الأوضاع الاقتصادية فى مصر. والاهتمام بأولئك الذين يمثلون الأغلبية من الشعب المصرى من الفقراء وأصحاب الدخول الثابتة والمتوسطة وهو أمر لا يتعارض مع حرية السوق ولا مع مصالح الرأسمالية الوطنية. فالهدف هو سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء عبر رفع مستوى معيشة الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ودعم الخدمات المقدمة لهم وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطي واستعادتها إلي قلب المجال العام ويرى المؤسسون أن الدولة مسئولة عن حماية الثروات الخاصة التى تكونت فى إطار مشروع ومطالبة بتقديم الحوافز المناسبة لأصحاب رءوس الأموال لاستثمارها فى مشروعات تنموية. وهى مسئولة بالدرجة نفسها عن تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأضعف فى المجتمع من العوز والفاقة.
ثانيا: دور الدولة: يؤمن المؤسسون بأن الحرية الاقتصادية هى أحد مفاتيح بناء النهضة الاقتصادية المنشودة. ولكن البعض يتحدث عن اقتصاد السوق وكأنه يعنى الشئ نفسه فى كل بلدان العالم بغض النظر عن ظروف كل دولة ومستوى تطورها الاقتصادي. فمصر تتساوى مع دولة كالولايات المتحدة وأخرى كالكونغو، فعلى هذه الدول الثلاث- رغم الاختلافات الواضحة بينها - اتباع السياسات والآليات نفسها. والأخطر من ذلك أن يتبنى البعض الآخر اقتصاد السوق بمعنى تقليص دور الدولة إلى حد الدعوة لانسحابها شبه الكامل وتخليها عن أغلب مهامها.
ويرفض المؤسسون كلا المنهجين فى التعامل مع السوق الحر لأنه لا ينافى فقط مايجمع عليه كبار علماء الاقتصاد وانما يتجاهل أيضا ماثبت من خلال التجارب الاقتصادية حولنا. ومن هنا يرى المؤسسون أن الدولة منوط بها القيام بالمهام التى لايمكن للسوق القيام بها، وتتمثل فى أمور أربعة.
1- وضع الرؤية السياسية التى تحكم عمل السوق، وهى الرؤية التى تحدد الإطارالقيمى والأولويات السياسية. فبغير تلك الرؤية الحاكمة تصبح كل الغايات مباحة بغض النظر عن أخلاقيتها أو إضرارها بالصالح العام. وتصبح كل الأهداف متساوية بغض النظر عن أثر بعضها السلبى على شرائح بعينها فى المجتمع. وتصبح أيضا كل الوسائل مشروعة مادامت تحقق الغاية بغض النظر عن تأثيرها على نسيج المجتمع وقيمه.
2- تحقيق العدالة الاجتماعية. فالسوق لايمكنه أن يقوم بهذه المهمة وهو عاجز عن إحداث التوازن الاجتماعى اللازم لاحتفاظ المجتمع بعافيته وامتلاك أفراده للأمل الذى يشحذ الهمم. والعدالة الاجتماعية هم رئيسى يشغل المؤسسين.وهى من وجهة نظرهم من أهم مكونات الاقتصاد السياسى للدولة وليست مجرد نوع من "الرعاية الاجتماعية". والعدالة الاجتماعية فى نظر المؤسسين ليست مشكلة توزيع وانما هى مسألة تتعلق بانخفاض مستوى معيشة قطاعات واسعة من أبناء مصر ومن ثم فإن العلاج يكمن فى النهوض بتلك الفئات.
3- حماية البيئة وهى عند المؤسسين هدف فى حد ذاته لا وسيلة من أجل تحقيق التنمية. فالإنسان وفق منظور الحزب مكلف بحماية البيئة والحفاظ عليها. والسوق لايمكنه القيام بهذه المهمة. فما لم يكن هناك دور للدولة فإن المشروعات الاقتصادية لا تأخذ فى اعتبارها عند حساب المكسب والخسارة التكلفة المتمثلة فى تدمير البيئة. وهى فى الواقع تكلفة باهظة يدفعها المجتمع كله.
4- إقامة البنية الأساسية وصيانتها المستمرة. والبنية الأساسية لا تشمل فقط المتعارف عليه بالبنية التحتية كالمرافق العامة وانما المقصود هو البنية الأساسية اللازمة لأى تطور اقتصادى عموما وهو مايتضمن البنية التعليمية والتكنولوجية فضلا عن البحث العلمى.
وفضلا عما تقدم، يتعين القول إنه فى فى لحظات الأزمات الكبرى يكون للدولة دور استثنائى ينتهى بعد تجاوز الأزمة. وهو مافعلته مثلا الولايات المتحدة الأمريكية فى الثلاثينات مع أزمة الكساد العظيم حيث قامت الحكومة الفيدرالية بتبنى مجموعة من المشروعات والبرامج الهدف منها القضاء على البطالة ومساعدة الفئات الأكثر تضررا من الأزمة، وهو ما تكرره بأشكال مختلفة لمواجهة الأزمة المالية التى عصفت بها مؤخرا.
ثالثا: رفع معدلات النمو لابد وأن يصاحبه ارتفاع محسوس فى مستوى المعيشة. ففى بلد مثل مصر لايمكن الاعتماد فقط على معدل النمو دليلا على التحسن الاقتصادى. ومن ثم، فإن معيار التنمية الذى يتبناه المؤسسون يضم إلى جانب رفع معدل النمو إشباع الحاجات الأساسية لدى الغالبية العظمى من المواطنين والمتمثلة فى المأكل والملبس والمسكن فضلا عن الصحة والتعليم. ومن المهم أن يصاحب العمل على رفع معدل النمو سعي مماثل لإيجاد فرص عمل تحقق ذلك الحد الأدنى المطلوب للحياة الكريمة.
رابعا: سوق المال: يرى المؤسسون أنه من الضرورى ترشيد السياسة النقدية عبر دعم العملة الوطنية والتحكم فى مستوى الأسعار عند حدود مناسبة من خلال معالجة التضخم. وتلك هى مسئولية البنك المركزى التى يستطيع القيام بها عبر الاستخدام السليم للأدوات المالية المتاحة له مثل سعر الفائدة وسعر الخصم. ومن هنا يرى المؤسسون أنه لايمكن تحقيق سياسة نقدية سليمة وناجحة إلا إذا تمتع البنك المركزى باستقلالية تامة وحقيقية تحميه من تدخل الحكومة وتأثيرها على قراراته. والبنك المركزى باستقلاليته يستطيع أيضا الإسهام الجاد فى عملية التنمية عبر تقديم الحوافز للبنوك لاتباع سياسات تحد من الإقراض الاستهلاكى وتتوسع فى الإقراض الانتاجى.
ويرى المؤسسون ضرورة احتفاظ الدولة بملكية حصة مؤثرة فى القطاع المصرفى تتناسب فى كل مرحلة مع درجة النمو الاقتصادى، بما يسمح بتوفير التمويل اللازم للصناعات والمشروعات الاستراتيجية التى تحجم البنوك الخاصة والأجنبية عن الانخراط فيها لأنها ليست مربحة أو تنطوى على مخاطرة.
أما فيما يتعلق بالبورصة، فيرى المؤسسون أنه من الأهمية بمكان توفير الأطر التشريعية والرقابية والمحاسبية اللازمة لدعم هذا السوق. ومن المهم أن تتسم المعاملات بأعلى درجات الشفافية بحيث تتم كافة الممارسات الإدارية فى ظل تبنى مبدأ الحوكمة.
خامسا: دعم الاستثمار الخاص وتشجيعه: إن جذب الاستثمارات الحقيقية العينية لايتأتى دون إلغاء حالة الطوارئ وإيجاد مناخ مؤسسى وقضائى وتشريعى مستقر ويتسم بالشفافية. ويرى المؤسسون أن تشجيع الاستثمار لابد أن يتم فى إطار أولويات الخريطة الاستثمارية التى تحددها الرؤية السياسية وفق طبيعة المرحلة. كما يرون أن من واجب الدولة أن تسعى لتنفيذ تلك الأولويات عبر الحوافز لا عبر الحظر والمنع. فللدولة مثلا أن تقدم الحوافز للمشروعات الاستثمارية الانتاجية وتلك التى تقام فى الصعيد والأماكن النائية، بينما تقلصها فى حالة المشروعات الاستهلاكية. ولها مثلا أن تقدم حوافز أكبر للمشروعات ذات العمالة الكبيرة كونها تسهم فى حل مشكلة البطالة بينما تقلصها للحد الأدنى أو تمنعها بالنسبة للمشروعات التى تقوم على العمالة الأجنبية أو التى تتبنى أساليب تكنولوجية متطورة قليلة العمالة.
سادسا: التوازن القطاعى: يرى المؤسسون أن تحقيق النمو الاقتصادى الحقيقى الذى يقف بمصر على أرضية صلبة يقوم على تحقيق توزان فى النمو بين قطاعات الاقتصاد القومى المختلفة كالزراعة والصناعة والتشييد والخدمات لأن مثل هذا التوازن هو الذى يخلق قوة الاقتصاد الوطنى. ومن ثم يعطى المؤسسون أولوية كبرى لعلاج الخلل الراهن الذى انحسر فيه قطاعا الصناعة والزراعة بشكل فادح. فقطاعا العقارات والخدمات على أهميتهما لايمكنهما وحدهما النهوض بالاقتصاد المصرى.
سابعا: محورية قطاع الزراعة: يولى المؤسسون أهمية خاصة لقطاع الزراعة ، ليس فقط لأهميته التاريخية بالنسبة لمصر ، وإنما أيضا بسبب المشكلات العديدة التي عانى منها في الفترة الأخيرة الأمر الذي يحتاج معه إلى علاج سريع.
وتقوم رؤية المؤسسين للنهوض بهذا القطاع على محاور خمسة رئيسية.
1- النهوض بالمزارعين: لا يمكن النهوض بقطاع الزراعة دون إعادة الاعتبار للفلاح المصري وضمان الحياة الكريمة له ولأسرته. فالمعاناة التي يعيشها الفلاح هي جوهر أزمة الزراعة المصرية بل هي المسئولة أيضا عن الهجرة من الريف المصري إلى الحضر وخلق أحزمة من العشوائيات حول المدن الكبرى خصوصا القاهرة. ومن هنا، يتحتم أن تقدم الدولة دعما معتبرا للمزارعين، وهى مسألة لا تتناقض مع اقتصاد السوق ولكنها جوهرية بالنسبة لضمان النهوض بقطاع الزراعة. لذلك، من المهم أن يتولى بنك التنمية والائتمان الزراعي توفير الأسمدة بأسعار ميسرة وتوفير القروض للمزارعين بفوائد تصل إلى الحد الأدنى بدلا من الانشغال بتحقيق أرباح في ميزانية البنك.
2- حسن استغلال الموارد المائية: يعتبر الاستخدام الرشيد للموارد المائية المصرية من أولويات الحزب عموما وهو ما يعكس نفسه بصورة خاصة في رؤية الحزب في مجال الزراعة. ويرى المؤسسون أن هناك ضرورة لحملة شعبية كبرى لتوعية المواطنين بضرورة ترشيد استهلاك المياه عموما . أما في مجال الزراعة يرى المؤسسون ضرورة التوقف عن ري الدلتا باستخدام أسلوب الغمر واللجوء إلى أساليب الري الأخرى كالرش والتنقيط. هذا فضلا عن الاتجاه للاستفادة القصوى من المياه الجوفية في الري بدلا من نهر النيل كلما كان ذلك ممكنا.
3- المحافظة على الرقعة الزراعية: تتعرض الرقعة الزراعية في مصر للتآكل بسبب سوء التخطيط العمراني والتعديات المستمرة. ومن هنا يؤمن المؤسسون بضرورة تفعيل القوانين التي تجرم البناء على الأرض الزراعية أو الاعتداء عليها تحت أي مسمى. ومن الضروري إضافة مساحات جديدة للأرض الزراعية وعلى رأسها أرض سيناء والمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر.
4- الاكتفاء الذاتي في الغذاء: يؤمن المؤسسون بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء قضية تتعلق بالأمن القومي المصري بشكل مباشر. ومن هنا يولى المؤسسون أهمية محورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي المصري من القمح، خصوصا وأنه من المحاصيل التي لا تستهلك مياه كثيرة. ويرى المؤسسون أيضا ضرورة تنمية الثروة السمكية والحيوانية والداجنة. أما بالنسبة للثروة السمكية فلا يمكن تطويرها دون تفعيل قوانين البيئة بشكل صارم ، وتقديم الدعم الحكومي للعاملين في ذلك المجال. أما الثروة الحيوانية فيمكن تنميتها عبر تقديم الدعم اللازم فضلا عن فتح المجال لمراع جديدة خصوصا في العوينات والمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر. كما يرى المؤسسون أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتى من الزيوت التى تستورد مصر الأغلبية الساحقة منها وذلك عبر زراعة الزيتون بالذات فى أرض سيناء المؤهلة بشكل خاص لزراعته ثم تطوير صناعة زيوته.
5- إعادة الاعتبار لإنتاج القطن: يتحتم أن تعود مصر لعرشها فى مجال إنتاج القطن طويل التيلة الذى طالما احتفظت فى إنتاجه بمزية نسبية، ولا يجوز فى الواقع أن ينهار الإنتاج المصرى من القطن تحت أى مسمى. ومن هنا يرى المؤسسون حتمية تغيير السياسات الحالية التى دفعت المزارعين المصريين دفعا بعيدا عن زراعة القطن رغم خبرتهم الطويلة به. ومن المهم تشجيع المزارعين عبر رفع ربحيتهم من زراعة القطن وليس العكس وعبر توفير الأسمدة والكيماويات التى يحتاجونها بأسعار مناسبة.
ثامنًا: دور المجتمع: لايمكن للنهضة الاقتصادية أن تتحقق دون مجتمع حى يدعمها ويسهم فى إنجازها. وللمجتمع من وجهة نظر المؤسسين، مهام بالغة الأهمية فى دعم الاقتصاد القومى نوجزها فيما يلى:
1- المجتمع هو المولد الرئيسى للأفكار ومن ثم يرى المؤسسون أن على الدولة بمؤسساتها المختلفة أن تنفتح على كل مؤسسات المجتمع الأهلى وتشجعها وتتعامل بجدية مع الأفكار والاقتراحات التى يقدمها المواطنون بشأن التطور الاقتصادى. ويؤمن المؤسسون بأن قدرة المجتمع على جذب الابتكارات وتشجيع القدرات الإبداعية لأبناء الوطن لايتآتى إلا فى مناخ موات يسمح لتلك الأفكار أن تخرج إلى حيز التنفيذ. وعلى ذلك فإن تفعيل القوانين الخاصة بحقوق الملكية الفكرية تسهم ليس فقط فى تدفق الأفكار الايجابية ذات القيمة المضافة ، بل يشجع أيضاً على جذب الاستثمارات وتوطينها، خاصة المتقدم تكنولوجياً منها .
2- إطلاق حرية إنشاء الجمعيات الأهلية بشتى أنواعها من شأنه أن يؤدى إلى تفجير طاقات المجتمع وإسهامه فى إنشاء المشروعات التى توفر فرص العمل وتدعم المشاركة الشعبية فى المجال العام وتسهم فى تطوير الثقافة المدنية.
3- يجب تشجيع المؤسسات الأهلية التى تجمع أموال الزكاة على توجيهها ليس فقط للمؤسسات الخيرية وانما أيضا لمشروعات تنموية.
تاسعًا: مصر والاقتصاد العالمي: مصر لا تعيش في فراغ دولي وإنما تتأثر بالاقتصاد العالمى. ويرى المؤسسون أن اتباع المبادئ السابق ذكرها يحسن من الشروط التى تتفاعل فيها مصر مع الاقتصاد العالمى. والمؤسسون ينتمون لذلك التيار الذى يزداد قوة حول العالم والذى يرى أن نوع العولمة الاقتصادية الجارى صنعها من جانب القوى الكبرى عولمة غير عادلة. فهى تنحاز للمشروعات العملاقة والنخب على حساب صغار المنتجين والشعوب فى الشمال والجنوب لا فى الجنوب وحده. وهى نوع من العولمة يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولئن كان المؤسسون مع العولمة الاقتصادية من حيث المبدأ إلا أنهم مع الاتجاه الذى يعمل على فرض قيود تتعلق بضمانات حقوق العمال وصغار التجار والمنتجين فضلا عن حماية البيئة.
السياسات
1- علاقة التعليم بالاقتصاد: ما جاء في رؤية الحزب ومبادئه العامة بشأن إدارة العملية الاقتصادية يعنى بالضرورة أن الاهتمام بتطوير التعليم يقع فى القلب من رؤيتنا الاقتصادية. فلايمكن حدوث أية نهضة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية دون اهتمام جدى بتطوير التعليم. ويرفض المؤسسون أن توجه متطلبات السوق عملية تطوير مضمون التعليم. ذلك لأن متطلبات السوق متغيرة باستمرار ومن ثم فإن الارتباط الوثيق بين النهضة الاقتصادية والتعليم انما يأتى من الدور المهم الذى يلعبه التعليم فى زرع قيم بعينها هى التى تجعل الشباب فاعلا فى عملية التنمية بل وقادرا على المنافسة بغض النظر عن تقلبات السوق. وأهم تلك القيم هى استقلالية الفكر والقدرة على التفكير النقدى والعمل بروح الفريق واحترام الوقت واتقان العمل. فتطوير التعليم -الذى يأتى الحديث عنه لاحقا فى جزء مستقل من هذا البرنامج – لايقتصر على الاهتمام بإدخال التكنولوجيا الحديثة وتطوير المبانى والمعدات وانما يتضمن وهو الأهم خلق جيل معتز بهويته وعلى وعى بقدرات مصر وإماكاناتها ويمتلك من المهارات مايمكنه من المشاركة فى عملية التنمية.
2- مكافحة الفساد: يعطى الحزب أولوية قصوى لمكافحة الفساد الذى صار هيكليا، وذلك عبر وسيلتين الأولى هى التفعيل الصارم لمبدأ سيادة القانون والثانية هى إعطاء كل صاحب جهد مايستحقه من أجر يحفظ كرامته ويغنيه عن غض الطرف عن انتهاك القانون ناهيك عن مشاركته فى انتهاكه لسد حاجاته الأساسية.
3- محاربة الفقر: رغم أن مصادر الزكاة والصدقات مقدرة ويجب تشجيعها، إلا أن محاربة الفقر ومساعدة الفقراء هى إحدى أهم مسئوليات الدولة فى كل بلدان العالم بمافيها أعتى الرأسماليات. والفقر لاتكون معالجته عبر إعادة التوزيع. أو عبر زيادة متوسط الدخل الكلى للدولة وانما عبر برامج تنموية هدفها زيادة دخل الفقراء أنفسهم ودعم الخدمات المقدمة لهم.
ويدرك المؤسسون أننا إزاء نوع جديد من الفقر فى العالم. فهو فقر لايمكن فهمه إلا من خلال فهم طبيعة العولمة الجارى صنعها اليوم. فعلى سبيل المثال، فإن تركز انتاج الغذاء فى إيدى عدد محدود من الشركات العملاقة تحدد مايتم انتاجه وتسيطر على بيعه وتتحكم فى أسعاره انما يجعل انتاج الغذاء مرهونا فقط بمنطق الربح والخسارة. وقد أدى ذلك لا فقط إلى إفلاس الملايين من المزارعين الصغار حول العالم وانما إلى خلق أزمة غذائية فى العالم كله. وقد ازدادت حدة الأزمة مؤخرا بعد أن بدأت بعض الدول فى استخدام الحبوب لإنتاج الوقود الحيوى لمواجهة أزمة الطاقة وهى جريمة فى حق الإنسانية ينبغى مواجهتها دوليا. ففضلا عما يؤدى إليه ذلك من فناء ملايين الأطنان من الحبوب فى عملية انتاج الوقود، فإنه يؤدى بالضرورة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأخرى. بعبارة أخرى، فإننا إزاء فقر له أسباب محلية وعالمية فى الوقت ذاته.
ويعنى كل ذلك أن على الدولة أن تستخدم كل أدواتها من حوافز ضريبية وجمركية وغيرها من الأدوات المالية والاقتصادية لمواجهة تلك التهديدات التى تنذر بتفاقم الأزمة الغذائية التى يعتبر موضوع رغيف العيش فى مصر مجرد واحدة من تجلياتها.
وفضلا عن ذلك، فإن العولمة الجارى صنعها تروج لفكرة الإصلاح الاقتصادى الموجه نحو التصدير وفق المزية النسبية، وهو توجه إذا لم يتم ضبطه يؤدى لمزيد من الإفقار. والمؤسسون وإن كانوا مع فتح أبواب الإنتاج والتصدير إلا أنهم يؤمنون بأن على الدولة أن تحدث- من خلال الحوافز والإعفاءات- التوازن الدقيق بين إدارة العجلة الاقتصادية بهدف التصدير وبين الوفاء بالحاجات الأساسية للمواطنين وخصوصا مايتعلق منها بالإنتاج الغذائى.
4- الحد الأدنى للأجور: إصدار قانون ملزم لكل من القطاعين العام والخاص بحد أدنى للأجور وربطه بمعدل التضخم والتعامل مع الفجوة الهائلة بين أعلى الأجور وأدناها فى بعض المؤسسات.
5- دعم الرعاية الصحية: التعليم والصحة هما عماد النهضة الاقتصادية ومن ثم يتحتم توفير الموارد اللازمة من الميزانية العامة للدولة لتغطية نفقات زيادة موازنة هذين البندين. وقد أفرد البرنامج جزءا خاصا لكل من هذين الموضوعين نظرا لأهميتهما.
6- التأمينات والمعاشات: يرى الحزب ضرورة فصل موازنة الرعاية الاجتماعية (إيراداً وإنفاقًا) عن الموازنة العامة للدولة ؛ حفاظًا على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل . ويرفض المؤسسون بقوة محاولات ضم أموال التأمين والمعاشات إلى الموازنة العامة للدولة لأن استخدامها لسد العجز فى الموازنات العامة أو تقليص الدين العام من شأنه أن يعرض تلك الأموال للضياع وهو الأمر الذى يفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لايساعد فى حلها بل ويلقى بأعباء تلك المديونيات على أجيال متتالية قادمة مع ربط الزيادة السنوية للمعاشات بقيمة معدل التضخم السنوي .
7- منع الاحتكار: يرى المؤسسون أن الاحتكار جريمة ذات عواقب اقتصادية وخيمة تحاربها النظم السياسية فى شتى أنحاء العالم. ولعل منع الاحتكار هو أكثر المجالات التى تختبر مدى الالتزام بمبدأ سيادة القانون، ذلك أن المحتكر عادة مايكون من أصحاب القوة والنفوذ. ومن هنا، يرى المؤسسون ضرورة تفعيل قانون الاحتكار ضمانا لدعم العملية الاقتصادية. وفى سبيل الكشف عن ظواهر الاحتكار المدمرة للاقتصاد والتوازن الاجتماعى ينبغى أن يكون جهاز مراقبة الاحتكار جهازا قويا وتابعا لواحد من أجهزة الدولة ذات الاستقلالية مثل الجهاز المركزى للمحاسبات.
8- الضرائب: يرى المؤسسون أن المنظومة الضريبية هى أحد أهم عناصر السياسة المالية لأنها الأداة التى تحقق التوازن بين دفع النمو الاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن هنا يرى المؤسسون أن السياسة الضريبية لابد وأن تقوم قبل كل شئ على خلق مناخ من الثقة مع قاعدة الممولين عبر تفعيل مبدأ سيادة القانون من ناحية ورسم سياسة ضريبية عادلة من ناحية أخرى. ولايجوز أن تتحمل الفئات الأضعف فى المجتمع العبء نفسه الذى تتحمله الفئات الميسورة ولذلك، يرى المؤسسون أن يتم رفع حد الإعفاء الضريبي بحيث يشمل متوسطي الدخول مع كون الضريبة تصاعدية على دخول الأفراد مع الإبقاء عليها متساوية على المشروعات الخاصة كي تهدف لخلق الثقة بين الحكومة والممولين. ومن المهم أيضا أن تميز السياسة الضريبية بين المشروعات الانتاجية والاستهلاكية عبر الحوافز والإعفاءات المختلفة. ويرى المؤسسون تعديل المنظومة الضريبية على نحو يسعى لعلاج الخلل الشديد فى التركز السكانى فى مصر. ومن ثم يتبنى الحزب مشروعا لخلق نظام ضريبى يختلف باختلاف المنطقة الجغرافية وهدفه تشجيع الانتشار المتوازن فى كل مناطق الجمهورية.
9- حماية المستهلك: يرى المؤسسون أنه مع صدور القانون رقم 67 لسنة 2006 لحماية المستهلك، وإنشاء جهاز حماية المستهلك، صار واضحا أن العبرة الحقيقية هى مدى التطبيق الفعلى لهذا القانون على أرض الواقع. ومن هنا يؤكد المؤسسون على أهمية إطلاق قوى المجتمع الأهلى والسماح لها بالعمل فى إطار من الشرعية. فالمجتمع هو الرقيب الأهم على الإطلاق القادر على حماية المستهلك.
10-مواجهة البطالة: تمثل أزمة البطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية فى آن واحد. وتحتاج تلك المشكلة إلى مواجهة فى الأجلين القصير والطويل. أما فى الأجل القصير، فيتحتم على الدولة دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة والإسهام فى المشروعات متناهية الصغر. أما فى الأجل المتوسط والقصير، فيتحتم على الدولة توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطنى وذلك عبر مناخ سياسى واقتصادى وتعليمى وتشريعى يشجع على نمو الاستثمارات الحقيقية العينية المحلية والأجنبية.
ثالثا: المحور الاجتماعى: التعليم والصحة
1- التعليم
يؤمن المؤسسون أن التعليم هو عصب النهضة وماء حياتها. ويرون أن المحنة التى تعيشها مصر ناتجة فى قسم كبير منها عن انهيار نظمها التعليمية والتربوية وما ترتب على ذلك من تراجع مذهل فى مستوى المعرفة والكفاءة لدى القطاعات الأوسع من المجتمع.
فقد تحولت العملية التعليمية فى بلادنا إلى آلية يتم من خلالها التعامل مع الطلاب وكأنهم شاحنات يتم تحميلها طوال العام بالمعلومات التى يتم تفريغها على أوراق الامتحان فى نهايته، وذلك بزعم الإعداد لمتطلبات السوق. وهو زعم باطل ولايجوز أن يكون مدخلا لعملية التعليم، ذلك لأن أهداف العملية التعليمية لابد أن ترتبط فى جوهرها بالمشروع الوطنى وبمتطلبات النهضة وشروطها والتى على أساسهما تتحدد متطلبات السوق، هذا فضلا عن أن متطلبات السوق متغيرة باستمرار فى عصر العولمة الذى نعيشه.
وقد أدى ذلك التحول إلى تفريغ العملية التعليمية من أى محتوى قيمى وحرم الشباب من تنمية مهاراتهم ومواهبهم.
ويستحيل تحقيق النهضة دون خروج التعليم من محنته ومن ثم يحتل التعليم لدى المؤسسين أولوية قصوى ويؤمنون بالحاجة إلى مراجعة شاملة لتوجهاته وإصلاح جذرى لكافة مكوناته.
ويدرك المؤسسون أن تلك عملية طويلة الأجل لن تحدث بين ليلة وضحاها, وتحتاج إلى دراسات مستفيضة تستلهم باستمرار الجديد من تجارب الدول الأخرى وتستفيد من الخبرات المصرية الكثيرة فى هذا المجال.
ويقدم الحزب فيما يلى الرؤية التى تنبنى عليها تلك المراجعة من وجهة نظر مؤسسيه
وبادئ ذى بدء، ينطلق المؤسسون من إيمانهم العميق بأن التعليم حق لكل مواطن على أرض مصر وهو هدف فى حد ذاته لا فقط مجرد وسيلة للتوظيف أو الترقى الاجتماعى أو الوفاء باحتياجات السوق. فإذا كان الإنسان المصرى هو هدف أية نهضة يصبح العلم قيمة عليا والتعليم أحد الحقوق الأساسية.
ومن هذا المنطلق ولأن الأسس التى تقوم عليها المنظومة التعليمية والتربوية برمتها فى حاجة إلى مراجعة جذرية، يرى المؤسسون أن الأمر يحتاج إلى حشد إمكانات الدولة بكل وزاراتها وهيئاتها وطاقات المجتمع بكل فئاته وعناصره. بعبارة أخرى، فقد بلغت أزمة التعليم مبلغا لايمكن معه أن تتولى إصلاحه وزارتا التعليم وحدهما دون تنسيق وتعاون وثيق مع كافة أجهزة الدولة الأخرى أو فى غياب الدعم الواسع من جانب قطاعات المجتمع المختلفة.
ومن هنا، فإن تلك العملية الشاملة من الإصلاح لايمكن أن تتم دون التوصل إلى إجماع وطنى حول أهدافها. لذلك يرى المؤسسون أن أية خطة مقترحة لتطوير التعليم – بما فيها تلك التى يقدمها الحزب هنا- لابد وأن يتم عرضها للنقاش المجتمعى واسع النطاق فى إطار يتسم بالشفافية ويسعى لتعديل تلك الخطة بناء على الرؤى المختلفة التى يتلقاها من المجتمع ويقوم فى الوقت ذاته بإعداد المجتمع لاستقبال التغيير والإقبال عليه ودعم أهدافه.
1- المحتوى القيمى
يؤمن المؤسسون بأهمية الاستفادة من خبرات الدول التى حققت نهضة تعليمية. لكن الجوانب الفنية والمنهجية التى يمكن الاستفادة منها فى تلك الخبرات لاتنهض وحدها بالتعليم. إذ أن الاهتمام بالقيم التى يبثها النظام التعليمى لايقل أهمية عن الجوانب التقنية والفنية فى إصلاح التعليم. ورغم أن هناك مجموعة من القيم الإنسانية التى يمكن أن تشترك فى التركيز عليها المنظومة التعليمية فى أكثر من دولة، إلا أن واقع كل دولة وطبيعة مشكلاتها قد يحتم التأكيد على قيم بعينها فى مرحلة ما. ثم أن لكل أمة حضارتها وتاريخها الذى يمكن أن يسهم فى بناء نهضتها.
وبناء على مشكلات مصر الراهنة فى مجال التعليم، يرى المؤسسون أن هناك مجموعة من القيم التى يتحتم أن يعنى التعليم بالتأكيد عليها وهى قيم الانتماء والجمال والعمل والعلم والمصلحة العامة والمواطنة.
وتحتل قيمة الانتماء أهمية قصوى فى العملية التعليمية المنشودة. فلا قيمة لتعليم لايدرك فيه النشء من نحن وماهى أهدافنا. والانتماء لمصر هو وحده الذى يغرس في النشء الثقة بالذات الحضارية ويسمح بالتفاعل الصحى مع العالم دون انسحاق أمام الأقوى ولا حساسية من الاستفادة من خبرات الآخرين. ومن هنا يولى المؤسسون أهمية لدراسة التاريخ المصرى بكل مراحله دراسة جادة نقدية تهدف إلي دعم الشخصية القومية المصرية المركبة ذات العناصر المتعددة، والاستمرارية الحضارية التي ربطت بين الحلقات التاريخية المتعاقبة في تاريخ مصر . فضلا عن إعادة الاعتبار للغة العربية.
ولايمكن للنشء الاستفادة الحقيقية من المعارف المختلفة دون تنمية قيمة الجمال بمعناها الواسع وهو مايتطلب اهتماما بالفنون بكافة أنواعها من المسرح والشعر إلى الخطابة والخط... الخ.
وبسبب الفساد والواسطة، انهارت قيمتا العلم والعمل الجاد. فقد صارت الشهادة العلمية لا العلم نفسه هى الهدف ولم يعد العمل الجاد والإتقان والتميز والتفوق هو سبل الترقى فى العقل الجمعى المصرى.
وفضلا عن كل ذلك تراجعت قيمة المصلحة العامة وصارت المنافسة لا العمل بروح الفريق هى معيار النجاح، الأمر الذى أدى إلى تدهور فى الأداء بل وانهيار أخلاقيات المنافسة وقيمها.
ومن المهم للغاية أن يغرس النظام التعليمى قيم المواطنة لدى النشء، بما تعنيه من المساواة وتكافؤ الفرص بين كل أبناء الوطن فضلا عن حقهم المشروع فى المشاركة الفعالة فى إدارة شئونه وإعادة اندماج المواطنين في المجال العام / السياسي باعتباره المكان الطبيعي للقاء المختلفين وليس الانكفاء/ العزل أو الارتداد لدوائر الانتماء الأولية .
ويرى المؤسسون أن تلك قيم لابد من إعادة الاعتبار لها عبر العملية التعليمية بكل مراحلها وهو مالايمكن حدوثه فقط من خلال المناهج الدراسية وانما من خلال إعادة الاعتبار للنشاط المدرسى بكافة أنواعه، فى إطار سياسة متكاملة للتربية المدنية.
وينبغى للنظام التعليمى أن يؤكد على القيم التى اتسمت بها الحضارة العربية الإسلامية وأضفت عليها الشخصية المصرية طابعا مميزا. ولعل أهم هذه القيم هى تلك المتعلقة بالتكافل الاجتماعى والعلاقات الأسرية القوية والاحتفاء بالتعددية. وهى كلها قيم تعرضت للانهيار لأسباب كثيرة ولابد من بذل الجهد الكافى لإعادة بنائها وتقويتها.
وهناك مجموعة من القيم السلبية الى تسربت للعقل الجمعى المصرى فى العقود الأخيرة وأثرت تأثيرا بالغا على العملية التعليمية برمتها. فلايمكن التقليل من أثر الاستهانة بقيمتى العلم والعمل، والحط من شأن مهنة التدريس والنظرة الدونية للتعليم الفنى، هذا فضلا عن تحول التعليم إلى سلعة تدر الربح. ويحتاج تطوير التعليم إلى مواجهة تلك القيم السلبية، وهو مالايتأتى إلا من خلال خطة توعية شاملة تعمل فيها أجهزة الدولة ومؤسساتها بالتنسيق العمدى لتكمل بعضها بعضا بدلا من أن تضر كل منها بما تسعى الأخرى لتحقيقه. فلايعقل مثلا أن يكون النظام التعليمى يهدف للتأكيد على قيمة العلم والعمل الجاد بينما يروج الإعلام لقيم الكسب السريع والاستهلاك وينشر ثقافة مؤداها أن الحظ أساس الثروة.
2- دور الدولة
للدولة مسئولية أساسية فى مجال التعليم لايجوز أن تتخلى الدولة عنها. ويرى المؤسسون أن الشعب المصرى قد اكتسب الحق فى التعليم العام. والحقوق الشعبية لايمكن التراجع عنها ولا التلاعب بها. صحيح أن مجانية التعليم صارت تواجه مشكلات كبرى، إلا أن الحل يكون فى معالجة تلك المشكلات لا إلغاء المجانية التى هى الأمل الوحيد لملايين الأسر المصرية من أجل تعليم أبنائهم.
ورغم كل مايقال فى هجاء مجانية التعليم فإن البيانات الرسمية تؤكد أن الإنفاق المصرى على التعليم العام يظل محدودا للغاية بالمقارنة بالدول المتقدمة بل بالمقارنة بالكثير من الدول النامية. ففى الوقت الذى تنفق فيه مصر 129 دولار تقريبا على تعليم الفرد الواحد (وفق إحصاءات 2002) تنفق الولايات المتحدة 4763.4 دولارا وتنفق السعودية 1337.6 دولارا وتونس 289.5 دولارا
والإنفاق على التعليم ليس من بين البنود التى يمكن أن ينطبق عليها مبدأ الخصخصة. فإنفاق الدولة على التعليم موجود حتى فى أعتى الدول الرأسمالية. بل أن إنفاق الولايات المتحدة – قلعة الرأسمالية- على التعليم العام يظل هو الأعلى بين كل الدول الصناعية الكبرى.
ويرى المؤسسون ضرورة زيادة النسبة المخصصة للتعليم فى الميزانية العامة للدولة زيادة معتبرة لتغطية كل البنود التى يحتاجها تطوير التعليم. وتتوزع تلك البنود بين إنشاء المدارس الجديدة وصيانة المدارس القديمة وتجديد معاملها وورشها ومكتباتها فضلا عن زيادة الأموال المخصصة لمرتبات المدرسين والإداريين العاملين فى مجال التعليم.
ويرى المؤسسون أن مشكلة التعليم فى مصر لا تتعلق بوجود أشكال مختلفة ومتوازية من التعليم، كالتعليم العام والخاص والأجنبى والأزهرى، وانما المشكلة هى انسحاب الدولة وتجاهلها وضع المعايير العامة التى تحكم العملية التعليمية أيا كان نوع مقدم الخدمة التعليمية. فالدولة مسئولة بالكامل عن انضباط العملية التعليمية وفرض معايير صارمة على الأداء والجودة وإيجاد آليات فعالة للرقابة. فمن غير المعقول على سبيل المثال أن توجد على أرض مصر مدارس لايدرس طلابها المصريون اللغة العربية ولايجوز ألا تخضع المناهج فى بعضها لأية رقابة. ومن المرفوض أيضا أن يتحول التعليم إلى سلعة هادفة للربح على حساب مستقبل مصر. ومن هنا يجد المؤسسون أن إصلاح العملية التعليمية يبدأ بوضع الدولة لمعايير قيمية وفنية يلتزم الكل بها ويعاقب من يحيد عنها. عندئذ فقط يمكن فتح الباب أمام كل أنواع التعليم السابق ذكرها طالما التزمت بتلك المعايير.
3- التعليم ماقبل الجامعى
المناهج
فى عصر المعلومات، لم يعد من الممكن أن تقوم العملية التعليمية على تلقين المعلومات ولا أن يكون معيار نجاح الطالب هو مدى قدرته على سردها. لذلك فإن مناهج التعليم المصرية فى حاجة إلى إعادة نظر شاملة هدفها ليس تلقين المعلومات وانما تعليم النشء كيفية تحديد مايحتاجه من المعلومات ثم كيفية الحصول عليها وتدريبه على اختبار مصداقية المصادر، ثم كيفية فرز المعلومات وتصنيفها بشكل نقدى خلاق وبمنهج مقارن يسمح بالاستفادة منها ويضمن تحويل التعليم إلى عملية حياتية مستمرة لاتنتهى عند سور المدرسة والجامعة. ولايكفى تدريب الطلاب على البحث عن الإجابة عن أسئلة تطرح عليهم وانما يتحتم أيضا تدريبهم على طرح الأسئلة الصحيحة وتنمية قدراتهم على التمييز بين الأهم والمهم والهامشى فيما يتعرضون له من بيانات وموضوعات.
والدروس الخصوصية آفة لها أسباب متعددة، منها بالقطع الأوضاع البائسة للمعلم، وازدحام الفصول ولكنها ناتجة أيضا عن منهج فكرى يعتبر أن المنهج الدراسى يقدم للطالب "الحقيقة المطلقة" الأمر الذى يعنى بالضرورة أن هناك "إجابة نموذجية واحدة". بعبارة أخرى، إذا صار معيار النجاح هو القدرة على إعمال العقل والتفكير النقدى، انتفى أصلا الغرض من الدروس الخصوصية لأنه يقوض العملة التى يتم تداولها فى تلك التجارة.
وبناء على الأهداف السابق ذكرها، يمكن تحديد منظومة من القيم والمهارات المطلوب تنميتها فى كل مرحلة تعليمية فضلا عن مجموعة من الموضوعات الواجب طرحها ومناقشتها من جانب الطلاب، ثم يفتح الباب أمام مؤسسات المجتمع المدنى للتنافس على تقديم مشروعات مختلفة للمناهج وهى التى يتم تقييمها والموافقة على المقبول منها من جانب الجهات المعنية. بعبارة أخرى، يرى الحزب ضرورة فتح الباب لتعدد المناهج وتنوعها طالما توافرت فيها الشروط السابق ذكرها، وهو مايشجع الابتكار ويساعد فى القضاء على منظومة الإجابة النموذجية الواحدة.
ويتضمن المنهج الدراسى لا فقط الكتاب المدرسى وانما يظل الكتاب أحد عناصر المنهج إلى جانب النشاط المدرسى الذى تقلص بشكل كبير والذى سوف يأتى ذكره لاحقا.
وتتطلب تلك الرؤية للمناهج تغييرا بالضرورة فى نظام التقييم القائم بالأساس على الامتحان التحريرى، والذى يكون وحده الفيصل خاصة فى الشهادات العامة بالمقارنة بسنوات النقل. ويرى المؤسسون ضرورة الجمع بين نظام الامتحان التحريرى وغيره من النظم مثل اختبارات المهارات فضلا عن تقييم أداء الطالب فى مختلف أوجه النشاط المدرسى والخدمة الاجتماعية.
ولعل النشاط الطلابى هو أحد المفاتيح الرئيسية للوصول للنهضة التعليمية المنشودة. ومن هنا يولى المؤسسون أهمية للتعامل بجدية مع الأنشطة الطلابية فهى التى يمكن من خلالها للطلاب اكتساب المهارات الحياتية والتعرف بصدق على قضايا مجتمعهم والتفاعل معها. وهى أيضا المفتاح الذى يمكن من خلاله اكتشاف المواهب والقدرات الخاصة.
ومن أهم الأنشطة الواجب العناية بها تلك التى تدرب الطلاب على التعبير عن الرأى بشجاعة ووضوح وتلك التى تدربهم على المشاركة السياسية والعمل بروح الفريق. ولايقل أهمية عن ذلك الأنشطة الهادفة إلى تعريف الطلاب بالبيئة المحيطة بالمدرسة (أو الجامعة) وخدمتها ومناقشة قضاياها ومشكلاتها.
ولايتأتى كل ذلك إلا بتبنى مشروع اليوم الدراسى الكامل. وهو الذى يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل على زيادة عدد المدارس وتقليص عدد الطلاب فى الفصول والتخلص تدريجيا من العمل بنظام الفترات الذى يحد من ساعات وجود الطلاب بالمدارس.
المدرس
يؤمن المؤسسون بأن أحد القضايا الأكثر إلحاحا هى مسألة إعادة الاعتبار إلى مهنة التدريس. ففى كل الدول التى تبنت إصلاحا تعليميا ناجحا تمت العناية الفائقة بالمدرس. ومن هنا يرى المؤسسون أن هناك ضرورة قصوى لإعادة تشكيل الثقافة المصرية فيما يتعلق بمهنة التدريس. وهى مهمة للدولة دور فيها عبر استخدام أدواتها المختلفة. فكما تم تشكيل الوعى المصرى فى مرحلة تاريخية سابقة على نحو صار فيه المهندس والطبيب يحتلان قمة الهرم المهنى فى العقل الجمعى، آن الأوان لإعادة تشكيل الوعى إيجابيا فى اتجاه المدرس. ويمكن للدولة على سبيل المثال أن تحول كليات التربية إلى كليات القمة فى التنسيق للجامعات، فضلا عن رفع أجور المدرسين على نحو يجعل المهنة نفسها مجزية تحفز الأجيال الجديدة على الرغبة فى ممارستها. بعبارة أخرى، فى ظل محنة التعليم الحالية لايكفى فى الواقع الكادر الخاص، إذ ينبغى رصد ميزانية تسمح بإعادة نظر شاملة لمهنة التدريس من حيث الأجور والتدريب. فالتعليم يعانى أزمة تمس الأمن القومى المصرى ذاته وليس أقل من تخصيص ميزانية استثنائية لإنقاذه لتطوير مصر.
المدرسة
يستحيل فى ظل الإعداد الضخمة للتلاميذ فى الفصول توقع تحقيق أى إنجاز تعليمى. فلا المدرس قادر على إعطاء الانتباه الواجب لستين تلميذا فى ثلاثين دقيقة ولا الطالب قادر على الاستيعاب وسط تلك الضوضاء. والعدد يؤدى فى حد ذاته إلى الميل للتلقين لا تنمية المواهب والقدرات العقلية لأنه يستحيل على المدرس أن يناقش الطلاب، ناهيك عن أن يعرف ملكاتهم فى ظل ذلك المناخ المزدحم.
ومن هنا، لابد من وضع خطة للتوسع فى المدى المتوسط فى أعداد الفصول.
التعليم الفنى
تتجلى أزمة التعليم الفنى فى التناقض الذى يتجسد فى الواقع الذى تعيشه مصر. ففى حين تشير الاحصاءات الرسمية إلى أن التعليم الثانوى الفنى يستقطب فى المتوسط ثلثى الطلاب بينما لا يلتحق بالتعليم الثانوى العام سوى الثلث فقط، تعانى مصر من نقص الكفاءات الفنية وانهيار مستوى الأداء لدى الفنيين عموما. ومشكلة التعليم الفنى ذات أبعاد متعددة. فالالتحاق به لايعبر بالضرورة عن ميول الطالب بقدر مايكون نتيجة عجزه عن الالتحاق بالثانوى العام. ومن ناحية أخرى تعانى المدارس الفنية من نقص فى الموارد وفقر فى المعامل والورش الملحقة بها وعدم تجديدها، هذا فضلا عن إهمال العناية بالمدرس.
ويرى مؤسسو الحزب ضرورة العناية بالتعليم الفنى حيث تعانى كل فروعه من انخفاض مستوى الأداء وتدهور التكوين المهارى للطلاب. وفضلا عن ذلك فإنه من المهم السعى لإحداث بعض التوازن فى الالتحاق بأنواعه المختلفة - التجارى والصناعى والزراعى. فالتعليم الزراعى يعانى من انحسار واضح فى عدد الملتحقين به لصالح التعليم التجارى والصناعى.
4- التعليم الجامعى
يبدأ تطوير التعليم الجامعى بإعادة الاعتبار إلى مفهوم الجامعة أصلا وإحيائه. فالجامعة فى كل المجتمعات ليست فقط مؤسسة تعليمية وتربوية وانما هى أيضا معقل الفكر والرأى الحر وحاضنة البحث العلمى الذى يسهم فى نهضة المجتمع.
والدور الرئيسى للجامعة هو فتح آفاق المستقبل للأجيال الشابة عبر تلقيهم المعارف المختلفة بناء على أسس علمية ومنهجية سليمة وتدريبهم على التفكير الحر وعلى المشاركة فى حل قضايا وطنهم.
ومن هنا يصبح المفتاح الأول لإصلاح التعليم الجامعى هو تحرير الجامعة من كل القيود المفروضة على حرية الفكر. ويتحتم تشجيع الطلاب على التفكير بحرية وممارسة حرية التعبير لا فقط داخل قاعات الدرس وانما فى كل الأنشطة الجامعية على اختلافها.
والمفتاح الثانى لتطوير التعليم العالى يتمثل فى إعادة الاعتبار لعضو هيئة التدريس على نحو يمكنه من العطاء. فمن الضرورى أن تتوفر الميزانية التى تسمح لعضو هيئة التدريس بأن يتقاضى مرتبا يضمن له الحياة الكريمة ويمكنه من التفرغ الكامل لدوره فى الجامعة. هذا فضلا عن ضرورة توفير الموارد المالية والتقنية والإدارية التى تمكنه من توزيع وقته بين طلابه وبحوثه العلمية. فانقطاع الأستاذ الجامعى عن البحث العلمى يحد من تطوره الأكاديمى بما يؤثر بالضرورة سلبا على طلابه. ب
ولايمانع الحزب من إنشاء الجامعات الخاصة التى تلتزم بالمعايير التى تضعها الدولة وهى المعايير التى يرى المؤسسون أن تتضمن مايلى
- اكتمال العناصر الأساسية للعملية التعليمية من حيث المنشآت والمبانى والبرامج الدراسية والخدمات الأكاديمية كالمعامل والمكتبات، فضلا عن وجود هيئة تدريس متخصصة ومتفرغة.
- الالتزام الكامل بالمعايير الأكاديمية المتعارف عليها سواء فى مجريات العملية التعليمية ذاتها أو فى شروط القبول ومستوى المناهج ونوعيتها ومعايير منح الشهادات العلمية.
- التميز من حيث التخصصات التى توفرها الجامعة الخاصة، بمعنى أن تقدم كل جامعة خاصة ضمن أوراقها مشروعا يتضمن توفيرها لتخصصات علمية لاتقدمها الجامعات العامة أو غيرها من الجامعات الخاصة، الأمر الذى يضمن ألا تتحول الجامعات الخاصة إلى باب خلفى للحصول على الشهادة الجامعية لمن لم تقبلهم الجامعات العامة بسبب تدنى مستواهم العلمى.
5- مكافحة الأمية
رغم الجهود التى بذلت منذ الخمسينات من القرن الماضى، لم تنجح مصر فى القضاء على الأمية، الأمر الذى يجعل هذه القضية تتصدر أولويات النهوض بالتعليم. وفى هذا السياق يمكن تبنى حملة قومية تستغرق فترة تتراوح بين 5 وعشرة سنوات يتم فيها الاستعانة بخريجى الجامعات والمعاهد العليا الذين يبحثون عن عمل لمدة عام أو عامين للمشاركة فى محو الأمية وذلك مقابل أجر معقول يزداد وفق استعداد الخريج للانتقال إلى المناطق النائية والأكثر احتياجا.
وتتضمن الحملة القومية برنامجا لمكافحة التسرب من التعليم عبر تعميم الوجبات الغذائية وتطبيق نظام اليوم الكامل حتى يتسنى إيجاد الوقت للتدريب على الحرف إلى جانب حصص التعليم الأساسى ، وهو الأمر الذى يقلل من رغبة الأهل فى إخراج أولادهم من التعليم بسبب الضغوط الاقتصادية. ومن المهم للغاية أن تشمل تلك الحملة القومية برنامجا مخصصا لمواجهة التسرب الخاص بالفتيات يقوم على التوعية بأهمية تعليمهن ويضع منظومة من الحوافز خصوصا فى الريف والمناطق الفقيرة لتعليم الفتيات كالحصول على مزايا عينية أو غذائية للأسر. ويرى المؤسسون أنه لابد من تحديد مدى زمنى لإعلان مصر خالية من الأمية وفق معايير ومؤشرات دقيقة يضعها الخبراء المختصون فى هذا المجال.
2-الرعاية الصحية
عند معالجة أية مشكلة يكون التشخيص الدقيق هو أهم مفاتيح التوصل إلى حل لها، ذلك لأن التشخيص الخاطئ يؤدى بالضرورة لتعقيد المشكلة. ويصدق ذلك على توجهات الحكومة بشأن تطوير نظام التأمين الصحى. فالرؤية التى تقدمها الحكومة والمنهج الحاكم لها يعالجان مشكلة ليست موجودة أصلا فى مصر بينما تظل أغلب المشكلات الحقيقية بلا حل الأمر الذى يعقد من تلك المشكلات ويؤدى لتفاقمها. فالعلاج الخاطى لايؤدى فقط للإضرار بصحة "المريض" وانما يؤدى أيضا إلى خلق أعراض جانبية نحن فى غنى عنها.
فالرؤية المطروحة تقوم فى جوهرها على منهج الفصل بين الممول ومقدم الخدمة. "فالهيئة العامة للتأمين الصحى" هى "الممول" الذى يجمع الاشتراكات وغيرها من موارد تمويل التأمين الصحى، ومهمتها الأساسية هى التعاقد مع مقدمى الخدمة الذين يتقاضون من الهيئة مقابل توفيرهم الخدمة للمواطنين.
ومنهج الفصل بين الممول ومقدم الخدمة متبع فى عدد من الدول الغربية التى تعانى من ارتفاع عظيم فى تكاليف العلاج يفوق مايمكن أن تفى به ميزانية التأمين الصحى. غير أن هذه ليست المشكلة التى تعانى منها الرعاية الصحية فى مصر! صحيح أن مشكلات الرعاية الصحية فى مصر كثيرة ومعقدة لكن ليس من بينها فى الواقع ارتفاع التكاليف على نحو يعرض صندوق التأمين الصحى للإفلاس!
أما ماتعانيه الرعاية الصحية فى مصر فهو يتمثل فى انهيار الخدمات الصحية المقدمة عبر التأمين الصحى خصوصا للفقراء، وغياب الحد الأدنى من الرعاية الصحية فى المستشفيات العامة. وتتمثل أزمة الرعاية الصحية أيضا فى ارتفاع مذهل فى أسعار الأدوية على نحو تعانى منه الطبقة الوسطى والدنيا. وإضافة لكل ذلك هناك نقص واضح فى نسبة الممرضين إلى مجموع السكان وإلى مجموع الأطباء فضلا عن انهيار فى مستوى كفاءة كل أطراف الفريق الطبى (الطبيب- الممرض- التقنيون من مستخدمى الأجهزة الطبية- المستشفى)
بعبارة أخرى فإن المنهج الحكومى يعالج مشكلة للرعاية الصحية لاتعانى منها مصر ولايعالج المشكلات القائمة. فهو منهج يفترض أن خفض التكاليف سوف يتحقق لأن الممول يضع سقفا للإنفاق يلزم به مقدم الخدمة. ولأن مقدم الخدمة يتنافس مع غيره على التعاقد مع الهيئة فإن تلك المنافسة ستؤدى بدورها لرفع الجودة فيتحقق هدفان معا هما خفض التكلفة ورفع الجودة.
لكن أحد العيوب المعروفة لهذا المنهج هو أنه فى سعيه لخفض التكاليف يؤدى لانهيار الخدمة الصحية وليس العكس. فلأن هذا النظام يدار وفق عقلية السوق فإن الممول حين يضع سقفا لما يمكن أن ينفقه مقدم الخدمة لعلاج المنتفع ويلزمه به فإنه يدفعه لأن يسعى -حتى يحقق لنفسه هامشا من الربح -إلى تقليل الخدمات التى يقدمها للمشترك إلى حدها الأدنى. فقد يكون العلاج مثلا فى عقاقير أو إجراء عملية جراحية تلتهم كل المبلغ المخصص لعلاج ذلك المريض أو أكثر قليلا فيقرر مقدم الخدمة بمنطق السوق علاجا أقل تكلفة يحقق نصف النتيجة العلاجية حتى يرفع من هامش ربحه. فبدلا من أن يكون القرار طبيا فإنه يتحول إلى قرار اقتصادى ويتحول العلاج إلى سلعة.
بعبارة أخرى، يؤدى تبنى هذا المنهج إلى تخفيض تكاليف التأمين الصحى التى لم تكن هى المشكلة أصلا ويفاقم من أزمة الجودة – التى هى إحدى المشكلات- عبر إضافة اعتبارات المكسب إليها.
وبناء على ماتقدم، يرفض المؤسسون الرؤية الحكومية ويتبنون رؤية مختلفة نوجزها فيما يلى:
إن الإنسان هو الثروة الأولى التى تمتلكها مصر. غير أنه لايجوز أن نتوقع من الإنسان المصرى أن يسهم بشكل فاعل فى تحقيق التنمية ولا القيام بواجباته دون أن يحصل على حقوقه الأساسية التى تضمن له حياة كريمة من ناحية وتمكنه من العطاء من ناحية أخرى. ويقع الحق فى التعليم والرعاية الصحية- كما سبقت الإشارة- فى القلب من تلك الحقوق الأساسية غير القابلة للمساومة.
ومن هنا يتحتم أن تمتد مظلة التأمين الصحى لتشمل كل مواطن مصرى وهو مايعنى بالضرورة أن يكون التأمين الصحى إجباريا، بمعنى أن يشترك فيه كل المواطنين، الأصحاء والمرضى على السواء.
ولايمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال دور الدولة. فآليات السوق لايمكنها القيام بهذه المهمة لأن اعتبارات السوق من شأنها أن تحرم أصحاب الأمراض المزمنة ممن لايملكون تأمينا صحيا من الحصول على مثل ذلك التأمين. ولايمكن لآليات السوق أيضا أن تجبر الأصحاء على الاشتراك فى التأمين الصحى. واشتراك الأصحاء شرط ضرورى للتكافل الذى هو جوهر أية عملية للتأمين الاجتماعى. وعلى ذلك فإن التأمين الإجبارى فضلا عن أنه يمثل استثمارا فى البشر له مردود إيجابى على عملية التنمية برمتها فهو أيضا أهم سبل خفض الإنفاق على الرعاية الصحية عموما.
ومن هنا يرى المؤسسون ضرورة مد مظلة التأمين لتشمل كل مواطن فى مصر وذلك عبر إلزام صاحب العمل بتوفير التأمين الصحى لعامليه عبر النظام المتعارف عليه والقائم على حصة يدفعها العامل وحصة يدفعها صاحب العمل، ودعم البرنامج الصحى الحكومى ومد مظلته لتشمل العاملين بالأجر اليومى والعاطلين عن العمل الذين يدفعون اشتراكات رمزية عند طلب الخدمة.
وفى بلد يعيش أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر، ليس لنا أن نحلم بنهضة تنموية حقيقية دون بشر أصحاء قادرين على العطاء. ومعنى ذلك أنه يتحتم رفع النسبة المخصصة للرعاية الصحية فى الموازنة العامة للدولة وليس خفضها بشكل مطرد كما هو الحال فى الوقت الراهن. وينبغى أن يوجه الانفاق العام إلى القنوات التالية على أن يراعى فيه عدالة التوزيع على المناطق الجغرافية المختلفة.
1- دعم الرعاية الصحية الأولية الأساسية والوقائية خصوصا فى المناطق العشوائية والفقيرة فضلا عن الريف.
2- إعادة الاعتبار لوظيفة الممارس العام. فيمكن الاستثمار فى جيوش شباب الأطباء الذين يعانون البطالة عبر رفع أجورهم بشكل معقول وتشجيعهم على مهنة الممارس العام فى الوحدات الصحية والمستوصفات فى كل بقاع الجمهورية.
3- تطوير المستشفيات العامة ومستشفيات التأمين الصحى وتمويلها.
4- زيادة عدد معاهد التمريض والعمل على إعادة الاعتبار لتلك المهنة فى الثقافة العامة فضلا عن رفع أجور المنتمين للمهنة، بمايضمن لهم حياة كريمة.
5- الاهتمام برفع كفاءة التقنيين وفنيى الأجهزة الطبية وتوجيه جزء من الميزانية لذلك الغرض.
6- تقديم الدعم لشركات الأدوية المصرية وتشجيع البحث العلمى فى مجال الدواء فى مصر. إذ لايجوز مع تزايد نسبة الفقر بين المواطنين أن يتم خصخصة قطاع حيوى كقطاع الدواء وفتح الباب على مصراعيه أمام شركات الأدوية الأجنبية العملاقة دون أن يكون هناك على الأقل منتج مصرى معقول التكلفة يلجأ إليه محدودو الدخل وهو مالايتأتى دون توفير الدعم المالى الحكومى لشركات الأدوية المصرية حتى تستطيع البقاء فى السوق.
7- الاهتمام بتطوير أداء قطاع الإسعاف بكافة عناصره وأقسام الطوارئ بالمستشفيات العامة، هذا فضلا عن إصدار تشريع يضع أمام المستشفيات الخاصة بديلين للاختيار بينهما إما علاج حالات الطوارئ التى ترد إليها بغض النظر عن قدرة المريض على دفع التكلفة، وبين دفع ضريبة يحدد القانون نسبتها عن كل حالة ترفض المستشفى استقبالها.
رابعاً : في الثقافة والفنون
الثقافة والهوية
يرى المؤسسون أن غياب" مفهوم الهوية الثقافية المصرية " عن معظم المشروعات الإصلاحية والتنموية كان عاملاً رئيسياً من عوامل إخفاق هذه المشروعات . وإذا كان البعض يفترض أن الهوية دائرة واحدة مغلقة ، فإن المؤسسين يرون هذا التوجه من قبيل الفهم المجتزأ والمنقوص؛ ولهذا فإن المؤسسين يرون أن الانتماء للدائرة الحضارية العربية / الإسلامية لا يعني استبعاد المكون القبطي من الثقافة المصرية ، ويؤكدون على أن الوعاء الثقافي المصري نجح في صهر المكونات الثقافية المتعددة وصنع منها مزيجاً متماسكاً ، وهذا ما منح الثقافة المصرية خصوصيتها وفرادتها بين ثقافات العالم. وينطلق المؤسسون من هذا المفهوم المنفتح المركب للهوية الذي يركز على أن تنمية الهوية المصرية لا يتأتى إلا بتنمية كل أبعادها وجوانبها ومكوناتها ( فرعونية , وقبطية , ونوبية , وبدوية ، وحضرية وجميعها داخل المكون العربي الإسلامي) .
ويرتبط بقضية الهوية عنصران أساسيان هما:
1ـ اللغة العربية : يعرب المؤسسون عن قلقهم من تراجع اللغة العربية ، وهى الوعاء الذي تصب فيه مكونات الهوية المصرية ، والتي بدونها ينفرط عقدها ، وهو ما يشكل خطراً يتمثل في أن إهمال اللغة العربية أو تهميشها يعني تهميش التراث المكتوب ، ومن ثم فقدان الذاكرة التاريخية ، وتحول الإنسان المصري إلى وحدة اقتصادية جسمانية استهلاكية .
وقد انعكس غياب الاهتمام باللغة في طرق التدريس والكتب المدرسية والمنشورات الحكومية ووسائل الإعلام ؛ وهو الأمر الذي يدفع المؤسسين للأخذ على عاتقهم إعادة الاحترام للغة العربية وتفعيلها كأداة للتواصل بين المواطنين كافة ، والتواصل مع تراثنا وهويتنا التاريخية .
2 ـ الخصوصية التاريخية والمشترك الإنساني : يدرك المؤسسون أن قضية استيراد نظم الغرب الحضارية المعرفية وتعميمها على العالم تحت ستار العولمة والانفتاح على الآخر أصبحت مثار اهتمام كبير في الآونة الأخيرة. وأنه بفعل الإخفاقات السياسية والتراجعات الحضارية المتوالية صارت الثقافة العربية محل تساؤل عما إذا كانت تصلح لأن تكون ركيزة للنهضة أم لا ؟ بل وجرى التشكيك في صلاحيتها وفي قدرتها على استيفاء شروط النهضة ، ونعتت بالتقليدية والركود ، وبأنها إحدى مورثات عصور الانحطاط والتخلف . ومن هنا كانت الدعوة إلى تهميشها وتحويلها إلى مجرد تراث أو فلكلور . وكلها دعوات وأفكار لا تتفق مع الرؤية التي يتبناها المؤسسون ويسعون لترجمتها على أرض الواقع من خلال منظومة متكاملة من السياسات والمشرعات الثقافية.
وإذا كنا نؤيد الانفتاح على الثقافات الأخرى فهذا يعني ألا نقصر اهتمامنا على الثقافة الغربية وحدها بزعم أنها الثقافة العالمية الوحيدة ، بل علينا أن نتجه شطر الحضارات الشرقية والأفريقية المجاورة لنا ونوليها اهتماماً أكبر، وخاصة أنها ثقافات عريقة وثرية ، وتحوي رؤية للطبيعة وللإنسان تتفق مع كثير من عناصر رؤيتنا العربية الإسلامية .
الفن والقيمة
يؤكد المؤسسون على أن قضايا الفن ليست منعزلة عن قضايا الثقافة الأخرى ؛ فالفن لغة الروح ودعوة للتسامي بالإنسان وتعميق فهمه لنفسه وللكون بأسره . ويدعون إلى ضرورة أن يكون الفن متحرراً ومنفتحاً ، ولكن هذا لا يعني أن الفن متجرداً من القيمة تحت شعار " الفن من أجل الفن " ، ولا يعني أن الإبداع الفني أمر مطلق لا علاقة له بالمجتمع أو بالقيم الإنسانية أو الأخلاقية ، لكن لابد من التوازن بين تشجيع الآداب والفنون والإبداع من ناحية ، والالتزام بقيم المجتمع وثوابته من ناحية أخرى.
ويرى المؤسسون ضرورة تشجيع الجمعيات الأدبية والثقافية التي هي بمثابة المحضن الذي يفرخ جماعات من الباحثين والمبدعين الشبان ، ويسمح لهم بالاحتكاك مع أجيال الرواد. كما يرون أن المركزية الثقافية التي ركزت كل المؤسسات الثقافية في القاهرة هى أحدى العلل الأساسية لتراجع الثقافة التي تعبر عن هوية الإنسان المصري ، وأنه يجب تنشيط المراكز الثقافية والفنية في مدن الأقاليم ومراكزها وقراها وتشجيع المؤلفين والفنانين المحليين على الإبداع ، وتوظيف إبداعاتهم في خدمة جهود التنمية الشاملة لمختلف مجالات الحياة في المجتمع.
خامساً : إدماج الأخلاق في سياسات الإصلاح
يرى المؤسسون أنه لايمكن فصل الجانب القيمى والأخلاقى عن عملية التنمية. فانهيار المنظومة الأخلاقية فى المجتمع تؤدى إلى الإخلال بقيم العدل والمساواة وتؤدى بالتالى إلى تثبيط الهمم وسيادة الشعور العام باليأس.
وإذا اختلت القيم يحدث التحلل الاجتماعي وتكون تصرفات وسلوكيات ، وحتى تطلعات ، مجموعات كبيرة من الأفراد والجماعات والتكوينات المهنية محكومة بمنظومات من القيم والمعايير السلبية ـ المعلنة وغير المعلنة ـ مثل:
ـ الحنث بالعهود والتعاقدات والشهادة الزور.
ـ الرشوة والمحسوبية والاختلاس والنصب .
ـ التسيب والإهمال واللامبالاة .
ـ ضعف الميول نحو المشاركة والمبادرة والاهتمام بالشأن العام .
ـ غلبة النزعة المادية والاستهلاك الترفي .
ـ زيادة معدلات الجريمة والعنف .
ـ ضمور معنى المصلحة العامة لدى قطاعات واسعة من المواطنين.
ـ انخفاض قدرات المواطنين ـ وأحيانًا رغباتهم ـ على العمل المنتج النافع .
ـ اختلال ميزان العدالة ( في توزيع الدخل , وفي تطبيق القانون ،وفي توفير فرص العمل وفى القدرة على النفاذ إليها)
ـ ولأن الفنون والآداب كثيرا ماتعكس أمراض المجتمع فإن انهيار القيم يدفع بها بعيدا عن مقاصدها النبيلة ، ويجعلها تتجه نحو التركيز على التفكير الخرافي ومخاطبة الغرائز.
وتؤدى تلك الأمراض الاجتماعية وغيرها ليس فقط إلى اختلال ميزان العدالة وانما أيضا إلى فوضى اجتماعية حيث يميل المواطنون إلى اليأس أو إلى السعى للحصول على حقوقهم بالقوة أو بطرق أخرى غير مشروعة. ولذلك لو افترضنا جدلاً أننا أفلحنا في إنجاز الإصلاح السياسي والاقتصادي والتشريعي على النحو الذي ترجوه القوى والتيارات الوطنية والإسلامية المطالبة بالإصلاح في مصرنا الحبيبة ، مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه في الجوانب الأخلاقية السائدة ، فإن إمكانية تفعيل برامج الإصلاح في تلك الجوانب ونجاحها في الواقع ستكون قليلة ، وستكون فرصتها في تحقيق مقاصدها محدودة للغاية.
إن إدماج الإصلاح الأخلاقي في مختلف المداخل الإصلاحية السياسية والاقتصادية والتشريعية والثقافية والاجتماعية ، أمر ضروري ولازم ، لأنه الضمان الرئيسى الذى يحفظ تماسك المجتمع ويشكل المناخ الملائم لتقدمه.
ومهما كانت صعوبة عملية إدماج الأخلاق في مداخل الإصلاح المختلفة عامة ، فإنها عملية تستحق ما سيبذل فيها من الجهد والوقت لأنها من وجهة نظر المؤسسين شرط ضروري ولازم لنجاح الإصلاح وإدراك مقاصده.
آليات الإصلاح الأخلاقي
تنبغى الإشارة إلى أن مبحث "الأخلاق" محل إجماع أو توافق فكري كبير بين مختلف التوجهات الفكرية، وهو مطلب الجميع ـ أو هكذا يفترض ـ سواء كانوا من السلطة أو من المعارضة. كما أن مسؤولية القيام به تقع على عاتق الجميع من الأفراد والمؤسسات الأهلية والمدنية والحكومية وتشمل مختلف المستويات من قمة المجتمع وأعلى هرم السلطة والمسؤولية إلى القاعدة العريضة من جمهور المواطنين.
ومن المداخل المقترحة لتفعيل الإصلاح الأخلاقي, وربطه في الوقت نفسه بمداخل الإصلاح الأخرى الآتي
1ـ المدخل التربوي التعليمي :يرتكز هذا المدخل على الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات التربية والتعليم في بناء العقليات وتوجيه السلوك الفردي والجماعي. ومن خلال هذه المؤسسات يدعو المؤسسون إلى غرس منظومة القيم والمبادئ والمعايير التي تحقق الإصلاح الأخلاقي المرغوب في عقول الناشئة والأجيال الجديدة.
وإذا كانت أغلب البرامج التربوية والثقافية وغيرها من برامج التنشئة الاجتماعية ـ في وضعها الحالي ـ تفتقر إلى المضمون الأخلاقي المطلوب ؛ فمن الضروري تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية والتربوية فى هذا الاتجاه. وتقع مسؤوليات إنجاز هذه المهمة التطويرية في مناهج التربية والتعليم على الهيئات والمراكز التربوية والإعلامية والتعليمية الحكومية وغير الحكومية، كما تقع أيضاً على المفكرين ودعاة الإصلاح وصانعي الرأي وقادة المجتمع المدني ومنظماته وهيئاته .
2ـ المدخل الثقافي الإعلامي :نظراً لضعف الخطاب الثقافي الذي تبثه وسائل الإعلام المصرية عامة ، والأجنبية ـ على وجه الخصوص ـ فيما يتعلق بالمضامين الأخلاقية الإصلاحية بالمعنى السابق شرحه ؛ فإن المطلوب وفقاً لرؤية المؤسسين هو صياغة ونشر خطاب ثقافي إعلامي يركز على تلك المعاني الغائبة ، ويهدف إلى بناء صورة ذهنية صحيحة وواقعية عن القيم والمعايير الأخلاقية الواجب احترامها والالتزام بها. وليس المقصود هنا انتاج برامج ذات طابع تعبوى خطابى ولا مادة فنية تلقى على الناس محاضرات فى الأخلاق والقيم، وانما المقصود هو رؤية إعلامية متكاملة تضع البعد القيمى فى قمة أولوياتها وتبث عبر برامجها الثقافية والفنية القيم المراد دعمها وتكريسها.
3- مدخل تجديد الخطاب الديني : يرى المؤسسون أن الخطاب الديني السائد في مصر منذ فترة طويلة يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح أساليبه ، وتجديد مضامينه وتنحية المفاهيم السليبة واللغة الاعتذارية والمعاني الانعزالية التي يحتويها ؛ وذلك بهدف استيعاب متغيرات الواقع ، وتفعيل دور الخطاب الديني في مواجهة المشكلات التي يعاني منها المجتمع ، وبخاصة فئة الشباب ، كما أن هذا التجديد يجب أن ينعكس بشكل إيجابي على مكانة المؤسسة الدينية ( الأزهر – الكنيسة ) ودورها في جهود التنمية والإصلاح الاجتماعي العام . وهذا التبني من قبل المؤسسين ليس جديداً ولا مرتبطاً بدعوات حديثة قادمة من الخارج ، ولكنها دعوة قديمة ومتأصلة تبناها المصلحون والمفكرون قديما وحديثاً ؛ لأنه واجب ديني ووطني لإدراك الواقع والتفاعل معه وتطويره بما يخدم مصالح الأمة ولا يصطدم بغير مبرر مع العالم .
وفى هذا السياق يصبح تطوير الأزهر مسألة بالغة الأهمية. ويدعو المؤسسون إلى استقلال مؤسسة الأزهر ماليًا وإدارياً عن بيروقراطية الدولة ، مع السعي الحثيث لإصلاحه وتدعيم دوره في تقديم الفكر المعتدل؛ بما يكفل قيامه بالمهام المنوطة به في الدعوة والإرشاد والتعليم محليا وإقليميًا وعالميًا ، ومن ثم دعم مكانة مصر إقليمياً وعالمياً.
4- القدوة والشفافية : يرى المؤسسون أن المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية مهما كان نبلها وسموها تظل قليلة التأثير في الواقع ما لم تتجسد قدوات حسنة يقتدي بها جموع المواطنين على كل مستوى من المستويات ، على أن يجري دعم هذا التوجيه بمجموعة من إجراءات الشفافية ( مثل إعلان الذمة المالية ، ومصادر الدخل قبل تولي الوظائف العامة أو الولايات النيابية وبعدها،....) وغيرها من الإجراءات التي تبرهن على صدقية هذه القدوات الحسنة ومن يليها من المقتدين بها في مختلف مواقع المسؤولية .
سادسا: السياسة الخارجية
تنبع رؤية مؤسسي الحزب في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية من أصل قيمى من جهة، ومن إدراك واع بحقائق الواقع الدولى من ناحية أخرى.ويؤمن المؤسسون بأن العلاقات الدولية، شأنها شأن كل العلاقات البشرية تقوم على مبادئ عامة، بغض النظر عن حكمنا القيمى على تلك المبادئ المتبعة. ومن هنا فإن للحزب مبادئه التى تحكم رؤيته فى العلاقات الدولية وهى كالتالى.
1-العدل:
وهو قيمة إسلامية وإنسانية عليا ونعنى بها، في مجال العلاقات الدولية، أن تُبنى العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على أساس كفالة العدالة للأطراف المختلفة، وعدم الجور على طرف فيها. وثمة علاقة وثيقة بين إقرار العدل ، ووجود السلام لأن غياب العدل يخلق الصراع ولايمكن للسلام أن يدوم إلا إذا كان عادلا .
2ـ الحرية :
ويعنى مبدأ الحرية فى مجالات العلاقات الدولية مايلى:
أ ـ الانفتاح على العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، والتفاعل معه والاستفادة من خبرات شعوبه. وهو تفاعل مبنى على الثقة بالذات الحضارية والإيمان بأن لدينا أيضا مانسهم به فى عالم اليوم.
ب ـ بطلان الأوضاع التي تنشأ نتيحة للقسر والإكراه ؛ حتى لو تكرست عبر اتفاقيات أو معاهدات أو بحكم الأمر الواقع ، فهذه كلها تتنافى مع قيمة الحرية ، ولابد لسياستنا الخارجية أن تعمل لتصحيح الأوضاع بما يتفق مع هذه القيمة الإنسانية العليا .
3ـ احترام العهود والمواثيق:
ويؤكد المؤسسون بقوة وبوضوح على أن احترام العهود والمواثيق" يعد عاملاً أساسياً وحاسماً في عملية التفاعل المنتظم" في العلاقات الدولية. وهو لا يقتصر فقط على الجوانب الشكلية أو القانونية ، وإنما يمتد ليصبح أداة من أدوات ترسيخ مبادئ التعاون والتعايش، وعاملاً أساسياً لترسيخ ثقافة السلام لأن الإخلال بالتعهدات ونقض المواثيق هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى تجدد النزاعات واندلاع الحروب.
4ـ الاحتفاء بالتعددية واحترام الخصوصية الثقافية
يؤمن المؤسسون "بالتعددية" الحضارية، والثقافية والسياسية والدينية ؛ ذلك لأن التنوع والاختلاف من سنة الحياة الاجتماعية ، ومن ثم لايجوز السعى إلى طمس الاختلافات وتنميطها في قالب واحد لأنه مخالف للطبيعة البشرية من ناحية ولأنه لا يأتي إلاّ عن طريق الجبر والإكراه. ومن هنا أيضا، يدعو الحزب لحماية الخصوصية الحضارية والثقافية واحترامها.
5ـ التعاون والاعتماد المتبادل
ويرى مؤسسو الحزب أن "التعاون" المبني على تبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة ، في إطار من السعي الدائب إلى تحقيق الخير الإنساني العام، هو الأساس المنشود للعلاقات الدولية .
ويدرك المؤسسون أن العلاقات الدولية فى واقعها تبتعد كثيرا عن تلك المبادئ والقيم التي تكفل التعاون والسلام والحرية لجميع الأمم والشعوب. ومن ثم، فإن التحدى الحقيقى هو التفاعل الناجح فى الساحة الدولية بواقعية ومن منطلق قيمى فى آن معا. ومن هنا، يفرق المؤسسون بين الواقعية والانهزام. فالواقعية تقتضى الكفاح من أجل حماية المصالح العليا للوطن فى ظل الظروف الدولية أيا كانت طبيعتها وبغض النظر عن الموقف منها. إلا أن تلك الواقعية لا تعنى بالضرورة الاستسلام للواقع الدولى بكل آفاته. فالواقعية التى تسعى لتعظيم المنفعة الوطنية تعنى أيضا امتلاك روح المبادرة والتفكير فى السبل التى من خلالها يمكن العمل مع دول وشعوب أخرى من أجل تغيير واقع دولى ظالم يضر بها كما يضر بنا. فلايجوز المصادرة على حق الشعوب فى أن تحلم بواقع أفضل.
الأمن القومى المصرى
ومن خلال تلك الرؤية والمبادئ العامة، يرى المؤسسون العالم باعتباره يحمل لمصر شأنها شان الدول الأخرى منظومة مركبة من الفرص والتحديات.
ولايمكن لمصر أن تضع يدها على الفرص التى تخدم مصالحها أو ترصد التحديات التى تواجهها إلا من خلال رؤية واضحة مستمدة من السؤال الرئيسى المتعلق بهويتنا ومشروعنا الوطنى. ولما كان برنامج الحزب ينبع من المشروع الحضارى الإسلامى الذى يعتقد المؤسسون أنه قادر على نهضة مصر، فإننا نرصد الواقع الدولى المتغير حولنا فنجد أن العالم قد صار إزاء عودة للاستعمار بأشكال مختلفة. فإلى جانب الاستعمار الاستيطانى على حدود مصر الشرقية، عاد الاحتلال بصورته التقليدية المباشرة ليسيطر على أكثر من بلد عربى وإسلامى. ولكن إلى جانب هذه الأشكال الصريحة، توجد أشكال أخرى منها هيمنة القوى الأجنبية على صناعة القرار السياسى، ومنها الهيمنة الاقتصادية بأشكالها المختلفة فضلا عن الاستعمار الثقافى.
ومن هنا يتبنى المؤسسون تعريفا للأمن القومى المصرى يتضمن العمل على حماية مصر من كل ما يهدد استقلالها سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا.
ومن المهم التفرقة بين مايمثل تهديدا للأمن القومى ومايشكل تحديا ينبغى الاستعداد لمواجهته، هذا فضلا عن إدراك أن سبل مواجهة التهديدات ليست كلها واحدة. ففى حين تتطلب بعض تهديدات الأمن القومى تعبئة شاملة للمجتمع، يتعين فى حالات أخرى اتخاذ خطوات متعددة فى إطار خطة طويلة الأجل. أما التحديات فهى قد تكون بمثابة عقبة فى وجه مصلحة مصرية ينبغى إزالتها، أو قد تمثل فرصا ينبغى بذل جهود حثيثة لاقتناصها.
وتأتى قضيتا العلاقة مع السودان ودول حوض النيل والقضية الفلسطينية على قمة أولويات الأمن القومى المصرى على الإطلاق.
فإلى جانب علاقات الأخوة العميقة التى تربط الشعبين برباط وثيق، فإن السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر. ويؤمن المؤسسون أن السياسة المصرية تجاه السودان فى حاجة إلى إعادة نظر شاملة تحقق التوازن الدقيق بين حماية الأمن القومى المصرى من ناحية وبين احترام المصالح العليا لشعب السودان من ناحية أخرى. فرغم أن السودان هو قضية الأمن القومى الأولى لمصر من وجهة نظرنا إلا أن هذا لايعنى أن تعطى مصر لنفسها الحق فى أن تعرف المصالح العليا للسودان نيابة عن شعبه. والأمن القومى المصرى لا يتحقق إلا من خلال ثقة شعب السودان فى احترام مصر لإرادته المستقلة. وبناء على الاحترام والثقة المتبادلة، يمكن لمصر من خلال علاقات مصرية متوازنة بكافة الفرقاء السودانيين أن تلعب دورا مؤثرا يحمى مصالحها من ناحية ويسهم فى الوقت ذاته فى دعم المصالح العليا لشعب السودان. وينبغى فى هذا الإطار التشديد على أن مقتضيات الأمن القومى المصرى تفرض التعامل مع أى نظام حكم فى السودان أيا كانت طبيعته أو طريقة وصوله للحكم، لكن هذا التعامل لايشمل بالضرورة الإقرار بتجاوزاته الداخلية فى حق قوى وأطراف سودانية أو مساعدته على مثل تلك الممارسات. فمصر لاتملك رفاهية الانحياز لأحد أطراف الصراع الداخلى فى السودان بالضبط مثلما لاتملك رفاهية الوقوف على الحياد إزاء مايدبر للسودان من أطراف وقوى دولية.
أما العلاقة بدول حوض النيل فيتحتم أن تحتل أولوية قصوى لدى صانع القرار المصرى لأنها تتعلق بشريان الحياة الرئيسى لمصر، أى نهر النيل فضلا عن الروابط الحضارية والتجارية والدينية التي تربط مصر بهذه الدول، وهى علاقة لا ينبغى أن تقتصر فقط على التوصل إلى اتفاق عادل بشأن المياة والصرف، وانما تشمل أيضا البحث فى المشروعات المشتركة التى تعود بالنفع على كل دول وادى النيل كالمشروعات الزراعية والكهربية فضلا عن مشروعات تنمية الثروة الحيوانية والسمكية.
وبالقدر نفسه من الأهمية، تعتبر القضية الفلسطينية قضية محورية فى رؤيتنا للأمن القومى المصرى. لأن حرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه المشروعة معناه استمرار انتهاك القانون الدولى والإنسانى على حدود مصر الشرقية، الأمر الذى يمثل تهديدا صريحا للأمن القومى المصرى. ويؤكد المؤسسون تأييدهم الكامل لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة لديارهم. كما يؤكد المؤسسون على حق الشعب الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، بما فيها القوة المسلحة التى يعتبرها الحزب مقاومة مشروعة نصت عليها المواثيق والمقررات والأعراف الدولية كحق ثابت لأي شعب في مواجهة الاحتلال.
ولكن فوق كل هذا وربما قبله فإن الوضع الحالى لسيناء يمثل خطرا حقيقيا يهدد الأمن القومى المصرى. فقد مر أكثر من ربع قرن على تحرير تلك الأرض العزيزة على كل مصرى دون تقدم يذكر فى تنميتها وتعميرها رغم أن أفضل وسيلة لحماية أراضينا الشرقية من إعادة احتلالها أو الاعتداء عليها هو تعميرها. فتركها بلا بشر ولا تنمية هو دعوة لكل طامع فيها وهو وضع يجعلها لقمة سائغة لمن يخطط للاستيلاء عليها ونهبها.
وليس سرا أن إسرائيل لها مطامع متجددة فى أرض سيناء الأمر الذى يتحتم معه إعطاء الأولوية القصوى لتعميرها وتنميتها. وليكن ذلك هو المشروع الوطنى لمصر فى العقد القادم.
السياسة الخارجية المصرية:
وفضلا عن هاتين القضيتين، يتعين على صانع القرار المصرى العمل على تعميق العلاقات المصرية العربية لافقط فى الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية وانما ضرورة الاهتمام بالتفاعل الثقافى والشعبى أيضا. فمن أهم مافقدته مصر فى كبوتها الأخيرة هو مايطلق عليه "القوة الناعمة" أو "القوة الرخوة" أى نفوذها المعنوى والثقافى. ومن هنا يؤمن المؤسسون بأن التفاعل المصرى فى الثقافة والفنون والآداب من شأنه أن يسهم فى استعادة مصر لهذا النفوذ وهو الذى يساعد بالضرورة على تدعيم قدرتها على لعب دور عربى وإقليمى مؤثر.
وبناء على التعريف السابق ذكره للأمن القومى المصرى، يتحدد موقف الحزب من القضايا المختلفة بل ومن دول العالم على اختلافها. فالحزب لايتخذ موقفا موحدا من دول الغرب مثلا أو من دول الشرق، فهى علاقات تبنى مع كل دولة على حدة بناء على المصالح العليا المصرية من ناحية وبناء على مدى احترام تلك الدولة لاستقلالية مصر ومصالحها من ناحية أخرى، وذلك فى إطار علاقة تقوم على تبادل المصالح ولاتتعارض مع المبادئ العامة السابق ذكرها فى هذا الجزء، وعلى رأسها احترام المواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر. ويعنى ذلك أنه باستثناء الدول الغاصبة المعتدية لايوجد خصومة دائمة ولاتحالف دائم فهى مسألة تحددها أولويات الأمن القومى المصرى والمصالح العليا كما يراها شعب مصر وحكومته المنتخبة انتخابا حرا.
ومن أجل أن يتم بناء مثل تلك العلاقات التى يسودها الاحترام المتبادل للمصالح العليا، فإن مصر فى حاجة ماسة إلى استعادة مكانتها الإقليمية والدولية. وهو مالايتأتى دون استعادة المجتمع المصرى ذاته لعافيته عبر نهضة اقتصادية شاملة وتحول ديمقراطى حقيقى. فالنهضة الذاتية هى مفتاح النفوذ الإقليمى والدولى وهى التى تفرض على الآخرين دولا ومنظمات احترام مصالحنا العليا.
وفى إطار هذه الرؤية، ينظر المؤسسون بعين الاعتبار إلى التحولات الكبرى فى النظام الدولى ومايفرضه ذلك على مصر من تحديات ومايتيحه من فرص. فعلى المستوى الدولى، صار انحسار الامبراطورية الأمريكية واضحا بالقدر الذى يشير إلى أن مرحلة القطب الواحد مرحلة انتقالية سوف تليها على الأرجح مرحلة جديدة من مراحل تعدد الأقطاب، لاتملك فيها حتى الآن أى من القوى الصاعدة كل المفردات التى تجعلها منافسا كاملا للولايات المتحدة الأمريكية. فروسيا مرشحة للعب دور سياسى أكبر بينما تمثل الصين والاتحاد الأوربى التحدى الاقتصادى الأكبر للولايات المتحدة. وعلى المستوى الإقليمى، من المهم لمصر أن تأخذ فى اعتبارها صعود كل من تركيا وإيران وانهيار العراق وما لذلك من تداعيات على التوازن الإقليمى.
ويستدعى كل ذلك اهتماما مصريا مناسبا واستعدادا لما يفرضه ذلك من تحديات ومايتيحه من فرص. فعلى سبيل المثال، من المهم إخضاع العلاقات المصرية الأمريكية لإعادة نظر شاملة تليق بمصر. فالعلاقة بين البلدين علاقة مهمة ينبغى تنميتها. ولكن العلاقة بقوة عظمى ذات طابع امبراطورى يستلزم وعيا بأهمية بناء تلك العلاقة على أسس تضمن لمصر الحفاظ على استقلالية قرارها الذى هو فى الواقع المفتاح لعلاقة قوية بالولايات المتحدة وليس العكس. فمصر نبعت أهميتها تاريخيا بالنسبة للقوى العظمى عموما من أنها قوة إقليمية ذات علاقات متشعبة ومعقدة بمحيطها الإقليمى الأمر الذى يجعل بناء علاقات معها مفيد لتلك القوى. ومن ثم فإن اتخاذ مصر المواقف الأمريكية نفسها إزاء مختلف القوى والأطراف الإقليمية يقلل من قيمتها لدى أمريكا لا العكس ويضعف من قدرتها على المناورة مع الطرف الأمريكى ويجعلها بلا أوراق حين تسعى لتحقيق مصلحة مصرية تعارضها أمريكا.
وفى ظل هذه التحولات الدولية والإقليمية، يرى المؤسسون أن هناك عشرات الفرص المبنية على التعاون المشترك ليس فقط مع دول الجوار المباشر وانما مع دول الجنوب عموما. فمن غير المعقول أن يظل الاهتمام المصرى مسلطا على دول الغرب وحده، إذ أن فرص التعاون مع دول آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا الجنوبية ذات أهمية قصوى ليس فقط اقتصاديا وانما لاستعادة مصر لنفوذها . فثقل مصر نبع تاريخيا من أنها قوة ذات نفوذ إقليمى قوى وعلاقات متشعبة ومعقدة ليس فقط مع جوارها الإقليمى وانما مع الدول النامية عموما.
المصدر :حزب الوسط 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire