"هو الشعب ساكت عليهم ليه " .. كان هذا هو التصريح الرسمي الأول للدولة تعليقاً على مجزرة بورسعيد، حينما خرج المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، مؤكداً أن الدولة لن تترك مرتكبي أحداث بورسعيد، قائلاً "مش عايزين الشعب يقعد ويسكت ويسيب الناس دى تعمل كده.. وأنا بسأل الشعب ساكت عليهم ليه؟ والمفروض كله يشترك.. ولن ينال أd شخص من مصر، وما حدث اليوم قد يحدث في أي مكان فى العالم، لكن إحنا مش هنسيب اللي عمل كده".
مجزرة بورسعيد، والتي وقعت إبان إدارة المجلس العسكري لمصر، شهدت حالة من التعامل المتناقض من قبل الدولة والحكومة مع الأزمة، فعلى الرغم من حالة الاستنفار التي أعلنتها القوات المسلحة وقتها لنقل الجماهير من هناك لإيقاف تزايد أعداد الضحايا ، إلا أنه على الجانب الآخر جاء التعامل السياسي مع الأزمة ليخلق فجوة ما بين الشارع البورسعيدي وباقي القطر المصري، على خلفية هذه الأحداث المؤسفة.
وكمنت مشكلة الدولة "الحقيقية" في التعامل مع المجزرة، في أنها لم تفطن منذ البداية إلى أن أمراً مؤسفاً سوف يحدث بملعب المباراة، ذلك أن مؤشرات عديدة قد ظهرت عبر القنوات الرياضية والمواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي، تعكس كما من التوتر والتربص بين جمهوري الأهلي والمصري، وصلت لحد التهديد بالقتل والانتقام، وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي برسائل التهديد المتبادلة بين الجمهورين، كلام منهما توعد الآخر لا بالفوز في المباراة أو بتقديم أداء أفضل، وإنما توعدوا بعضهم البعض بـ "الذبح"، كل هذا ومؤسسات الدولة الرسمية "وكأن على رؤوسها الطير"، لم تحرك ساكناً إزاء هذا التصعيد، بل اكتفت بالمشاهدة، حتى قوات الأمن التي رابضت في الملعب يوم المباراة رأت طول اليوم الاستفزازات بين الجمهورين، سواء داخل أو خارج الاستاد، حتى وصلت الأمور ذروتها حين نزلت جماهير المصري للملعب فور انتهاء المباراة، لتبدأ المأساة التي أودت بحياة 72 شخصاً من مشجعي الأهلي.
"ثورة الغضب"، التي اجتاحت القاهرة وبورسعيد، على خلفية هذه الأحداث، كانت أكبر من أن تتعامل معها دولة "العسكري"، بالقدر الذي يجب، فزادت هوة الأزمة، حتى بعد تحويل العديد من المتهمين إلى المحاكمة، فإن أزمة "مجزرة بورسعيد"، تحولت إلى صراع على المستوى الشعبي بين الجماهير الحمراء "التراس الأهلي"، وبين "البورسعيدية"، الذين أكدوا من جانبهم براءتهم من ارتكاب هذه المجزرة، وأنها لم تكن إلا مؤامرة ضمن مؤامرات "الثورة المضادة"، في الوقت الذي أخذت هذه القضية جانباً مغايراً داخل البرلمان، حين انتقلت المعركة إليه، ما بين مطالباً للقصاص وما بين مدافعاً عن المدينة، حيث خرج أعضاء البرلمان عن المحافظة، معتبرين أن هذا الحادث مدبراً، بل بالغ منهم الحديث حين ادعى أن الحادث "مكيدة" لإفساد فرحة جمهور المصري بالفوز على الأهلي بالثلاثة!!!.
ومع مجيء أول رئيس منتخب لمصر، تباينت الآمال بين الجانبين، ما بين تحقيق القصاص، وما بين براءة "المدينة الباسلة" من هذه المجزرة، وعلى الرغم من المشكلات التي واجهت السلطة الحاكمة، إلا أن مؤسسة الرئاسة حاولت دائما المضي قدماً نحو القصاص من قتلة الثوار وكان من ضمن القضايا التي اهتمت بها الرئاسة، قضية بورسعيد، حيث تشكلت لجنة لتقصي الحقائق لبحث ملابسات هذه الأحداث، وهي اللجنة التي خلصت إلى استنباط العديد من الأدلة، والتي قدمتها للنائب العام المستشار طلعت إبراهيم، والذي قام بدوره بتحويلها إلى المحكمة التي تنظر القضية، وذلك قبل أيام قليلة من النطق بالحكم، إلا أن المحكمة لم تنظر في هذه الأدلة ونطقت بحكمها، بإحالة 21 من المتهمين في الأحداث إلى مفتي الديار.
وعلى الرغم من عدم التفات المحكمة لأدلة "تقصي الحقائق"، إلا أن هذه الأدلة قد تفتح الباب لإعادة المحاكمة من جديد، وذلك فور صدور النطق النهائي بالحكم في التاسع من مارس المقبل، ما يعني أن العودة للمربع رقم واحد في قضية مجزرة بورسعيد، مسألة وقت لا أكثر، كما أنها تؤكد أمراً غاية في الأهمية وهو أن تحقيق "القصاص" سواء في هذه القضية أو غيرها من القضايا ستظل مشكلة الدولة لسنوات عديدة، خاصة وأن القصاص إذا كان يشفي صدور قوم، فإنه لن ينزل برداً وسلاماً على آخرين، وستظل الاحتجاجات والاعتراضات مستمرة مثلما حدث يوم السبت الماضي في بورسعيد، يوم النطق بالحكم.
المصدر:
التغيير - علي أحمد علي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire