مع الاعتذار للأخ أبو طارق، نحن الآن فى مرحلة خلط السياسة بالكشرى، وربما نعيش فترة نتعامل فيها مع الثورة على أنها وجبة كشرى وبالتالى طبيعى جدا أن تمتزج كل المكونات وتتفاعل كافة العناصر، ونسمع عن «كمالة» للإعلان الدستورى، وإضافة بعض الصلصة والدقة لكى يكون للطبخة الفاسدة أى طعم.
وما تسرب عن الحكومة بشأن مشروع لإعلان دستورى مكمل للإعلان الدستورى، يفض الاشتباك القديم حول «الدستور أولا» أم «الانتخابات الرئاسية أولا» بصيغة جديدة ومبتكرة للغاية هى «الدستور والانتخابات أولا» وحسب التسرب المنشور هناك اتجاه لإجراء الانتخابات الرئاسية أثناء وضع الدستور.
ولا معنى للجوء إلى إعلان دستورى مكمل إلا أن مجلس إدارة الثورة يقر بأن الإعلان الدستورى الأصلى تحول إلى ثوب مهلهل يمتلئ بالخروقات والانتهاكات، وبالتالى بات فى حاجة ماسة إلى عملية ترقيع، والغريب أن الذين يريدون ترقيع الإعلان الدستورى هم أول من انتهكه عندما أعادوا تفعيل قانون الطوارئ فى تجاهل صارخ للمادة 59 منه، والمفارقة أنهم كانوا يعتبرون مجرد الاقتراب من الإعلان «المقدس» بالمناقشة خيانة عظمى للإرادة الشعبية المصون.
ولو صحت هذه التسريبات فإنها تضيف تأكيدا جديدا على حالة العشوائية والاضطراب التى تسيطر على صناعة القرارات فى مصر، لكن الأهم هنا أننا أمام حالة اعتراف ضمنى بأخطاء وعيوب جسيمة فى تصنيع ذلك الإعلان الدستورى الضخم، ما يحتم على الجهة المنتجة سحبه من الأسواق والاعتذار للمستهلك الذى هو المواطن، وتعويضه بالبديل السليم الخالى من المخاطر والعيوب.
غير أن الإيجابى فى الموضوع أن هناك من تخلى أخيرا عن الإصرار على السير فى الطريق الخطأ، ومن ثم لا غضاضة على الإطلاق فى إعادة النظر فى كل ما جرى طوال الشهور الماضية من ارتباك وضبابية، والتوصل إلى خارطة طريق حقيقية وواضحة إن كنا حقا جادين فى إدارة مرحلة ما بعد الثورة على نحو محترم وشفاف، إذ ليس عيبا أن تتوقف عن المسير وتبدأ من جديد وبسرعة وجدية إذا اكتشفت أنك تمضى فى سكة وعرة ومجهولة.
ويلفت النظر هنا أن المرشح الرئاسى المحتمل الدكتور محمد سليم العوا كان الأسرع فى إعلان موافقته الصريحة على اقتراح الإعلان الدستورى المكمل، وكنت أتصور أن الرجل الذى وصف من طالبوا يوما بإعادة النظر فى الإعلان الدستورى بحيث تكون الانتخابات تالية لوضع الدستور بأنهم «شياطين الإنس» سيكون أكثر تحفظا وتشددا فى التعامل مع محاولة المساس بالإعلان الدستورى.
لكن المفاجئ هذه المرة أن الدكتور العوا تخلى عن استبساله ضد كل من يفكر فى إدخال تعديلات على الإعلان الدستورى، وهو الذى خاض حربا ضروسا فى مواجهة الذين طرحوا فكرة المبادئ الحاكمة أو الضوابط العامة الخاصة بوضع دستور للبلاد، متمسكا بحماية الإعلان الدستورى من «العابثين» الذين يتربصون بالإرادة الشعبية التى أسفرت عن هذا الإعلان حسب رأيه.
باختصار نحن أمام حالة تعديلات فى المواقف والأفكار وهذا شىء جيد وإيجابى، لكن بما أننا صرنا نتمتع بالمرونة إلى هذا الحد، فلماذا لا نصنع ثوبا جديدا، طالما نمتلك الخامات والأدوات، بدلا من سياسة ترقيع المهلهل وترميم ما يوشك أن ينقض على رءوس الجميع؟
لماذا نصر على إدارة المرحلة الانتقالية على طريقة «الكشرى» بينما لدينا البرادعى وزويل والبشرى والعوا والبسطويسى وعشرات من العقول النابغة؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire