وقد طرقنا كل الأبواب، وسلكنا كل السبل، وصبرنا حتى اشتكى الصبر منا، ولا أعلم لماذا لا يبدو أن ما نعنيه يفهمه أولو الأمر!
قلنا الجيش والشعب إيد واحدة، وظللنا نحايل، وندلل، ونقبل، ونأخذ صورا بجوار الدبابات، وهات أطّة، وخد أطّة، وحضن لماما.. يلا الثورة داخلة فييين.. يلا افتح المحطة… اعتقل الجيش بعضا من الثوار وعذبهم بداية من يوم 28 يناير، فكتمنا أنفاسهم وقلنا: شششت.. معلش مايقصدوش. فتحت الدبابات الطريق لبلطجية النظام يوم 2 فبراير، فقلنا: ششششتتتت… معلش ما أخدوش بالهم. طارت الطائرات «إف 16» فوق رؤوسنا تروّعنا، فصفقنا لها وزغردنا وعملنا عبط وقلنا: بيحيونا! ضربنا الجيشُ بالهراوات الكهربائية وقالوا: رصيدنا لديكم يسمح. فقلنا: وماله يا اخويا.. ونشحن لك كمان. اشتكى الخارجون من مجلس الشعب ومن المتحف من تعذيب الجيش، فقلنا لهم: بس يا واد انت وهوّ.. وقته ده؟ فقالوا إنهم لا يأبهون للتعذيب، ياما دقت على الراس طبول، ولكن ما آلمهم هو أن بعض ضباط الجيش كانوا يقولون لهم: ارفع راسك فوق إنت مصرى، وحين يرفعون رؤوسهم كان الضباط يدوسون عليها بأقدامهم… فقلنا لهم: لأ.. دول أمن دولة بس لابسين جيش. ههههههه.. آه والله، شفتو كنا بنشتغل نفسنا إزاى؟ كشفوا على عذرية بناتنا فقلنا: معلش.. دى غشومية بس.
كل هذا الصبر من أجل هدف واحد: تحقيق أهداف الثورة التى تعهد بتنفيذها المجلس العسكرى بأقل الخسائر الممكنة، ودون أن نزهق مزيدا من الأرواح. الدم غالٍ، وإن كان الصبر على التعذيب والمحاكم العسكرية وكشف العذريات هو الخسارة فى مقابل الحفاظ على الدم، فالصبر طيب، ومفتاح الفرج. لكننى شخصيا توقفت عن اشتغال نفسى بالتحديد فى يوم 15 مايو، حين قال عبد الخالق للمصريين «كله على ركبه»، حماية لسفارة العدو الإسرائيلى. إلا أن الصبر ما زال مفتاح الفرج. فرج؟ منين يا فرج يجيلك الشماتة؟
ها هى ذى وزارة الداخلية تهرب من العدالة بقناصيها، ويعود أمن الدولة للعمل بكامل طاقته، ولا يتم توقيع عقوبة على قتلة الشهداء، بل ويضرب أهالى الشهداء ويتم اعتقالهم، ثم ينطلق علينا الإعلام مؤكدا أننا ليس لدينا شهداء، هؤلاء بلطجية ماتوا أمام أقسام الشرطة، دمهم لا يضاهى دم البعوضة، ثم ها هم أولاء العمال الذين كتمنا أنفاسهم بعد الثورة وزجرناهم حتى لا يطالبوا بحقوقهم فى العدالة الاجتماعية تسير أحوالهم من سيئ إلى أسوأ، بل ويعاقب الشعب المصرى عقوبة جماعية على إتيانه فعل الثورة الفاحش، ويتحول تهديد المخلوع: «أنا أو الفوضى»، إلى: «الصمت أو الجوع». إلى جانب تفعيل تهديد المخلوع بالطبع من خلال استخدام بلطجية الداخلية لترويع المواطنين. وأخيرا: المخلوع براءة.. ومن قام بالثورة عناصر خارجية من حماس وحزب الله. بل إن أبناء مصر يُقتلون ويُعتقلون لأنهم تجرؤوا وتهجموا على سفارة العدو… سيدنا وتاج راسنا.
يا رااااجل!
طيب.. فلنطرق أبواب القوى السياسية. لا.. القوى السياسية مشغولة فى زار الانتخابات والدستور، لا يهتمون بحال الناس، ولا ينزلون على مطالب الجماهير، بل وأخذهم الغرور حتى ظنوا أنهم من يحرك الشارع، وأن ما يريدونه هو ما يجب فرضه على الناس، وأن الشعب جاهل، وغبى، ولا يفهم، فإما أن تهدده بعقاب الله، وإما أن تخبره بأنه أمى لا يصلح للتصويت فى الانتخابات، ولا يحسن اتخاذ القرار.. يا عم انت وهوّ ركزوا معانا، الثورة تُسرق وسوف نقع فى بئر حكم عسكرى جديد قديم، فتأتى الإجابة جاهزة: الدستور أولا، الانتخابات أولا. يا دين النبى محمد… أى انتخابات فى ظل إعادة إنتاج النظام القديم الذى يزوّر الإرادة الشعبية بشكل آلى؟ وأى دستور سيتم احترامه فى ظل وزارة الداخلية التى تستعين بالبلطجية، والقضاء الذى يتلقى الأوامر عبر الهاتف، ومؤسسات حكومية يتقاضى فيها رئيس مجلس الإدارة راتبا يصل إلى نصف مليون جنيه بينما يتسول العامل حقه الذى لا يتجاوز 600 جنيه مصرى فقط لا غير؟
خلاص يا ولاد.. سيبوهم فى حالهم، دول اتجننوا باين. أما الرموز الوطنية، فالنسبة الأكبر منهم تحولت إلى نجوم سينمائية، لا ترغب إلا فى تسليط الضوء عليها، ولو سمحت صورنى من خدى اليمين عشان خدى الشمال معووج.
ألا هل صبرنا؟ اللهم فاشهد.
ألا هل طرقنا كل الأبواب السياسية والقانونية والإصلاحية؟ اللهم فاشهد. أنا سأبيت فى شارع بلادى حتى تتحقق الأهداف التى من أجلها أُزهقت أرواح الشهداء الذين يعذبوننى فى أحلامى لأننى عشت وهم ماتوا… ولو لم يبقَ سواى فى الشارع ما فارقته. يا أجيب حقهم، يا أموت زيهم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire