ظهور المشير لدقائق في وسط البلد فتح باب التخمينات بأنه يرشح نفسه للحكم خاصة أنه زار المكان بزيه المدني
أدفع نصف عمري وأعرف ما دار في عقل المشير حسين طنطاوي لحظة أن قرر النزول من سيارته السوداء مساء الاثنين الماضي ومشي وسط القاهرة وصافح بشرا تصادف مرورهم وتحدث معهم بما وصف بالود والترحاب.
وربما كان السؤال: هل كانت الزيارة الخاطفة مهمته المباشرة.. أم أنها جاءت عابرة.. فكر فيها لحظتها؟
إن الرواية المتوقعة أنه كان يحضر حفل زفاف في نادي السيارات وفي اللحظة التي كاد فيها يركب سيارته فكر في أن يتمشي بمفرده قليلا.. فكان ما كان.
ولابد أن المكان دخل طرفا في الحوار الذي دار بينه وبين نفسه.. فهو موقع الثورة.. وموضع تأثيرها.. ومسرح أحداثها.. بل أكثر من ذلك يستعد المكان لجمعة ساخنة.. ربما كان الرجل نفسه هدفا لها.. بعد أن شاع أنه ينقذ مبارك من حبل المشنقة في تهمة قتل المتظاهرين.. فهل كانت الزيارة العابرة الخاطفة للمنطقة ولقاء المارة والحوار معهم نوعا من التأييد الفوري له.. ورسالة صامتة لمن هاجموه ــ علي المواقع الاجتماعية الإلكترونية ــ بعد شهادته الأخيرة.. رسالة تقول: إنه إذا كان البعض يختلف معه فإن البعض الآخر يتفق عليه.. إذا كانت قوي سياسية تعارضه فإن فئات شعبية تسانده؟
لو كان ذلك هدفا فإنه تحقق لبعض الوقت.. ثم انقلب فيما بعد.. فقد وجدها منتقدوه فرصة كي يزيدوا من هجومهم عليه.. واختلافهم معه.. وإن كان الرجل حسب ما أعلم واسع الصدر.. سبق أن تسامح في قضية ناشطة معروفة وصلت إلي النيابة العسكرية قبل أن تغلق، والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولي التي ينزل فيها المشير إلي الشارع.. لقد نزل بملابس الميدان وقت الثورة والتقي جنوده الذين كانوا يحمون مبني التليفزيون.. وكانت الأحداث في ذروتها.
وما إن انتهي عمر سليمان من قراءة بيان تنحي مبارك ــ الذي صاغه المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية ــ حتي صافحهما المشير وغادر مقر المجلس العسكري متجها إلي التحرير.. لكن.. الحشود التي سدت الطرقات جعلته يكتفي بالبقاء في منطقة مصر الجديدة.
أما الزيارة الأخيرة فكانت بملابس مدنية.. ودون حراسة.. أو إجراءات أمنية.. ربما ليدلل بذلك علي أن البلاد آمنة رغم كل ما ينشر ويقال عن البلطجة والخطف والسرقة المسلحة وعصابات قطع الطرق.. ربما لأنه يعرف أن مثل هذه الزيارة ستلقي اهتماما شعبيا وإعلاميا يغطي علي ما سبقها.. وهو ما يريده بعد العبارات العنيفة التي تعرض لها علي شبكات الفيس بوك وملخصات التويتر.
وما ضاعف من تأثير المشهد الأخير أن الإعلام نفخ في صورته.. خاصة التليفزيون الرسمي الذي وزع فيلما قصيرا ــ قيل إن مواطنا التقطه للمشير وسط الناس ــ علي كل برامجه ونشراته التي راحت تعيد وتزيد في عرضه.. وفي ظل سوء النية الذي يسيطر علي الجميع لم يمر المشهد مرور الكرام.. بل وضع صاحبه وبطله ونجمه المتميز ــ الذي لا نراه إلا قليلا ولا نسمعه إلا نادرا ــ في مرمي نيران الاحتمالات والتخمينات والتخيلات.
كان أولها أن الزي المدني الذي ظهر به يرشحه للحكم.. ويقدمه للشعب رئيسا.. مثله مثل كل من حكموا مصر منذ ثورة يوليو 1952.. والغريب أن ذلك الرأي المتخيل فرض نفسه بقوة رغم تأكيد المشير أكثر من مرة أنه هو والمجلس العسكري لن يبقوا في السلطة بعد تسليمها لرئيس منتخب من الشعب.. لكن.. في الوقت الذي تتزايد فيه مخاوف الناس من مستقبل مظلم يسوده الاضطراب وغياب الشعور بالأمان نجد من يطالب ببقاء العسكريين في السلطة مع تشديد قبضتهم.. وهو ما ترفضه بالقطع التيارات السياسية المختلفة التي تصر علي انتخابات برلمانية ورئاسية وعودة الجنرالات إلي ثكناتهم.
ويستشهد الخائفون من الحكم العسكري بالسيناريو الذي جري بعد ثورة يوليو.. فقد فشلت القوي السياسية في التوافق.. وعجزت عن الاتفاق علي خارطة طريق.. ومع فوضي الإضرابات والاضطرابات تدخل مجلس قيادة الثورة لإلغاء الأحزاب.. ونسي الدستور الذي كان يعد.. وأعدم قيادات عمالية (خميس والبقري).. وتولي قيادة البلاد.. فجاء جمال عبد الناصر رئيسا.. ومن يومها والحال علي ما هو عليه.
ويبرر ذلك في نظر غالبية من المصريين تراخي الجيش في التصدي بحزم للخارجين علي القانون وكأنه يجد فيما يحدث ذريعة كي يبقي ويستمر.. بل إن هناك من يتوقع أن يلغي العسكريون الانتخابات البرلمانية فور سقوط قتلي في لجانها.. لتكون حجة توليهم السلطة مناسبة.
لقد فتحت الدقائق المعدودة التي قضاها القائد العام للقوات المسلحة في شارع قصر النيل الباب أمام هذه الاجتهادات وغيرها.. وليس هناك دليل يدعمها.. أو ينفيها.. لكن.. من المؤكد أنها تعكس حالة من القلق الشعبي.. والفشل السياسي.. والعجز الأمني.. والخوف الجماعي.
إن أبسط حركة تأتي من المسئول الأول عن حكم البلاد الآن لن تمر بسهولة مهما كانت عفوية وغير مقصودة.. فعندما لا يعرف أكثر الناس خبرة وحنكة ما الذي يحدث في مصر فإن كل شئ مباح
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire