قضت المحكمة الدستورية العليا فى ألمانيا يوم الأربعاء الماضى (25/7) ببطلان عدة مواد جوهرية فى قانون جديد لانتخابات البرلمان. وكانت المحكمة قد أبطلت أجزاء من القانون المعمول به فى حكم لها أصدرته فى عام 2008، ومع ذلك سمحت لانتخابات عام 2009 أن تتم على أساسه. كما سمحت للبرلمان الذى تم انتخابه بالانعقاد، ولم يحل حتى الآن. وهو ما مكن المستشارة الألمانية أنجيل ميركل من أن تعتمد على أغلبيتها البرلمانية ومررت قانونا جديدا دون أن تتوافق على ذلك مع المعارضة التى تقدمت بدعوى إلى المحكمة الدستورية طالبة إبطال القانون الجديد. وهو ما قضت به المحكمة فى قرارها يوم الأربعاء الماضى. وأوصت المحكمة باعتماد قانون انتخابات آخر قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة عام 2013، وقالت إن عدم إصدار القانون المذكور يزيد من فرص حل البرلمان إذا انتخب على أساس القانون الجديد الذى تم تمريره.
هذا الإيضاح تلقيته من الزميل صبحى شعيب الصحفى بوكالة الأنباء الألمانية، والمشرف على موقع «بلدى مصر»، والذى أرفق برسالته نصوص الأخبار التى بثتها وكالة الأنباء الألمانية بهذا الخصوص. وقد اضطر صاحبنا إلى ذلك حين لاحظ أن صحيفة «المصرى اليوم» نشرت الخبر فى عددها الصادر يوم الخميس 26/7 بصورة مشوهة للغاية، أعطت انطباعا بأن ما حدث فى ألمانيا مطابق لما حصل فى مصر أخيرا، حين قررت المحكمة الدستورية فى منطوق حكمها إبطال انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب، ثم تطوعت فى الأسباب واعتبرت المجلس كله باطلا، وبعد ذلك أصدر المجلس العسكرى قراره بحل البرلمان. ما نشرته صحيفة المصرى اليوم كان كما يلى: قضت المحكمة الدستورية العليا فى ألمانيا ببطلان أجزاء محورية فى قانون انتخابات البرلمان الألمانى «بوندستاج». وقالت مجلة دير شبيجل إنه بمقتضى ذلك الحكم فإن البرلمان الحالى يصبح غير دستورى. لأنه سمح لبعض الأحزاب فى البرلمان بتحقيق عدد أكبر من المسموح به فى المقاعد فى بعض الولايات الألمانية. وهو ما يزيل الطابع الأساسى للانتخابات العامة ويتعارض مع التمثيل النسبى. بالتالى فإنه يجب إيجاد برلمان جديد فى خريف 2013 قبل الانتخابات التشريعية القادمة. وهى صياغة تولت «تمصير» الخبر، وقلبت معنى الخبر الذى بثته الوكالة الألمانية وجعلته معاكسا تماما لما أوردته.
لقد تجاهلت الخبر الأصلى بعض الصحف المصرية لأنه يسبب إحراجا للذين طبخوا مسألة حل البرلمان ضاربين عرض الحائط بالإرادة الشعبية التى أتت به. لأنهم فى ألمانيا لم يفكروا فى حل البرلمان احتراما لتلك الإرادة الشعبية، وعبروا عن احترامهم لقرار المحكمة من خلال الاتجاه إلى إصدار قانون جديد يتجنب عيوب القانون الذى ابطلت المحكمة بعض مواده.
أولئك الذين أحجموا عن نشر الخبر لم تكن لديهم شجاعة ذكر الحقيقة، واختاروا الصمت والاستعباط إيثارا للسلامة. وبوسعنا أن نقول إنهم لم يعلنوا الحقيقة ولم يكذبوا. أما الذين لعبوا فى الخبر ونشروه مكذوبا فإن جرمهم أكبر، إذ إنهم لم يختلفوا كثيرا عن ترزية القوانين، الذين يفصلونها حسب الهوى. وقد رأينا فى النموذج الذى نحن بصدده أنهم أعادوا تفصيل الخبر لكى يوافق هوى المجلس العسكرى والذين سعوا إلى حل مجلس الشعب، ولذلك فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن صناعة الترزية ليست مقصورة على القانونيين وحدهم، ولكن لها وجودها، أيضا فى أوساط الإعلاميين. وإذا كان بعض القانونيين يفعلونها بين الحين والآخر فإن بعض الإعلاميين يقومون بالتفصيل اللازم كل يوم.
ذكرنى ذلك بقصة كتاب لى صدر قبل عدة سنوات ضممت فيه مقالاتى التى منعت فى الأهرام، وكان عنوانه «المقالات المحظورة». وقد نفدت الطبعة الأولى من الكتاب بسرعة، وعند ظهور الطبعة الثانية أراد محرر الصفحة الثقافية بالأهرام أن يجاملنى وينشر خبرا عن صدور الطبعة الثانية. ولأن عنوانه كان محرجا، فقد ذكر فى الخبر أننى كنت قد أعددت المقالات للنشر فى الأهرام، ولكنى عدلت عن ذلك وأعدت كتابتها لتصدر فى كتاب مستقل. فأعطى انطباعا بأننى مَن امتنع عن نشرها فى الأهرام، وليس رئيس التحرير.
هؤلاء الترزية لا تهمهم الحقيقة وليس لديهم أى احترام للقارئ، ولكنهم مشغولون باسترضاء ولى الأمر أو ولى النعمة، خوفا أو طمعا، وللأسف فإن هذه المدرسة ما زالت أبوابها مفتوحة بعد الثورة، والقائمون عليها والمنتسبون إليها كانوا مع النظام السابق، وصاروا مع الثورة، وسيكونون مع النظام اللاحق أيا كانت ملَّته أو هويته، لأنهم فى حقيقة الأمر مع أنفسهم أولا، ومع كل جالس على كرسى السلطان. ووجودهم واستمرارهم يسلط الضوء على أن ما نفتقده حقا ليس كفاءة المهنة وإنما أخلاقيات المهنة، التى تعد الأهم والأخطر.
ترزية الأخبار - فهمي هويدي
قسم الأخبار
Mon, 30 Jul 2012 13:04:00 GMT
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire