samedi 30 juillet 2011

ملخص كتاب : 89 العربي

294

-الكتاب: 89 العربي.. تفكير في الثورات العربية الجارية
-المؤلف: بنيامين سطورا وإيدوي بلينال
-عدد الصفحات: 172
-الناشر: ستوك, سلسلة نسق أفكار
-الطبعة: الاولى 2011

يعد الكتاب الأول من نوعه والأهم، لأنه ثمرة تعاون بين بنيامين سطورا أقدر وأشهر مؤرخ معاصر متخصص في الدول المغاربية، وإيدوي بلينال الصحفي الثائر على الوضع العالمي والفرنسي وغير المدجن كما هو حال معظم المثقفين الإعلاميين المسيطرين على المشهد الإعلامي والسياسي والثقافي.

وخلافا لهؤلاء، فإن سطورا وبلينال "غير الإسلاميين" فضلا التفكير العميق في الثورات العربية من منظور التحليل والتفسير والتقييم والاستشراف العلمي بدل التحذير الأيديولوجي المغرض من نتائج ثورات قد تخدم التيارات الإسلامية غير الديمقراطية، كما نبه إلى ذلك أكثر من مثقف فرنسي، وهي التيارات التي يعتقد سطورا وبلينال أنها ثمرة الدكتاتوريات التي كانت تتاجر بها لتكريس حكمها المستبد.

ويعالج الكتاب كل المعاني التي تعبر عنها الثورات أو الانتفاضات العربية كما يفضل البعض تسميتها.

واستوحى الاثنان عنوان كتابهما "89 العربي" من العلاقة الموضوعية التي يمكن تصورها بينها وبين الثورة الفرنسية -1789- والثورة الأوروبية التي أدت إلى سقوط جدار برلين -1989- والانتفاضات التي تلتها طلبا للحرية، وهو ما يمد مثيلاتها العربية ببعد تاريخي وعالمي يكشف عن تغير سياسي سوسيولوجي عميق وغير مسبوق من شأنه أن يتمدد كما تبين ذلك لاحقا قبل بعد صدور الكتاب.

وزاد الكتاب توهجا وزخما وخصوصية، بحكم تكامل نظرة مؤرخ وصحفي يعرفان المجتمعات العربية من الداخل ويحللان علميا بعقل بارد وغير ترهيبي تحت وطأة حس استعماري ثقافي دائم، ويردان على الخصوم الجاهزين والمقولبين فكريا بمقاربة تساؤلات الحاضر وشهادات ومعرفة الماضي وتصور المستقبل بالمنهجية الأكاديمية التي تمكن القارئ من استيعاب وتفهم وتشرب والتقاط كل ما هو إبداعي وغير مسبوق في ثورات عربية مازالت جارية رغم التواطؤ الخارجي مع بقايا العصابات المنهارة والفارة التي حكمت لعقود بالحديد والنار وخدمت قوى السيطرة والاستغلال باسم ديمقراطية تخدم مصالحها فقط.

إنها ثوراتنا المدهشة
أعلن سطورا وبلينال منذ البداية أن فكرة تأليف كتاب في شكل حوار تعبر عن موقف عاطفي وعقلاني من ثورات "هي ثوراتنا"، على حد تعبيرهما، وجاءت الفكرة ردا على لامبالاة وخشية كل النخب السياسية والفكرية بدل التضامن مع أصحابها الذين صنعوا تاريخا جديدا بشكل لم يكن يتوقعه أحد.

وحلل المؤرخ اليهودي -المولود في قسنطينة بالجزائر والصحفي الذي عاش فيها في مطلع الاستقلال وعمل نائب رئيس تحرير في صحيفة لوموند قبل أن ينسحب ويؤسس موقع "ميديابار" المرعب- قوة الحدث بقول الأول ردا على سؤال الثاني "إن الثورات العربية تعد تفنيدا كاملا لمعظم طروحات المحللين الغربيين الذين اعتقدوا حتى غاية عشية الثورات، أن المجتمعات العربية خالية من ممثلين مدنيين واجتماعيين من غير "مجانين الله" كما تطلق على الإسلاميين دون غيرهم من المتدينين المتطرفين اليهود والمسيحيين في العالم.

وحسب سطورا، فإن الثورات العربية كانت متوقعة بسبب تراكم أسباب الانفجار، ولكن انهيار الحكم في تونس ومصر بوتيرة خرافية غير مسبوقة لم يعرفها التاريخ فاجأه شخصيا، والشيء نفسه انسحب على دهشته لاندلاع انتفاضة الشباب في أكتوبر/تشرين الأول 1988 رغم سيطرته الكاملة على واقع الحياة السياسية الجزائرية.

المقارنة مع ثورات أوروبية
واتخذت دهشة سطورا طابعا سرياليا لحظة تلقيه خبر انهيار حكم بن علي ومبارك أثناء وجوده في برلين حاضنة ثورة سقوط جدار برلين عام 1989، وأضحى سطورا عاجزا علميا أمام سرعة وتيرة أحداث تتجاوز المؤرخ المتعود على إيقاع وعادات بحث فكري يحتاج التأني والمراجعة خلافا لسرعة ثورية زادت من حدتها قوة إعلامية غير مسبوقة.

وأدت هذه الحقيقة بسطورا إلى القول "إن المؤرخ الذي يدعي أنه تنبأ بسرعة الحدث الثوري المذكور يعد كذابا بامتياز". السرعة غير العادية هي نفسها التي ميزت ثورة إسقاط جدار برلين الذي مهد لانتهاء عهد الاتحاد السوفياتي، والحركة الشعبية هي التي فرضت أجندتها سلميا دون قيادات أيديولوجية وقوة الإجماع الشعبي هي التي حددت أيضا نجاح الثورة البرتغالية عام 1974 وحطمت نظام سالازار.

اجتماعيا أيضا، الاتحاد العام للعمال التونسيين عجل بالثورة كما حدث في بولونيا مع نقابة سوليدارنوسك، ورغم العوامل المشتركة المذكورة، تبقى خصوصية الثورتين التونسية والمصرية قائمة، لأنهما لم تكونا مهددتين بتدخل خارجي كما كان متوقعا في بولونيا من الاتحاد السوفياتي، وكل ما حدث في دول عربية أخرى لاحقا كان نتاج عوامل متشابكة تتقاطع مع أخرى أوروبية، لكنها تنفرد بخصوصيات تضع حدا للمقارنة.

استئناف التاريخ
وإذا كانت الأوضاع متشابهة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن بسبب استهداف "رأس الأفعى" أي القيادة الفردية والمتسلطة، فإن الوضعية تختلف في الجزائر التي تمتاز بحكم معقد بسبب سيطرة الجيش تاريخيا على حساب رئيس لا يبدو مستهدفا, كما أن الجزائر سبق أن شهدت عدة انتفاضات غيرت الخريطة السياسية بشكل نوعي وإيجابي لم تعرفه بلدان الثورات الجارية.

ورغم خصوصية حكم عربي ما مقارنة بآخر كما هو الحال في المغرب الذي يمرر حاليا مشروع الملكية الدستورية، يتفق سطورا وبلينال على أن رياح التغيير تهب في كل الفضاءات الثقافية والسياسية العربية والإسلامية بدرجات متفاوتة طلبا للحرية والكرامة والعيش الكريم ولحكم ديمقراطي يضع حدا لعهد العائلات والقبائل والعصابات المسيطرة على خيرات البلاد.

عدم التحمس للثورات العربية في أوروبا رغم تقاطعها التاريخي الهام مع الثورة الفرنسية لطابعها الشعبي غير المتوقع الذي عطل نزهة كانط كما قال بلينال، ترك سطورا يقول إن رفض البعض للتحدث عن ثورات عربية مرادفة لعهد جديد عائد إلى عدم تبلور وتحقق الأهداف التي قامت من أجلها كما حدث مع الثورات الأوروبية, "ومن الأفضل منطقيا التحدث عن استئناف التاريخ الثوري السياسي العربي الأول الذي أجهضته أنظمة وطنية فاسدة كما سبق أن أشار الزعيم التاريخي الجزائري فرحات عباس في كتابه "الاستقلال المغتصب".

وحسب سطورا، فإن الشعوب العربية هي بصدد استئناف مسار تحرر الخمسينيات والستينيات الذي كلل بطرد المستعمر القديم، وما يحدث عام 2011 لا يمثل مرحلة جديدة بل تتمة لتاريخ تحرري توقف، والثورات العربية الجارية تعبير عن إرادة استعادة سيطرتها على التاريخ الذي توقف في الستينيات والسبعينيات على أيدي أنظمة وطنية حادت عن أهدافها الثورية وأكلت أبناءها.

الديمقراطية والإعلام والجزيرة
الثورات العربية الجارية والمستمرة حتى ساعة تحرير هذا العرض، تفنيد آخر لأفكار الكثير من القادة والمثقفين الأوروبيين اليمينيين واليساريين من أمثال شيراك وكاسترو وشافيز الذين يعتقدون أن الديمقراطية بمعناها العربي والتقدمي تعني توفير الخبز والصحة والتعليم والتربية دون ضمان المساواة والحرية والحقوق المدنية والسياسية.

وعكس ذلك تماما، أكدت الثورات الجارية نضج جيل جديد يعي حقوقه ويطالب بحريته بتحضر وحس سلمي كانا حكرا على الشعوب الغربية، وعمق سطورا قناعة بلينال بتأكيده الغياب التاريخي للحرية عند الشعوب العربية بسبب الاستعمار والوجود العثماني وأخيرا الاغتصاب السياسي الذي مارسته الأنظمة الوطنية "خائنة الوعود الثورية" غداة الاستقلال.

وبروز المطلب الديمقراطي العربي اليوم يعني موت الخطاب الغربي الذي ساند أصحابه أنظمة عربية قمعية لاعتقادهم أن الشعوب العربية غير ناضجة للديمقراطية ويمكن حكمها بالخبز والدكتاتورية.

الإعلام الإلكتروني اتخذ حيزا معتبرا في تحليل الثورات العربية، واتفق سطورا وبلينال على أنه أصبح ملكا مشاعا بين كل الدول بما فيها العربية التي عرف شبانها كيف يوظفونه لترهيب حكامهم الطغاة من خلال الشبكات الاجتماعية.

"الجزيرة" التي يتابعها سطورا نفسه من باب تأييدها كأداة فتحت أبواب التعبير والحرية وتعرضت للمضايقات في البلدان العربية القمعية كرمت في كتاب سطورا وبلينال لتمكنها من قض مضاجع الحكام الدكتاتوريين واستقبال المعارضين الذين لا يتفقون مع توجهها ومنافستها القنوات العالمية الشهيرة مثل "سي إن إن" و"بي بي سي" وتأثيرها على الرأي العام الأوروبي.

ناهيك عن تبنيها ظاهرة ويكيليكس كتعبير عن حداثة نضالية وإعلامية رقمية بديعة ساهمت في تفجير الثورات العربية من منطلق مساعدة المحكوم الضعيف على قهر الحاكم القوي والمتعجرف الذي أضحى عاريا، وهذا ما أكدته الثورة التونسية الأم والمصرية والثورات الأخرى الجارية على قدم وساق.

فلسطين وإسرائيل والربيع العربي
من أهم محطات الكتاب الحوار علاوة عن مستويات التحليل المذكورة، توقف المؤرخ سطورا والصحفي بلينال عند طبيعة انعكاسات الثورات العربية على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني انطلاقا من حقيقة تخوف إسرائيل من ديمقراطية عربية تنهي خطابهم التاريخي حول ديمقراطيتهم الوحيدة في الشرق الأوسط خلافا لفلسطينيين سعدوا بثورات عربية من شأنها دعم مطالب شرعية لم تعمل على تحقيقها الأنظمة المنهارة التي هادنت العدو الإسرائيلي وتعاملت معه من موقع ضعف وتواطؤ بحكم تبعيتها السياسية وتقاطع مصالحها مع الخطاب الإسرائيلي كمحاربة الإرهاب الإسلامي في فلسطين وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية.

ويعتقد سطورا أن الثورات العربية لا يمكن إلا أن تكون مفيدة ومساعدة على إيجاد حل توافقي معزز بمطالب تاريخية قديمة من الطرفين، والديمقراطية العربية الوليدة التي تشق طريقها بصعوبة تحرج الطرف الإسرائيلي والغرب بوجه عام الذي لا يمكن أن يستمر في سياسة الكيل بمكيالين، والديمقراطية التي يطالب بها الغرب في البلدان العربية تجنبا للتطرف الديني هي نفسها الديمقراطية التي يجب أن تجبره على دفع إسرائيل بقبول توصيات الأمم المتحدة وإلى توقيف سياسة الاستيطان غير الشرعية.

وإذا كان السياق الديمقراطي العربي الجديد في صالح القضية الفلسطينية نظريا وعمليا، فإن المجتمع الإسرائيلي مازال متوجسا ومتخوفا من التطرف الإسلامي ومن المستقبل، على حد تعبيره.

واستطرد سطورا في تحليله لعلاقة الربيع العربي بآفاق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قائلا إن التحدي مزدوج ويواجه إسرائيل التي لا يمكن لها أن تبقى مصرة على ثقافة الحرب ومنطق الخوف، رغم أن ثوار الربيع العربي لم يحملوا شعارات ضدها فضلا عن انحسار الإسلاميين الذين لم يكونوا في صلب الثورة الديمقراطية واستحالة استمرار ما أسماه بالصهيونية السياسية الشوفينية، الشيء نفسه ينطبق على فلسطينيي حماس الذين يواجهون اليوم محيطا ثقافيا وسوسيولوجيا جديدا يقوم على تعددية عربية ديمقراطية زاحفة ووحدة نضالية أكدتها مظاهرات شبانية في غزة ناهيك عن تزعزع حليفيها إيران وسوريا.

أخيرا ورغم الوفاق الفكري الذي ميز حوار المؤرخ والصحفي في معظم الأحيان، يمكن القول إن الثاني استفز الأول أكثر من مرة لإدانة تطرف وتعنت وانغلاق وعنصرية وعسكرية إسرائيل، الأمر الذي يفسر عدم تعليقه على احتمال فرض الأمم المتحدة على إسرائيل احترام القانون الدولي بعيدا عن الثورات العربية الجارية كما بادر بلينال بالسؤال.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire