samedi 27 août 2011

بلال فضل : في مديح الثورة المهذبة!

14
«مشكلة ثورتنا أنها مهذبة أكثر من اللازم، لو كنا مثل باقى الثورات الكبيرة لارتحنا، محاكمات ثورية لأعداء الثورة نطبق عليهم العدالة الثورية ونرتاح لنبدأ فى بناء البلاد» هكذا قال لى ثائر متحمس يحلو له أن يصف نفسه بأنه ثورى جذرى لا يعترف بأنصاف الحلول، أما أنا بالنسبة له فأعتبر ثوريا إصلاحيا يوشك أن يصبح متخاذلا، نظرت إليه كما نظر عبد الناصر يوما إلى معمر القذافى وقلت له «إنى أرى فيك عبطى ووقتا طويلا أضعته محاربا فى الجبهات الغلط»، وقبل أن يفهمنى خطئا أخذت أروى له نماذج من الأفكار التى كنت أعتنقها وأنا طالب فى الجامعة مثله، وهى أفكار بدا هو ذاته إلى جوارها كنباويا خرعا وليس مجرد إصلاحى، ارتبك قليلا وقال: «لكنك لست أكبر منى بكثير»، قلت «صحيح لكننى عندما وجدت أن أصدقاء كثيرين يموتون مبكرا قررت أن أحتاط وأعقل قبل فوات الأوان».
قال لي «سيبك من الهزار»، قلت «ومن قال لك أن كلامى هزار؟»، قال «طيب سيبك من كلامك الذى لا نعرف جده من هزاره وقل لى ألست بالفعل مع المحاكمات الثورية.. لقد سمعتك ذات يوم تلوم على الذين ينتقدون الثورة أنهم ينسون أنها لم تحكم بعد
.. لماذا إذن تستنكر أن يطبق الثوار العدالة بأنفسهم؟»، قلت له «جميل أنك لم تحرف ماقلته.. نعم لقد قلت أن الثورة لم تحكم.. لأنها لن تحكم وتنال شرعيتها الكاملة إلا من خلال صناديق الإنتخابات.. لكن من قال أننى كنت أتمنى أن يحكم الثوار.. بالعكس أنا أحمد الله واشكر فضله ثم أشكر من بعده المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأنه حمى الثورة»، قال لى «آه إنت منهم أولئك الذين يحلو لهم أن يرددوا أن المجلس العسكرى حمى الثورة»، قلت له «أولا لم تدعنى أكمل كلامى.. ثانيا نعم أنا من الذين يرون أن المجلس العسكرى حمى الثورة ليس بمعنى أنه امتنع عن إطلاق الرصاص على الثوار فقد كانت الثورة أكبر من أن يتم قمعها.. بل أرى أنه حمى الثورة من أن يحكم البلاد بعض الثوار.. وقبل أن يطق لك حاجب من شدة الإستنكار دعنى أسألك أولا من هم الثوار الذين كان يجب أن يحكموا ويحاكموا ويطبقوا العدالة.. إذا كنت تعنى بهم ملايين الأحرار الذين خرجوا لإسقاط حسنى مبارك فى ثورة متحضرة لم يشهد لها العالم مثيلا فدعنى أذكرك أن أغلب هؤلاء كما ظهر لنا من خلال ميادين التحرير يعلمون أنهم سيحكمون فقط من خلال صندوق الإنتخابات الذى قد لا يأتى لمصر بكل ماتتمناه من أول مرة لأن زمن المعجزات انتهى.. ويعلمون أن الرهان على تغيير مصر لن يكون إلا من خلال المراهنة على العملية الديمقراطية التى تشكل الإنتخابات الحرة ركيزتها.. هؤلاء هم الذين أثق أنهم سيصلون إلى الحكم ذات يوم بعد مجهودات مضنية وبعد إلتحام بالناس وتواصل مستمر معهم.. وهؤلاء بالمناسبة لم يطالب أحد فيهم بإعدامات فى الميادين ولا بمحاكم ثورية ولم يقم بتخوين الناس ولم يتعالى على الجماهير.. ولهؤلاء أنحنى إحتراما وتقديرا مهما اختلفت معهم».
قال لى «إذن من هم الذين تدعى أن المجلس حمى الثورة منهم؟»، قلت له: «أتحدث عن أولئك الذين يعشقون من ينافقهم مثلما كان مبارك يعشق من ينافقه.. أولئك الذين يعتقدون أن الثورة تعنى أن تقل أدبك على خلق الله دون أن تحترم سنا أو مقاما أو إنجازا أو عطاءا.. أولئك الذين يعتقدون أن الثورة بدأت يوم خمسة وعشرين يناير ويهدرون كفاح شعب تواصل عبر أجيال للأسف لا يعرف أغلبهم عنه شيئا ويرى أن محاولة معرفته مضيعة للوقت.. أولئك الذين يتحدثون بإسم الشعب طيلة الوقت ثم عندما لا ينساق إلى معاركهم الهوجاء يتهمونه بأنه جاهل وغير واعى ونفسه قصير.. أولئك الذين كان بودهم أن يستبدوا بخلق الله لأنهم شاركوا فى الثورة مثلما استبد بنا حسنى مبارك لأنه شارك فى حرب أكتوبر.. أولئك الذين يظنون أن قدرتهم على إقفال الميادين يؤهلهم لحكم دولة.. أولئك الذين يرددون هراء من نوعية الشرعية الثورية وأن الشرعية من التحرير مع أن الشرعية لا يمكن أن تأتى إلا من صندوق الانتخابات.. أولئك الذين يحلمون بمشانق منصوبة لكل من يختلف معهم فى الرأى.. أولئك الذين يخفون خواءهم بالعصبية ويشعرون بالأمان الثورى عندما يشعرون أن البرامج التى يحبونها لا تستضيف إلا من يتفقون معهم فى الرأى.. أولئك الذين يتصورون أن مصر يمكن أن تفلح أو ينصلح حالها لو حدث إنشقاق فى المؤسسة العسكرية لكى يرضوا غرورهم وتولع البلد باللى فيها.. أولئك الذين يتحدثون أضعاف مايقرأون بدليل أنهم ينتقصون من الثورة المصرية ويقارنونها بثورات لا يعرفون عنها شيئا غير إسمها ولو قرأوا عن تلك الثورات لما أتوا بسيرتها على لسانهم».
قاطعنى وهو غاضب وقال لى: «يا أخى فلقتنا بسيرة تاريخ الثورات.. طيب ماتكلمنا عنه بدل ما انت قاعد بتأتت فينا كل شوية»، شعرت بالإحراج وقلت له «فى هذه عندك حق.. أعدك أننى سأبذل قصارى جهدى فى أن ألخص لك بعض ما قرأته فى تاريخ الثورات، لعلك إذا رأيت بلاوى غيرك تهون عليك بلواك»، قال لى «إنت إذن تعترف أن لدينا بلاوي»، قلت له «لو كنت تتابعنى لأدركت أننى كتبت كثيرا عن بلاوينا وبلاوى الذين يحكموننا فى هذه الفترة الإنتقالية.. لكننى أرفض أن تجعلنا هذه البلاوى ننسى حجم الانتصار الذى حققناه وننشر الإحباط واليأس ونتقوقع على بعضنا البعض لنقضيها ندبا ولطما.. وننسى أن المشوار لا زال طويلا وأنه ليس معنى أن مبارك رحل فى 18 يوما أننا سنحتاج إلى 18 يوما مثلها أو حتى 18 أسبوعا أو 18 شهرا لكى نقوم بتفكيك الألغام التى زرعها فى أرضنا بعناية وإحكام هو والسابقون له بإفساد واستبداد.. المشوار طويل ياصديقى ونحن نحتاج فيه إلى الحكمة بنفس إحتياجنا إلى الشجاعة.. لا تنس أن كل الفضائل رائعة ولكن فقط فى وقتها، الجرأة فى أوقات انعدام الرؤية حماقة قاتلة، والحكمة فى وقت إلتحام الصفوف جبن عاجز، واليأس فى وسط المعركة خيانة، والحياء فى ليلة الدخلة عبط. طيب مادمت قد ابتسمت وزال توترك قليلا دعنى أحدثك بدءا من السبت القادم عن الثورات التى كنت نتمنى أن نتشبه بها، لعلك تحمد الله على ثورتنا التى لم تنجح فى أن تنقل تهذيبها لبعض أنصارها فجابوا لها ولأنفسهم الشتيمة».

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire