عندما يقول المجلس العسكرى إن الدولة غير مسئولة عن تأمين مليونية استرداد الثورة، فهذا يعنى اعترافا صريحا بأنه لا توجد إدارة أو حكومة فى هذا البلد، والأخطر أن فى ذلك دعوة من طرف خفى لمن يريد أن يمارس البلطجة والتخريب لكى يؤدى مهمته وهو آمن وواثق من أن أحدا لن يوقفه رسميا.
وعندما يعود المجلس فى رسالته الأحدث لكى يهيب بـ«المواطنين الشرفاء التصدى للعناصر التى تهدف لزعزعة الاستقرار» فإنه يواصل ذلك الخطاب المحرض على الثورة، وإحداث الوقيعة بين الشعب وثورته، وهو المجلس الذى طالما اشتكى من محاولات الوقيعة بين «الجيش» و«المجلس الأعلى».
لقد احتشدوا لإجهاض مظاهرات الأمس بعديد من الوسائل، أطرفها استدعاء «حملة» من قدامى الصحفيين والكتبة المحالين إلى الاستيداع، لكى يتغزلوا شعرا ونثرا على صفحات جريدة عماد الدين أديب فى فضائل المجلس العسكرى وإدارته العبقرية للمرحلة الانتقالية.
وبالتزامن معها كانت الضربة الأمنية الاستباقية التى واصل بها وزير «الإعلام الوقائى» استهداف المنابر الإعلامية بمهاجمة المقر الجديد لقانون الجزيرة مباشر مصر، بحجة أنهم كانوا ينوون بث وقائع مظاهرات الجمعة، فى عملية «قطع طريق» على إدارة القناة لاستخراج الترخيص الرسمى للبث من القاهرة، والذى تقدمت بها للجهات المختصة التى طلبت بدورها تجهيز مقر كشرط للحصول على الترخيص.
إلا أن محاولات الحصار، واستنفار ما يسمى بالأغلبية الصامتة وائتلاف روكسى، لم تمنع عشرات الآلاف من الاصطفاف فى ميدان التحرير، بكل المحافظات، لتكشف أن إعلام ماسبيرو لايزال مصابا بالعمى الحيثى، حيث لم ير مراسلوه فى هذه الحشود الهائلة بالميدان إلا تجمعات غير كثيفة، فيما قطع مراسل القناة الأولى شوطا أبعد فى التدليس حين جزم بأنه رأى بأم عينيه نية الخارجين من الميدان فى عدم العودة إليه.
إن خروج المصريين فى جمعة الأمس يشبه الخروج إلى الميادين فى 25 يناير الماضى، ذلك القطر الذى أعقبه الغيث المنهمر يوم 28 من الشهر ذاته، وكما كانت كل التوقعات تشير إلى أن المصريين لن يستجيبوا لنداء التظاهر 25 يناير، وإن خرجوا فلن يتجاوز عددهم المئات، فإن جمعة الأمس شهدت شيئا مماثلا، حيث ظن البعض أن الناس ضجت بالتظاهر والذهاب إلى التحرير، وأن الأعداد ستكون قليلة، غير أن الشعب المصرى كالعادة أسقط رهانات المتربصين بالثورة، والحشود التى أزهرت فى الميدان أمس تعد شيئا كبيرا ورائعا بالنظر إلى كثافة نيران الضربة الإجهاضية للمناسبة.
ولا أدرى من هذا العبقرى الذى أشار على «مصدر عسكرى فضل عدم ذكر اسمه» بالتلويح بأن المجلس لا يهمه مقاطعة الغالبية العظمى من القوى السياسية للانتخابات بالقول إنه «إذا كانت هناك أحزاب تهدد بمقاطعة الانتخابات المقبلة، فإن هناك أحزابا أخرى ستشارك فضلا عن المستقلين الذين يمثلون الكتلة الصامتة» حسب المنشور فى «الشروق» أمس.
إنها لعبة برلمان أحمد عز تتكرر، حين قرروا لعب «الجيم» بأحزاب صناعية تربت فى فناء صفوت الشريف، وكانت النتيجة برلمانا لقيطا أدى إلى سقوط النظام، بعد أقل من شهرين على مهزلة الانتخابات الفضائحية.
وإذا كانت تسريبات الأمس تشير إلى أن «العسكرى» سيستجيب لمطلب تعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات، فإن الفطنة تقتضى من الجميع ألا يفرحوا بهذا المغنم الصغير، فالأهم هو قانون يمنع الفلول من الترشح خمس سنوات على الأقل، سواء كان ذلك تحت اسم «الغدر» أو «العزل».. المهم ألا نقع فى خطيئة الابتهاج بالفتات مرة أخرى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire