samedi 1 décembre 2012

مناضلون أم معارضون؟ - د. ياسر على

 د.ياسر على

كنت في صيف‏2006‏ أحضر ندوة نقاشية في أحد مراكز التفكير في العاصمة التركية حول دور الأحزاب في دول العالم الثالث ومستقبل تطورها وكيفية العمل علي إنضاج برامجها‏.
ويومها أتذكر أن القضية الأهم التي طرحت في هذه الندوة هي تلك المحاضرة الرائعة للأكاديمي التركي الدكتور بشير أنطاي والتي عرض فيها للبعد الوظيفي للتشكيلات والأحزاب السياسية وذلك تحت عنوان’ الأحزاب بين النضال والمعارضة’.
أكد الرجل أن الأحزاب في العالم الثالث تخطئ كثيرا عندما تسرف في النضال علي حساب المعارضة وعندما تهتم بالأيدلوجيات علي حساب التنمية والبناء, وأنه ورغم الظروف الصعبة والمعقدة التي تعيشها الأحزاب والقوي السياسية وخصوصا في المنطقة العربية, إلا أنه لا يمكن أبدا أن تكون هذه الأحزاب قادرة علي الاستمرار والحياة اذا استمرت في هذه الممارسة لان النضال لا ينجح إلا إذا كان وظيفة الشعوب أما البناء فهو وظيفة الكيانات السياسية والحزبية وأن التحزب الفكري والتنظير الأيدلوجي هو وظيفة المفكرين وليس السياسيين. ويومها استدل الدكتور إنطاي بما قاله ناعوم تشاموسكي المفكر الأمريكي المعروف حول الأحزاب الغربية وتطورها وكيف أنها تآكلت أيدلوجيا وتعاظمت تنمويا بمعني أن الفروق الأيدلوجية والتحزبات الفكرية قد تضاءلت كثيرا بينما تبذل هذه الأحزاب جهودا مضنية في تقديم خططها وأفكارها في مجال التنمية المستدامة ومجال الارتقاء بالإنتاج والخدمات وقضية التعليم وسبل تطويره وتحسين أدائه والصحة وتأمين خدماتها الي آخره من مجالات العمل الذي يلامس الاحتياجات الحقيقية للمواطنين.
وقد أشار إلي القاعة طالبا من الحضور أن يذكر أحدهم ما هي الفروق الأيديولوجية التي يمكن أن نحصيها بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي الأمريكي وحزب العمال والمحافظين في بريطانيا ودار الحوار. يومها الذي وصل فيه الحاضرون إلي أنه كلما نضجت التجربة الحزبية تضاءل الصراع في الجوانب الفكرية والأيدلوجية في إطار الأفكار الحاكمة والثقافة الأساسية للمجتمع, وفي نفس الوقت تتباري هذه الأحزاب في تكوين وضم كوادر قادرة علي طرح أفكار تنموية حقيقية وزيادة قدرتها التنفيذية علي إدارة شئون البلاد ومرافقها.
أذكر أنني وفور عودتي من هذه الندوة كتبت في يومياتي في هذا التوقيت تحت عنوان’ معارضون لا مناضلون’ وكتبت تحت هذا العنوان أن التجربة السياسية التي مرت فيها مصر بعد ثورة1952 لم تخلق عملا سياسيا ناضجا ولا حتي معارضة حقيقية نتيجة انخفاض سقف الحريات وغياب أحد أهم روافع العمل السياسي وهو مبدأ التداول السلمي للسلطة وضياع أمل الأحزاب التي نشأت في السبعينيات من القرن الماضي في أن تمارس عملا سياسيا حقيقيا أو أن تأخذ الفرصة لكي تقترب من دوائر صناعة القرار في بلدنا أو أن يكون لها الحق في الحصول علي معلومات وأرقام حقيقية حول مجمل قضايا التنمية والخطط الوطنية في كل القطاعات, وتحولت معظم هذه الأحزاب والكيانات والجماعات إلي حركات نضالية تحاول الحصول علي أبسط الحقوق الأساسية في الممارسة السياسية وتحول خط المجهود الرئيسي في هذه الكيانات الحزبية وغيرها من منطق المعارضة إلي منطق النضال إذ إن للمعارضة أدواتها ووسائلها وللنضال أدواته ووسائله.
علي رغم النضال الدستوري البرلماني الذي شاركت فيه هذه الأحزاب في الانتخابات البرلمانية طمعا في توسيع هامش المشاركة والاقتراب من دوائر صنع القرار ولاكتساب مهارات العمل السياسي التطبيقي منذ انتخابات1984 وصولا إلي انتخابات نوفمبر2010 وهي الانتخابات الأخيرة قبل الثورة المصرية العظيمة ثورة25 يناير2011 كان التزوير هو العنوان الأبرز في كل هذه الانتخابات وإن اختلفت أشكال وأحجام وأدوات هذا التزوير مما استدعي أدوات النضال أن تكون حاضرة في المشهد بشكل متكرر وجعل معظم هذه الكيانات الحزبية والمؤسسات السياسية مناضلين أكثر من أن يكونوا معارضين.
ظل النضال بأدواته المتمثلة في الاحتجاج والاعتصام والمقاطعة ومحاولة تغيير النظام هي الأدوات الأكثر فاعلية والأكثر استخداما داخل هذه الأحزاب, بينما غابت وبشكل كبير أدوات المعارضة الحقيقية وهي أدوات مختلفة, مثل رسم السياسات والخطط البديلة وتنمية الكوادر وحكومات الظل وغيرها من الأدوات والمهارات التي هي مستلزمات العمل السياسي الحقيقي والذي يطمح من خلالها الحزب إلي الوصول للسلطة وتقديم نفسه كبديل فاعل لجماهير الناخبين ويعمل وبكل قوة علي إعداد كوادره لهذه المسئولية ويشحذ كل طاقاته لدعم فرص نجاحه في هذه المهمة.
إن كل الأحزاب في مصر قبل الثورة وباستثناء الحزب الحاكم في ذلك الوقت علي اختلاف أفكارها وأيدلوجياتها وأفكارها ظلت في هذا المضمار علي اختلاف درجات نضالها واقترابها أو ابتعادها من النظام الحاكم وعلي اختلاف قدراتها علي الصمود والتحدي للظروف المحيطة ومشاكلها الداخلية وعلي قدرتها علي تجديد شبابها ووصولها للمجتمع والتفاعل مع مشاكله. وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 وبعد المتغيرات الجوهرية التي أحدثتها الثورة في هيكل النظام السياسي والحزبي وزيادة عدد الأحزاب في مصر بشكل كبير وهو أمر صحي وهام. وبعد أن خلقت الثورة مناخا جديدا للحرية وسقفا مرتفعا للعمل السياسي تذكرت هذه الكلمات التي سجلتها كما قلت تحت هذا العنوان’ معارضون أم مناضلون’ والتي أتمني من خلال نافذة التواصل الأسبوعي في’ الأهرام’ أن تكون محلا للحوار والنقاش, وذلك حرصا مني علي مستقبل التجربة السياسية التي ضحي المصريون في سبيلها وقدموا أكثر من ألف شهيد وأكثر من عشرة آلاف مصاب. أتمني أن نعمل كمصريين جميعا وأن تعمل كل الكيانات والأحزاب الوطنية لإنضاج عمل سياسي حقيقي,عمل يغير الثقافة التي ترسخت عبر العقود الماضية, والذي جعل العمل التنظيري الإعلامي النضالي طاغيا علي كثير من الكيانات والأحزاب دون المشاركة الفاعلة في عمل تنموي واجتماعي حقيقي يساهم في دفع سفينة الوطن إلي الأمام.
إن إصرار البعض علي استخدام أدوات النضال رغم تغير الأحوال وتبدل المناخ هو تفويت لفرصة تاريخية حيث أصبح التداول السلمي للسلطة حقيقة كرسها الشعب الثائر وتحرسها المؤسسات التي تعبر عن إرادة هذا الشعب وأصبح المجال فيها مفتوحا للجميع أن يشارك في الهم الوطني. كما أن المصريين الذين أسقطوا ذلك النظام الذي وقف حجر عثرة أمام تطور النظام السياسي والحزبي والذي أعاق قدرات هذه الأحزاب والكيانات أن تكون داعمة لنهضة بلدها ووطنها ينتظر منا جميعا أن ننشغل بالمستقبل بكل أحلامه وإشراقه وأن نترك الماضي بكل مشاكله وأحزانه وأن نحذف من قاموس العمل السياسي كثيرا من الكلمات التي ارتبطت بتلك الفترة التي كانت الأجهزة الأمنية هي التي تشعل المعارك فيها بين الأحزاب والقوي السياسية, وعلي رأس تلك الكلمات كلمتا’ الصدام والتخوين’.

مناضلون أم معارضون؟ - د. ياسر على
قسم الأخبار
Sat, 01 Dec 2012 14:30:00 GMT

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire