حجم الأكاذيب والتحريض والتشويه الذى تداولته وسائل الإعلام المصرية عن الدستور المصرى الجديد خلال الأسابيع الماضية كان كفيلا إذا صدقه الشعب المصرى أن يجعل التصويت بنعم للدستور لا يتجاوز نسبة 10%، لكن يبدو أن الشعب الذى اتهمه كثير ممن تولوا إدارة هذه الحملة بالجهل أحيانا، وبعدم المسئولية أحيانا أخرى لديه من الوعى ما جعله يصوت لصالح الاستقرار، لكن أعجب ما نعيشه الآن فى مصر هو حجم التصريحات التى يطلقها بعض من أصبحوا قادة سياسيين يحركون المشهد والتى يبدو كثير منها خارج نطاق الزمن والتاريخ، فبعد إقرار الدستور نجد بعضهم ينادى بدستور 1971 ويدعى أنه يُخرج مصر من الأزمة ولا أدرى عن أى أزمة يتحدث هؤلاء بعدما صوت الشعب للدستور الجديد الذى يتفوق فى كل بنوده على كل الدساتير السابقة وقال نعم بنسبة لا بأس بها، وهل نال أى دستور فى تاريخ دساتير الشعب المصرى من النقاش والخلاف والحرب الإعلامية كما نال هذا الدستور؟ وهل سبق للشعب المصرى أن تمت استشارته بشفافية عن رأيه فى الدستور وقال رأيه بحرية فيه حتى إن محافظة مثل محافظة المنوفية التى على رأسها الدكتور محمد بشر عضو مكتب الإرشاد السابق وأحد قيادات الإخوان المسلمين قالت لا للدستور ومع ذلك لم يتدخل المحافظ كما كان يحدث من قبل ليزوّر النتيجة لصالح النظام أو أخونة الدولة كما يدعى هؤلاء؟ فقبل إعلان نتيجة الدستور بل ربما قبل التصويت أخذوا يتحدثون عن التزوير، ثم عن بطلان الدستور، وإسقاطه حتى بالقوة كما قال أحدهم، أما الآخر وهو من رموز النظام السابق فقد نادى بحكومة وفاق وطنى بعدما أعلنت النتيجة وهزم الشعب المعارضين، ولا ندرى ولا نفهم كيف يطالب بالمشاركة فى الحكم من يعارضه بل من يتهمه بالتزوير والأخونة وغير ذلك من المصطلحات والعبارات الفضفاضة التى تنتمى إلى ثقافة الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى ومنظمة الشباب، وهذا الذى يدعو إلى حكومة وفاق وطنى كان يبحث عن أى علة ليحول دون خروج الدستور إلى الوجود ولما لم يجد علة قال بثقافته الواسعة إنه يعترض على الدستور بسبب النص الخاص بأهل السنة والجماعة معتقدا بثقافته الضحلة أن أهل السنة هم السلفيون والجماعة هى جماعة الإخوان المسلمين واتهم الإخوان والسلفيين أنهم فصّلوا هذه المادة على مقاسهم وأخرجوا باقى الأحزاب من الإسلام، هذا ما صرح لى به أحد قيادات الجمعية التأسيسية للدستور حينما أبلغه بموقفه، هذا الزعيم الذى ينتمى إلى عصور التنظيم الطليعى والاتحاد الاشتراكى وكان من أدوات حسنى مبارك ثلاثين عاما ثم ركب قطار الثورة وأصبح يتحدث باسم الثوار ويمثلهم فى المؤتمرات التى يعقدها زعماء المعارضة.
كثير من الأصوات العالية لا وجود لهم إلا فى الفضائيات، يحرضون ويكذبون ويعارضون من أجل المعارضة لأنها أصبحت حرفة لدى البعض يسترزق منها وقد شوه هؤلاء دور المعارضين الوطنيين الحقيقيين الذين يعارضون بوطنية وبرؤية لأن المعارضة تبنى ولا تهدم، وتدعم استقرار الوطن لا تزرع القلاقل فيه، فالنظام لا شك له أخطاؤه الكبيرة التى أصبحت تتراكم فى الفترة الماضية بشكل كبير حتى إن الرئيس مرسى اعترف بها فى خطابه الأخير، وليس معنى اعترافه بها أننا نعفيه من تحمل مسئوليتها، إن للكلمة مسئوليتها أما الذين يتعاملون مع الكلام بمنطق أنه ليس «عليه جمرك» فعليهم أن يعلموا أن الشعوب لا ترحم ونحن فى عصر تكنولوجيا المعلومات التى تعنى أن كل ما يقال لا يمحى بل يفضح لا سيما حينما يكون خارج نطاق الزمن والتاريخ.
أحمد منصور يكتب : تصريحات خارج الزمن والتاريخ
قسم الأخبار
Sat, 29 Dec 2012 10:10:00 GMT
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire