mercredi 30 novembre 2011

ثورة ضد من خدعوا الثورة

37
(عندما ينزل الرجل إلي الميدان يترك (الجماعة في البيت)، تعليق كتبه ناشط شاب علي شبكة الفيس بوك، ولم يكن يقصد بالطبع سوي جماعة الإخوان المسلمين التي يري الشباب أنها ركبت الثورة التي خافت أن تشارك فيها من البداية، أما في الميدان فقد باغت أحدهم أستاذا شابا للعلوم السياسية بمجرد أن خطت قدماه أرض الميدان سائلا إياه: (انت جاي من عند الكوافير)؟ في إشارة لتسريحة الشعر الغريبة بعض الشيء بالنسبة لأبناء البلد أو للرفاهية التي ينعم بها أفراد النخبة الذين يري رجال الميدان أنهم تاجروا بالثورة وركبوا علي أكتافها عابرين علي جثث الشهداء من أجل تحقيق طموحات سياسية، ومادية، وإعلامية) المصير نفسه واجه مرشحا شهيرا للرئاسة حاول أن يتواجد بين الشباب في اليوم الأول لثورة الغضب الثانية وأن يقنعهم بفض الاعتصام، وواجه رؤساء أحزاب سياسية حاولوا أن يعيدوا الكرة ويركبوا الموجة الثانية من الثورة كما ركبوا الموجة الأولي، عقدوا اجتماعا عاجلا في حزب الغد القريب جدا من الميدان، وعقب انفضاض الاجتماع حاولوا التسلل للميدان فكان نصيبهم الطرد!
المصير نفسه واجه إعلاميين وصحفيين ومذيعي فضائيات ركبوا موجة الثورة، وحولها بعضهم إلي عقود بالملايين وأرصدة في البنوك.
هناك تفسيرات كثيرة لما يحدث في التحرير، لكن الحقيقة أن الدم أصدق أنباء من الكتب، والدم الذي سال في شارع محمد محمود من شأنه أن يعيد رسم خارطة الوطن من جديد.
ثورة الغضب الثانية هي ثورة حقيقية، وهي ثورة ضد الذين ركبوا الثورة وضد الذين حاولوا خداع الثورة.
القائمة طويلة ولا تقتصر علي الإخوان والسلفيين ولا علي النخبة فقط، في قائمة الخطايا أيضا ستجد وزارة الداخلية التي لم يصدق أفرادها أن عهدا جديدا قد بدأ في مصر.
وفي قائمة الخطاة أيضا ستجد المجلس العسكري وهو في ظني يضم رجالا حسني النية، لكن حسن النية يورد صاحبه مورد التهلكة أحيانا!
أروع ما في ثورة الغضب الثانية أنها ليست في اتجاه واحد، ليست فورة غضب يمكن أن تنتهي بعد أيام، هي أيضا تمتلك وعيا فطريا جعل من غضب الشباب سيفا مشهرا في وجه الذين استهانوا بهذه الثورة وظنوا أنهم يمكن أن يركبوها.
غطرسة الشرطة
-- في النظرة الأولي لهذه الثورة يمكن أن تجد أنها ثورة ضد غطرسة الشرطة التي ظنت أنها ضحكت علي الثورة وأنه يمكنها أن تستمر في اتباع الأساليب القديمة نفسها، ولم تكن هذه الأساليب سوي ممارسات قمعية عاجزة وفاشلة وحقيرة هي ذاتها ممارسات شرطة ما قبل 25 يناير وهي ممارسات عادت لها الشرطة مسلحة بسردية حقيرة لا تري في شهداء الثورة سوي مجموعة من البلطجية الذين هاجموا الأقسام فحق عليهم القتل، ولا تري في مصابي الثورة سوي مجموعة من النصابين والبلطجية الذين يدعون الإصابة طمعا في صرف تعويض مالي أو بحثا عن فرصة عمل، فكان كل هذا العنف والوحشية في التعامل مع ما لا يزيد علي مائتي شخص جلهم من العجزة وذوي الحاجة الذين يستحقون التعاطف والمساعدة أيًا كان سبب إصابتهم.
-- كانت خطيئة الشرطة الأخيرة هي إقدامها علي التعامل بكل هذا العنف والوحشية مع مصابي الثورة بكل ما يحمله مصابو الثورة من دلالة رمزية، ليحق عليهم غضب الثوار وسخطهم، ولم تكن خطيئة إهانة المصابين سوي الخطيئة الأخيرة في سلسلة من الخطايا ترتكز كلها علي اعتقاد أفراد الداخلية أنه يجب عقاب الشعب المصري علي ثورته في 25 يناير وتشترك كلها في الاعتقاد بأنه من الممكن خداع الشعب المصري وإيهامه بأن الأمور علي ما يرام، كانت كل الخطايا تتركز في اعتقاد أفراد الداخلية أن ثورة المصريين في 25 يناير ليست ثورة حقيقية، وأنها ثورة (كده وكده) وإلي جانب محاولة جهاز الأمن الوطني العودة إلي وضعه الأول المسيطر علي حياة المصريين، كان هناك الانفلات الأمني، والتحالف مع البلطجية، والتباطؤ والتواطؤ مع قتلة الثوار، وهي كلها خطايا وصلت بغضب المصريين إلي الحلقوم وجعلت آلاف الشباب يرون مواجهتهم لقوات الشرطة في شارع محمد محمود مواجهة لعقود طويلة من القمع والإذلال حتي ولو كان ثمن إسقاط هذا العصر هو هذا الطوفان من الدم الطاهر.
تفاهة الإخوان
-- في الميدان أيضا ستلحظ ذلك الغضب الساطع والطاهر ضد جماعة الإخوان المسلمين، هذا الغضب لا يعبر عن نفسه فقط في النكتة التي تتحدث عن الرجال الذين ينزلون الميدان ويتركون (الجماعة) في البيت، ولا في خروج د. محمد البلتاجي رجل الجماعة من الميدان هذه المرة مذموما مدحورا، ولكنه غضب أكثر وعيا من هذا بكثير، حيث يدرك الشباب أن بقاءهم في الميدان يعني تأجيل الانتخابات التي أراد الإخوان والسلفيون السطو عليها، هذا الغضب نابع من وعي فطري لدي الشباب بأن جماعة الإخوان قفزت علي الثورة ومن وعي أعمق بأن الإخوان ليسوا كما يشيعون سبب نجاح الثورة والدليل أن الميدان يبدو نديًا بهيًا متألقًا متماسكًا ممتلئًا عن آخره رغم أن الإخوان لم يشاركوا ولن يشاركوا، والحقيقة أن جماعة الإخوان مع كامل الاحترام لأعضائها من مواطنينا المصريين هي جماعة (تافهة) بمعني الكلمة، أتيحت لها بعد الثورة فرصة تاريخية كي تضع يدها في يد باقي فصائل الحركة الوطنية لبناء مصر من جديد ولتبني تجربة علي نمط تجربة أبنائها وأتباعها من إسلامي تركيا، أو حتي إسلامي تونس.
-- لكنها فضلت بدلا من هذا أن تتحالف مع السلفيين ليزيدها هذا التحالف انغلاقا علي انغلاق وضيق أفق علي ضيق افق، ثم هي فضلت بانتهازية منقطعة النظير أن تتحالف مع المجلس العسكري وأن تستغل قله خبرة رجاله بالسياسة وأن تقنعه أنها الفصيل الوحيد الذي يحكم ويتحكم في الشارع وأنها ستأتي له برضا الناس وتأييدهم علي طبق من فضة، ثم كانت لعبة الاستفتاء السخيفة وما أشاعته الجماعة وأتباعها من السلفيين من لغو وتضليل بأن الاستفتاء هو علي المادة الثانية من الدستور ولم يكن ذلك سوي الكذب نفسه والزور بعينه، وهاهو الدرس قد جاء للجماعة حيث تهددها الانشقاقات ويتمرد شبابها عليها مرة في الثورة الأولي، ثم مرة ثانية أو موجة ثانية في ثورة الغضب الثانية أو ثورة نوفمبر، ويكتشف الجميع أن الميدان يمتلئ عن آخره ويحمي نفسه دون وجود الإخوان، وأن مواطنا ثوريا علي استعداد أن يموت من أجل مبادئه هو أقوي من مائة عضو خانع تابع يأمرونه فيأتمر ويحطونه فينحط، وها هي الجماعة تحصد آثار أخطائها، حيث لا يستطيع رجالها دخول الميدان، وهو ما سينعكس بلاشك علي خارطة المستقبل إن شاء الله.
النخبة الفاشلة
-- في قائمة المخطئين أيضا، والذين طردهم الميدان من رحمته ستجد أولئك السياسيين والحزبيين والإعلاميين والنشطاء الذين ركبوا علي أكتاف ثورة يناير ولم يمهلوا أنفسهم مهلة لالتقاط الأنفاس بعد نجاح الثورة التي لم يكن لها قائد إلا الشعب، هذه الثورة التي كان وقودها غضب ملايين المصريين والتي تعمدت بدماء الشهداء والمصابين هي أكثر ثورة في التاريخ تعرضت لمحاولات السطو الناعم، ممن اصطلح علي تسميتهم بالنخبة المصرية وهي نخبة عرفت طوال تاريخها بأنها نخبة فاسدة وفاشلة لا تؤمن بالناس ولا بأنهم أداة للتغيير، وهي تربت علي حجر السلطة منذ عصر محمد علي وحتي عصر محمد حسني مبارك.
هذه النخبة التي فوجئت بالثورة تماما كما فوجئ بها نظام مبارك، انهمكت علي الفور في محاولة ركوب الثورة وارتكبت خطيئة الانعزال عن الناس، وكانت (الفهلوة) والرغبة في حصد المكاسب السريعة هي سمتها الأولي، ولو تأملت في أفراد هذه النخبة بعد الثورة لوجدتها تنقسم إلي قسمين أولهما هو النخبة القديمة من المعارضين الذين عاشوا في كنف نظام مبارك معارضين مستأنسين يشكلون جزءا من النظام وهؤلاء بلاشك هم جزء لا يتجزأ من فلول نظام مبارك تماما كما هو الحال مع أعضاء الحزب الوطني وربما أكثر بكثير في بعض الحالات.
-- والجزء الثاني هم بعض السياسيين والنشطاء من الشبان الذين شهدوا حالة من الصعود السياسي مع ثورة لم تجد من يتحدث باسمها، وكان من اللافت أن هؤلاء استجابوا بسرعة مكوكية لمحاولات الإفساد التي مورست معهم وعليهم وعلي الفر سواء من جهات خارجية أو داخلية تحول بعضهم لضيوف دائمين في الفضائيات وهذا في حد ذاته ليس عيبا، وتحول عشرات منهم لمقدمي برامج في فضائيات جديدة يعرف القاصي والداني أنها أسست بأموال فلول النظام الذي قامت الثورة من أجل هدمه، ولم تكن هذه الفضائيات تريد سوي غسيل السمعة حتي لو دفعت لأفراد النخبة الجديدة مئات الآلاف والملايين، وإلي جانب هؤلاء كان أثرياء الثورة الجدد الذين سارعوا لتأسيس فضائيات تتحدث باسم ميدان التحرير لنكتشف أن الحديث باسم الثورة يمكن أن يؤدي لأن يربح صاحبه الملايين.
ثم كانت الشائعات والشواهد والدخان الذي غالبا ما تصاحبه نيران عن تمويلات خليجية وخارجية لهذا الطرف أو ذاك، وهو كلام إن كان بعضه كذبا وافتراء فالأكيد أن بعضه الآخر ليس كذلك ليصاب الناس بالحيرة والبلبلة ثم الغضب والقرف الذي وصل إلي قمته وعبر عن نفسه في رفض الثوار لأن يدخل أي من هؤلاء الميدان ليعيد الكرة ويتاجر بالموجة الثانية من الثورة كما تاجر بالموجة الأولي تماما.
المجلس الذي خيب الآمال
في قائمة الخطايا والمخطئين ستجد أيضا المجلس العسكري الأعلي، وفي ظني أنه يضم رجالا حسني النية والطوية، وفي ظني أن خطيئة المجلس الأولي هي أنه لم يصدق أن ثورة 25 يناير هي ثورة حقيقية قام بها المصريون ضد الظلم والفساد والاستبداد , ظن المجلس أن دوافع المصريين للثورة هي نفس دوافع القوات المسلحة للغضب من نظام مبارك، والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا فالمجلس ورجاله كانوا غاضبين من فكرة أن يورث قائدهم الأعلي البلاد لابنه من بعده، ومن هنا كان غضبهم من مشروع التوريث وكان ظنهم أن الثورة يجب أن تكتفي هي الأخري بأن مشروع التوريث قد فشل، ولكن الحقيقة أن هناك فارقا كبيرا بين ثورة تهدم أسس الفساد وبين حركة تطهيرية تهدف لضرب شلة سياسية لا يحبها رجال المجلس الأعلي.
من هنا كان الخلاف والاختلاف وعدم الرغبة في محاكمة مبارك ورجال حكمه من الحرس القديم وكان التباطؤ، ثم العمل بسياسة رد الفعل وتنفيذ ما يطلبه الثوار في اللحظة الأخيرة، وكان من الخطايا أيضا ذلك التودد المبالغ فيه للإخوان والسلفيين حتي تحول الشيخ محمد حسان لمتحدث رسمي باسم المجلس العسكري في فترة من الفترات، ثم كان كل هذا الكم من مستشاري السوء، وقلة الحيلة أحيانا، وضعف الكفاءة أحيانا، والانفلات الأمني، والحديث الدائم عن أصابع خفية لا يتم قطعها، ومؤامرات لا يتم الكشف عن مرتكبيها، وهو ما استفد رصيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة لدي المواطن العادي وجعله في النهاية لا يسمح.
كتب وائل لطفى
روز اليوسف
العدد 4355 - السبت الموافق - 26 نوفمبر 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire