يمر الاقتصاد المصري بأزمة طاحنة تمتد جذورها إلى بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، وخاصة بعد سياسات الانفتاح الاقتصادي التي بدأها الرئيس الراحل "أنور السادات"، مروراً ببرامج إصلاح متعاقبة لم تؤد إلا إلى تردى الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفقر والبطالة، لتنتهي بالتداعيات الاقتصادية لثورة 25 يناير، وأبرزها توسيع حجم الإنفاق الحكومي لتلبية المطالب الفئوية في ظل عجز شديد في الموازنة العامة وارتفاع حجم الدين الداخلي، مع تقليص الاعتماد على المجتمع الدولي لدواعي أمنية وسياسية. وهو ما يعكس حالة من التخبط حول مدى قدرة الاقتصاد المصري على الصمود، وقدرة السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية التي تمر بها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير على تدارك الوضع الحالي والمضي قدماً في عملية الإصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي.
ويثير هذا الوضع تساؤلاً خطيراً تمثل الإجابة عليه أهم متطلبات الفترة الراهنة مفاده كيف يمكن إتباع سياسة إصلاح اقتصادي في المرحلة الانتقالية توازن بين تلبية مطالب الثورة الشعبية، وإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار؟. وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل وكذا البحث عن مخرج للوضع الحالي للاقتصاد المصري حاول "إبراهيم سيف" في دراسة نشرها مركز كارنيجي للسلام الدولي في نوفمبر عن تحديات التحول الاقتصادي في مصر توصيف الوضع الحالي للاقتصاد المصري والوقوف على أهم هذه التحديات وآليات مواجهتها.
الاقتصاد المصري منذ ثورة يناير
يصف الكاتب وضع الأداء الاقتصادي في مصر منذ أن بدأت الثورة المصرية في يناير 2011 بأنه متباطئاً، حيث انخفض الناتج المحلي وانهارت عائدات السياحة؛ الأمر الذي أدر بدوره لانخفاض الاحتياطات الرسمية من العملات الأجنبية بنسبة 9 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام2011،. ويُتوقع أن تواجه مصر فجوة في التمويل الخارجي بحوالي 11 مليار دولار في النصف الثاني من العام 2011 والنصف الأول من العام 2012. وهو ما يثبت أن الإجراءات التي نفذتها الحكومة الانتقالية من زيادة الإنفاق العام هو مجرد رد فعل على المطالب الشعبية.
وفي حقيقة الأمر، سيكون لهذه الإجراءات نتائج خطيرة طويلة المدى على الميزانية وعلى الموقف المالي للحكومة المصرية؛ إذ يتطلب الإنفاق الزائد عن الإيرادات من الدولة الاقتراض إما من مصادر محلية أو أجنبية . فحتى وقت قريب، كانت الحكومة تقترض من السوق المحلية. وقد سجل الدين العام المحلي في العام 2011 زيادةً قدرها 19,6 في المائة عما كان عليه في العام 2010 وما نسبته 1,7 في المائة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، ارتفع الدين الخارجي بنسبة 6,9 في المائة، في حين تراجعت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي فاق نمو الدين على مدى الفترة ذاتها. وهو ما يؤدي بدوره إلى تقييد السيولة وعرقلة الاستثمار، خاصة وأن البنوك كانت مترددة في الإقراض بسبب حالة عدم اليقين السياسي والاجتماعي للمرحلة الانتقالية وهو ما يرتب مزيدًا من التدهور في الاقتصاد.
وفي ضوء التطورات الأخيرة، يطرح الباحث أربعة سيناريوهات محتملة تعتمد على سلوك الحكومة خلال المرحلة الانتقالية، هي على النحو التالي:-
السيناريو الأول:- الاستمرار في استرضاء مطالب الشارع بطريقة دورية وتفاعلية. وسيرتفع عجز الموازنة أكثر فأكثر إلى مستويات لا يمكن تحملها. وإذا ما حدث هذا، فإن الأداء الاقتصادي في القطاعات الرئيسة سيواصل الانخفاض وسيتدهور الأمن، وتتفاقم البطالة والفقر، وفي نهاية المطاف، سيتدهور الاستقرار في البلاد. وسيصبح تنفيذ سياسات الماضي الأبوية والسلطوية من قبل الحكومة الانتقالية جذاباً على نحو متزايد من أجل استعادة النظام.
السيناريو الثاني:- العمل على جذب وتأمين بعض التمويل. لكن الحكومة ستستمر في الاستجابة لمطالب الشارع من خلال توسيع النفقات العامة من دون معالجة التحديات الهيكلية والمؤسسية الأساسية. وبموجب هذا السيناريو، سيظل الاقتصاد ضعيفاً مع مستوى لا يمكن تحمله من الإنفاق العام، ونظام اقتصادي لم يتم إصلاحه ومن شأنه أن يسهم في انتقال فاتر وبطيء إلى الديمقراطية.
السيناريو الثالث:-العمل على صياغة إطار كلي متماسك ووضع الأساس اللازمة للتعامل مع المطالب الآنية، ويجري التطلع قدماً إلى الاحتمالات التي ستعالج التحديات على المدى المتوسط. بموجب هذا السيناريو، من شأن ثقة البنوك في المرحلة الانتقالية والحكومة الوليدة أن تتعزز ببطء عندما تتم استعادة الاستقرار السياسي.
السيناريو الرابع:-تحسن الأداء الاقتصادي نتيجة التدابير التي تنفذها الحكومة لاستعادة الأمن والاستقرار من دون وضع إطار متماسك أو القيام بعمل منسق. وبموجب هذا السيناريو سيتجدد النشاط الاستثماري للقطاع الخاص، وتعافي الاقتصاد. وفي ظل غياب إطار واضح، من المؤكد أن تحدث نكسة، وسيتدهور الوضع من جديد.
سبل الإصلاح الاقتصادي في مرحلة ما بعد الثورة
من شأن استمرار الاستجابة للمطالب الشعبية بطريقة مدروسة أن يسمح للحكومة الانتقالية بالمناورة بشأن خططها طويلة الأجل لإصلاح الاقتصاد. ولعل أفضل سبيل لتحقيق الإصلاح الشامل يكمن في التعامل مع الاقتصاد اليوم بمجموعة من الحلول القصيرة ومتوسطة الأجل.
أولاً:- الاستجابات قصيرة الأجل. يكمن التحدي في كيفية تقديم سياسات قصيرة الأجل على النحو الأفضل، قادرة على عكس اتجاه التباطؤ الاقتصادي مع تجنب الإضرار بالإصلاح الاقتصادي في المستقبل، على أساس نموذج اقتصادي أكثر شمولاً. وستلبي الاستجابات قصيرة الأجل والمدروسة بشكل صحيح بعض التوقعات على مستوى الشارع، في حين تضع الأسس اللازمة لمستقبل اقتصادي سليم.
وثمة ثلاثة مجالات رئيسة على صعيد السياسات تحتاج إلى معالجة على المدى القصير، هي كالآتي:-
1- طمأنة القطاع الخاص على استثماراته.حيث أدت العديد من التحقيقات الجنائية في قضايا الفساد المزعومة، والتي تتجاوز حالياً 6000 قضية، إلى خلق بيئة معادية لاستثمارات القطاع الخاص. وتسهم مخاطر المصادرة المتوقعة في تثبيط المستثمرين المحليين والأجانب. وبالتالي ينبغي أن تتمثل المهام المباشرة للحكومة الانتقالية في استئناف النمو وطمأنة القطاع الخاص بأن مصالحه مؤمنة. ولضمان تنفيذ هذه المهام لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات تتمثل في:-
- إشراك القطاع الخاص (الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة على حد سواء) في عملية صنع القرار الخاصة بالسياسة الاقتصادية. ومع ذلك لا تزال جهود الحكومة محدودة في هذا المجال، لذا يبقى قلق المستثمرين بشأن الاستثمار في مصر شديداً.
- التوقف عن إبعاد صغار المستثمرين وإتاحة التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة لإنعاش قطاع الاستثمار، حيث أدت سياسة الحكومة الانتقالية في الاعتماد على الاقتراض المحلي لتجنب الاقتراض الخارجي لأسباب سياسية، إلى تقليل فرص الاقتراض الذي يمكن أن يكون متاحاً للقطاع الخاص، وإثقال كاهل الميزانية بالتزامات مستقبلية.لذا يجب على الجهة التنفيذية إما تجنب الاقتراض باستثناء النفقات الرأسمالية الضرورية، أو اللجوء إلى السوق الدولية لتفادي الضغط على السيولة والاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة في السوق الخارجية. علاوة على ذلك، يمكن للحكومة إنشاء صناديق للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم وتطبيق قواعد الشفافية.
- تسهيل الأنظمة وإشراك القطاع غير الرسمي، فثمة حاجة ملحة إلى تخفيف الأنظمة الصارمة التي تعيق النشاط الاستثماري الجديد وتثبط المبادرات التجارية من حيث الوقت والتكاليف والإجراءات المطلوبة لبدء مشروع تجاري، إذا ما أريد للجيل المقبل الحصول على فرصة لدخول سوق العمل. كما أن من شأن تشجيع من يعملون في الاقتصاد غير الرسمي على تسجيل أعمالهم، توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات الحكومية بالفعل، وتخفيف معاناة العاملين في هذا القطاع من ظروف العمل السيئة وتقلبات السوق وعدم الحصول إلا على القليل من الفوائد المباشرة من المساعدة الحكومية.
- توجيه المجتمع الدولي نحو أولويات مصر. فلدي الجهات المانحة الدولية والأجنبية الرغبة والقدرة على لعب دور إيجابي بالنسبة إلى الاقتصاد المصري خلال الفترة الانتقالية، لكن يجب على الحكومة الانتقالية أولاً توضيح أولوياتها، ومن شأن سياسة واضحة بتفويض واضح أن تساعد على تجنب تصورات من عدم الاحترام، مثل انتهاك الولايات المتحدة للسيادة المصرية من خلال تقديم التمويل للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المصرية.
2- استعادة ثقة الشعب المصري في المؤسسات الرسمية للحفاظ على التماسك الاجتماعي والذي يؤدي بدوره إلى حالة الاستقرار الاقتصادي الكلي في البلاد على المدى الطويل، ويكون ذلك من خلال مجموعة ممارسات، وهي:
- اعتماد مقاربة أكثر تشاركية في عملية صنع القرارمن خلال إشراك الجهات الفاعلة الناشئة الجديدة في مصر – منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومنظمات الشباب المختلفة ومجتمع رجال الأعمال - في عملية صنع القرار لما له من دور حيوي في مجال الاستثمار.
- تطبيق القوانين لكن مع عدم المبالغة في حجم الفساد، فقد ساهمت بعض جوانب إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية في بروز تصور واسع الانتشار مفاده أن الفساد موجود في كل مكان، من خلال تقارير وسائل الإعلام عن أرقام غير مؤكدة بشأن الثروة المزعومة الفاحشة لمبارك وعائلته ورفاقه، إلا أن الاهتمام المبالغ فيه بهذه القضايا، يخلق الوهم المثير للسخرية بأن معالجة الفساد من شأنها أن تحل مشاكل مصر الاقتصادية، لكن ما تتطلبه المشاكل الاقتصادية هو الإصلاح الاقتصادي.
3 - السياسات الاجتماعية. حيث يعتبر الإنفاق الاجتماعي وسيلة للحكومة لجسر الفجوة بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية في مصر، لذا لابد من فتح النقاش حول الدعم والتركيز على الفئات المستهدفة، حيث يمثل الدعم باعتباره جزءاً من هذا الإنفاق أكثر من 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، لكن آثاره لا تزال عاجزة عن الوصول إلى الطبقات الفقيرة والمهمشة التي ستستفيد منها أكثر من سواها. وبالتالي فإن البرنامج القومي للدعم المالي الحكومي في حاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة لاستهداف أولئك الذين يفترض أن يستفيدوا من أكبر قدر من الدعم، بدلاً من أن تنتفع به الطبقة العليا في مصر كما يحدث حالياً.
وتبدأ عملية إعادة الهيكلة من خلال تبادل المعلومات حول تأثير توزيع الدعم على أساس مستوى الدخل، ويمكنها أن تميز بين دعم المواد الغذائية التي تعتبر حساسة للغاية، ودعم الوقود الذي يستهلك في الغالب من قبل مجموعات لا يُقصد أن تستفيد من الدعم.
يضاف إلى ذلك أيضاً السياسات الاجتماعية التي يمكن إتباعها بالتنسيق مع القطاع الخاص، من خلال العديد من المبادرات التي تسهم في الالتزام بمبدأ المسئولية الاجتماعية للشركات في محاولة لبناء صورة جديدة لها مثل ترقية مبادرات قائمة حالياً مثل مبادرة ال 1000 قرية الأكثر فقراً، والتي أطلقت في العام 2007 ، والهادفة إلى تحسين وضع 1000 قرية عن طريق تحسين البنية التحتية للتعليم الأساسي، وفتح فصول لمكافحة الأمية، وتقديم المزيد من فرص العمل، وتوفير سيارات الإسعاف والخدمات البريدية، وهذا من شأنه تحرير بعض الموارد العامة التي يمكن أن تخصصها الحكومة الانتقالية للتعليم والصحة.
أيضاً لابد من تشجيع الحوار الاجتماعي، وهو ما فشلت الحكومة الانتقالية في إطلاق آلية يمكن من خلالها متابعة هذا الحوار دون اللجوء إلى الإضراب أو العنف، مثل الشروع في حوار بشأن الحد الأدنى للأجور والدعم، ومن ثم السماح للجهات الفاعلة بالتفاوض في ما بينها. ومن شأن الحوار بين مختلف الجهات المعنية أن يعزز الشعور بأن صنع القرار عملية طويلة الأجل، وهو الاحتمال الذي تم تشويهه في الماضي بسبب القمع السياسي وإضعاف المؤسسات، كما من شأن هذا الحوار أن يطمئن المستثمرين من القطاع الخاص الذين يريدون تجنب أي مفاجآت خلال الفترة الانتقالية للحكومة.
ثانياً: استجابات على المدى المتوسط (ما بعد الانتخابات)
ترتبط استجابات مرحلة ما بعد الانتخابات بالمدى المتوسط، ما يعني 3: 5 سنوات بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. والحكومة المنتخبة أو حكومة المستقبل مطالبة بتحقيق عدد من الأهداف على المدى المتوسط استناداً إلى مطالب المتظاهرين في ميدان التحرير، وتتمثل أهم هذه المطالب في: تعزيز النمو والحد من الفقر، وخلق فرص عمل لائقة، وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل من النمو المسجل، وتعزيز الاستثمار، والتغلب على العجز المؤسساتي والحكومي وتعزيز سيادة القانون.
وفي مقابل هذه الأهداف المرجوة، يقع على الحكومة المنتخبة مواجهة تحديات كبيرة تتعلق بالوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق تلك الأهداف، ويذكر الباحث أن هذه التحديات من شأنها أن تؤثر ليس فقط على النمو الاقتصادي وحسب، بل على المضي قدماً نحو الديمقراطية، وعرض الباحث مجموعة من التحديات وسبل مواجهتها نعرضها فيما يلي:
1- نقص الاستثمار:تزايد نفور العديد من المستثمرين وتردد القطاع الخاص منذ قيام الثورة، وإذا ما استمر هذا النفور؛ فإن آثار ذلك على الاقتصاد يمكن أن تكون مدمرة، ولتجنب ذلك لابد من إتباع عدد من السياسات منها:
- تسهيل مبادرات القطاع الخاص وتشجيع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام. فوجود بيئة تجارية ودودة، وإطار سياسي متماسك، وبيئة سياسية مستقرة أمر لابد منه. وثمة مصدر آخر من مصادر الاستثمار المحتملة هو الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يتوقع أن يزداد إذا ما تحسن الوضع الأمني في مصر، وأعلنت حكومة منتخبة عن خطط واستراتيجيات متوسطة الأجل.
- تعزيز النمو الشامل للجميع من أهم آليات الخروج من الأزمة الحالية، فالاستثمار سيولد النمو بالتأكيد، لكن النمو وحده يوفر فائدة ضئيلة في ما يخص الاستقرار الكلي للاقتصاد مع محدودية آثار النمو المحقق على الفئات المختلفة. فالنمو الشامل يعني جعله لصالح الفقراء، وأن يترافق مع توزيع أكثر عدلاً للموارد. كما يتعين أن يخلق النمو وظائف منتجة ويساهم في تنويع الاقتصاد. ويتطلب النمو الشامل تعزيز العلاقات المتبادلة داخل المنشور التنموي، الذي يشمل النمو والتشغيل والعدالة الاجتماعية. ويمكن استخدام التمويل الصغير باعتباره واحداً من محركات تعزيز النمو الشامل، ومن الأمثلة الناجحة "برنامج القاهرة لتحسين سبل العيش" الذي يقدم قروضاً لخلق فرص عمل للنساء اللواتي يعشن في مناطق المدينة الأكثر فقراً. بالإضافة إلى إعادة التركيز على الزراعة ورفع القطاعات ضعيفة الأداء، و توفير الرعاية الصحية وخدمات التعليم الملائمة.
- التأكيد على العمل الرسمي.وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 2010 ، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا يزال العمل غير الرسمي يشكل مصدر قلق كبير، وقد يعمل رجال الأعمال الشباب تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمي ويتهربون من الضرائب وغيرها من القيود، لكنهم غير قادرين على النمو نظراً إلى عدم وصولهم إلى مصادر التمويل المعقولة والخوف من اللوائح والضرائب. وعلى الرغم من مزايا القطاع غير الرسمي، مثل غياب الضرائب والتحايل على الفساد الحكومي والبيروقراطية، فإن هذا القطاع عرضة إلى الهزات.
ويتطلب الحد من العمل غير الرسمي مجموعة من السياسات المتماسكة التي تتراوح بين الإنفاق العام والضرائب والسياسة النقدية. ويكمن الحل الأساسي في كيفية إصلاح النظام التعليمي لإعداد الطلاب لسوق العمل، ومن خلال تشجيع الطلاب على المشاركة اليوم في القطاع الرسمي والاعتماد عليه لتأمين فرص العمل وتحسين ظروف المعيشة، سيتم تدريجياً تحقيق الاعتماد والثقة في فائدة الانخراط في القطاع الرسمي.
- تحسين الأجور والإنتاجية والدفاع عن أنظمة العمل المرنة. فتحسين الإنتاجية، الذي يزيد في نهاية المطاف مكاسب العامل الإجمالية، أمر ضروري لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري. وهذا يستلزم بناء القدرات داخل مؤسسات العمال للتفاوض بشكل أفضل على تحسين أجورهم. وينبغي اعتماد قوانين عمل ولوائح أكثر مرونة من وجهة نظر أرباب العمل بشكل متوازٍ. فمن شأن تعديل قوانين العمل وتمكين الموظفين، من خلال تسهيل مختلف أشكال العمل الجماعي أن يساعد على تطوير نظام جديد، كما أن وجود سوق عمل مرن يترجم إلى زيادة المنافسة والإنتاجية.
2- الضعف المؤسسي.تحتل مصر مركزاً متواضعاً في مؤشرات الحوكمة مقارنةً بالأسواق الناشئة الأخرى. فمصر لديها واحد من أسوأ مستويات الفعالية الحكومية المتصلة بكفاءة المؤسسات الحكومية ودورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فيجب تحسين هذا التصنيف إذا كانت مصر تريد المضي قدماً في الإصلاح الاقتصادي وتحقيق أهدافها المرجوة، ويكون ذلك باتخاذ عدد من الإجراءات تتمثل فيما يلي:-
- إنفاذ القوانين والكف عن تفضيل الشركات الكبرى.اتسمت عملية الإصلاح في مصر في ظل النظام السابق بسمتين رئيستين: أولها:- ترافق سن قوانين تحرير الاقتصاد بتغييرات تشريعية أخرى زادت من قوة صمود شاغلي الوظائف الحكومية. هذا المزيج جعلهم محصنين إلى حد ما على أساس دستوري. ثانيها: لم تقترن القوانين والتعديلات والمراسيم الجديدة بتطوير آليات مؤسسية لتنفيذها. وقد أدى هذا القصور إلى اختصار القوانين إلى مجرد بيانات مثالية تفتقر إلى التطبيق.
وينبغي للحكومة المصرية في مرحلة ما بعد الانتخابات العمل على تعزيز استقلالية النظام القضائي، وبناء القدرات لإيجاد سبل للتعامل مع القضايا المرتبطة بالسوق مثل قوانين مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك، وحقوق الملكية الفكرية وتشريعات مكافحة الإغراق، وقضايا السياسة التجارية.
- تعزيز النقابات العمالية وجمعيات المستهلكين لتحقيق التوازن بين المنتجين والمستهلكين، وبين أرباب العمل والعمال، ولابد من تعزيز القدرات التنظيمية للدفاع عن حقوق المجموعات المنظمة وتعزيزها. فقد أضعف سوء استخدام السلطة من قبل النخَب دور المجتمع المدني والمؤسسات والنقابات التي كان يجب أن تشارك في عملية التحول من الحكم السلطوي. وأدى هذا إلى جعل عملية الإصلاح نخبوية ومبهمة، في ظل مزاعم مستمرة عن الفساد من قبل الجمهور الذي كان يفتقر إلى الثقة في النظام.
ومن المتوقع أن ينبعث دور النقابات العمالية من جديد في بيئة ما بعد المرحلة الانتقالية، ما يمنح النقابات السلطة والشرعية للتفاوض على شروطها مع أرباب العمل، ويسمح لها ببناء القدرات الخاصة بها كمجموعة ناشئة.كما ينبغي أن تنمو أيضاً قدرة منظمات المجتمع المدني من أجل فرض قوانين جديدة تنظم مكافحة الاحتكار والمنافسة في السوق. هذه المنظمات ً تساهم في تحقيق التوازن بين المنتجين والمستهلكين، وتساعد في وضع حد على مستوى ممارسات زيادة الأسعار الاستغلالية التي تتركز في بعض الأسواق مثل الأسمنت والصلب.
- إشراك أصحاب المصلحة - خاصة الشباب - في عملية صنع القرار. تعد عملية صنع القرار الجديدة أحد العوامل الأساسية التي يمكن أن تميز نظام ما بعد الانتخابات عن النظام القديم. وينبغي أن يشارك العديد من أصحاب المصلحة الذين تم استبعادهم خلال حقبة النظام القديم في عملية صنع القرار، ومن المتوقع لتفكيك نظام النخبوية وتنفيذ تدابير مكافحة الفساد أن تفتح الفرص لجيل جديد من رجال الأعمال، و أن يكون بداية جديدة للاقتصاد في البلاد. وستعتمد مصر بشكل متزايد على الشباب الذين يواجهون تحديات البطالة الهائلة والعقبات الاقتصادية الكبيرة.
ويمكن لعملية صنع القرار في مصر "الجديدة" أن تكون أكثر شفافية وانفتاحاً ومشاركة، بألا تبقى القرارات مقتصرة على تفاوض جماعات النخبة مع بيروقراطيين ضعفاء، بل ينبغي أن تكون نتيجة لعملية حوار جماعي، وأحد سبل البدء في هذه العملية يتمثل في توسيع مشاركة الجمهور في تحديد أولويات الميزانية، من خلال إنشاء مؤسسة رسمية مثل مجلس اقتصادي واجتماعي يعهد إليه فتح حوار بشأن مثل هذه القضايا المتفجرة بمشاركة من المجتمع المدني ووسائل الإعلام وأرباب العمل والموظفين.
3- سياسة اجتماعية سخية لكنها غير فعالة وقد تم التطرق لسبل حلها في الحلول قصيرة الأجل، والتي يمكن معالجتها من خلال وقف الإنفاق الاجتماعي غير الفعال والتركيز على مساعدة الفقراء.
ويختتم الباحث دراسته بتقييم سياسات الحكومة الاقتصادية في المرحلة الانتقالية، واصفاً إياها بأنها فشلت في إرسال الرسالة الصحيحة في ما يخص نواياها أو ما يخص إدارة الاقتصاد؛ ولقد كان التحرك لإبرام اتفاق جديد بين الدولة والمجتمع خجولاً، إذ لم تتخذ الحكومة الانتقالية أي خطوات تشير إلى أن النموذج الاقتصادي الجديد ينبثق. وفي حين أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو مجرد حكومة انتقالية، فإن إلغاء مسئوليته تجاه الاقتصاد يهدد عملية التحول، ومعها قدرة مصر على المدى الطويل لتعزيز الديمقراطية.
إبراهيم يوسف
عرض: أميرة البربري - باحثة في الدراسات الإعلامية
تعريف الكاتب:
باحث متخصص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط بمركز كارنيجي للسلام الدولي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire