الاتصالات التليفونية بدأت بينهما عصر 28 يناير بتكليف من القوات المسلحة بالنزول إلي الشارع.. وانتهت صباح 11 فبراير بكلمة واحدة من مبارك لطنطاوي:«شيلها»
أولها كان مساء 28 يناير.. وأعنفها كان قبل «موقعة الجمل» بساعات
4 لقاءات بدأت بمحاولة إبعاد طنطاوي عن قيادة الجيش.. وانتهت بخلاف معلن قرر مبارك بعده عزل المشير ورئيس الأركان بعد أن تنتهي المظاهرات
لقاء مركز العمليات حضره جمال مبارك.. لكن الرئيس طلب من طنطاوي ألا يظهر في الصور حتي لا يستفز المتظاهرين
لم يكن المشير محمد حسين طنطاوي بعيدا عما جري في مصر أيام الثورة.. كان الرجل إحدي القامات الكبيرة التي اجتمعت وناقشت واعترضت وقررت.. صحيح أنه تفرغ بعد تكليفه بالنزول إلي الشارع مساء 28 يناير لحفظ الأمن والسيطرة علي الأمور، بعد أن انهارت الشرطة تماما، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون شريكا في أحداث كثيرة.. وتفاصيل دقيقة يمكنه أن يكون شاهدا عليها للتاريخ.. وللوطن.. ولوجه الحقيقة أيضا.
في 22 يناير حضر المشير طنطاوي اجتماعا حضره رئيس الوزراء أحمد نظيف وحبيب العادلي وزير الداخلية، لمناقشة التقارير التي ترصد حركة الاحتجاجات والمظاهرات، وهو الاجتماع الذي قيل إن قرار قطع الاتصالات تم فيه، وهو ما لم يكن صحيحا علي الاطلاق، فقرار قطع الاتصالات لم يفكر فيه أحد إلا بعد أحداث 25 يناير.. فقد بدا أن المظاهرات هذه المرة مختلفة.. وأنها لن تنتهي بسهولة.
بعد هذا الاجتماع لم تجر أي اتصالات بين الرئيس والمشير، فما تم فيه سيرفع به رئيس الوزراء تقريرا وافيا، وعليه فلم تكن هناك حاجة لأن يتحدث مبارك مع طنطاوي ولو حتي تليفونيا.
بعد أحداث 25 يناير ظل حبيب العادلي يعتقد أنه قادر علي السيطرة، وأن الداخلية يمكن أن تنهي المظاهرات في ساعاتها الأولي، ولم يكن علي ضباط الداخلية بعدها إلا أن يعودوا إلي بيوتهم ليتناولوا الغداء مع أولادهم وزوجاتهم.
لكن بعد ساعات قليلة لم يكن هذا هو رأي حبيب العادلي، الذي اتصل من مكتبه بالرئيس مبارك ليخبره بأن الوضع أصبح خارج السيطرة.. وأن قوات الأمن لم تعد قادرة علي التصدي لملايين المتظاهرين الذين خرجوا من كل مكان.. وزحفوا علي الشوارع والميادين.
لم تكن لدي حبيب العادلي أي قدرة علي التفكير.. لاح له تصرف واحد، وهو أن ينزل الجيش، لا ليتعامل مع المتظاهرين فقط، ولكن لإنقاذ جهاز الشرطة الذي تحطم أيضا.. قال للرئيس نصا في اتصاله التليفوني:خيارنا الوحيد هو نزول الجيش.
تردد مبارك في البداية.. وكانت المفاجأة أنه طلب من حبيب العادلي أن يبلغ القرار للمشير طنطاوي بنفسه، وهو ما أربك العادلي، فمبارك هو رئيس الجهاز الأعلي للشرطة وهو في نفس الوقت القائد الأعلي للقوات المسلحة، وهو وحده من له الحق في إبلاغ المشير بالأمر.
حتي هذه اللحظة لم يكن مبارك مدركا خطورة ما يجري، ولم تكن لديه معلومات كاملة عما يحدث في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر.. فلم يتحرك ليتحدث مع المشير، لكنه ترك المهمة لحبيب العادلي، الذي أبلغ طنطاوي بمضمون ما دار بينه وبين مبارك.
أخذ المشير طنطاوي المبادرة.. أجري اتصالا بالرئيس مبارك الذي طلب منه أن ينزل الجيش إلي الشارع فورا.. وأن يحافظ علي الشرعية.. وعلي الفور أيضا طلب المشير طنطاوي من اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية أن ينزل بالقوات إلي الشارع فورا.. وهو ما حدث في تماما الساعة الخامسة مساء 28 يناير، عندما رأي الجيل الذي قرر القيام بالثورة ولأول مرة في حياته الدبابات وهي تجوب الشوارع.
لم يكن هذا الاتصال التليفوني هو الملمح الوحيد لوجود المشير طنطاوي علي خريطة مبارك أيام الثورة.. فقد تكررت اللقاءات وتعددت.. حتي توقفت يوم 1 فبراير وقبل موقعة الجمل بساعات.. حيث تفرغ طنطاوي ومعه رئيس الأركان وبقية رجال المجلس العسكري لمتابعة الأمر علي أرض الواقع بعيدا عن غرف مؤسسة الرئاسة وجوها الخانق والملبد بالغيوم.
لم تكن اللقاءات كثيرة لكنها كانت كافية.. ويمكن أن نرصد منها
اللقاء الأول:مساء الجمعة 28 فبراير
كان لابد أن يتصرف مبارك، أعلن في خطابه قبل منتصف ليل 28 يناير أنه قبل استقالة الحكومة وسيشكل حكومة جديدة.
أخبر مبارك الفريق أحمد شفيق باختياره لتشكيل الوزارة الجديدة.. لكنه بذل محاولة لإبعاد المشير طنطاوي عن الجيش قبل أن يجلس مع شفيق، الذي ذهب لمقابلة الرئيس فوجده مجتمعا بطنطاوي، وهو ما جعله ينتظر خارج غرفة الاجتماع 45 دقيقة كاملة، لا يعرف علي وجه الدقة ما الذي يحدث في الداخل.. ولا ما الذي ينتظره هو شخصيا.
في الاجتماع عرض مبارك علي طنطاوي أن يكون نائبا للرئيس.. لكنه رفض.. فعرض عليه أن يشكل هو الحكومة الجديدة.. فواصل الرفض، فلم يكن من مبارك إلا أن ألقي بما لديه من أوراق.. قال له إنه سيكلف الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة، ومعني ذلك أنه سيكون وزيرا في وزارة يرأسها من هو أقل منه رتبة عسكرية.
لم يعبأ المشير بما قاله مبارك.. ولم يظهر له ضيقا مما قاله، فزاد مبارك وقال له: ولو حدث خلاف بينك وبينه فسوف أنحاز له هو.. لكن المشير أصر علي موقفه وعلي رفضه.
لم يكن عرض مبارك علي المشير منصبي النائب ورئيس الوزراء محاولة للإنقاذ، لكنه حتي النفس الأخير كان يحاول أن يمكن ابنه جمال من رقبة مصر.
كان مبارك يعرف أن الجيش لن يقف في صفه.. ولن يقمع المتظاهرين.. بسبب مواقفه السابقة الرافضة للتوريث والمتجهة إلي الفساد.. فأراد مبارك أن يحدث خلخلة في تركيبة الجيش، وكان مستعدا في حالة قبول طنطاوي أي من المنصبين أن يعين مكانه رئيس سلاح الحرس الجمهوري، أو يأتي بعسكري خرج من الخدمة - كما فعل قبل ذلك عندما أتي بيوسف صبري أبو طالب في أعقاب إبعاده لأبو غزالة - وبذلك يضمن أن علاقته بقواد الجيش ليست قوية.. فيستطيع أن يسيطر علي الكل.
رفض المشير طنطاوي كل ما عرضه عليه مبارك، لكن مبارك حاول توريطه من ناحية أخري.. فقد أراد أن يعينه في حكومة شفيق وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء.. علي الأقل ليكسب وده.. لكنه رفض وأجري اتصالا بزكريا عزمي بعد أن عرف ما يخطط له الرئيس، وقال له:اصرفوا نظر عن حكاية نائب رئيس وزراء دي.. وكفاية وزير دفاع.
اللقاء الثاني:صباح الأحد 30 يناير
بعد أن استقر مبارك علي التشكيل الوزاري تفرغ المشير طنطاوي- هو وأعضاء المجلس العسكري- لمتابعة ما يقوم به رجال القوات المسلحة.. كان مقرهم هو "ميم - 10".. وهي غرفة عمليات أديرت منها حروب سابقة.. وتقع تحت جبل المقطم.
كان المشير ورئيس الأركان يتابعان عبر الشاشات وقائع اليوم السادس للثورة، وفجأة جاءهما إخطار عاجل ملخصه أن الرئيس ونائبه عمر سليمان في الطريق إلي مركز العمليات.
بعد دقائق دخل مبارك إلي مركز العمليات، ويبدو أنه كان يخشي من اغتياله أو اعتقاله، لذلك جاء في سيارة مرسيدس مصفحة ضد الرصاص وضد دانات الدبابات والمدرعات.. كما أنه لم يخطر المشير بموعد وصوله إلا قبلها بدقائق.
لكن المفاجأة أن جمال مبارك كان في صحبة أبيه.
كان مبارك يدرك أن ظهور جمال في الصورة بأي شكل من الأشكال يمكن أن يكون مستفزا للجماهير الثائرة، لذلك طلب من المشير أن يصدر تعليماته بعدم إظهار صورة جمال في هذا اللقاء الذي سيبثه التليفزيون، وألا يظهر في الصورة الصحفية التي سترسل للصحف.
وبالفعل كانت المنصة التي ظهرت إعلاميا تضم من اليسار كلا من سامي عنان وإلي جواره عمر سليمان ثم الرئيس مبارك ثم المشير طنطاوي.. وخلفه بثلاثة صفوف كان يجلس جمال مبارك إلي جوار القادة العسكريين.
صورة واحدة فقط هي التي ظهر فيها المشير طنطاوي.. أما الصورة التليفزيونية فلم تلتفت إليه، واعتقد البعض أن الرئيس يريد أن يحجبه ليصور للعالم أنه لا يزال في الصورة.. لكن العلة كانت في جمال الذي كان مزعجا للجميع حتي اللحظة الأخيرة.
ذهاب مبارك إلي غرفة العمليات لم يكن قراره.. ولم تكن فكرته.. وطبقا للتقارير الإسرائيلية عما حدث أيام الثورة، فقد كانت هذه فكرة أصدقاء مبارك في الموساد حتي يرسل للعالم برسالة مفادها أنه لا يزال قويا وممسكا بالأمور.. وأن الجيش معه.
لم يستمر هذا اللقاء إلا عشر دقائق فقط.. بدا فيها مبارك مرتبكا.. طلب إطلاعه علي الموقف الميداني للقوات المسلحة في حماية المنشآت وتواجدها في الميادين والمناطق الرئيسية، وبالفعل أعطاه طنطاوي فكرة مختصرة عن الأوضاع.
لكن قبل أن ينصرف مبارك من مركز العمليات طلب من قائد السلاح الجوي تنفيذ الخطة "إرادة".. وهي خطة تقوم علي استخدام سلاح الطيران في تهديد المتظاهرين.. لكن المشير اعترض علي الخطة خوفا من فداحة الخسائر.. وطلب من الرئيس أن ينتظر قليلا ليعرف ما الذي يمكن أن تسفر عنه الأحداث.
وتقريبا كان هذا هو أول خلاف بين الرئيس والمشير.. فبعدها سار كل منهما في طريق، وإن لم يمنعهما الخلاف من اللقاء أكثر من مرة.. بل تبادل بعض المكالمات التليفونية.
اللقاء الثالث:صباح الاثنين 31 يناير
كان لابد أن يجتمع مبارك مع رجال حكومته الجديدة التي شكلها -علي عينه -الفريق أحمد شفيق.. وهي الحكومة التي خرج منها 15 وزيرا من بينهم رجال الأعمال.. وشلة جمال مبارك، لكنها لم تلق قبولا في الشارع.
عندما عرض مبارك علي شفيق أن يقوم بتشكيل الوزارة قال له استبعد من تشاء، لكن لا تستبعد اثنين فقط هما أحمد أبو الغيط وزير الخارجية والثاني ممدوح مرعي وزير العدل.
قبل أن يصل أحمد شفيق إلي بيته عائداً من لقاء مبارك.. وجد الرئيس يحدثه في أمر أنس الفقي.. قال له خذه معك في التشكيل الجديد، ممكن تخليه وزير شباب كما كان.. لم تمر سوي ساعات قليلة حتي كان قرار الرئيس أن يبقي أنس الفقي وزيرا للإعلام، ويبدو أن هذا كان بسبب ضغوط جمال مبارك الذي كان يري في أنس رجله المخلص الذي يمكن من خلاله أن يسيطر علي منظومة الإعلام ويوجهها إلي حيث يشاء.
حضر المشير طنطاوي هذا الاجتماع وكان صامتا طول الوقت، ويبدو أنه خرج منه حازما أمره فيما سوف يفعله، كان عمر سليمان موجودا في الاجتماع بصفته الجديدة كنائب لرئيس الجمهورية، في الاجتماع توصل طنطاوي إلي أن مبارك يعيش في غيبوبة ولا يعرف ماذا يدور خارج القاعة التي يعقد فيها اجتماعه.
بعد الاجتماع مباشرة قال لبعض مساعديه أن جمال وشلة المنتفعين لا ينقلون الصورة بشكلها الحقيقي لرئيس الدولة.. وهناك إصرار علي تصوير ما يجري علي أنه أعمال شغب مدفوعة من قوي خارجية وداخلية لاتريد الاستقرار لمصر.. وهو ما سيدفع بمبارك إلي التمسك بعناده ورفض الاستجابة لأي مطلب من مطالب المصريين.
اللقاء الرابع:ظهر الثلاثاء 1 فبراير
كانت مطالب الثوار في الميادين المختلفة تتصاعد.. وكان أن تصرف الجيش، وأصدر بيانه الأول مساء 31 يناير، وهو البيان الذي كان واضحا وحادا وحاسما في تحديد الانحيازات، فقد كانت بنوده علي النحو التالي:
أولا: إن القوات المسلحة علي علم ودراية بالمطالب المشروعة التي ينادي بها المواطنون الشرفاء.
ثانيا: إن الجيش يكفل حرية التعبير عن الرأي وحماية المسيرات السلمية طبقا لنص الدستور.
ثالثا: تحذر القوات المسلحة جميع الخارجين علي القانون الذين يعملون علي ترهيب المواطنين وترويع أمنهم، وتؤكد أنها ستستخدم ضدهم إجراءات صارمة بإحالتهم إلي محاكم عسكرية عاجلة.
رابعا: تطالب القوات المسلحة الأهالي، بالاستمرار في الحفاظ علي الممتلكات العامة والخاصة، من خلال استمرار تنظيم لجان المقاومة الشعبية التي قامت بدور فعال في القبض علي عدد من الخارجين علي القانون وتسليمهم للوحدات العسكرية المنتشرة في ربوع مصر.
خامسا: القوات المسلحة تؤكد أنها لن تستخدم العنف مع أبناء مصر الشرفاء مع ضمان حقهم في حرية التعبير السلمي عن رأيهم.
قبل إصدار البيان كانت هناك ترتيبات واضحة لتمريره إلي الرأي العام.. فقبله زار طنطاوي ميدان التحرير، ووقف يتحدث مع جنوده قائلا لهم:مصر تحتاجكم الآن.. وعمل الجيش علي إذاعة البيان بعيدا عن أنس الفقي، لأن القادة كانوا يعرفون أن أنس لن يذيعه، لانحيازه الواضح لجمال مبارك.. وهو ما خاطر به عبد اللطيف المناوي، الذي أذاع البيان علي مسئوليته -بعد أن حصل علي تسجيله من اللواء اسماعيل عتمان- في مبني التليفزيون.
بعد إذاعة البيان تأكد مبارك أن الجيش تخلي عنه.. انحاز إلي الشرعية التي يراها.. وهي شرعية الشعب.. لم يضع مبارك وقتا، اتصل زكريا عزمي رئيس الديوان بمكتب المشير وبمكتب رئيس الأركان ليخبرهما أن هناك لقاء مساء يوم الثلاثاء 1فبراير.
كان المشاركون في هذا اللقاء خمسة هم الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان.. ورئيس الوزراء أحمد شفيق ووزير الدفاع حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان.
بدا أن مبارك غاضب للغاية من البيان الذي صدر عن القيادة العليا للقوات المسلحة، فقد تحدث البيان بصراحة عن حماية المتظاهرين والتأكيد علي مشروعية مطالبهم وتفهمها.. لكن الغضب الذي يضمره مبارك أفرج عنه في صيغة عتاب فقط.
سأل مبارك طنطاوي عن سبب إصدار البيان؟
فرد المشير أن البيان يعكس موقف القوات المسلحة الأساسي والمبدئي، من رفض استخدام العنف ضد المتظاهرين، وأنه تأكيد علي موقف القوات المسلحة في حماية الوطن والشعب.
كان من رأي مبارك أن مثل هذا البيان سوف يشجع المتظاهرين علي الاستمرار في تظاهراتهم والإصرار علي رفع سقف مطالبهم، وأن ذلك ما كان يجب أن يتم دون التشاور مع رئيس الجمهورية والذي هو القائد الأعلي للقوات المسلحة في الوقت نفسه.
في هذه اللحظة تدخل سامي عنان في الحوار وتحدث عن مسئولية النظام السياسي فيما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، وما حدث في الانتخابات البرلمانية وما شابها من تزوير.. ولم يختم عنان كلامه إلا بقوله:لم يجد الناس من يسمع صوتهم أو يلبي مطالبهم.
وأكمل طنطاوي بما يريده، قال: إن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق أن يلبي الرئيس مطالب المتظاهرين، وأن تبدأ علي الفور خطوات جادة تقنع الناس بأن أبواب الإصلاح الحقيقية قد بدأت، وإلا فإن الأوضاع سوف تزداد تدهورا.
أدرك مبارك أن هناك اتفاقا بين وزير الدفاع ورئيس الأركان.. وأنه لن يستطيع أن يسيطر عليهما أو يجذبهما إلي صفه، وقد يكون في اللحظة التي انتهي فيها الاجتماع قرر أن يقصيهما عن منصبيهما، لكن بعد أن يتمكن من السيطرة علي المظاهرات، وهو ما حاوله في مساء نفس اليوم، عندما ألقي خطابا عاطفيا ربح به كثيرا، لكن ما حدث في اليوم التالي في موقعة الجمل أفقده تعاطف الجميع.. ومنح المتظاهرين في كل مكان تصميما علي أن يرحل مبارك الآن وليس غدا.
في هذا الاجتماع حدث أن طال اللقاء، للدرجة التي اعتقد معها أعضاء في المجلس العسكري أن المشير ورئيس الأركان تم اعتقالهما.. وبدأت الاستعدادات لمواجهة الموقف.. لكن بعد خروجهما من الاجتماع.. انتهت الاستعدادات وكأن شيئا لم يكن.
كان اللقاء الرابع بين طنطاوي ومبارك هو اللقاء الأخير.. فقد أدرك كل منهما أن بقاءه مرهون باختفاء الآخر، ولأن الجيش يملك القوة والشرعية ومساندة الشارع وتأييد الثوار.. فكان لابد أن يرحل مبارك، لذلك لم يكن غريبا ما نشرته «الواشنطن بوست» علي لسان "ليون بانيتا" مدير المخابرات المركزية الأمريكية، من أنه علي يقين من أن العسكريين المصريين قرروا إعفاء مبارك من منصبه قبل يوم توقيعه علي قرار التنحي.. فقد كانوا مسيطرين علي البلاد سواء وافق مبارك أو رفض.
لم يكن الصراع بين مبارك وطنطاوي صراع مصالح.. كان صراع بقاء.. وكان المشير ورجاله يعرفون أن مبارك إذا استرد قوته وسيطرته سينتقم من الجميع.. وعلي رأسهم رجال المجلس العسكري، لذلك لم يكن غريبا ما قاله سامي عنان في أحد اجتماعاته، مع بعض المثقفين: إنه لو كانت الثورة فشلت لأعدمنا وشنقنا جميعا وعلقنا علي باب زويلة.
الاتصال الأخير:صباح الجمعة 11 فبراير
انقطعت الاتصالات واللقاءات بين طنطاوي ومبارك.. ألح طنطاوي كثيرا علي عمر سليمان أن يحمل للرئيس طلبه بأن يتنحي ويترك الحكم، لكن اتصالا أخيرا جري بين الرجلين الكبيرين، تم تحديدا في الساعة الحادية عشرة والثلث.
كان مبارك هو من اتصل بالمشير طنطاوي.. لم يعاتبه.. لم يسأله في شيء.. لم يطلب منه شيئا، فقط قال له: «شيلها».
كانت الكلمة محيرة وملغزة، ولذلك سأل طنطاوي سليمان:الرئيس يقصد أيه؟.. هل سيستمر في السلطة.. هل سيذهب إلي شرم الشيخ في إجازة يعود بعدها إلي مهام وظيفته؟.. لكن سليمان كان حاسما وحازما وقاطعا، قال لطنطاوي:الرئيس سيتنحي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire